4119-
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك.
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم».
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( جُوَيْرِيَةُ ) بِالْجِيمِ مُصَغَّرٌ هُوَ عَمُّ عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهُ.
قَوْله : ( لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر ) كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ عِنْد الْبُخَارِيّ , وَوَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ عِنْد مُسْلِم " الظُّهْر " مَعَ اِتِّفَاق الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَلَى رِوَايَته عَنْ شَيْخ وَاحِد بِإِسْنَادٍ وَاحِد , وَقَدْ وَافَقَ مُسْلِمًا أَبُو يَعْلَى وَآخَرُونَ , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ اِبْن سَعْد عَنْ أَبِي عَتْبَان مَالِك بْن إِسْمَاعِيل عَنْ جُوَيْرِيَة بِلَفْظِ " الظُّهْر " وَابْن حِبَّان مِنْ طَرِيق أَبِي عَتْبَان كَذَلِكَ , وَلَمْ أَرَهُ مِنْ رِوَايَة جُوَيْرِيَة إِلَّا بِلَفْظِ " الظُّهْر " غَيْر أَنَّ أَبَا نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي حَفْص السِّلْمِيّ عَنْ جُوَيْرِيَة فَقَالَ : " الْعَصْر " وَأَمَّا أَصْحَاب الْمَغَازِي فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا الْعَصْر , قَالَ اِبْن إِسْحَق : لَمَّا اِنْصَرَفَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخَنْدَق رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَة أَتَاهُ جِبْرِيل الظُّهْر فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَسِير إِلَى بَنِي قُرَيْظَة , فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّن فِي النَّاس : مَنْ كَانَ سَامِعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة , وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " بِإِسْنَادٍ صَحِيح إِلَى الزُّهْرِيّّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك عَنْ عَمّه عَبِيد اللَّه بْن كَعْب " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ طَلَبِ الْأَحْزَاب وَجَمَعَ عَلَيْهِ اللَّأْمَة وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ : عَذِيرك مِنْ مُحَارِب , فَوَثَبَ فَزِعًا , فَعَزَمَ عَلَى النَّاس أَنْ لَا يُصَلُّوا الْعَصْر حَتَّى يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَة , قَالَ فَلَبِسَ النَّاس السِّلَاح فَلَمْ يَأْتُوا قُرَيْظَة حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس , قَالَ فَاخْتَصَمُوا عِنْد غُرُوب الشَّمْس فَصَلَّتْ طَائِفَة الْعَصْر وَتَرَكَتْهَا طَائِفَة وَقَالَتْ : إِنَّا فِي عَزْمَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْم , فَلَمْ يُعَنِّف وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ " وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه مَوْصُولًا بِذِكْرِ كَعْب بْن مَالِك فِيهِ , وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيق الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا نَحْوه مُطَوَّلًا وَفِيهِ " فَصَلَّتْ طَائِفَة إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَة إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا " وَهَذَا كُلّه يُؤَيِّد رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي أَنَّهَا الْعَصْر , وَقَدْ جَمَع بَعْض الْعُلَمَاء بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون بَعْضهمْ قَبْل الْأَمْر كَانَ صَلَّى الظُّهْر وَبَعْضهمْ لَمْ يُصَلِّهَا فَقِيلَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الظُّهْر وَلِمَنْ صَلَّاهَا لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر.
وَجَمَعَ بَعْضهمْ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون طَائِفَة مِنْهُمْ رَاحَتْ بَعْد طَائِفَة فَقِيلَ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى الظُّهْر وَقِيلَ لِلطَّائِفَةِ الَّتِي بَعْدهَا الْعَصْر , وَكِلَاهُمَا جَمْع لَا بَأْس بِهِ , لَكِنْ يُبْعِدهُ اِتِّحَاد مَخْرَج الْحَدِيث لِأَنَّهُ عِنْد الشَّيْخَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ بِإِسْنَادٍ وَاحِد مِنْ مَبْدَئِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ , فَيَبْعُد أَنْ يَكُون كُلّ مِنْ رِجَال إِسْنَاده قَدْ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ , إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَحَمَلَهُ وَاحِد مِنْهُمْ عَنْ بَعْض رُوَاته عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُوجَد ذَلِكَ.
