5446-
عن ا جبلة بن سحيم قال: «أصابنا عام سنة مع ابن الزبير، رزقنا تمرا، فكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل ويقول: لا تقارنوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القران، ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه.» قال شعبة: الإذن من قول ابن عمر.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( جَبَلَةُ ) بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة الْخَفِيفَة.
قَوْله ( اِبْن سُحَيْمٍ ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّر كُوفِيّ تَابِعِيّ ثِقَة مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ غَيْر اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا شَيْءٌ.
قَوْله ( أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ ) بِالْإِضَافَةِ أَيْ عَام قَحْط , وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَده عَنْ شُعْبَة " أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ ".
قَوْله ( مَعَ اِبْن الزُّبَيْر ) يَعْنِي عَبْد اللَّه لَمَّا كَانَ خَلِيفَة , وَتَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ شُعْبَة بِلَفْظِ " كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْض أَهْل الْعِرَاق ".
قَوْله ( فَرُزِقْنَا تَمْرًا ) أَيْ أَعْطَانَا فِي أَرْزَاقنَا تَمْرًا , وَهُوَ الْقَدْر الَّذِي يُصْرَف لَهُمْ فِي كُلّ سَنَة مِنْ مَال الْخَرَاج وَغَيْره بَدَل النَّقْد تَمْرًا لِقِلَّةِ النَّقْدَا إِذْ ذَاكَ بِسَبَبِ الْمَجَاعَة الَّتِي حَصَلَتْ.
قَوْله ( وَيَقُول لَا تُقَارِنُوا ) فِي رِوَايَة أَبِي الْوَلِيد فِي الشَّرِكَة " فَيَقُول لَا تَقْرُنُوا " وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ.
قَوْله ( عَنْ الْإِقْرَان ) كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة وَقَدْ أَوْضَحْت فِي كِتَاب الْحَجّ أَنَّ اللُّغَة الْفُصْحَى بِغَيْرِ أَلِف , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ بِلَفْظِ " الْقُرْآن " وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد عَنْ حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ شُعْبَة , وَقَالَ عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة " الْإِقْرَان " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَوَقَعَ عِنْد جَمِيع رُوَاة مُسْلِم " الْإِقْرَان " وَفِي تَرْجَمَة أَبِي دَاوُدَ " بَاب الْإِقْرَان فِي التَّمْر وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة مَعْرُوفَة , وَأَقْرَن مِنْ الرُّبَاعِيّ وَقَرَنَ مِنْ الثُّلَاثِيّ وَهُوَ الصَّوَاب , قَالَ الْفَرَّاء : قَرَنَ بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَلَا يُقَال أَقْرَنَ , وَإِنَّمَا يُقَال أَقْرَنَ لِمَا قُوِيَ عَلَيْهِ وَأَطَاقَهُ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) قَالَ : لَكِنْ جَاءَ فِي اللُّغَة أَقْرَنَ الدَّم فِي الْعِرْق أَيْ كَثُرَ فَيُحْمَل حَمْل الْإِقْرَان فِي الْخَبَر عَلَى ذَلِكَ , فَيَكُون مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْإِكْثَار مِنْ أَكْل التَّمْر إِذَا كَانَ مَعَ غَيْره , وَيَرْجِع مَعْنَاهُ إِلَى الْقِرَان الْمَذْكُور.
قُلْت : لَكِنْ يَصِير أَعَمّ مِنْهُ.
وَالْحَقّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة مِنْ اِخْتِلَاف الرُّوَاة , وَقَدْ مَيَّزَ أَحْمَد بَيْن مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ أَقْرَنَ وَبِلَفْظِ قَرَنَ مِنْ أَصْحَاب شُعْبَة , وَكَذَا قَالَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَة الْقِرَان , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الشَّيْبَانِيِّ الْإِقْرَان , وَفِي رِوَايَة مِسْعَر الْقِرَان.
قَوْله ( ثُمَّ يَقُول إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِن الرَّجُل أَخَاهُ ) أَيْ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ جَازَ , وَالْمُرَاد بِالْأَخِ رَفِيقه الَّذِي اِشْتَرَكَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ التَّمْر.
