5334- عن زينب بنت أبي سلمة : أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب : «دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا.»
أخرجه مسلم في الطلاق باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة رقم 1486 - 1489
(خلوق) نوع من الطيب أكثر أجزائه من الزعفران.
(جارية) بنتا صغيرة
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة ) أَيْ اِبْن عَبْد الْأَسَد.
وَهِيَ بِنْت أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ رَبِيبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ اِبْن التِّين أَنَّهَا لَا رِوَايَة لَهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَذَا قَالَ , وَقَدْ أَخْرَجَ لَهَا مُسْلِم حَدِيثهَا " كَانَ اِسْمِي بَرَّة فَسَمَّانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب " الْحَدِيث , وَأَخْرَجَ لَهَا الْبُخَارِيّ حَدِيثًا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل السِّيرَة النَّبَوِيَّة.
قَوْله ( أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة ) تَقَدَّمَ مِنْهَا الْحَدِيثَانِ الْأَوَّلَانِ فِي كِتَاب الْجَنَائِز مَعَ كَثِير مِنْ شَرْحهمَا , وَالْكَلَام عَلَى قَوْله فِي الْأَوَّل حِين تُوُفِّيَ أَبُوهَا وَفِي الثَّانِي حِين تُوُفِّيَ أَخُوهَا وَأَنَّهُ سُمِّيَ فِي بَعْض الْمُوَطَّآت عَبْد اللَّه.
وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق أَبِي مُصْعَب , وَأَنَّ الْمَعْرُوف أَنَّ عَبْد اللَّه بْن جَحْش قُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا وَزَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة يَوْمَئِذٍ طِفْلَة فَيَسْتَحِيل أَنْ تَكُون دَخَلَت عَلَى زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي تِلْكَ الْحَالَة , وَأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون عُبَيْد اللَّه الْمُصَغَّر فَإِنَّ دُخُول زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عِنْد بُلُوغ الْخَبَر إِلَى الْمَدِينَة بِوَفَاتِهِ كَانَ وَهِيَ مُمَيِّزَة , وَأَنْ يَكُون أَبَا أَحْمَد بْن جَحْش فَإِنَّ اِسْمه " عَبْد " بِغَيْرِ إِضَافَة لِأَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَة عُمَر فَيَجُوز أَنْ يَكُون مَاتَ قَبْل زَيْنَب , لَكِنْ وَرَدَ مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنهَا.
وَيَلْزَم عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَكُون وَقَعَ فِي الِاسْم تَغْيِير أَوْ الْمَيِّت كَانَ أَخَا زَيْنَب بِنْت جَحْش مِنْ أُمّهَا أَوْ مِنْ الرَّضَاعَة.
قَوْله ( لَا يَحِلّ ) اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم الْإِحْدَاد عَلَى غَيْر الزَّوْج وَهُوَ وَاضِح , وَعَلَى وُجُوب الْإِحْدَاد الْمُدَّة الْمَذْكُورَة عَلَى الزَّوْج وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء وَقَعَ بَعْد النَّفْي فَيَدُلّ عَلَى الْحِلّ فَوْق الثَّلَاث عَلَى الزَّوْج لَا عَلَى الْوُجُوب , وَأُجِيب بِأَنَّ الْوُجُوب اُسْتُفِيدَ مِنْ دَلِيل آخَر كَالْإِجْمَاعِ , وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْقُول عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ الْإِحْدَاد لَا يَجِب أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة , وَنَقَلَ الْخَلَّال بِسَنَدِهِ عَنْ أَحْمَد عَنْ هُشَيْم عَنْ دَاوُدَ عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِف الْإِحْدَاد , قَالَ أَحْمَد : مَا كَانَ بِالْعِرَاقِ أَشَدّ تَبَحُّرًا مِنْ هَذَيْنِ - يَعْنِي الْحَسَن وَالشَّعْبِيّ - قَالَ : وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا ا ه , وَمُخَالَفَتهمَا لَا تَقْدَح فِي الِاحْتِجَاج وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدّ عَلَى مَنْ اِدَّعَى الْإِجْمَاع.
