5782- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( عَنْ عُتْبَةَ بْن مُسْلِم مَوْلَى بَنِي تَمِيم ) هُوَ مَدَنِيّ , وَأَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا عُتْبَةَ , وَمَا لِعُتْبَةَ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِع.
قَوْله : ( عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ ) مَضَى فِي بَدْء الْخَلْق مِنْ طَرِيق سُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ عُتْبَةَ بْن مُسْلِم " أَخْبَرَنِي عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونَيْنِ مُصَغَّر وَكُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه.
قَوْله : ( مَوْلَى بَنِي زُرَيْق ) بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ قَاف مُصَغَّر , وَحَكَى الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّهُ مَوْلَى زَيْد بْن الْخَطَّاب ; وَعَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ أَنَّهُ مَوْلَى الْعَبَّاس , وَهُوَ خَطَأ كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَخُو عَبْد اللَّه بْن حُنَيْنٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَمَا لِعُبَيْدٍ أَيْضًا فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث أَوْرَدَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ.
قَوْله : ( إِذَا وَقَعَ الذُّبَاب ) قِيلَ سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَته وَاضْطِرَابه , وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى عَنْ اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا " عُمْر الذُّبَاب أَرْبَعُونَ لَيْلَة , وَالذُّبَاب كُلّه فِي النَّار إِلَّا النَّحْل " وَسَنَده لَا بَأْس بِهِ , وَأَخْرَجَهُ اِبْن عَدِيّ دُون أَوَّله مِنْ وَجْه آخَر ضَعِيف , قَالَ الْجَاحِظ : كَوْنه فِي النَّار لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ , بَلْ لِيُعَذَّب أَهْل النَّار بِهِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ : يُقَال إِنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْ الطُّيُور يَلَغُ إِلَّا الذُّبَاب.
وَقَالَ أَفْلَاطُون : الذُّبَاب أَحْرَص الْأَشْيَاء , حَتَّى إِنَّهُ يُلْقِي نَفْسه فِي كُلّ شَيْء وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكه.
وَيَتَوَلَّد مِنْ الْعُفُونَة.
وَلَا جَفْن لِلذُّبَابَةِ لِصِغَرِ حَدَقَتهَا , وَالْجَفْن يَصْقُل الْحَدَقَة , فَالذُّبَابَة تَصْقُل بِيَدَيْهَا فَلَا تَزَال تَمْسَح عَيْنَيْهَا.
وَمِنْ عَجِيب أَمْره أَنَّ رَجِيعه يَقَع عَلَى الثَّوْب الْأَسْوَد أَبْيَض وَبِالْعَكْسِ.
وَأَكْثَر مَا يَظْهَر فِي أَمَاكِن الْعُفُونَة , وَمَبْدَأ خَلْقه مِنْهَا ثُمَّ مِنْ التَّوَالُد.
وَهُوَ مِنْ أَكْثَر الطُّيُور سِفَادًا , رُبَّمَا بَقِيَ عَامَّة الْيَوْم عَلَى الْأُنْثَى.
وَيُحْكَى أَنَّ بَعْض الْخُلَفَاء سَأَلَ الشَّافِعِيّ : لِأَيِّ عِلَّة خُلِقَ الذُّبَاب ؟ فَقَالَ : مَذَلَّة لِلْمُلُوكِ.
وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَة , فَقَالَ الشَّافِعِيّ : سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَاب فَاسْتَنْبَطْته مِنْ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمَالِقِيّ : ذُبَاب النَّاس يَتَوَلَّد مِنْ الزِّبْل.
وَإِنْ أُخِذَ الذُّبَاب الْكَبِير فَقُطِعَتْ رَأْسهَا وَحُكَّ بِجَسَدِهَا الشَّعْرَة الَّتِي فِي الْجَفْن حَكًّا شَدِيدًا أَبْرَأَتْهُ وَكَذَا دَاء الثَّعْلَب.
وَإِنْ مُسِحَ لَسْعَة الزُّنْبُور بِالذُّبَابِ سَكَنَ الْوَجَع.
قَوْله : ( فِي إِنَاء أَحَدكُمْ ) تَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق بِلَفْظِ " شَرَاب " وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد عِنْد النَّسَائِيِّ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان إِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَام " وَالتَّعْبِير بِالْإِنَاءِ أَشْمَل , وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس عِنْد الْبَزَّار.