قَوْله ( قَالَ شُعْبَة : الْإِذْن مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر ) هُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الَّذِي قَبْله , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَده عَنْ شُعْبَة مُدْرَجًا , وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَة عَنْ أَبِي الْوَلِيد وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ , وَأَصْله لِمُسْلِمٍ كَذَلِكَ عَنْ مُعَاذ بْن مُعَاذ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ يَزِيد وَبَهْز وَغَيْرهمَا عَنْ شُعْبَة , وَتَابَعَ آدَم عَلَى فَصْل الْمَوْقُوف مِنْ الْمَرْفُوع شَبَابَة بْن سِوَار عَنْ شُعْبَة أَخْرَجَهُ الْخَطِيب مِنْ طَرِيقه مِثْل مَا سَاقَهُ آدَم إِلَى قَوْله " الْإِقْرَان , قَالَ اِبْن عُمَر إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِن الرَّجُل مِنْكُمْ أَخَاهُ " وَكَذَا قَالَ عَاصِم بْن عَلِيّ عَنْ شُعْبَة " أَرَى الْإِذْن مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر " أَخْرَجَهُ الْخَطِيب , وَقَدْ فَصَّلَهُ أَيْضًا عَنْ شُعْبَة سَعِيد بْن عَامِر الضُّبَعِيِّ فَقَالَ فِي رِوَايَته , قَالَ شُعْبَة " إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِن أَحَدكُمْ أَخَاهُ " هُوَ مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر , أَخْرَجَهُ الْخَطِيب أَيْضًا إِلَّا أَنَّ سَعِيدًا أَخْطَأَ فِي اِسْم التَّابِعِيّ فَقَالَ " عَنْ شُعْبَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر " وَالْمَحْفُوظ " جَبَلَة بْن سُحَيْمٍ " كَمَا قَالَ الْجَمَاعَة.
وَالْحَاصِل أَنَّ أَصْحَاب شُعْبَة اِخْتَلَفُوا فَأَكْثَرهمْ رَوَاهُ عَنْهُ مُدْرَجًا : وَطَائِفَة مِنْهُمْ رَوَوْا عَنْهُ التَّرَدُّد فِي كَوْن هَذِهِ الزِّيَادَة مَرْفُوعَة أَوْ مَوْقُوفَة , وَشَبَابَة فَصَّلَ عَنْهُ , وَآدَم جَزَمَ عَنْهُ بِأَنَّ الزِّيَادَة مِنْ قَوْل اِبْن عُمَر , وَتَابَعَهُ سَعِيد بْن عَامِر إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي التَّابِعِيّ , فَلَمَّا اِخْتَلَفُوا عَلَى شُعْبَة وَتَعَارَضَ جَزْمه وَتَرَدُّده وَكَانَ الَّذِي رَوَوْا عَنْهُ التَّرَدُّد أَكْثَر نَظَرْنَا فِيمَنْ رَوَاهُ غَيْره مِنْ التَّابِعِينَ فَرَأَيْنَاهُ قَدْ وَرَدَ عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَابْن إِسْحَاق الشَّيْبَانِيِّ وَمِسْعَر وَزَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , فَأَمَّا الثَّوْرِيّ فَتَقَدَّمَتْ رِوَايَته فِي الشَّرِكَة وَلَفْظه " نَهَى أَنْ يَقْرُن الرَّجُل بَيْن التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِن أَصْحَابه " وَهَذَا ظَاهِره الرَّفْع مَعَ اِحْتِمَال الْإِدْرَاج , وَأَمَّا رِوَايَة الشَّيْبَانِيِّ فَأَخْرَجَهَا أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ " نَهَى عَنْ الْإِقْرَان إِلَّا أَنْ تَسْتَأْذِن أَصْحَابك " وَالْقَوْل فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي رِوَايَة الثَّوْرِيّ , وَأَمَّا رِوَايَة زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة فَأَخْرَجَهَا اِبْن حِبَّان فِي النَّوْع الثَّامِن وَالْخَمْسِينَ مِنْ الْقَسَم الثَّانِي مِنْ صَحِيحه بِلَفْظِ " مَنْ أَكَلَ مَعَ قَوْم مِنْ تَمْر فَلَا يَقْرُن , فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلْيَسْتَأْذِنْهُمْ , فَإِنْ أَذِنُوا فَلْيَفْعَلْ " وَهَذَا أَظْهَر فِي الرَّفْع مَعَ اِحْتِمَال الْإِدْرَاج أَيْضًا.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر اِبْن عُمَر فَوَجَدْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَسِيَاقه يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْر بِالِاسْتِئْذَانِ مَرْفُوع , وَذَلِكَ أَنَّ إِسْحَاق فِي مُسْنَده وَمِنْ طَرِيقه اِبْن حِبَّان أَخْرَجَا مِنْ طَرِيق الشَّعْبِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ كُنْت فِي أَصْحَاب الصُّفَّة فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْر عَجْوَة فَكَبَّ بَيْننَا فَكُنَّا نَأْكُل الثِّنْتَيْنِ مِنْ الْجُوع , فَجَعَلَ أَصْحَابنَا إِذَا قَرَنَ أَحَدهمْ قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنِّي قَدْ قَرَنْت فَاقْرِنُوا " وَهَذَا الْفِعْل مِنْهُمْ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَالّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا لَهُمْ مَعْرُوفًا , وَقَوْل الصَّحَابِيّ " كُنَّا نَفْعَل فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا " لَهُ حُكْم الرَّفْع عِنْد الْجُمْهُور.
وَأَصْرَح مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ هَذَا الْوَجْه وَلَفْظه " قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرًا بَيْن أَصْحَابه فَكَانَ بَعْضهمْ يَقْرُن , فَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرُن إِلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابه " فَاَلَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي أَنْ لَا إِدْرَاج فِيهِ.
وَقَدْ اِعْتَمَدَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الزِّيَادَة وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا فِي كِتَاب الْمَظَالِم وَفِي الشَّرِكَة , وَلَا يَلْزَم مِنْ كَوْن اِبْن عُمَر ذَكَرَ الْإِذْن مَرَّة غَيْر مَرْفُوع أَنْ لَا يَكُون مُسْتَنَده فِيهِ الرَّفْع , وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ اُسْتُفْتِيَ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى , وَالْمُفْتِي قَدْ لَا يَنْشَط فِي فَتْوَاهُ إِلَى بَيَان الْمُسْتَنَد , فَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق مِسْعَر عَنْ صِلَة قَالَ " سُئِلَ اِبْن عُمَر عَنْ قِرَان التَّمْر قَالَ : لَا تَقْرُن , إِلَّا أَنْ تَسْتَأْذِن أَصْحَابك " , فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ بِالْقِصَّةِ ذَكَرهَا كُلّهَا مَرْفُوعَة , وَلَمَّا اُسْتُفْتِيَ أَفْتَى بِالْحُكْمِ الَّذِي حَفِظَهُ عَلَى وَفْقه.
وَلَمْ يُصَرِّح حِينَئِذٍ بِرَفْعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْم الْمَسْأَلَة : قَالَ النَّوَوِيّ : اِخْتَلَفُوا فِي هَذَا النَّهْي هَلْ هُوَ عَلَى التَّحْرِيم أَوْ الْكَرَاهَة ؟ وَالصَّوَاب التَّفْصِيل , فَإِنْ كَانَ الطَّعَام مُشْتَرَكًا بَيْنهمْ فَالْقِرَان حَرَام إِلَّا بِرِضَاهُمْ , وَيَحْصُل بِتَصْرِيحِهِمْ أَوْ بِمَا يَقُوم مَقَامه مِنْ قَرِينَة حَال بِحَيْثُ يَغْلِب عَلَى الظَّنّ ذَلِكَ , فَإِنْ كَانَ الطَّعَام لِغَيْرِهِمْ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْأَكْل اُشْتُرِطَ رِضَاهُ , وَيَحْرُم لِغَيْرِهِ وَيَجُوز لَهُ هُوَ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَأْذِن الْآكِلِينَ مَعَهُ , وَحَسُنَ لِلْمُضِيفِ أَنْ لَا يَقْرُن لِيُسَاوِي ضَيْفه , إِلَّا إِنْ كَانَ الشَّيْء كَثِيرًا يَفْضُل عَنْهُمْ , مَعَ أَنَّ الْأَدَب فِي الْأَكْل مُطْلَقًا تَرْك مَا يَقْتَضِي الشَّرَه , إِلَّا أَنْ يَكُون مُسْتَعْجِلًا يُرِيد الْإِسْرَاع لِشُغْلٍ آخَر.
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ شَرْط هَذَا الِاسْتِئْذَان إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنهمْ حَيْثُ كَانُوا فِي قِلَّة مِنْ الشَّيْء.
فَأَمَّا الْيَوْم مَعَ اِتِّسَاع الْحَال فَلَا يَحْتَاج إِلَى اِسْتِئْذَان.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ الصَّوَاب التَّفْصِيل , لِأَنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ لَا بِخُصُوصِ السَّبَب , كَيْف وَهُوَ غَيْر ثَابِت.
قُلْت : حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي قَدَّمْته يُرْشِد إِلَيْهِ وَهُوَ قَوِيّ , وَقِصَّة اِبْن الزُّبَيْر فِي حَدِيث الْبَاب كَذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : إِنَّمَا وَقَعَ النَّهْي عَنْ الْقِرَان لِأَنَّ فِيهِ شَرَهًا وَذَلِكَ يُزْرِي بِصَاحِبِهِ , أَوْ لِأَنَّ فِيهِ غَبْنًا بِرَفِيقِهِ , وَقِيلَ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّة الْعَيْش وَقِلَّة الشَّيْء , وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يُوَاسُونَ مِنْ الْقَلِيل وَإِذَا اِجْتَمَعُوا رُبَّمَا آثَرَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَقَدْ يَكُون فِيهِمْ مَنْ اِشْتَدَّ جُوعه حَتَّى يَحْمِلهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَرْن بَيْن التَّمْرَتَيْنِ أَوْ تَعْظِيم اللُّقْمَة فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الِاسْتِئْذَان فِي ذَلِكَ تَطْيِبًا لِنُفُوسِ الْبَاقِينَ , وَأَمَّا قِصَّة جَبَلَةَ بْن سُحَيْمٍ فَظَاهِرهَا أَنَّهَا مِنْ أَجْل الْغَبَن وَلِكَوْنِ مِلْكهمْ فِيهِ سَوَاء , وَرُوِيَ نَحْوه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي أَصْحَاب الصُّفَّة اِنْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن شَاهِين فِي النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ وَهُوَ فِي " مُسْنَد الْبَزَّار " مِنْ طَرِيق اِبْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ " كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْقِرَان فِي التَّمْر , وَأَنَّ اللَّه وَسَّعَ عَلَيْكُمْ فَاقْرِنُوا " فَلَعَلَّ النَّوَوِيّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيث فَإِنَّ فِي إِسْنَاده ضَعْفًا , قَالَ الْحَازِمِي : حَدِيث النَّهْي أَصَحّ وَأَشْهَر , إِلَّا أَنَّ الْخَطْب فِيهِ يَسِير , لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَاب الْعِبَادَات وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيل الْمَصَالِح الدُّنْيَوِيَّة فَيَكْفِي فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَيُعَضِّدهُ إِجْمَاع الْأُمَّة عَلَى جَوَاز ذَلِكَ.
كَذَا قَالَ , وَمُرَاده بِالْجَوَازِ فِي حَال كَوْن الشَّخْص مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَأْكُول وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِذْن لَهُ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ النَّوَوِيّ , وَإِلَّا فَلَمْ يُجِزْ أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء أَنْ يَسْتَأْثِر أَحَد بِمَالِ غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه , حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَ الطَّعَام بَيْن الضِّيفَان لَا يُرْضِيه اِسْتِئْثَار بَعْضهمْ عَلَى بَعْض حَرُمَ الِاسْتِئْثَار جَزْمًا , وَإِنَّمَا تَقَع الْمُكَارَمَة فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ قَرِينَة الرِّضَا.
وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي " ذَيْل الْغَرِيبَيْنِ " عَنْ عَائِشَة وَجَابِر اِسْتِقْبَاح الْقِرَان لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَه وَالطَّمَع الْمُزْرِي بِصَاحِبِهِ.
وَقَالَ مَالِك : لَيْسَ بِجَمِيلٍ أَنْ يَأْكُل أَكْثَر مِنْ رُفْقَته.
( تَنْبِيهٌ ) : فِي مَعْنَى التَّمْر الرُّطَب وَكَذَا الزَّبِيب وَالْعِنَب وَنَحْوهمَا , لِوُضُوحِ الْعِلَّة الْجَامِعَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : حَمَلَ أَهْل الظَّاهِر هَذَا النَّهْي عَلَى التَّحْرِيم , وَهُوَ سَهْو مِنْهُمْ وَجَهْل بِمَسَاقِ الْحَدِيث وَبِالْمَعْنَى , وَحَمَلَهُ الْجُمْهُور عَلَى حَال الْمُشَارَكَة فِي الْأَكْل وَالِاجْتِمَاع عَلَيْهِ بِدَلِيلِ فَهْم اِبْن عُمَر رَاوِيه وَهُوَ أَفْهَم لِلْمَقَالِ وَأَقْعَد بِالْحَالِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء مِمَّنْ يُوضَع الطَّعَام بَيْن يَدَيْهِ مَتَى يَمْلِكهُ ؟ فَقِيلَ بِالْوَضْعِ , وَقِيلَ بِالرَّفْعِ إِلَى فِيهِ وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ , فَعَلَى الْأَوَّل فَمِلْكهمْ فِيهِ سَوَاء , فَلَا يَجُوز أَنْ يَقْرُن إِلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ , وَعَلَى الثَّانِي يَجُوز أَنْ يَقْرُن ; لَكِنَّ التَّفْصِيل الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة.
نَعَمْ مَا يُوضَع بَيْن يَدَيْ الضِّيفَان وَكَذَلِكَ النِّثَار فِي الْأَعْرَاس سَبِيله فِي الْعُرْف سَبِيل الْمُكَارَمَة لَا التَّشَاحّ , لِاخْتِلَافِ النَّاس فِي مِقْدَار الْأَكْل , وَفِي الِاحْتِيَاج إِلَى التَّنَاوُل مِنْ الشَّيْء , وَلَوْ حُمِلَ الْأَمْر عَلَى تَسَاوِي السُّهْمَان بَيْنهمْ لَضَاقَ الْأَمْر عَلَى الْوَاضِع وَالْمَوْضُوع لَهُ , وَلَمَا سَاغَ لِمَنْ لَا يَكْفِيه الْيَسِير أَنْ يَتَنَاوَل أَكْثَر مِنْ نَصِيب مَنْ يُشْبِعهُ الْيَسِير , وَلَمَا لَمْ يَتَشَاحَّ النَّاس فِي ذَلِكَ وَجَرَى عَمَلهمْ عَلَى الْمُسَامَحَة فِيهِ عُرِفَ أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاق فِي كُلّ حَالَة , وَاللَّهُ أَعْلَم.
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرَزَقَنَا تَمْرًا فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ وَيَقُولُ لَا تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْقِرَانِ ثُمَّ يَقُولُ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ الْإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ
عن عبد الله بن جعفر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.»
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من الشجر شجرة تكون مثل المسلم، وهي النخلة.»
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء.»
عن أنس: «أن أم سليم أمه عمدت إلى مد من شعير جشته، وجعلت منه خطيفة وعصرت عكة عندها، ثم بعثتني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في أصحابه فدعوت...
عن عبد العزيز قال: قيل لأنس : «ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في الثوم؟ فقال: من أكل فلا يقربن مسجدنا.»
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، زعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا.»
عن جابر بن عبد الله قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجني الكباث، فقال: عليكم بالأسود منه فإنه أيطب.<br> فقال: أكنت ترعى الغنم؟...
عن سويد بن النعمان قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فلما كنا بالصهباء دعا بطعام، فما أتي إلا بسويق فأكلنا، فقام إلى الصلاة فتمضم...
عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها.»