4997-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل، كان أجود بالخير من الريح المرسلة».
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ الزُّهْرِيِّ ) تَقَدَّمَ فِي الصِّيَام مِنْ وَجْه آخَر عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد قَالَ أَنْبَأَنَا الزُّهْرِيُّ , وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد سَمِعَ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَمِنْ صَالِح بْن كَيْسَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ , وَرِوَايَته عَلَى الصِّفَتَيْنِ تَكَرَّرَتْ فِي هَذَا الْكِتَاب كَثِيرًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَوَائِد حَدِيث اِبْن عَبَّاس هَذَا فِي بَدْء الْوَحْي فَنَذْكُر هُنَا نُكَتًا مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّم.
قَوْله ( كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَد النَّاس ) فِيهِ اِحْتِرَاس بَلِيغ لِئَلَّا يُتَخَيَّل مِنْ قَوْله " وَأَجْوَد مَا يَكُون فِي رَمَضَان " أَنَّ الْأَجْوَدِيَّة خَاصَّة مِنْهُ بِرَمَضَان فِيهِ فَأَثْبَتَ لَهُ الْأَجْوَدِيَّة الْمُطْلَقَة أَوَّلًا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا زِيَادَة ذَلِكَ فِي رَمَضَان.
قَوْله : ( وَأَجْوَد مَا يَكُون فِي رَمَضَان ) تَقَدَّمَ فِي بَدْء الْوَحْي مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ " وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُون فِي رَمَضَان " وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُور فِي ضَبْط أَجْوَد أَنَّهُ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ النَّصْب مُوَجَّه , وَهَذِهِ.
الرِّوَايَة مِمَّا تُؤَيِّد الرَّفْع.
قَوْله : ( لِأَنَّ جِبْرِيل كَانَ يَلْقَاهُ ) فِيهِ بَيَان سَبَب الْأَجْوَدِيَّة الْمَذْكُورَة , وَهِيَ أَبْيَن مِنْ الرِّوَايَة الَّتِي فِي بَدْء الْوَحْي بِلَفْظِ " وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكُون فِي رَمَضَان حِين يَلْقَاهُ جِبْرِيل ".
قَوْله : ( فِي كُلّ لَيْلَة فِي شَهْر رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ ) أَيْ رَمَضَان , وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهُ كَانَ يَلْقَاهُ كَذَلِكَ فِي كُلّ رَمَضَان مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَاتِ الْهِجْرَة , وَإِنْ كَانَ صِيَام شَهْر رَمَضَان إِنَّمَا فُرِضَ بَعْد الْهِجْرَة لِأَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى رَمَضَان قَبْل أَنْ يُفْرَض صِيَامه.
قَوْله : ( يَعْرِض عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن ) هَذَا عَكْس مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَة لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يَعْرِض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِض عَلَى جِبْرِيل , وَتَقَدَّمَ فِي بَدْء الْوَحْي بِلَفْظِ " وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلّ لَيْلَة مِنْ رَمَضَان فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن " فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَعْرِض عَلَى الْآخَر , وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة آخِر أَحَادِيث الْبَاب كَمَا سَأُوَضِّحُهُ.
وَفِي الْحَدِيث إِطْلَاق الْقُرْآن عَلَى بَعْضه وَعَلَى مُعْظَمه , لِأَنَّ أَوَّل رَمَضَان مِنْ بَعْد الْبَعْثَة لَمْ يَكُنْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن إِلَّا بَعْضه , ثُمَّ كَذَلِكَ كُلّ رَمَضَان بَعْده , إِلَى رَمَضَان الْأَخِير فَكَانَ قَدْ نَزَلَ كُلّه إِلَّا مَا تَأَخَّرَ نُزُوله بَعْد رَمَضَان الْمَذْكُور , وَكَانَ فِي سَنَة عَشْر إِلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيع الْأَوَّل سَنَة إِحْدَى عَشْرَة , وَمِمَّا نَزَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّة قَوْله تَعَالَى ( الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ ) فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْم عَرَفَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَاب , وَكَأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام لَمَّا كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَقَدَّمَ اُغْتُفِرَ أَمْر مُعَارَضَته , فَيُسْتَفَاد مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآن يُطْلَق عَلَى الْبَعْض مَجَازًا , وَمِنْ ثَمَّ لَا يَحْنَث مَنْ حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآن فَقَرَأَ بَعْضه , إِلَّا إِنْ قَصَدَ الْجَمِيع.
وَاخْتُلِفَ فِي الْعَرْضَة الْأَخِيرَة هَلْ كَانَتْ بِجَمِيعِ الْأَحْرُف الْمَأْذُون فِي قِرَاءَتهَا أَوْ بِحَرْفٍ وَاحِد مِنْهَا ؟ وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ هُوَ الْحَرْف الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَان جَمِيع النَّاس أَوْ غَيْره ؟ وَقَدْ رَوَى أَحْمَد وَابْن أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق عُبَيْدَة بْن عَمْرو السَّلْمَانِيِّ " أَنَّ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَان النَّاس يُوَافِق الْعَرْضَة الْأَخِيرَة " وَمِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ " كَانَ جِبْرِيل يُعَارِض النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ - الْحَدِيث نَحْو حَدِيث اِبْن عَبَّاس وَزَادَ فِي آخِره - : فَيَرَوْنَ أَنَّ قِرَاءَتنَا أَحْدَث الْقِرَاءَات عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَة ".
وَعِنْد الْحَاكِم نَحْوه مِنْ حَدِيث سَمُرَة وَإِسْنَاده حَسَن , وَقَدْ صَحَّحَهُ هُوَ وَلَفْظه " عُرِضَ الْقُرْآن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْضَات , وَيَقُولُونَ إِنَّ قِرَاءَتنَا هَذِهِ هِيَ الْعَرْضَة الْأَخِيرَة " وَمِنْ طَرِيق مُجَاهِد " عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَيّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ كَانَ آخِر الْقِرَاءَة ؟ قَالُوا : قِرَاءَة زَيْد بْنِ ثَابِت , فَقَالَ : لَا , إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِض الْقُرْآن كُلّ سَنَة عَلَى جِبْرِيل , فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَة الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عَرَضَهُ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ وَكَانَتْ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود آخِرهمَا " وَهَذَا يُغَايِر حَدِيث سَمُرَة وَمَنْ وَافَقَهُ , وَعِنْد مُسَدَّد فِي مُسْنَده مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ " أَنَّ اِبْن عَبَّاس سَمِعَ رَجُلًا يَقُول : الْحَرْف الْأَوَّل , فَقَالَ : مَا الْحَرْف الْأَوَّل ؟ قَالَ إِنَّ عُمَر بَعَثَ اِبْن مَسْعُود إِلَى الْكُوفَة مُعَلِّمًا فَأَخَذُوا بِقِرَاءَتِهِ فَغَيَّرَ عُثْمَان الْقِرَاءَة , فَهُمْ يَدْعُونَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود الْحَرْف الْأَوَّل , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهُ لَآخِر حَرْف عَرَضَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيل " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ " قَالَ لِي اِبْن عَبَّاس : أَيّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَأ ؟ قُلْت : الْقِرَاءَة الْأُولَى قِرَاءَة اِبْن أُمّ عَبْد - يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود - قَالَ : بَلْ هِيَ الْأَخِيرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِض عَلَى جِبْرِيل - الْحَدِيث وَفِي آخِره - فَحَضَرَ ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود فَعَلِمَ مَا نُسِخَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا بُدِّلَ " وَإِسْنَاده صَحِيح , وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْن الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ تَكُون الْعَرْضَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ وَقَعَتَا بِالْحَرْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.
فَيَصِحّ إِطْلَاق الْآخِرِيَّة عَلَى كُلّ مِنْهُمَا.
قَوْله : ( أَجْوَد بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيح الْمُرْسَلَة ) فِيهِ جَوَاز الْمُبَالَغَة فِي التَّشْبِيه , وَجَوَاز تَشْبِيه الْمَعْنَوِيّ بِالْمَحْسُوسِ لِيَقْرَب لِفَهْمِ سَامِعه , وَذَلِكَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ أَوَّلًا وَصْف الْأَجْوَدِيَّة , ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَصِفهُ بِأَزْيَد مِنْ ذَلِكَ فَشَبَّهَ جُوده بِالرِّيحِ الْمُرْسَلَة , بَلْ جَعَلَهُ أَبْلَغ فِي ذَلِكَ مِنْهَا , لِأَنَّ الرِّيح قَدْ تَسْكُن.
وَفِيهِ الِاحْتِرَاس لِأَنَّ الرِّيح مِنْهَا الْعَقِيم الضَّارَّة وَمِنْهَا الْمُبَشِّرَة بِالْخَيْرِ فَوَصَفَهَا بِالْمُرْسَلَةِ لِيُعَيِّن الثَّانِيَة , وَأَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْرًا ) ( وَاَللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح ) وَنَحْو ذَلِكَ , فَالرِّيح الْمُرْسَلَة تَسْتَمِرّ مُدَّة إِرْسَالهَا , وَكَذَا كَانَ عَمَله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان دِيمَة لَا يَنْقَطِع , وَفِيهِ اِسْتِعْمَال أَفْعَل التَّفْضِيل فِي الْإِسْنَاد الْحَقِيقِيّ وَالْمَجَازِيّ , لِأَنَّ الْجُود مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَة وَمِنْ الرِّيح مَجَاز فَكَأَنَّهُ اِسْتَعَارَ لِلرِّيحِ جُودًا بِاعْتِبَارِ مَجِيئِهَا بِالْخَيْرِ فَأَنْزَلَهَا مَنْزِلَة مَنْ جَادَ , وَفِي تَقْدِيم مَعْمُول أَجْوَد عَلَى الْمُفَضَّل عَلَيْهِ نُكْتَة لَطِيفَة , وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُ لَظُنَّ تَعَلُّقه بِالْمُرْسَلَةِ , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَيَّر بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَاد بِالْوَصْفِ مِنْ الْأَجْوَدِيَّة إِلَّا أَنَّهُ تَفُوت فِيهِ الْمُبَالَغَة لِأَنَّ الْمُرَاد وَصْفه بِزِيَادَةِ الْأَجْوَدِيَّة عَلَى الرِّيح الْمُرْسَلَة مُطْلَقًا.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا سَبَقَ تَعْظِيم شَهْر رَمَضَان لِاخْتِصَاصِهِ بِابْتِدَاءِ نُزُول الْقُرْآن فِيهِ , ثُمَّ مُعَارَضَته مَا نَزَلَ مِنْهُ فِيهِ , وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ كَثْرَة , نُزُول جِبْرِيل فِيهِ.
وَفِي كَثْرَة نُزُوله مِنْ تَوَارُد الْخَيْرَات وَالْبَرَكَات مَا لَا يُحْصَى , وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ فَضْل الزَّمَان إِنَّمَا يَحْصُل بِزِيَادَةِ الْعِبَادَة.
وَفِيهِ أَنَّ مُدَاوَمَة التِّلَاوَة تُوجِب زِيَادَة الْخَيْر.
وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَكْثِير الْعِبَادَة فِي آخِر الْعُمُر , وَمُذَاكَرَة الْفَاضِل بِالْخَيْرِ وَالْعِلْم وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّذْكِرَة وَالِاتِّعَاظ.