قَوْله : ( فَلْيَغْمِسْهُ كُلّه ) أَمْر إِرْشَاد لِمُقَابَلَةِ الدَّاء بِالدَّوَاءِ.
وَفِي قَوْله : " كُلّه " رَفْع تَوَهُّم الْمَجَاز فِي الِاكْتِفَاء بِغَمْسِ بَعْضه.
قَوْله : ( ثُمَّ لْيَطْرَحهُ ) فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال " ثُمَّ لْيَنْزِعهُ " وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن الْمُثَنَّى عَنْ عَمّه ثُمَامَة أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ : " كُنَّا عِنْد أَنَس , فَوَقَعَ ذُبَاب فِي إِنَاء فَقَالَ أَنَس بِإِصْبَعِهِ فَغَمَسَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاء ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّه.
وَقَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَرِجَاله ثِقَات , وَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثُمَامَة فَقَالَ : " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " وَرَجَّحَهَا أَبُو حَاتِم , وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ : الطَّرِيقَانِ مُحْتَمَلَانِ.
قَوْله : ( فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ ) فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ " فَإِنَّ فِي أَحَد " وَالْجَنَاح يُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَقِيلَ : أُنِّثَ بِاعْتِبَارِ الْيَد , وَجَزَمَ الصَّغَانِيّ بِأَنَّهُ لَا يُؤَنَّث وَصَوَّبَ رِوَايَة " أَحَد " وَحَقِيقَته لِلطَّائِرِ , وَيُقَال لِغَيْرِهِ عَلَى سَبِيل الْمَجَاز كَمَا فِي قَوْله : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاح الذُّلّ ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاء , وَلَمْ يَقَع لِي فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق تَعْيِين الْجَنَاح الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء مِنْ غَيْره , لَكِنْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الْأَيْسَر فَعُرِفَ أَنَّ الْأَيْمَن هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء , وَالْمُنَاسَبَة فِي ذَلِكَ ظَاهِرَة.
وَفِي حَدِيث أَبِي سَعِيد الْمَذْكُور أَنَّهُ يُقَدِّم السُّمّ وَيُؤَخِّر الشِّفَاء.
وَيُسْتَفَاد مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَة تَفْسِير الدَّاء الْوَاقِع فِي حَدِيث الْبَاب وَأَنَّ الْمُرَاد بِهِ السُّمّ فَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّخْرِيج الَّذِي تَكَلَّفَهُ بَعْض الشُّرَّاح فَقَالَ : إِنَّ فِي اللَّفْظ مَجَازًا وَهُوَ كَوْن الدَّاء فِي أَحَد الْجَنَاحَيْنِ , فَهُوَ إِمَّا مِنْ مَجَاز الْحَذْف وَالتَّقْدِير فَإِنَّ فِي جَنَاحَيْهِ سَبَب دَاء , إِمَّا مُبَالَغَة بِأَنْ يُجْعَل كُلّ الدَّاء فِي أَحَد جَنَاحَيْهِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لَهُ.
وَقَالَ آخَر يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الدَّاء مَا يُعْرَض فِي نَفْس الْمَرْء مِنْ التَّكَبُّر عَنْ أَكْله حَتَّى رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ ذَلِكَ الطَّعَام وَإِتْلَافه , وَالدَّوَاء مَا يَحْصُل مِنْ قَمْع النَّفْس وَحَمْلهَا عَلَى التَّوَاضُع.
قَوْله : ( وَفِي الْآخَر شِفَاء ) فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ " وَفِي الْأُخْرَى " وَفِي نُسْخَة " وَالْأُخْرَى " بِحَذْفِ حَرْف الْجَرّ , وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال " فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاء وَالْآخَر شِفَاء " وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ يُجِيز الْعَطْف عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ كَالْأَخْفَشِ , وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأ بِخَفْضِ الْآخَر وَبِنَصْبِ شِفَاء فَعُطِفَ الْآخَر عَلَى الْأَحَد وَعُطِفَ شِفَاء عَلَى دَاء , وَالْعَامِل فِي إِحْدَى حَرْف فِي , وَالْعَامِل فِي دَاء إِنَّ , وَهُمَا عَامِلَانِ فِي الْآخَر وَشِفَاء , وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيز ذَلِكَ وَيَقُول : إِنَّ حَرْف الْجَرّ حُذِفَ وَبَقِيَ الْعَمَل وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " وَفِي الْأُخْرَى شِفَاء " وَيَجُوز رَفْع شِفَاء عَلَى الِاسْتِئْنَاف.