ثُمَّ تَأَكَّد عِنْدِي أَنَّ الِاخْتِلَاف فِي اللَّفْظ الْمَذْكُور مِنْ حِفْظِ بَعْض رُوَاته فَإِنَّ سِيَاق الْبُخَارِيّ وَحْدَه مُخَالِف لِسِيَاقِ كُلّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء وَعَنْ عَمّه جُوَيْرِيَة , وَلَفْظ الْبُخَارِيّ " قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَد الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة , فَأَدْرَكَ بَعْضهمْ الْعَصْر فِي الطَّرِيق فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيهَا.
وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ نُصَلِّي , لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ.
فَذُكِر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّف وَاحِدًا مِنْهُمْ " وَلَفْظ مُسْلِم وَسَائِر مِنْ رَوَاهُ " نَادَى فِينَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم اِنْصَرَفَ عَنْ الْأَحْزَاب أَنَّ لَا يُصَلِّينَّ أَحَد الظُّهْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة , فَتَخَوَّف نَاس فَوْتَ الْوَقْت فَصَلَّوْا دُون بَنِي قُرَيْظَة , وَقَالَ آخَرُونَ : لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْت , قَالَ فَمَا عُنّف وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ " فَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ تَغَايُر اللَّفْظَيْنِ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء شَيْخ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيّ حَدَّثَ بِهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظ , وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبَاقِينَ حَدَّثَهُمْ بِهِ عَلَى اللَّفْظ الْأَخِير وَهُوَ اللَّفْظ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ جُوَيْرِيَّة , بِدَلِيلِ مُوَافَقَة أَبِي عِتْبَان لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّفْظ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيّ أَوْ أَنَّ الْبُخَارِيّ كَتَبَهُ مِنْ حِفْظه وَلَمْ يُرَاعِ اللَّفْظ كَمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبه فِي تَجْوِيز ذَلِكَ , بِخِلَافِ مُسْلِم فَإِنَّهُ يُحَافِظ عَلَى اللَّفْظ كَثِيرًا , وَإِنَّمَا لَمْ يَجُوز عَكْسُهُ لِمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَ مُسْلِمًا عَلَى لَفْظه بِخِلَافِ الْبُخَارِيّ , لَكِنْ مُوَافَقَة أَبِي حَفْص السُّلَمِيّ لَهُ تُؤَيِّد الِاحْتِمَال الْأَوَّل , وَهَذَا كُلّه مِنْ حَيْثُ حَدِيث اِبْن عُمَر , أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيث غَيْره فَالِاحْتِمَالَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي كَوْنه قَالَ الظُّهْر لِطَائِفَةِ وَالْعَصْر لِطَائِفَةِ مُتَّجَه فَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون رِوَايَة الظُّهْر هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا اِبْن عُمَر وَرِوَايَة الْعَصْر هِيَ الَّتِي سَمِعَهَا كَعْب بْن مَالِك وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْره.
فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفِقْه أَنَّهُ لَا يُعَاب عَلَى مِنْ أَخَذ بِظَاهِرِ حَدِيث أَوْ آيَة , وَلَا عَلَى مِنْ اِسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصّ مَعْنَى يُخَصّصْهُ , وَفِيهِ أَنَّ كُلّ مُخْتَلِفَيْن فِي الْفُرُوع مِنْ الْمُجْتَهِدَيْن مُصِيب , قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَلَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون الشَّيْء صَوَابًا فِي حَقّ إِنْسَان وَخَطَأ فِي حَقّ غَيْره وَإِنَّمَا الْمُحَال أَنْ يَحْكُم فِي النَّازِلَة بِحُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْن فِي حَقّ شَخْص وَاحِد , قَالَ : وَالْأَصْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَظْر وَالْإِبَاحَة صِفَات أَحْكَام لَا أَعْيَان قَالَ : فَكُلّ مُجْتَهِد وَافَقَ اِجْتِهَاده وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل فَهُوَ مُصِيب اِنْتَهَى.
وَالْمَشْهُور أَنَّ الْجُمْهُور ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْمُصِيب فِي الْقَطْعِيَّات وَاحِد , وَخَالَفَ الْجَاحِظ وَالْعَنْبَرِيّ.
وَأَمَّا مَا لَا قَطْع فِيهِ فَقَالَ الْجُمْهُور أَيْضًا : الْمُصِيب وَاحِد , وَقَدْ ذَكَر ذَلِكَ الشَّافِعِيّ وَقَرَّرَهُ , وَنُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيّ أَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب , وَأَنَّ حُكْم اللَّه تَابِع لِظَنِّ الْمُجْتَهِد.