وَفِي أَثَر الشَّعْبِيّ تَعَقُّب عَلَى اِبْن الْمُنْذِر حَيْثُ نَفَى الْخِلَاف فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا عَنْ الْحَسَن , وَأَيْضًا فَحَدِيث الَّتِي شَكَتْ عَيْنهَا - وَهُوَ ثَالِث أَحَادِيث الْبَاب - دَالّ عَلَى الْوُجُوب , وَإِلَّا لَمْ يَمْتَنِع التَّدَاوِي الْمُبَاح , وَأُجِيب أَيْضًا بِأَنَّ السِّيَاق يَدُلّ عَلَى الْوُجُوب , فَإِنَّ كُلّ مَا مُنِعَ مِنْهُ إِذَا دَلَّ دَلِيل عَلَى جَوَازه كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيل دَالًّا بِعَيْنِهِ عَلَى الْوُجُوب كَالْخِتَانِ وَالزِّيَادَة عَلَى الرُّكُوع فِي الْكُسُوف وَنَحْو ذَلِكَ.
قَوْله ( لِامْرَأَةٍ ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَنَفِيَّة فَقَالُوا : لَا يَجِب الْإِحْدَاد عَلَى الصَّغِيرَة , وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى وُجُوب الْإِحْدَاد عَلَيْهَا كَمَا تَجِب الْعِدَّة , وَأَجَابُوا عَنْ التَّقْيِيد بِالْمَرْأَةِ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِب , وَعَنْ كَوْنهَا غَيْر مُكَلَّفَة بِأَنَّ الْوَلِيّ هُوَ الْمُخَاطَب بِمَنْعِهَا مِمَّا تُمْنَع مِنْهُ الْمُعْتَدَّة , وَدَخَلَ فِي عُمُوم قَوْله " اِمْرَأَة " الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْر الْمَدْخُول بِهَا حُرَّة كَانَتْ أَوْ أَمَة وَلَوْ كَانَتْ مُبَعَّضَة أَوْ مُكَاتَبَة أَوْ أُمّ وَلَد إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجهَا لَا سَيِّدهَا لِتَقْيِيدِهِ بِالزَّوْجِ فِي الْخَبَر خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
قَوْله ( تُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر ) اِسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّة بِأَنْ لَا إِحْدَاد عَلَى الذِّمِّيَّة لِلتَّقْيِيدِ بِالْإِيمَانِ , وَبِهِ قَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة وَأَبُو ثَوْر , وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ بِذَلِكَ , وَأَجَابَ الْجُمْهُور بِأَنَّهُ ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْر فَلَا مَفْهُوم لَهُ , كَمَا يُقَال هَذَا طَرِيق الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ يَسْلُكهُ غَيْرهمْ.
وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاد مِنْ حَقّ الزَّوْج , وَهُوَ مُلْتَحَقٌ بِالْعِدَّةِ فِي حِفْظ النَّسَب , فَتَدْخُل الْكَافِرَة فِي ذَلِكَ بِالْمَعْنَى كَمَا دَخَلَ الْكَافِر فِي النَّهْي عَنْ السَّوْم عَلَى سَوْم أَخِيهِ , وَلِأَنَّهُ حَقّ لِلزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَة وَالسُّكْنَى , وَنَقَلَ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيه عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الذِّمِّيَّة دَاخِلَة فِي قَوْله " تُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " وَرَدَّ عَلَى قَائِله وَبَيَّنَ فَسَاد شُبْهَته فَأَجَادَ , وَقَالَ النَّوَوِيّ : قَيَّدَ بِوَصْفِ الْإِيمَان لِأَنَّ الْمُتَّصِف بِهِ هُوَ الَّذِي يَنْقَاد لِلشَّرْعِ , قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَفِي رِوَايَة عِنْد الْمَالِكِيَّة أَنَّ الذِّمِّيَّة الْمُتَوَفَّيْ عَنْهَا تَعْتَدّ بِالْأَقْرَاءِ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هُوَ قَوْل مَنْ قَالَ لَا إِحْدَاد عَلَيْهَا.
