حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أردف النبي ﷺ بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة - صحيح البخاري

صحيح البخاري | سورة براءة باب قوله وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر (حديث رقم: 4656 )


4656- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعثني أبو بكر في تلك الحجة، في مؤذنين بعثهم يوم النحر، يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب، وأمره أن يؤذن ببراءة.
قال أبو هريرة: فأذن معنا علي يوم النحر في أهل منى ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.»

أخرجه البخاري

شرح حديث (أردف النبي ﷺ بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( بَعَثَنِي أَبُو بَكْر فِي تِلْكَ الْحَجَّة ) ‏ ‏فِي رِوَايَة صَالِح بْن كَيْسَانَ " الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْحَجَّة الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّة الْوَدَاع " وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن عَبَّاس قَالَ " بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ , وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيم لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ , فَخَرَجَ أَبُو بَكْر ".
‏ ‏قَوْله : ( يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِك ) ‏ ‏فِي رِوَايَة اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ عَنْ عَمّه فِي أَوَائِل الصَّلَاة " فِي مُؤَذِّنِينَ " أَيْ فِي جَمَاعَة مُؤَذِّنِينَ , وَالْمُرَاد بِالتَّأْذِينِ الْإِعْلَام , وَهُوَ اِقْتِبَاس مِنْ قَوْله تَعَالَى ( وَأَذَانٌ مِنْ اللَّه وَرَسُوله ) أَيْ إِعْلَامٌ.
وَقَدْ وَقَفْت مِمَّنْ سُمِّيَ مِمَّنْ كَانَ مَعَ أَبِي بَكْر فِي تِلْكَ الْحَجَّة عَلَى أَسْمَاء جَمَاعَة , مِنْهُمْ سَعْد اِبْن أَبِي وَقَّاصٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق الْحَكَم عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ قَالَ " بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر , فَلَمَّا اِنْتَهَيْنَا إِلَى ضَجْنَانَ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا ".
وَمِنْهُمْ جَابِر رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْر عَلَى الْحَجّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ ".
‏ ‏قَوْله : ( أَنْ لَا يَحُجَّ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَإِدْغَام النُّون فِي اللَّام قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي " مُشْكِل الْآثَار " هَذَا مُشْكِل , لِأَنَّ الْأَخْبَار فِي هَذِهِ الْقِصَّة تَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْر بِذَلِكَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ , فَكَيْفَ يَبْعَث أَبُو بَكْر أَبَا هُرَيْرَة وَمَنْ مَعَهُ لِلتَّأْذِينِ مَعَ صَرْف الْأَمْر عَنْهُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَعْلَى ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِمَا حَاصِله : أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ الْأَمِيرَ عَلَى النَّاس فِي تِلْكَ الْحَجَّة بِلَا خِلَاف , وَكَانَ عَلِيّ هُوَ الْمَأْمُور بِالتَّأْذِينِ بِذَلِكَ , وَكَأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُطِقْ التَّأْذِين بِذَلِكَ وَحْدَهُ وَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو بَكْر أَبَا هُرَيْرَة وَغَيْره لِيُسَاعِدُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيق الْمُحَرِّر بْن أَبِي هُرَيْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كُنْت مَعَ عَلِيّ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةِ إِلَى أَهْل مَكَّة , فَكُنْت أُنَادِي مَعَهُ بِذَلِكَ حَتَّى يَصْحَلَ صَوْتِي , وَكَانَ هُوَ يُنَادِي قَبْلِي حَتَّى يُعْيِي " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد أَيْضًا وَغَيْره مِنْ طَرِيق مُحَرِّر بْن أَبِي هُرَيْرَة.
فَالْحَاصِل أَنَّ مُبَاشَرَة أَبِي هُرَيْرَة لِذَلِكَ كَانَتْ بِأَمْرِ أَبِي بَكْر , وَكَانَ يُنَادِي بِمَا يُلْقِيهِ إِلَيْهِ عَلِيٌّ مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ.
‏ ‏قَوْله : ( بَعْدَ الْعَام ) ‏ ‏أَيْ بَعْدَ الزَّمَان الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِعْلَام بِذَلِكَ.
‏ ‏قَوْله : ( وَلَا يَطُوفَ ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْفَاءِ عَطْفًا عَلَى الْحَجّ.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ حُمَيْدٌ ) هُوَ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف ( ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيٍّ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٍ ) ‏ ‏هَذَا الْقَدْر مِنْ الْحَدِيث مُرْسَل , لِأَنَّ حُمَيْدًا لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ وَلَا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة , لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ إِرْسَال عَلِيٍّ مِنْ عِدَّة طُرُق : فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح عَنْ عَلِيّ قَالَ " بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر بِبَرَاءَةٍ إِلَى أَهْل مَكَّة وَبَعَثَهُ عَلَى الْمَوْسِم , ثُمَّ بَعَثَنِي فِي أَثَرِهِ , فَأَدْرَكْته فَأَخَذْتهَا مِنْهُ , فَقَالَ أَبُو بَكْر : مَا لِي ؟ قَالَ : خَيْر , أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَار وَصَاحِبِي عَلَى الْحَوْض , غَيْر أَنَّهُ لَا يُبَلِّغ عَنِّي غَيْرِي , أَوْ رَجُل مِنِّي " وَمِنْ طَرِيق عَمْرو بْن عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيد مِثْلُهُ , وَمِنْ طَرِيق الْعُمَرِيّ عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر كَذَلِكَ , وَرَوَى التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث مِقْسَمٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْلُهُ مُطَوَّلًا وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِع نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ , فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ : " إِنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيهَا عَنْك إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْك " وَرَوَى التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ " بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَة مَعَ أَبِي بَكْر , ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ وَقَالَ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُل مِنْ أَهْلِي " وَهَذَا يُوَضِّحُ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيث الْآخَر " لَا يُبَلِّغ عَنِّي " وَيُعْرَف مِنْهُ أَنَّ الْمُرَاد خُصُوص الْقِصَّة الْمَذْكُورَة لَا مُطْلَق التَّبْلِيغ , وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق عَنْ زَيْد بْن يُثَيْعٍ قَالَ " سَأَلْت عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْء بُعِثْت ؟ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة , وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ , وَلَا يَجْتَمِع مُسْلِم مَعَ مُشْرِك فِي الْحَجّ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا , وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْد فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ " وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْكَلَام الْأَخِير عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) يَخْتَصّ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد مُؤَقَّت أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد أَصْلًا , وَأَمَّا مَنْ لَهُ عَهْد مُؤَقَّت فَهُوَ إِلَى مُدَّته , فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن إِسْحَاق قَالَ : هُمْ صِنْفَانِ , صِنْف كَانَ لَهُ عَهْد دُونَ أَرْبَعَة أَشْهُر فَأُمْهِلَ إِلَى تَمَام أَرْبَعَة أَشْهُر , وَصِنْف كَانَتْ لَهُ عَهْده بِغَيْرِ أَجَلٍ فَقُصِرَتْ عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر أَجَل مَنْ كَانَ لَهُ عَهْد بِقَدْرِهَا أَوْ يَزِيد عَلَيْهَا , وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْد فَانْقِضَاؤُهُ إِلَى سَلْخ الْمُحْرِم لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وَمِنْ طَرِيق عَبِيدَةَ بْن سَلْمَانَ سَمِعْت الضَّحَّاك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ فَنَزَلَتْ بَرَاءَة فَنَبَذَ إِلَى كُلّ أَحَدٍ عَهْدَهُ وَأَجَّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ فَأَجَلُهُ اِنْقِضَاءُ الْأَشْهُر الْحُرُم.
وَمِنْ طَرِيق السُّدِّيِّ نَحْوه.
وَمِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ : كَانَ أَوَّل الْأَرْبَعَة أَشْهُر عِنْدَ نُزُول بَرَاءَة فِي شَوَّال , فَكَانَ آخِرهَا آخَر الْمُحَرَّم.
فَبِذَلِكَ يُجْمَع بَيْنَ ذِكْر الْأَرْبَعَة أَشْهُر وَبَيْنَ قَوْله : ( فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وَاسْتَبْعَدَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ بُلُوغَهُمْ الْخَبَرَ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَمَا وَقَعَ النِّدَاء بِهِ فِي ذِي الْحِجَّة فَكَيْف يُقَال لَهُمْ سِيحُوا أَرْبَعَة أَشْهُر وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا دُونَ الشَّهْرَيْنِ ؟ ثُمَّ أُسْنِدَ عَنْ السُّدِّيِّ وَغَيْر وَاحِد التَّصْرِيح بِأَنَّ تَمَام الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر فِي رَبِيع الْآخِر.
‏ ‏قَوْله : ( أَنْ يُؤَذِّن بِبَرَاءَةٍ ) يَجُوز فِيهِ التَّنْوِين بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَة وَبِالْجَرِّ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَامَة الْجَرّ فَتْحَة وَهُوَ الثَّابِت فِي الرِّوَايَات.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيّ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْده " قَالَ أَبُو بَكْر فَأَذَّنَ مَعَنَا " وَهُوَ غَلَط فَاحِش مُخَالِف لِرِوَايَةِ الْجَمِيع , وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أَبِي هُرَيْرَة قَطْعًا , فَهُوَ الَّذِي كَانَ يُؤَذِّن بِذَلِكَ.
وَذَكَرَ عِيَاض أَنَّ أَكْثَر رُوَاة الْفَرَبْرِيِّ وَافَقُوا الْكُشْمِيهَنِيّ , قَالَ : وَهُوَ غَلَط.
‏ ‏قَوْله : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيّ ) هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور , وَكَأَنَّ حُمَيْدَ بْن عَبْد الرَّحْمَن حَمَلَ قِصَّة تَوَجُّهِ عَلِيّ مِنْ الْمَدِينَة إِلَى أَنْ لَحِقَ أَبَا بَكْر عَنْ غَيْر أَبِي هُرَيْرَة , وَحَمَلَ بَقِيَّة الْقِصَّة كُلّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة.
‏ ‏وَقَوْله : ( فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيّ فِي أَهْل مِنًى يَوْمَ النَّحْر إِلَخْ ) ‏ ‏قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : فِيهِ إِشْكَال , لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٍ , فَكَيْف يُؤَذِّن بِأَنْ لَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِك ؟ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ أَذَّنَ بِبَرَاءَةٍ وَمِنْ جُمْلَة مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِك , مِنْ قَوْله تَعَالَى فِيهَا ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَمَرَ أَنْ يُؤَذِّن بِبَرَاءَةٍ وَبِمَا أُمِرَ أَبُو بَكْر أَنْ يُؤَذِّن بِهِ أَيْضًا.
