حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب فضائل القرآن باب استذكار القرآن وتعاهده (حديث رقم: 5032 )


5032- عن ‌عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نسي، واستذكروا القرآن، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم».
حدثنا ‌عثمان، حدثنا ‌جرير، عن ‌منصور مثله.
تابعه بشر عن ابن المبارك عن شعبة.
وتابعه ابن جريج، عن عبدة، عن شقيق: سمعت عبد الله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري


أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها باب فضائل القرآن وما يتعلق به رقم 790 (كيت وكيت) لفظ يعبر به عن الجمل الكثيرة والكلام الطويل.
(نسي) عوتب بالنسيان لتفريطه في تلاوته ودراسته.
(استذكروا القرآن) واظبوا على تلاوته وتذاكروه.
(تفصيا) تخلصا وانفلاتا.
(النعم) الإبل

شرح حديث (استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم )

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَرْعَرَة ) ‏ ‏بِعَيْنِ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة وَرَاء سَاكِنَة مُكَرَّرَتَيْنِ , وَمَنْصُور هُوَ اِبْن الْمُعْتَمِر , وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بْن سَلَمَة , وَعَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود , وَسَيَأْتِي فِي الرِّوَايَة الْمُعَلَّقَة التَّصْرِيح بِسَمَاعِ شَقِيق لَهُ مِنْ اِبْن مَسْعُود.
‏ ‏قَوْله : ( بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُول ) ‏ ‏قَالَ الْقُرْطُبِيّ : بِئْسَ هِيَ أُخْت نِعْمَ , فَالْأُولَى لِلذَّمِّ وَالْأُخْرَى لِلْمَدْحِ , وَهُمَا فِعْلَانِ غَيْر مُتَصَرِّفَيْنِ يَرْفَعَانِ الْفَاعِل ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْر الْعَامّ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّام لِلْجِنْسِ أَوْ مُضَاف إِلَى مَا هُمَا فِيهِ حَتَّى يَشْتَمِل عَلَى الْمَوْصُوف بِأَحَدِهِمَا , وَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِهِ تَعَيُّنًا كَقَوْلِهِ نِعْمَ الرَّجُل زَيْد وَبِئْسَ الرَّجُل عَمْرو , فَإِنْ كَانَ الْفَاعِل مُضْمَرًا فَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِ اِسْم نَكِرَة يُنْصَب عَلَى التَّفْسِير لِلضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ نِعْمَ رَجُلًا زَيْد , وَقَدْ يَكُون هَذَا التَّفْسِير " مَا " عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ( فَنِعِمَّا هِيَ ) , وَقَالَ الطِّيبِيُّ : و " مَا " نَكِرَة مَوْصُوفَة و " أَنْ يَقُول " مَخْصُوص بِالذَّمِّ , أَيْ بِئْسَ شَيْئًا كَانَ الرَّجُل يَقُول.
‏ ‏قَوْله : ( نَسِيت ) ‏ ‏بِفَتْحِ النُّون وَتَخْفِيف السِّين اِتِّفَاقًا.
‏ ‏قَوْله : ( آيَة كَيْت وَكَيْت ) ‏ ‏قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَيْت وَكَيْت يُعَبَّر بِهِمَا عَنْ الْجُمَل الْكَثِيرَة وَالْحَدِيث الطَّوِيل , وَمِثْلهمَا ذَيْت وَذَيْت.
وَقَالَ ثَعْلَب : كَيْت لِلْأَفْعَالِ وَذَيْت لِلْأَسْمَاءِ.
وَحَكَى اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيّ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَة مِثْل كَذَا إِلَّا أَنَّهَا خَاصَّة بِالْمُؤَنَّثِ , وَهَذَا مِنْ مُفْرَدَات الدَّاوُدِيّ.
‏ ‏قَوْله : ( بَلْ هُوَ نُسِّيَ ) ‏ ‏بِضَمِّ النُّون وَتَشْدِيد الْمُهْمَلَة الْمَكْسُورَة , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : رَوَاهُ بَعْض رُوَاة مُسْلِم مُخَفَّفًا.
قُلْت : وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَد أَبِي يَعْلَى , وَكَذَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي دَاوُدَ فِي " كِتَاب الشَّرِيعَة " مِنْ طُرُق مُتَعَدِّدَة مَضْبُوطَة بِخَطٍّ مَوْثُوق بِهِ عَلَى كُلّ سِين عَلَامَة التَّخْفِيف وَقَالَ عِيَاض : كَانَ الْكِنَانِيّ - يَعْنِي أَبَا الْوَلِيد الْوَقْشِيَّ - لَا يُجِيز فِي هَذَا غَيْر التَّخْفِيف.
قُلْت : وَالتَّثْقِيل هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي جَمِيع الرِّوَايَات فِي الْبُخَارِيّ , وَكَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات فِي غَيْره , وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي عُبَيْد فِي " الْغَرِيب " بَعْد قَوْله كَيْت وَكَيْت : لَيْسَ هُوَ نَسِيَ وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ.
الْأَوَّل بِفَتْحِ النُّون وَتَخْفِيف السِّين وَالثَّانِي بِضَمِّ النُّون وَتَثْقِيل السِّين , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : التَّثْقِيل مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُوقِبَ بِوُقُوعِ النِّسْيَان عَلَيْهِ لِتَفْرِيطِهِ فِي مُعَاهَدَته وَاسْتِذْكَاره , قَالَ : وَمَعْنَى التَّخْفِيف أَنَّ الرَّجُل تَرَكَ غَيْر مُلْتَفِت إِلَيْهِ , وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ ) أَيْ تَرَكَهُمْ فِي الْعَذَاب أَوْ تَرَكَهُمْ مِنْ الرَّحْمَة.