قَوْله ( عَلَى مَيِّت ) اُسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ لَا إِحْدَاد عَلَى اِمْرَأَة الْمَفْقُود لِأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّق وَفَاته خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ.
قَوْله ( إِلَّا عَلَى زَوْج ) أُخِذَ مِنْ هَذَا الْحَصْر أَنْ لَا يُزَاد عَلَى الثَّلَاث فِي غَيْر الزَّوْج أَبَا كَانَ أَوْ غَيْره , وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيل " مِنْ رِوَايَة عَمْرو بْن شُعَيْب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحُدّ عَلَى أَبِيهَا سَبْعَة أَيَّام , وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَة أَيَّام " فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ خُصُوص الْأَب يَخْرُج مِنْ هَذَا الْعُمُوم , لَكِنَّهُ مُرْسَل أَوْ مُعْضَل , لِأَنَّ جُلّ رِوَايَة عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا الشَّيْء الْيَسِير عَنْ بَعْض صِغَار الصَّحَابَة.
وَوَهِمَ بَعْض الشُّرَّاح فَتَعَقَّبَ عَلَى أَبِي دَاوُدَ تَخْرِيجه فِي " الْمَرَاسِيل " فَقَالَ : عَمْرو بْن شُعَيْب لَيْسَ تَابِعِيًّا فَلَا يَخْرُج حَدِيثه فِي الْمَرَاسِيل , وَهَذَا التَّعَقُّب مَرْدُود لِمَا قُلْنَاهُ , وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون أَبُو دَاوُدَ كَانَ لَا يَخُصّ الْمَرَاسِيل بِرِوَايَةِ التَّابِعِيّ كَمَا هُوَ مَنْقُول عَنْ غَيْره أَيْضًا , وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِلْأَصَحِّ عِنْد الشَّافِعِيَّة فِي أَنْ لَا إِحْدَاد عَلَى الْمُطَلَّقَة , فَأَمَّا الرَّجْعِيَّة فَلَا إِحْدَاد عَلَيْهَا إِجْمَاعًا , وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي الْبَائِن , فَقَالَ الْجُمْهُور لَا إِحْدَاد , وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّة وَأَبُو عُبَيْد وَأَبُو ثَوْر : عَلَيْهَا الْإِحْدَاد قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا , وَبِهِ قَالَ بَعْض الشَّافِعِيَّة وَالْمَالِكِيَّة , وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْإِحْدَاد شُرِعَ لِأَنَّ تَرْكه مِنْ التَّطَيُّب وَاللُّبْس وَالتَّزَيُّن يَدْعُو إِلَى الْجِمَاع فَمُنِعَتْ الْمَرْأَة مِنْهُ زَجْرًا لَهَا عَنْ ذَلِكَ " فَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي حَدِيث الْمَيِّت لِأَنَّهُ يَمْنَعهُ الْمَوْت عَنْ مَنْع الْمُعْتَدَّة مِنْهُ عَنْ التَّزْوِيج وَلَا تُرَاعِيه هِيَ وَلَا تَخَاف مِنْهُ , بِخِلَافِ الْمُطَلِّق الْحَيّ فِي ذَلِكَ , وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَتْ الْعِدَّة عَلَى كُلّ مُتَوَفًّى عَنْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَة قَبْل الدُّخُول فَلَا إِحْدَاد عَلَيْهَا اِتِّفَاقًا " وَبِأَنَّ الْمُطَلَّقَة الْبَائِن يُمْكِنهَا الْعَوْد إِلَى الزَّوْج بِعَيْنِهِ بِعَقْدٍ جَدِيد , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُلَاعَنَة لَا إِحْدَاد عَلَيْهَا , وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرْكه لِفِقْدَانِ الزَّوْج بِعَيْنِهِ لَا لِفِقْدَانِ الزَّوْجِيَّة.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز الْإِحْدَاد عَلَى غَيْر الزَّوْج مِنْ قَرِيب وَنَحْوه ثَلَاث لَيَالٍ فَمَا دُونهَا وَتَحْرِيمه فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا , وَكَأَنَّ هَذَا الْقَدْر أُبِيحَ لِأَجْلِ حَظّ النَّفْس وَمُرَاعَاتهَا وَغَلَبَة الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة , وَلِهَذَا تَنَاوَلَتْ أُمّ حَبِيبَة وَزَيْنَب بِنْت جَحْش رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الطِّيب لِتَخْرُجَا عَنْ عُهْدَة الْإِحْدَاد , وَصَرَّحَتْ كُلّ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا لَمْ تَتَطَيَّب لِحَاجَةٍ , إِشَارَة إِلَى أَنَّ آثَار الْحُزْن بَاقِيَة عِنْدهَا , لَكِنَّهَا لَمْ يَسَعْهَا إِلَّا اِمْتِثَال الْأَمْر.