قُلْت : وَفِي قَوْله يُؤَذِّن بِبَرَاءَةٍ تَجَوُّزٌ , لِأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّن بِبِضْعٍ وَثَلَاثِينَ آيَةً مُنْتَهَاهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) فَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي مَعْشَر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب وَغَيْره قَالَ " بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ سَنَة تِسْعٍ , وَبَعَثَ عَلِيًّا بِثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ بَرَاءَة " وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي الصَّهْبَاء قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر , فَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْر يُقِيم لِلنَّاسِ الْحَجّ , وَبَعَثَنِي بَعْدَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَة مِنْ بَرَاءَة , حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَخَطَبَ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : يَا عَلِيّ قُمْ فَأَدِّ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْت فَقَرَأْت أَرْبَعِينَ آيَة مِنْ أَوَّل بَرَاءَة , ثُمَّ صَدَرْنَا حَتَّى رَمَيْت الْجَمْرَة , فَطَفِقْت أَتَتَبَّع بِهَا الْفَسَاطِيطَ أَقْرَؤُهَا عَلَيْهِمْ , لِأَنَّ الْجَمِيع لَمْ يَكُونُوا حَضَرُوا خُطْبَة أَبِي بَكْر يَوْمَ عَرَفَةَ ".
‏ ‏قَوْله : ( وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِك ) ‏ ‏هُوَ مُنْتَزَع مِنْ قَوْله تَعَالَى ( فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) وَالْآيَة صَرِيحَة فِي مَنْعهمْ دُخُول الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَوْ لَمْ يَقْصِدُوا الْحَجّ , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَجّ هُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم صَرَّحَ لَهُمْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ فَيَكُون مَا وَرَاءَهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ , وَالْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام هُنَا الْحَرَمُ كُلُّهُ , وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْحَاق فِي مُسْنَده النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ كِلَاهُمَا عَنْهُ وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ " حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ عُمْرَة الْجِعِرَّانَة بَعَثَ أَبَا بَكْر عَلَى الْحَجّ , فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ , فَسَمِعَ رَغْوَة نَاقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا عَلِيّ عَلَيْهَا , فَقَالَ لَهُ : أَمِير أَوْ رَسُول ؟ فَقَالَ : بَلْ أَرْسَلَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةٍ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاس , فَقَدِمْنَا مَكَّةَ , فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرَوِّيَة بِيَوْمٍ قَامَ أَبُو بَكْر فَخَطَبَ النَّاس بِمَنَاسِكِهِمْ , حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيّ فَقَرَأَ عَلَى النَّاس بَرَاءَة حَتَّى خَتَمَهَا , ثُمَّ كَانَ يَوْم النَّحْر كَذَلِكَ , ثُمَّ يَوْم النَّفَر كَذَلِكَ " فَيُجْمَعُ بِأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَهَا كُلّهَا فِي الْمَوَاطِن الثَّلَاثَة , وَأَمَّا فِي سَائِر الْأَوْقَات فَكَانَ يُؤَذِّن بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَة أَنْ لَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَام مُشْرِك إِلَخْ , وَكَانَ يَسْتَعِين بِأَبِي هُرَيْرَة وَغَيْره فِي الْأَذَان بِذَلِكَ , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث مِقْسَمٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس عِنْدَ التِّرْمِذِيّ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا بَكْر " الْحَدِيث وَفِيهِ " فَقَامَ عَلِيّ أَيَّام التَّشْرِيق فَنَادَى : ذِمَّة اللَّه وَذِمَّة رَسُوله بَرِيئَة مِنْ كُلّ مُشْرِك , فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر , وَلَا يَحُجَّن بَعْدَ الْعَام مُشْرِك , وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَان , وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا مُؤْمِن , فَكَانَ عَلِيّ يُنَادِي بِهَا , فَإِذَا بُحَّ قَامَ أَبُو هُرَيْرَة فَنَادَى بِهَا.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَن عَنْ أَنَس " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِبَرَاءَةٍ مَعَ أَبِي بَكْر , فَلَمَّا بَلَغَ ذَا الْحُلَيْفَةِ قَالَ : لَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْتِي , فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيّ " قَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن غَرِيب.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث يَعْلَى عِنْدَ أَحْمَد " لَمَّا نَزَلَتْ عَشْر آيَات مِنْ بَرَاءَة بَعَثَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي بَكْر لِيَقْرَأهَا عَلَى أَهْل مَكَّة , ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ : أَدْرِكْ أَبَا بَكْر فَحَيْثُمَا لَقِيته فَخُذْ مِنْهُ الْكِتَاب , فَرَجَعَ أَبُو بَكْر فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه نَزَلَ فِيَّ شَيْء ؟ فَقَالَ لَا , إِلَّا أَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ - أَوْ لَكِنْ جِبْرِيل قَالَ لَا يُؤَدِّي - عَنْك إِلَّا أَنْتَ أَوْ رَجُل مِنْك " قَالَ الْعِمَاد بْن كَثِير : لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ أَبَا بَكْر رَجَعَ مِنْ فَوْره , بَلْ الْمُرَاد رَجَعَ مِنْ حَجَّته , قُلْت : وَلَا مَانِع مِنْ حَمْله عَلَى ظَاهِره لِقُرْبِ الْمَسَافَة , وَأَمَّا قَوْله عَشْر آيَات فَالْمُرَاد أَوَّلهَا ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ‏