وَقَالَ بَعْض الْحَنَفِيَّة وَبَعْض الشَّافِعِيَّة.
وَهُوَ مُصِيب بِاجْتِهَادِهِ , وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَا فِي نَفْس الْأَمْر فَهُوَ مُخْطِئ وَلَهُ أَجْر وَاحِد , وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
ثُمَّ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْقِصَّة عَلَى أَنَّ كُلّ مُجْتَهِد مُصِيب عَلَى الْإِطْلَاق لَيْسَ بِوَاضِحِ.
وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُ تَعْنِيف مَنْ بَذَل وُسْعَهُ وَاجْتَهَدَ , فَيُسْتَفَاد مِنْهُ عَدَم تَأْثِيمه.
وَحَاصِل مَا وَقَعَ فِي الْقِصَّة أَنَّ بَعْض الصَّحَابَة حَمَلُوا النَّهْي عَلَى حَقِيقَته , وَلَمْ يُبَالُوا بِخُرُوجِ الْوَقْت تَرْجِيحًا لِلنَّهْيِ الثَّانِي عَلَى النَّهْي الْأَوَّل وَهُوَ تَرْكُ تَأْخِير الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا , وَاسْتَدَلُّوا بِجَوَازِ التَّأْخِير لِمَنْ اُشْتُغِلَ بِأَمْرِ الْحَرْب بِنَظِيرِ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام بِالْخَنْدَقِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث جَابِر الْمُصَرِّح بِأَنَّهُمْ صَلَّوْا الْعَصْر بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْس وَذَلِك لِشَغْلِهِمْ بِأَمْرِ الْحَرْب , فَجَوَّزُوا أَنْ يَكُون ذَلِكَ عَامًّا فِي كُلّ شُغْل يَتَعَلَّق بِأَمْرِ الْحَرْب وَلَا سِيَّمَا وَالزَّمَان زَمَان التَّشْرِيع , وَالْبَعْض الْآخَر حَمَلُوا النَّهْي عَلَى غَيْر الْحَقِيقَة وَأَنَّهُ كِنَايَة عَنْ الْحَثّ وَالِاسْتِعْجَال وَالْإِسْرَاع إِلَى بَنِي قُرَيْظَة.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُور عَلَى عَدَم تَأْثِيم مِنْ اُجْتُهِدَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّف أَحَدًا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ , فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ إِثْم لَعَنّفَ مَنْ أَثِمَ , وَاسْتَدَلَّ بِهِ اِبْن حِبَّان عَلَى أَنَّ تَارِك الصَّلَاة حَتَّى يَخْرُج وَقْتهَا لَا يُكَفَّر , وَفِيهِ نَظَر لَا يَخْفَى.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ غَيْره عَلَى جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الدَّوَابّ فِي شِدَّة الْخَوْف , وَفِيهِ نَظَر قَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي بَاب صَلَاة الْخَوْف.
وَعَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَمَّد تَأْخِير الصَّلَاة حَتَّى يَخْرُج وَقْتهَا يَقْضِيهَا بَعْد ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا الْعَصْر صَلَّوْهَا بَعْد ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ عِنْد اِبْن إِسْحَاق أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فِي وَقْت الْعِشَاء , وَعِنْد مُوسَى بْن عُقْبة أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا بَعْد أَنْ غَابَتْ الشَّمْس , وَكَذَا فِي حَدِيث كَعْب بْن مَالِك , وَفِيهِ نَظَر أَيْضًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَخِّرُوهَا إِلَّا لِعُذْر تَأَوَّلُوهُ , وَالنِّزَاع إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَخَّرَ عَمْدًا بِغَيْرِ تَأْوِيل , وَأَغْرَب اِبْن الْمُنِير فَادَّعَى أَنَّ الطَّائِفَة الَّذِينَ صَلَّوْا الْعَصْر لَمَّا أَدْرَكَتْهُمْ فِي الطَّرِيق إِنَّمَا صَلَّوْهَا وَهُمْ عَلَى الدَّوَابّ , وَاسْتَنَدَ إِلَى أَنَّ النُّزُول إِلَى الصَّلَاة يُنَافِي مَقْصُود الْإِسْرَاع فِي الْوُصُول , قَالَ : فَإِنَّ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا عَمَدُوا بِالدَّلِيلِ الْخَاصّ وَهُوَ الْأَمْر بِالْإِسْرَاعِ فَتَرَكُوا عُمُوم إِيقَاع الْعَصْر فِي وَقْتهَا إِلَى أَنْ فَاتَ , وَاَلَّذِينَ صَلَّوْا جَمَعُوا بَيْن دَلِيلَيْ وُجُوب الصَّلَاة وَوُجُوب الْإِسْرَاع فَصَلَّوْا رُكْبَانًا , لِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا نُزُولًا لَكَانَ مُضَادَّة لِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْإِسْرَاع وَلَا يَظُنّ ذَلِكَ بِهِمْ مَعَ ثُقُوب أَفْهَامهمْ اِنْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح لَهُمْ بِتَرْكِ النُّزُول , فَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْمُرَاد بِأَمْرِهِمْ أَنْ لَا يُصَلُّوا الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة الْمُبَالَغَة فِي الْأَمْر بِالْإِسْرَاعِ فَبَادَرُوا إِلَى اِمْتِثَال أَمْرِهِ , وَخَصُّوا وَقْت الصَّلَاة مِنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَرّرَ عِنْدهمْ مِنْ تَأْكِيد أَمْرِهَا , فَلَا يَمْتَنِع أَنْ يَنْزِلُوا فَيُصَلُّوا وَلَا يَكُون فِي ذَلِكَ مُضَادَّة لِمَا أُمِرُوا بِهِ , وَدَعْوَى أَنَّهُمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا يَحْتَاج إِلَى دَلِيل وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فِي شَيْء مِنْ طُرُق هَذِهِ الْقِصَّة , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَحْث اِبْن بَطّالٍ فِي ذَلِكَ فِي " بَاب صَلَاة الْخَوْف ".
وَقَالَ اِبْن الْقَيِّم فِي الْهَدْي مَا حَاصِله : كُلّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مَأْجُور بِقَصْدِهِ , إِلَّا أَنَّ مَنْ صَلَّى حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ : اِمْتِثَال الْأَمْر فِي الْإِسْرَاع , وَامْتِثَال الْأَمْر فِي الْمُحَافَظَة عَلَى الْوَقْت وَلَا سِيَّمَا مَا فِي هَذِهِ الصَّلَاة بِعَيْنِهَا مِنْ الْحَثّ عَلَى الْمُحَافَظَة عَلَيْهَا وَأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ حَبَطَ عَمَله , وَإِنَّمَا لَمْ يُعَنِّف الَّذِينَ أَخَّرُوهَا لِقِيَامِ عُذْرهمْ فِي اِلْتَمَسَك بِظَاهِرِ الْأَمْر , وَلِأَنَّهُمْ اِجْتَهَدُوا فَأَخَّرُوا لِامْتِثَالِهِمْ الْأَمْر.
لَكِنّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا إِلَى أَنْ يَكُون اِجْتِهَادهمْ أَصْوَبُ مِنْ اِجْتِهَاد الطَّائِفَة الْأُخْرَى.
وَأَمَّا مَنْ اِحْتَجَّ لِمَنْ أَخَّرَ بِأَنَّ الصَّلَاة حِينَئِذٍ كَانَتْ تُؤَخَّر كَمَا فِي الْخَنْدَق وَكَانَ ذَلِكَ بَيّن فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَر لَمَّا قَالَ لَهُ مَا كِدْت أُصَلِّي الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس أَنْ تَغْرُب , فَقَالَ : وَاَللَّه مَا صَلَّيْتهَا.
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَاكِرًا لَهَا لَبَادَرَ إِلَيْهَا كَمَا صَنَعَ عُمَر اِنْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَأْخِير الصَّلَاة فِي الْخَنْدَق فِي كِتَاب الصَّلَاة بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَته.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ الْأَحْزَابِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ
عن أنس رضي الله عنه قال: «كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات، حتى افتتح قريظة والنضير، وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم...
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: «نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش، يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في ال...
عن البراء رضي الله عنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان: اهجهم أو هاجهم وجبريل معك» وزاد إبراهيم بن طهمان، عن الشيباني، عن عدي بن ثابت، عن ا...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع» قال ابن عباس: صلى النبي صلى ا...
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري، و...
عن صالح بن خوات، «عمن شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلى صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت...
عن سهل بن أبي حثمة قال: «يقوم الإمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو، وجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يقومون فيركعون...
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم».<br>