قَوْله ( أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا ) قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّ الْوَلَد يَتَكَامَل تَخْلِيقه وَتُنْفَخ فِيهِ الرُّوح بَعْد مُضِيّ مِائَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا , وَهِيَ زِيَادَة عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر بِنُقْصَانِ الْأَهِلَّة فَجُبِرَ الْكَسْر إِلَى الْعَقْد عَلَى طَرِيق الِاحْتِيَاط , وَذَكَرَ الْعَشْر مُؤَنَّثًا لِإِرَادَةِ اللَّيَالِي وَالْمُرَاد مَعَ أَيَّامهَا عِنْد الْجُمْهُور , فَلَا تَحِلّ حَتَّى تَدْخُل اللَّيْلَة الْحَادِيَة عَشَر.
وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْض السَّلَف تَنْقَضِي بِمُضِيِّ اللَّيَالِي الْعَشْر بَعْد مُضِيّ الْأَشْهُر وَتَحِلّ فِي أَوَّل الْيَوْم الْعَاشِر , وَاسْتُثْنِيَتْ الْحَامِل كَمَا تَقَدَّمَ شَرْح حَالهَا قَبْلُ فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث سُبَيْعَة بِنْت الْحَارِث , وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث قَوِيّ الْإِسْنَاد أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان عَنْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ قَالَتْ " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْم الثَّالِث مِنْ قَتْل جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ : لَا تُحِدِّي بَعْد يَوْمك " هَذَا لَفْظ أَحْمَد , وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلِابْنِ حِبَّان وَالطَّحَاوِيّ " لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَر أَتَانَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تَسَلَّبِي ثَلَاثًا ثُمَّ اِصْنَعِي مَا شِئْت " قَالَ شَيْخنَا فِي " شَرْح التِّرْمِذِيّ " : ظَاهِره أَنَّهُ لَا يَجِب الْإِحْدَاد عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْد الْيَوْم الثَّالِث لِأَنَّ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ كَانَتْ زَوْج جَعْفَر بْنِ أَبِي طَالِب بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ وَالِدَة أَوْلَاده عَبْد اللَّه وَمُحَمَّد وَعَوْن وَغَيْرهمْ , قَالَ : بَلْ ظَاهِر النَّهْي أَنَّ الْإِحْدَاد لَا يَجُوز , وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيث شَاذّ مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة , وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافه , قَالَ وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّ جَعْفَرًا قُتِلَ شَهِيدًا وَالشُّهَدَاء أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ.
قَالَ : وَهَذَا ضَعِيف لِأَنَّهُ لَمْ يَرِد فِي حَقّ غَيْر جَعْفَر مِنْ الشُّهَدَاء مِمَّنْ قُطِعَ بِأَنَّهُمْ شُهَدَاء كَمَا قُطِعَ لِجَعْفَرٍ - كَحَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب عَمّه وَكَعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام وَالِد جَابِر - ا ه كَلَام شَيْخنَا مُلَخَّصًا.
وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ , وَأَنَّ الْإِحْدَاد كَانَ عَلَى الْمُعْتَدَّة فِي بَعْض عِدَّتهَا فِي وَقْت ثُمَّ أُمِرَتْ بِالْإِحْدَادِ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا , ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيث الْبَاب وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلّ عَلَى مَا اِدَّعَاهُ مِنْ النَّسْخ.
لَكِنَّهُ يُكْثِر مِنْ اِدِّعَاء النَّسْخ بِالِاحْتِمَالِ فَجَرَى عَلَى عَادَته , وَيُحْتَمَل وَرَاء ذَلِكَ أَجْوِبَة أُخْرَى : أَحَدهَا أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْإِحْدَادِ الْمُقَيَّد بِالثَّلَاثِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْإِحْدَاد الْمَعْرُوف فَعَلَتْهُ أَسْمَاء مُبَالَغَة فِي حُزْنهَا عَلَى جَعْفَر فَنَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ بَعْد الثَّلَاث.
ثَانِيهَا أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْد ثَلَاث فَانْقَضَتْ الْعِدَّة فَنَهَاهَا بَعْدهَا عَنْ الْإِحْدَاد , وَلَا يَمْنَع ذَلِكَ قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " ثَلَاثًا " لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِطَّلَعَ عَلَى أَنَّ عِدَّتهَا تَنْقَضِي عِنْد الثَّلَاث.
ثَالِثهَا لَعَلَّهُ كَانَ أَبَانَهَا بِالطَّلَاقِ قَبْل اِسْتِشْهَاده فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إِحْدَاد.
رَابِعهَا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَعَلَّ الْحَدِيث بِالِانْقِطَاعِ فَقَالَ : لَمْ يَثْبُت سَمَاع عَبْد اللَّه بْن شِدَاد مِنْ أَسْمَاء , وَهَذَا تَعْلِيل مَدْفُوع , فَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَد لَكِنَّهُ قَالَ : إِنَّهُ مُخَالِف لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة فِي الْإِحْدَاد , قُلْت : وَهُوَ مَصِير مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ يُعِلُّهُ بِالشُّذُوذِ.
وَذَكَرَ الْأَثْرَم أَنَّ أَحْمَد سُئِلَ عَنْ حَدِيث حَنْظَلَة عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " لَا إِحْدَاد فَوْق ثَلَاث " فَقَالَ : هَذَا مُنْكَر , وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر مِنْ رَأْيه ا ه.
وَهَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِغَيْرِ الْمَرْأَة الْمُعْتَدَّة فَلَا نَكَارَة فِيهِ , بِخِلَافِ حَدِيث أَسْمَاء وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَغْرَبَ اِبْن حِبَّان فَسَاقَ الْحَدِيث بِلَفْظِ " تَسَلَّمِي " بِالْمِيمِ بَدَل الْمُوَحَّدَة وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّه , وَلَا مَفْهُوم لِتَقْيِيدِهَا بِالثَّلَاثِ بَلْ الْحِكْمَة فِيهِ كَوْن الْقَلَق يَكُون فِي اِبْتِدَاء الْأَمْر أَشَدّ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهَا بِالثَّلَاثِ , هَذَا مَعْنَى كَلَامه , فَصَحَّفَ الْكَلِمَة وَتَكَلَّفَ لِتَأْوِيلِهَا.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْره " فَأَمَرَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَسَلَّب ثَلَاثًا " فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
قالت زينب فدخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وس...
قالت زينب : وسمعت أم سلمة تقول: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحله...
عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها : «أن امرأة توفي زوجها فخشوا عينيها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل، فقال: لا تكحل قد كانت إحداك...
عن محمد بن سيرين قالت أم عطية : «نهينا أن نحد أكثر من ثلاث إلا بزوج.»
عن أم عطية قالت: «كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند...
عن أم عطية قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغ...
عن مجاهد «{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا فأنزل الله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم...
عن أم حبيبة بنت أبي سفيان : «لما جاءها نعي أبيها دعت بطيب فمسحت ذراعيها وقالت: ما لي بالطيب من حاجة لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا...
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي.»