حديث بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏عُقَيْلٌ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ ‏ ‏فَأَخْبَرَنِي ‏ ‏حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏بَعَثَنِي ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي الْمُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ ‏ ‏بِمِنًى ‏ ‏أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ ‏ ‏بِالْبَيْتِ ‏ ‏عُرْيَانٌ قَالَ ‏ ‏حُمَيْدٌ ‏ ‏ثُمَّ ‏ ‏أَرْدَفَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏ ‏فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ ‏ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏فَأَذَّنَ مَعَنَا ‏ ‏عَلِيٌّ ‏ ‏فِي أَهْلِ ‏ ‏مِنًى ‏ ‏يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ ‏ ‏بِالْبَيْتِ ‏ ‏عُرْيَانٌ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

بعثه يؤذن في الناس أن لا يحجن بعد العام مشرك ولا ي...

عن أبي هريرة «أن أبا بكر - رضي الله عنه - بعثه، في الحجة التي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها قبل حجة الوداع، في رهط، يؤذن في الناس: أن ل...

ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المناف...

عن ‌زيد بن وهب قال: كنا عند ‌حذيفة فقال: «ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة.<br> فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد - صلى الل...

يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع».<br>

ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب

عن ‌زيد بن وهب قال: «مررت على أبي ذر بالربذة، فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشأم، فقرأت: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله...

السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات

عن ‌أبي بكرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث...

لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا فقال ما ظنك باثنين الله...

عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: «كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قا...

أبوه الزبير وأمه أسماء وخالته عائشة وجده أبو بكر...

عن ‌ابن عباس - رضي الله عنهما -: «أنه قال حين وقع بينه وبين ابن الزبير: قلت: أبوه الزبير، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وجده أبو بكر، وجدته صفية،» فقلت لس...

إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين وإني والله...

قال ‌ابن أبي مليكة : وكان بينهما شيء، «فغدوت على ابن عباس، فقلت: أتريد أن تقاتل ابن الزبير، فتحل حرم الله؟ فقال: معاذ الله، إن الله كتب ابن الزبير وبن...

لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر ولهم...

عن ‌عمر بن سعيد قال: أخبرني ‌ابن أبي مليكة : «دخلنا على ابن عباس فقال: ألا تعجبون لابن الزبير، قام في أمره هذا، فقلت: لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي...