5723-
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء» قال نافع، وكان عبد الله يقول: اكشف عنا الرجز.
(الرجز) العذاب
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث اِبْن عُمَر أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن وَهْب عَنْ مَالِك , وَكَذَا مُسْلِم.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " الْمُوَطَّئَاتِ " : لَمْ يَرْوِهِ مِنْ أَصْحَاب مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " إِلَّا اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَتَابَعَهُمَا الشَّافِعِيّ وَسَعِيد بْن عُفَيْر وَسَعِيد بْن دَاوُدَ , قَالَ : وَلَمْ يَأْتِ بِهِ مَعْن وَلَا الْقَعْنَبِيّ وَلَا أَبُو مَصْعَب وَلَا اِبْن بُكَيْر اِنْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي التَّقَصِّي.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخنَا فِي تَقْرِيبه مِنْ رِوَايَة أَبِي مَصْعَب عَنْ مَالِك , وَهُوَ ذُهُول مِنْهُ , لِأَنَّهُ اِعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْمُلَخَّص لِلْقَابِسِيّ , وَالْقَابِسِيّ إِنَّمَا أَخْرَجَ الْمُلَخَّص مِنْ طَرِيق اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك , وَهَذَا ثَانِي حَدِيث عَثَرْت عَلَيْهِ فِي تَقْرِيب الْأَسَانِيد لِشَيْخِنَا عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْهُ مِنْ هَذَا الْجِنْس , وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ نَصِيحَة لِلَّهِ تَعَالَى وَاَللَّه أَعْلَم , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة حَرْمَلَة عَنْ الشَّافِعِيّ , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن عُفَيْر , وَمِنْ طَرِيق سَعِيد بْن دَاوُدَ , وَلَمْ يَخْرُجهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ فِي " التَّمْهِيد " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن يَحْيَى اللَّيْثِيّ , وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( فَأَطْفِئُوهَا ) بِهَمْزَةِ قَطْع ثُمَّ طَاء مُهْمَلَة وَفَاء مَكْسُورَة ثُمَّ هَمْزَة أَمْر بِالْإِطْفَاءِ , وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَة عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع فِي صِفَة النَّار مِنْ بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ " فَأَبْرِدُوهَا " وَالْمَشْهُور فِي ضَبْطهَا بِهَمْزَةِ وَصْل وَالرَّاء مَضْمُومَة , وَحُكِيَ كَسْرهَا , يُقَال بَرَدْت الْحُمَّى أَبْرُدهَا بَرْدًا بِوَزْنِ قَتَلْتهَا أَقْتُلهَا قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْت حَرَارَتهَا , قَالَ شَاعِر الْحَمَاسَة : إِذَا وَجَدْت لَهَيْب الْحُبّ فِي كَبِدِي أَقْبَلْت نَحْو سِقَاء الْقَوْم أَبْتَرِد هَبْنِي بَرَدْت بِبَرْدِ الْمَاء ظَاهِره فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الْأَحْشَاء تَتَّقِد وَحَكَى عِيَاض رِوَايَة بِهَمْزَةِ قَطْع مَفْتُوحَة وَكَسْر الرَّاء , مِنْ أَبْرَدَ الشَّيْء إِذَا عَالَجَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا , مِثْل أَسْخَنَهُ إِذَا صَيَّرَهُ سُخْنَا , وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْخَطَّابِيُّ , وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : إِنَّهَا لُغَة رَدِيئَة.
قَوْله : ( بِالْمَاءِ ) فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد اِبْن مَاجَهْ " بِالْمَاءِ الْبَارِد " وَمِثْله فِي حَدِيث سَمُرَة عِنْد أَحْمَد , وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس " بِمَاءِ زَمْزَم " كَمَا مَضَى فِي صِفَة النَّار مِنْ رِوَايَة أَبِي جَمْرَة بِالْجِيمِ قَالَ : " كُنْت أُجَالِس اِبْن عَبَّاس بِمَكَّة فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى " وَفِي رِوَايَة أَحْمَد " كُنْت أَدْفَع لِلنَّاسِ عَنْ اِبْن عَبَّاس فَاحْتَبَسْت أَيَّامًا فَقَالَ : مَا حَبَسَك ؟ قُلْت الْحُمَّى , قَالَ : أَبْرِدْهَا بِمَاءِ زَمْزَم , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْحُمَّى مِنْ فَيْح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ بِمَاءِ زَمْزَم " شَكَّ هَمَّام.
كَذَا فِي رَاوِيَة الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي عَامِر الْعَقَدِيّ عَنْ هَمَّام.
وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ ذِكْر مَاء زَمْزَم لَيْسَ قَيْدًا لِشَكِّ رَاوِيهِ فِيهِ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن الْقَيِّم.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ عَفَّان عَنْ هَمَّام " فَأَبْرِدُوهَا بِمَاءِ زَمْزَم " وَلَمْ يَشُكّ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ رِوَايَة عَفَّان , وَإِنْ كَانَ الْحَاكِم وَهَمّ فِي اِسْتِدْرَاكه.
وَتَرْجَمَ لَهُ اِبْن حِبَّان بَعْد إِيرَاده حَدِيث اِبْن عُمَر فَقَالَ : ذُكِرَ الْخَبَر الْمُفَسِّر لِلْمَاءِ الْمُجْمَل فِي الْحَدِيث الَّذِي قَبْله , وَهُوَ أَنَّ شِدَّة الْحُمَّى تُبَرَّد بِمَاءِ زَمْزَم دُون غَيْره مِنْ الْمِيَاه , وَسَاقَ حَدِيث اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ تُعُقِّبَ - عَلَى تَقْدِير أَنْ لَا شَكَّ فِي ذِكْر مَاء زَمْزَم فِيهِ - بِأَنَّ الْخِطَاب لِأَهْلِ مَكَّة خَاصَّة لِتَيَسُّرِ مَاء زَمْزَم عِنْدهمْ , كَمَا خُصَّ الْخِطَاب بِأَصْلِ الْأَمْر بِأَهْلِ الْبِلَاد الْحَارَّة.
وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ : اِعْتَرَضَ بَعْض سُخَفَاء الْأَطِبَّاء عَلَى هَذَا الْحَدِيث بِأَنْ قَالَ : اِغْتِسَال الْمَحْمُوم بِالْمَاءِ خَطَر يُقَرِّبهُ مِنْ الْهَلَاك , لِأَنَّهُ يَجْمَع الْمَسَامّ وَيَحْقِن الْبُخَار وَيَعْكِس الْحَرَارَة إِلَى دَاخِل الْجِسْم فَيَكُون ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّلَفِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : غَلِطَ بَعْض مَنْ يُنْسَب إِلَى الْعِلْم فَانْغَمَسَ فِي الْمَاء لَمَّا أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتْ الْحَرَارَة فِي بَاطِن بَدَنه فَأَصَابَتْهُ عِلَّة صَعْبَة كَادَتْ تُهْلِكهُ , فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّته قَالَ قَوْلًا سَيِّئًا لَا يَحْسُن ذِكْره , وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ جَهْله بِمَعْنَى الْحَدِيث , وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْإِشْكَال صَدَرَ عَنْ صَدْر مُرْتَاب فِي صِدْق الْخَبَر , فَيُقَال لَهُ أَوَّلًا مِنْ أَيْنَ حَمَلْت الْأَمْر عَلَى الِاغْتِسَال وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح بَيَان الْكَيْفِيَّة فَضْلًا عَنْ اِخْتِصَاصهَا بِالْغُسْلِ , وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيث الْإِرْشَاد إِلَى تَبْرِيد الْحُمَّى بِالْمَاءِ فَإِنْ أَظْهَرَ الْوُجُود أَوْ اِقْتَضَتْ صِنَاعَة الطِّبّ أَنَّ اِنْغِمَاس كُلّ مَحْمُوم فِي الْمَاء أَوْ صَبّه إِيَّاهُ عَلَى جَمِيع بَدَنه يَضُرّهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَاد , وَإِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِعْمَال الْمَاء عَلَى وَجْه يَنْفَع , فَلْيُبْحَث عَنْ ذَلِكَ الْوَجْه لِيَحْصُل الِانْتِفَاع بِهِ , وَهُوَ كَمَا وَقَعَ فِي أَمْره الْعَائِن بِالِاغْتِسَالِ وَأَطْلَقَ , وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ الْحَدِيث الْآخَر أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُطْلَق الِاغْتِسَال , وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاغْتِسَال عَلَى كَيْفِيَّة مَخْصُوصَة , وَأَوْلَى مَا يُحْمَل عَلَيْهِ كَيْفِيَّة تَبْرِيد الْحُمَّى مَا صَنَعَتْهُ أَسْمَاء بِنْت الصِّدِّيق , فَإِنَّهَا كَانَتْ تَرُشّ عَلَى بَدَن الْمَحْمُوم شَيْئًا مِنْ الْمَاء بَيْن يَدَيْهِ وَثَوْبه فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ بَاب النَّشْرَة الْمَأْذُون فِيهَا , وَالصَّحَابِيّ وَلَا سِيَّمَا مِثْل أَسْمَاء الَّتِي هِيَ مِمَّنْ كَانَ يُلَازِم بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَم بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرهَا , وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِيرَاد الْبُخَارِيّ لِحَدِيثِهَا عَقِب حَدِيث اِبْن عُمَر الْمَذْكُور , وَهَذَا مِنْ بَدِيع تَرْتِيبه.
وَقَالَ الْمَازِرِيّ : وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلْم الطِّبّ مِنْ أَكْثَر الْعُلُوم اِحْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيل , حَتَّى أَنَّ الْمَرِيض يَكُون الشَّيْء دَوَاءَهُ فِي سَاعَة ثُمَّ يَصِير دَاء لَهُ فِي السَّاعَة الَّتِي تَلِيهَا , لِعَارِضٍ يَعْرِض لَهُ مِنْ غَضَب يَحْمِي مِزَاجه مَثَلًا فَيَتَغَيَّر عِلَاجه , وَمِثْل ذَلِكَ كَثِير , فَإِذَا فُرِضَ وُجُود الشِّفَاء لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فِي حَالَة مَا لَمْ يَلْزَم مِنْهُ وُجُود الشِّفَاء بِهِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِهِ فِي سَائِر الْأَحْوَال , وَالْأَطِبَّاء مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَض الْوَاحِد يَخْتَلِف عِلَاجه بِاخْتِلَافِ السِّنّ وَالزَّمَان وَالْعَادَة وَالْغِذَاء الْمُتَقَدِّم وَالتَّأْثِير الْمَأْلُوف وَقُوَّة الطِّبَاع.
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ.
قَالُوا : وَعَلَى تَقْدِير أَنْ يُرِيد التَّصْرِيح بِالِاغْتِسَالِ فِي جَمِيع الْجَسَد , فَيُجَاب بِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنَّهُ يَقَع بَعْد إِقْلَاع الْحُمَّى , وَهُوَ بَعِيد.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِي وَقْت مَخْصُوص بِعَدَدٍ مَخْصُوص فَيَكُون مِنْ الْخَوَاصّ الَّتِي اِطَّلَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا بِالْوَحْيِ , وَيَضْمَحِلّ عِنْد ذَلِكَ جَمِيع كَلَام أَهْل الطِّبّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث ثَوْبَانِ مَرْفُوعًا " إِذَا أَصَابَ أَحَدكُمْ الْحُمَّى - وَهِيَ قِطْعَة مِنْ النَّار - فَلْيُطْفِئهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ , يَسْتَنْقِع فِي نَهَر جَارٍ وَيَسْتَقْبِل جِرْيَته وَلْيَقُلْ : بِسْمِ اللَّه , اللَّهُمَّ اِشْفِ عَبْدك وَصَدِّقْ رَسُولك , بَعْد صَلَاة الصُّبْح قَبْل طُلُوع الشَّمْس , وَلْيَنْغَمِس فِيهِ ثَلَاث غَمَسَات ثَلَاثَة أَيَّام , فَإِنْ لَمْ يَبْرَأ فَخَمْس , وَإِلَّا فَسَبْع , وَإِلَّا فَتِسْع , فَإِنَّهَا لَا تَكَاد تُجَاوِز تِسْعًا بِإِذْنِ اللَّه " قَالَ التِّرْمِذِيّ غَرِيب.
قُلْت : وَفِي سَنَده سَعِيد بْن زَرْعَة مُخْتَلَف فِيهِ.
قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِبَعْضِ الْحُمَّيَات دُون بَعْض , فِي بَعْض الْأَمَاكِن دُون بَعْض , لِبَعْضِ الْأَشْخَاص دُون بَعْض.
وَهَذَا أَوْجَه.
فَإِنَّ خِطَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَكُون عَامًّا وَهُوَ الْأَكْثَر , وَقَدْ يَكُون خَاصًّا كَمَا قَالَ : " لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَة بِغَائِطٍ وَلَا بَوْل وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا " فَقَوْله " شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا " لَيْسَ عَامًّا لِجَمِيعِ أَهْل الْأَرْض بَلْ هُوَ خَاصّ لِمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّة وَعَلَى سَمْتهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره فِي كِتَاب الطَّهَارَة , فَكَذَلِكَ هَذَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَخْصُوصًا بِأَهْلِ الْحِجَاز وَمَا وَالَاهُمْ إِذْ كَانَ أَكْثَر الْحُمَّيَات الَّتِي تَعْرِض لَهُمْ مِنْ الْعَرْضِيَّة الْحَادِثَة عَنْ شِدَّة الْحَرَارَة , وَهَذِهِ يَنْفَعهَا الْمَاء الْبَارِد شُرْبًا وَاغْتِسَالًا , لِأَنَّ الْحُمَّى حَرَارَة غَرِيبَة تَشْتَعِل فِي الْقَلْب وَتَنْتَشِر مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوح وَالدَّم فِي الْعُرُوق إِلَى جَمِيع الْبَدَن , وَهِيَ قِسْمَانِ : عَرَضِيَّة وَهِيَ الْحَادِثَة عَنْ وَرَم أَوْ حَرَكَة أَوْ إِصَابَة حَرَارَة الشَّمْس أَوْ الْقَيْظ الشَّدِيد وَنَحْو ذَلِكَ , وَمَرَضِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة أَنْوَاع , وَتَكُون عَنْ مَادَّة , ثُمَّ مِنْهَا مَا يُسَخِّن جَمِيع الْبَدَن , فَإِنْ كَانَ مَبْدَأ تَعَلُّقهَا بِالرُّوحِ فَهِيَ حُمَّى يَوْم لِأَنَّهَا تَقَع غَالِبًا فِي يَوْم وَنِهَايَتهَا إِلَى ثَلَاثَة , وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقهَا بِالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّة فَهِيَ حُمَّى دِقّ وَهِيَ أَخْطَرهَا , وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقهَا بِالْأَخْلَاطِ سُمِّيَتْ عَفَنِيَّة وَهِيَ بِعَدَدِ الْأَخْلَاط الْأَرْبَعَة , وَتَحْت هَذِهِ الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة أَصْنَاف كَثِيرَة بِسَبَبِ الْإِفْرَاد وَالتَّرْكِيب.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد النَّوْع الْأَوَّل فَإِنَّهَا تَسْكُن بِالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاء الْبَارِد وَشُرْب الْمَاء الْمُبَرَّد بِالثَّلْجِ وَبِغَيْرِهِ وَلَا يَحْتَاج صَاحِبهَا إِلَى عِلَاج آخَر , وَقَدْ قَالَ جَالِينُوس فِي كِتَاب حِيلَة الْبُرْء لَوْ أَنَّ شَابًّا حَسَن اللَّحْم خَصِب الْبَدَن لَيْسَ فِي أَحْشَائِهِ وَرَم اِسْتَحَمَّ بِمَاءٍ بَارِد أَوْ سَبَحَ فِيهِ وَقْت الْقَيْظ عِنْد مُنْتَهَى الْحُمَّى لَا يَنْتَفِع بِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ : إِذَا كَانَتْ الْقُوَى قَوِيَّة وَالْحُمَّى حَادَّة وَالنُّضْج بَيِّن وَلَا وَرَم فِي الْجَوْف وَلَا فَتْق فَإِنَّ الْمَاء الْبَارِد يَنْفَع شُرْبه , فَإِنْ كَانَ الْعَلِيل خَصِب الْبَدَن وَالزَّمَان حَارًّا وَكَانَ مُعْتَادًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاء الْبَارِد اِغْتِسَالًا فَلْيُؤَذَّنْ لَهُ فِيهِ.
وَقَدْ نَزَّلَ اِبْن الْقَيِّم حَدِيث ثَوْبَان عَلَى هَذِهِ الْقُيُود فَقَالَ : هَذِهِ الصِّفَة تَنْفَع فِي فَصْل الصَّيْف فِي الْبِلَاد الْحَارَّة فِي الْحُمَّى الْعَرَضِيَّة أَوْ الْغِبّ الْخَالِصَة الَّتِي لَا وَرَم مَعَهَا وَلَا شَيْء مِنْ الْأَعْرَاض الرَّدِيئَة , وَالْمُرَاد الْفَاسِدَة , فَيُطْفِئهَا بِإِذْنِ اللَّه , فَإِنَّ الْمَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَبْرَد مَا يَكُون لِبُعْدِهِ عَنْ مُلَاقَاة الشَّمْس , وَوُفُور الْقُوَى فِي ذَلِكَ الْوَقْت لِكَوْنِهِ عَقِب النُّور وَالسُّكُون وَبَرْد الْهَوَاء , قَالَ : وَالْأَيَّام الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي يَقَع فِيهَا بِحَرَارَةِ الْأَمْرَاض الْحَادَّة غَالِبًا وَلَا سِيَّمَا فِي الْبِلَاد الْحَارَّة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالُوا : وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيث اِسْتِعْمَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاء الْبَارِد فِي عِلَّته كَمَا قَالَ " صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْع قِرَب لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتهنَّ " وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه.