وَاخْتُلِفَ فِي مُتَعَلِّق الذَّمّ مِنْ قَوْله " بِئْسَ " عَلَى أَوْجُه : الْأَوَّل قِيلَ هُوَ عَلَى نِسْبَة الْإِنْسَان إِلَى نَفْسه النِّسْيَان وَهُوَ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَإِذَا نَسَبَهُ إِلَى نَفْسه أَوْهَمَ أَنَّهُ اِنْفَرَدَ بِفِعْلِهِ , فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُول أُنْسِيت أَوْ نُسِّيت بِالتَّثْقِيلِ عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ فِيهِمَا , أَيْ أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي أَنْسَانِي كَمَا قَالَ ( وَمَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَلَكِنَّ اللَّه رَمَى ) وَقَالَ ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) وَبِهَذَا الْوَجْه جَزَمَ اِبْن بَطَّال فَقَالَ : أَرَادَ أَنْ يَجْرِي عَلَى أَلْسُن الْعِبَاد نِسْبَة الْأَفْعَال إِلَى خَالِقهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِقْرَار لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالِاسْتِسْلَام لِقُدْرَتِهِ , وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ نِسْبَة الْأَفْعَال إِلَى مُكْتَسِبهَا مَعَ أَنَّ نِسْبَتهَا إِلَى مُكْتَسِبهَا جَائِز بِدَلِيلِ الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيث الْآتِي فِي " بَاب نِسْيَان الْقُرْآن " قَالَ : وَقَدْ أَضَافَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام النِّسْيَان مَرَّة إِلَى نَفْسه وَمَرَّة إِلَى الشَّيْطَان فَقَالَ ( إِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيه إِلَّا الشَّيْطَان ) وَلِكُلِّ إِضَافَة مِنْهَا مَعْنًى صَحِيح , فَالْإِضَافَة إِلَى اللَّه بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِق الْأَفْعَال كُلّهَا , وَإِلَى النَّفْس لِأَنَّ الْإِنْسَان هُوَ الْمُكْتَسِب لَهَا , وَإِلَى الشَّيْطَان بِمَعْنَى الْوَسْوَسَة ا ه.
وَوَقَعَ لَهُ ذُهُول فِيمَا نَسَبَهُ لِمُوسَى , وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام فَتَاهُ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبَ النِّسْيَان إِلَى نَفْسه يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي " بَاب نِسْيَان الْقُرْآن " وَكَذَا نَسَبَهُ يُوشَع إِلَى نَفْسه حَيْثُ قَالَ ( نَسِيت الْحُوت ) وَمُوسَى إِلَى نَفْسه حَيْثُ قَالَ ( لَا تُؤَاخِذنِي بِمَا نَسِيت ) وَقَدْ سَبَقَ قَوْل الصَّحَابَة ( رَبّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا ) مَسَاق الْمَدْح , قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ) فَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّق الذَّمّ وَجَنَحَ إِلَى اِخْتِيَار الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ كَالْأَوَّلِ لَكِنَّ سَبَب الذَّمّ مَا فِيهِ مِنْ الْإِشْعَار بِعَدَمِ الِاعْتِنَاء بِالْقُرْآنِ إِذْ لَا يَقَع النِّسْيَان إِلَّا بِتَرْكِ التَّعَاهُد وَكَثْرَة الْغَفْلَة , فَلَوْ تَعَاهَدَهُ بِتِلَاوَتِهِ وَالْقِيَام بِهِ فِي الصَّلَاة لَدَامَ حِفْظه وَتَذَكُّره , فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَان نَسِيت الْآيَة الْفُلَانِيَّة فَكَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى نَفْسه بِالتَّفْرِيطِ فَيَكُون مُتَعَلِّق الذَّمّ تَرْكُ الِاسْتِذْكَار وَالتَّعَاهُد لِأَنَّهُ الَّذِي يُورِث النِّسْيَان.
الْوَجْه الثَّالِث , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَرِهَ لَهُ أَنْ يَقُول نَسِيت بِمَعْنَى تَرَكْت لَا بِمَعْنَى السَّهْو الْعَارِض , كَمَا قَالَ تَعَالَى ( نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ ) وَهَذَا اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَطَائِفَة.
الْوَجْه الرَّابِع , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضًا : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون فَاعِل نَسِيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا يَقُلْ أَحَد عَنِّي إِنِّي نَسِيت آيَة كَذَا , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي نَسَّانِي ذَلِكَ لِحِكْمَةِ نَسْخِهِ وَرَفْعِ تِلَاوَته , وَلَيْسَ لِي فِي ذَلِكَ صُنْعٌ بَلْ اللَّه هُوَ الَّذِي يُنْسِينِي لِمَا تُنْسَخ تِلَاوَته ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه ) فَإِنَّ الْمُرَاد بِالْمَنْسِيِّ مَا يُنْسَخ تِلَاوَته فَيُنْسِي اللَّه نَبِيّه مَا يُرِيد نَسْخَ تِلَاوَته.
الْوَجْه الْخَامِس , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ خَاصًّا بِزَمَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ مِنْ ضُرُوب النَّسْخ نِسْيَان الشَّيْء الَّذِي يَنْزِل ثُمَّ يُنْسَخ مِنْهُ بَعْد نُزُوله الشَّيْء فَيَذْهَب رَسْمه وَتُرْفَع تِلَاوَته وَيَسْقُط حِفْظه عَنْ حَمَلَتِهِ , فَيَقُول الْقَائِل نَسِيت آيَة كَذَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّم عَلَى مُحْكَمِ الْقُرْآن الضَّيَاع , وَأَشَارَ لَهُمْ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَقَع مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِإِذْنِ اللَّه لِمَا رَآهُ مِنْ الْحِكْمَة وَالْمَصْلَحَة.
الْوَجْه السَّادِس , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : وَفِيهِ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَان الَّذِي هُوَ خِلَاف الذِّكْر إِضَافَته إِلَى صَاحِبه مَجَاز لِأَنَّهُ عَارِض لَهُ لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُ , لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ نِسْيَان الشَّيْء لَكَانَ ذَاكِرًا لَهُ فِي حَال قَصْدِهِ , فَهُوَ كَمَا قَالَ مَا مَاتَ فُلَان وَلَكِنْ أُمِيت.
قُلْت : وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْوَجْه الْأَوَّل.
وَأَرْجَح الْأَوْجُه الْوَجْه الثَّانِي , وَيُؤَيِّدهُ عَطْف الْأَمْر بِاسْتِذْكَارِ الْقُرْآن عَلَيْهِ.
وَقَالَ عِيَاض : أَوَّل مَا يُتَأَوَّل عَلَيْهِ ذَمّ الْحَال لَا ذَمّ الْقَوْل , أَيْ بِئْسَ الْحَال حَال مَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى نَسِيَهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ : الْكَرَاهَة فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ.
‏ ‏قَوْله : ( وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآن ) ‏ ‏أَيْ وَاظِبُوا عَلَى تِلَاوَته وَاطْلُبُوا مِنْ أَنْفُسكُمْ الْمُذَاكَرَة بِهِ , قَالَ الطِّيبِيُّ : وَهُوَ عَطْف مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى قَوْله " بِئْسَ مَا لِأَحَدِكُمْ " أَيْ لَا تُقَصِّرُوا فِي مُعَاهَدَته وَاسْتَذْكِرُوهُ , وَزَادَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ أَبِي وَائِل فِي هَذَا الْمَوْضِع " فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن وَحْشِيّ ".
وَكَذَا أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيق الْمُسَيِّب بْن رَافِع عَنْ اِبْن مَسْعُود.
‏ ‏قَوْله : ( فَإِنَّهُ أَشَدّ تَفَصِّيًا ) ‏ ‏بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الصَّاد الْمُهْمَلَة الثَّقِيلَة بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة خَفِيفَة أَيْ تَفَلُّتًا وَتَخَلُّصًا , تَقُول تَفَصّيْت كَذَا أَيْ أَحَطْت بِتَفَاصِيلِهِ.
وَالِاسْم الْفَصَّة , وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَة بْن عَامِر بِلَفْظِ " تَفَلُّتًا " وَكَذَا وَقَعَتْ عِنْد مُسْلِم فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى ثَالِث أَحَادِيث الْبَاب , وَنُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث زِيَادَة عَلَى حَدِيث اِبْن عُمَر , لِأَنَّ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر تَشْبِيه أَحَد الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ وَفِي هَذَا أَنَّ هَذَا أَبْلَغ فِي النُّفُور مِنْ الْإِبِل , وَلِذَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْحَدِيث الثَّالِث حَيْثُ قَالَ " لَهُوَ أَشَدّ تَفَصِّيًا مِنْ الْإِبِل فِي عُقُلهَا " لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْإِبِل تَطَلُّب التَّفَلُّت مَا أَمْكَنَهَا فَمَتَى لَمْ يَتَعَاهَدهَا بِرِبَاطِهَا تَفَلَّتَتْ , فَكَذَلِكَ حَافِظ الْقُرْآن إِنْ لَمْ يَتَعَاهَدهُ تَفَلَّتَ بَلْ هُوَ أَشَدّ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا الْحَدِيث يُوَافِق الْآيَتَيْنِ قَوْله تَعَالَى ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا ) وَقَوْله تَعَالَى ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن لِلذِّكْرِ ) , فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِالْمُحَافَظَةِ وَالتَّعَاهُد يَسَّرَ لَهُ , وَمَنْ أَعْرَض عَنْهُ تَفَلَّتَ مِنْهُ.
‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا عُثْمَان ) ‏ ‏هُوَ اِبْن أَبِي شَيْبَة , وَجَرِير هُوَ اِبْن عَبْد الْحَمِيد , وَمَنْصُور هُوَ الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد الَّذِي قَبْله.
وَهَذِهِ الطَّرِيق عِنْد الْكُشْمِيهَنِيّ وَحْده , وَثَبَتَتْ أَيْضًا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ , وَقَوْله " مِثْله " الضَّمِير لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْله , وَهُوَ يُشْعِر بِأَنَّ سِيَاق جَرِير مُسَاوٍ لِسِيَاقِ شُعْبَة.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة مَقْرُونًا بِإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَزُهَيْر بْن حَرْب ثَلَاثَتهمْ عَنْ جَرِير وَلَفْظه مُسَاوٍ لِلَفْظِ شُعْبَة الْمَذْكُور إِلَّا أَنَّهُ قَالَ " اِسْتَذْكِرُوا " بِغَيْرِ وَاوٍ , وَقَالَ " فَلَهُوَ أَشَدّ " بَدَل قَوْله " فَإِنَّهُ " وَزَادَ بَعْد قَوْله مِنْ النَّعَم " بِعُقُلِهَا " وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة بِإِثْبَاتِ الْوَاو وَقَالَ فِي آخِره " مِنْ عُقُله " وَهَذِهِ الزِّيَادَة ثَابِتَة عِنْده فِي حَدِيث شُعْبَة أَيْضًا مِنْ رِوَايَة غُنْدَر عَنْهُ بِلَفْظِ " بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ - أَوْ لِأَحَدِهِمْ - أَنْ يَقُول : إِنِّي نَسِيت آيَة كَيْت وَكَيْت.
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ هُوَ نُسِّيَ , وَيَقُول اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآن إِلَخْ " وَكَذَا ثَبَتَتْ عِنْده فِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق بْن سَلَمَة عَنْ اِبْن مَسْعُود.
‏ ‏قَوْله : ( تَابَعَهُ بِشْر عَنْ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ شُعْبَة ) ‏ ‏يُرِيد أَنَّ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك تَابَعَ مُحَمَّد بْن عَرْعَرَة فِي رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ شُعْبَة وَبِشْر هُوَ اِبْن مُحَمَّد الْمَرْوَزِيُّ شَيْخ الْبُخَارِيّ , قَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي بَدْء الْوَحْي وَغَيْره , وَنِسْبَة الْمُتَابَعَة إِلَيْهِ مَجَازِيَّة , وَقَدْ يُوهِم أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ اِبْن الْمُبَارَك وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَإِنَّ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَخْرَجَ الْحَدِيث مِنْ طَرِيق حِبَّانَ بْن مُوسَى عَنْ اِبْن الْمُبَارَك , وَيُوهِم أَيْضًا أَنَّ اِبْن عَرْعَرَة وَابْن الْمُبَارَك اِنْفَرَدَا بِذَلِكَ عَنْ شُعْبَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ رِوَايَة غُنْدَر وَقَدْ أَخْرَجَهَا أَحْمَد أَيْضًا عَنْهُ , وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاج بْن مُحَمَّد وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَة , وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ.
‏ ‏قَوْله : ( وَتَابَعَهُ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدَة عَنْ شَقِيق سَمِعْت عَبْد اللَّه ) ‏ ‏أَمَّا عَبْدَة فَهُوَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَة وَهُوَ اِبْن أَبِي لُبَابَة بِضَمِّ اللَّام وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا , وَشَقِيق هُوَ أَبُو وَائِل , وَعَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود , وَهَذِهِ الْمُتَابَعَة وَصَلَهَا مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن بَكْر عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ " حَدَّثَنِي عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة عَنْ شَقِيق بْن سَلَمَة سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " فَذَكَرَ الْحَدِيث إِلَى قَوْله " بَلْ هُوَ نُسِّيَ " وَلَمْ يَذْكُر مَا بَعْده.
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن جُحَادَة عَنْ عَبْدَة , وَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْمُتَابَعَة دَفْع تَعْلِيل مَنْ أَعَلَّ الْخَبَر بِرِوَايَةِ حَمَّاد بْن زَيْد وَأَبِي الْأَحْوَص لَهُ عَنْ مَنْصُور مَوْقُوفَة عَلَى اِبْن مَسْعُود , قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : رَوَى حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ مَنْصُور وَعَاصِم الْحَدِيثَيْنِ مَعًا مَوْقُوفَيْنِ , وَكَذَا رَوَاهُمَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ مَنْصُور.
وَأَمَّا اِبْن عُيَيْنَةَ فَأَسْنَدَ الْأَوَّل وَوَقَفَ الثَّانِي , قَالَ وَرَفَعَهُمَا جَمِيعًا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَانَ وَعُبَيْدَة بْن حُمَيْدٍ عَنْ مَنْصُور , وَهُوَ ظَاهِر سِيَاق سُفْيَان الثَّوْرِيّ.
قُلْت : وَرِوَايَة عُبَيْدَة أَخْرَجَهَا اِبْن أَبِي دَاوُدَ.
وَرِوَايَة سُفْيَان سَتَأْتِي عِنْد الْمُصَنِّف قَرِيبًا مَرْفُوعًا لَكِنْ اِقْتَصَرَ عَلَى الْحَدِيث الْأَوَّل , وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش عَنْ عَاصِم عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه مَرْفُوعًا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا , وَفِي رِوَايَة عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة تَصْرِيح اِبْن مَسْعُود بِقَوْلِهِ " سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَذَلِكَ يُقَوِّي رِوَايَة مَنْ رَفَعَهُ عَنْ مَنْصُور وَاللَّه أَعْلَم.


حديث بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل نسي واستذكروا القرآن فإنه أشد

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَنْصُورٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي وَائِلٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ, ‏ ‏قَالَ: ‏ ‏قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ ‏ ‏تَفَصِّيًا ‏ ‏مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عُثْمَانُ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏جَرِيرٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَنْصُورٍ ‏ ‏مِثْلَهُ ‏ ‏تَابَعَهُ ‏ ‏بِشْرٌ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ الْمُبَارَكِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏شُعْبَةَ ‏ ‏وَتَابَعَهُ ‏ ‏ابْنُ جُرَيْجٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏شَقِيقٍ ‏ ‏سَمِعْتُ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ ‏ ‏سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من...

عن ‌أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها».<br>

رأى رسول الله ﷺ يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته س...

‌عن عبد الله بن مغفل قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح».<br>

توفي رسول الله ﷺ وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحك...

عن ‌سعيد بن جبير قال: إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم.<br> قال: وقال ‌ابن عباس : «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحك...

قول ابن عباس جمعت المحكم في عهد رسول الله ﷺ

عن ‌ابن عباس رضي الله عنهما: «جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: وما المحكم؟ قال: المفصل».<br>

يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا

عن ‌عائشة رضي الله عنها قالت: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، من سورة كذا».<br> حدثنا م...

يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من...

عن ‌عائشة قالت: «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا».<b...

بئس ما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي

عن ‌عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لأحدهم، يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي».<br>

الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفت...

عن ‌أبي مسعود الأنصاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأ بهما في ليلة كفتاه».<br>

استمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يق...

عن حديث ‌المسور بن مخرمة ‌وعبد الرحمن بن عبد القاري: أنهما سمعا ‌عمر بن الخطاب يقول: «سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صل...