وَفِيهِ أَنَّ لَيْل رَمَضَان أَفْضَل مِنْ نَهَاره , وَأَنَّ الْمَقْصُود مِنْ التِّلَاوَة الْحُضُور وَالْفَهْم لِأَنَّ اللَّيْل مَظِنَّة ذَلِكَ لِمَا فِي النَّهَار مِنْ الشَّوَاغِل وَالْعَوَارِض الدُّنْيَوِيَّة وَالدِّينِيَّة , وَيَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَسِّم مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآن فِي كُلّ سَنَة عَلَى لَيَالِي رَمَضَان أَجْزَاء فَيَقْرَأ كُلّ لَيْلَة جُزْءًا فِي جُزْء مِنْ اللَّيْلَة , وَالسَّبَب فِي ذَلِكَ مَا كَانَ يَشْتَغِل بِهِ فِي كُلّ لَيْلَة مِنْ سِوَى ذَلِكَ مِنْ تَهَجُّد بِالصَّلَاةِ وَمِنْ رَاحَة بَدَن وَمِنْ تَعَاهُد أَهْل , وَلَعَلَّهُ كَانَ يُعِيد ذَلِكَ الْجُزْء مِرَارًا بِحَسَبِ تَعَدُّد الْحُرُوف الْمَأْذُون فِي قِرَاءَتهَا وَلِتَسْتَوْعِب بَرَكَة الْقُرْآن جَمِيع الشَّهْر , وَلَوْلَا التَّصْرِيح بِأَنَّهُ كَانَ يَعْرِضهُ مَرَّة وَاحِدَة وَفِي السَّنَة الْأَخِيرَة عَرَضَهُ مَرَّتَيْنِ لَجَازَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِض جَمِيع مَا نَزَلَ عَلَيْهِ كُلّ لَيْلَة ثُمَّ يُعِيدهُ فِي بَقِيَّة اللَّيَالِي.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْد مِنْ طَرِيق دَاوُدَ بْن أَبِي هِنْد قَالَ : قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : قَوْله تَعَالَى ( شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن ) أَمَا كَانَ يَنْزِل عَلَيْهِ فِي سَائِر السَّنَة ؟ قَالَ : بَلَى.
وَلَكِنْ جِبْرِيل كَانَ يُعَارِض مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان مَا أَنْزَلَ اللَّه فَيُحْكِم اللَّه مَا يَشَاء وَيُثْبِت مَا يَشَاء.
فَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى الْحِكْمَة فِي التَّقْسِيط الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ لِتَفْصِيلِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُحْكَم وَالْمَنْسُوخ.
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ " فَيُدَارِسهُ الْقُرْآن " فَإِنَّ ظَاهِره أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَقْرَأ عَلَى الْآخَر , وَهِيَ مُوَافَقَة لِقَوْلِهِ " يُعَارِضهُ " فَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ زَمَانًا زَائِدًا عَلَى مَا لَوْ قَرَأَ الْوَاحِد , وَلَا يُعَارِض ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى ) إِذَا قُلْنَا إِنَّ " لَا " نَافِيَة كَمَا هُوَ الْمَشْهُور وَقَوْل الْأَكْثَر , لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَقْرَأَهُ فَلَا يَنْسَى مَا أَقْرَأَهُ , وَمِنْ جُمْلَة الْإِقْرَاء مُدَارَسَة جِبْرِيل , أَوْ الْمُرَاد أَنَّ الْمَنْفِيّ بِقَوْلِهِ : ( فَلَا تَنْسَى ) النِّسْيَان الَّذِي لَا ذِكْر بَعْده لَا النِّسْيَان الَّذِي يَعْقُبهُ الذِّكْر فِي الْحَال حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ نَسِيَ شَيْئًا فَإِنَّهُ يُذَكِّرهُ إِيَّاهُ فِي الْحَال , وَسَيَأْتِي مَزِيد بَيَان لِذَلِكَ فِي " بَاب نِسْيَان الْقُرْآن " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّة فَوَائِد حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي بَدْء الْوَحْي.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
عن أبي هريرة قال: «كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض، وكان يعتكف كل عام عشرا، فاعتكف عشرين ف...
عن مسروق: «ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة، من عبد الله بن مسعود،...
عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: «والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله ع...
عن علقمة قال: «كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت، قال:قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت، ووجد منه ريح الخمر...
عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله: إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله، إل...
حدثنا قتادة قال: «سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل...
عن أنس قال: «مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه».<br>
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر : «أبي أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبي»، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء...
عن أبي سعيد بن المعلى قال: «كنت أصلي، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله: {استجيبوا لله ول...