وَقَالَ سَمُرَة " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حُمَّ دَعَا بِقِرْبَةٍ مِنْ مَاء فَأَفْرَغَهَا عَلَى قَرْنه فَاغْتَسَلَ " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم , وَلَكِنْ فِي سَنَده رَاوٍ ضَعِيف.
وَقَالَ أَنَس : " إِذَا حُمَّ أَحَدكُمْ فَلْيُشِنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاء الْبَارِد مِنْ السَّحَر ثَلَاث لَيَالٍ " أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو نُعَيْم فِي الطِّبّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم وَسَنَده قَوِيّ , وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث أُمّ خَالِد بِنْت سَعِيد أَخْرَجَهُ الْحَسَن بْن سُفْيَان فِي مُسْنَده وَأَبُو نُعَيْم فِي الطِّبّ مِنْ طَرِيقه , وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُرَقَّع رَفَعَهُ " الْحُمَّى رَائِد الْمَوْت , وَهِيَ سِجْن اللَّه فِي الْأَرْض فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاء فِي الشِّنَان , وَصُبُّوهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا بَيْن الْأَذَانَيْنِ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء.
قَالَ فَفَعَلُوا فَذَهَبَ عَنْهُمْ " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا تَرُدّ التَّأْوِيل الَّذِي نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ اِبْن الْأَنْبَارِيّ أَنَّهُ قَالَ : الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فَأَبْرِدُوهَا الصَّدَقَة بِهِ , قَالَ اِبْن الْقَيِّم : أَظُنّ الَّذِي حَمَلَ قَائِل هَذَا أَنَّهُ أَشْكَلَ عَلَيْهِ اِسْتِعْمَال الْمَاء فِي الْحُمَّى فَعَدَلَ إِلَى هَذَا , وَلَهُ وَجْه حَسَن لِأَنَّ الْجَزَاء مِنْ جِنْس الْعَمَل , فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَخْمَدَ لَهِيب الْعَطْشَان بِالْمَاءِ أَخْمَدَ اللَّه لَهِيب الْحُمَّى عَنْهُ , وَلَكِنْ هَذَا يُؤْخَذ مِنْ فِقْه الْحَدِيث وَإِشَارَته , وَأَمَّا الْمُرَاد بِهِ بِالْأَصْلِ فَهُوَ اِسْتِعْمَاله فِي الْبَدَن حَقِيقَة كَمَا تَقَدَّمَ , وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله : ( قَالَ نَافِع وَكَانَ عَبْد اللَّه ) أَيْ اِبْن عُمَر ( يَقُول اِكْشِفْ عَنَّا الرِّجْز ) أَيْ الْعَذَاب , وَهَذَا مَوْصُول بِالسَّنَدِ الَّذِي قَبْله , وَكَأَنَّ اِبْن عُمَر فَهِمَ مِنْ كَوْن أَصْل الْحُمَّى مِنْ جَهَنَّم أَنَّ مَنْ أَصَابَتْهُ عُذِّبَ بِهَا , وَهَذَا التَّعْذِيب يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ مَحِلّه : فَيَكُون لِلْمُؤْمِنِ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِهِ وَزِيَادَة فِي أُجُوره كَمَا سَبَقَ , وَلِلْكَافِرِ عُقُوبَة وَانْتِقَامًا.
وَإِنَّمَا طَلَبَ اِبْن عُمَر كَشْفه مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الثَّوَاب لِمَشْرُوعِيَّةِ طَلَب الْعَافِيَة مِنْ اللَّه سُبْحَانه , إِذْ هُوَ قَادِر عَلَى أَنْ يُكَفِّر سَيِّئَات عَبْده وَيُعْظِم ثَوَابه , مِنْ غَيْر أَنْ يُصِيبهُ شَيْء يَشُقّ عَلَيْهِ , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ
عن فاطمة بنت المنذر : «أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها» قالت: وكان رسول...
عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم فابردوها بالماء.»
عن رافع بن خديج قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الحمى من فوح جهنم فابردوها بالماء.»
عن أنس بن مالك حدثهم «أن ناسا أو رجالا من عكل وعرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، وقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع ولم...
عن أسامة بن زيد يحدث سعدا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها.» فقلت: أنت...
عن عبد الله بن عباس «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء...
عن عبد الله بن عامر : «أن عمر خرج إلى الشأم، فلما كان بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشأم، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون.»
عن حفصة بنت سيرين قالت: «قال لي أنس بن مالك رضي الله عنه: يحيى، بما مات؟ قلت: من الطاعون، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل م...