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْمَاء الْقَلِيل لَا يَنْجُس بِوُقُوعِ مَا لَا نَفْس لَهُ سَائِلَة فِيهِ وَوَجْه الِاسْتِدْلَال - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيّ - أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُر بِغَمْسِ مَا يُنَجِّس الْمَاء إِذَا مَاتَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِفْسَاد.
وَقَالَ بَعْض مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ : لَا يَلْزَم مِنْ غَمْس الذُّبَاب مَوْته فَقَدْ يَغْمِسهُ بِرِفْقٍ فَلَا يَمُوت , وَالْحَيّ لَا يُنَجِّس مَا يَقَع فِيهِ كَمَا صَرَّحَ الْبَغَوِيُّ بِاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّب الطَّبَرِيُّ : لَمْ يَقْصِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيث بَيَان النَّجَاسَة وَالطَّهَارَة , وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَان التَّدَاوِي مِنْ ضَرَر الذُّبَاب , وَكَذَا لَمْ يَقْصِد بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاة فِي مَعَاطِن الْإِبِل وَالْإِذْن فِي مَرَاح الْغَنَم طَهَارَة وَلَا نَجَاسَة وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخُشُوع لَا يُوجَد مَعَ الْإِبِل دُون الْغَنَم.
قُلْت : وَهُوَ كَلَام صَحِيح , إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَع أَنْ يُسْتَنْبَط مِنْهُ حُكْم آخَر , فَإِنَّ الْأَمْر بِغَمْسِهِ يَتَنَاوَل صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَغْمِسهُ مُحْتَرِزًا عَنْ مَوْته كَمَا هُوَ الْمُدَّعَى هُنَا , وَأَنْ لَا يَحْتَرِز بَلْ يَغْمِسهُ سَوَاء مَاتَ أَوْ لَمْ يَمُتْ.
وَيَتَنَاوَل مَا لَوْ كَانَ الطَّعَام حَارًّا فَإِنَّ الْغَالِب أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَة يَمُوت بِخِلَافِ الطَّعَام الْبَارِد , فَلَمَّا لَمْ يَقَع التَّقْيِيد حُمِلَ عَلَى الْعُمُوم , لَكِنْ فِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ مُطْلَق يُصَدَّق بِصُورَةٍ فَإِذَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى صُورَة مُعَيَّنَة حُمِلَ عَلَيْهَا.
وَاسْتَشْكَلَ اِبْن دَقِيق الْعِيد إِلْحَاق غَيْر الذُّبَاب بِهِ فِي الْحُكْم الْمَذْكُور بِطَرِيقٍ آخَر فَقَالَ : وَرَدَ النَّصّ فِي الذُّبَاب فَعَدُوّهُ إِلَى كُلّ مَا لَا نَفْس لَهُ سَائِلَة , وَفِيهِ نَظَر , لِجَوَازِ أَنْ تَكُون الْعِلَّة فِي الذُّبَاب قَاصِرَة وَهِيَ عُمُوم الْبَلْوَى , وَهَذِهِ مُسْتَنْبَطَة.
أَوْ التَّعْلِيل بِأَنَّ فِي أَحَد جَنَاحَيْهِ دَاء وَفِي الْآخَر شِفَاء , وَهَذِهِ مَنْصُوصَة , وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ لَا يُوجَدَانِ فِي غَيْره فَيَبْعُد كَوْن الْعِلَّة مُجَرَّد كَوْنه لَا دَم لَهُ سَائِل , بَلْ الَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ جُزْء عِلَّة لَا عِلَّة كَامِلَة اِنْتَهَى.
وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا يَعُمّ وُقُوعه فِي الْمَاء كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوض لَا يُنَجِّس الْمَاء , وَمَا لَا يَعُمّ كَالْعَقَارِبِ يُنَجِّس , وَهُوَ قَوِيّ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيث مَنْ لَا خَلَاق لَهُ فَقَالَ : كَيْف يَجْتَمِع الشِّفَاء وَالدَّاء فِي جَنَاحَيْ الذُّبَاب , وَكَيْف يَعْلَم ذَلِكَ مِنْ نَفْسه حَتَّى يُقَدِّم جَنَاح الشِّفَاء , وَمَا أَلْجَأَهُ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : وَهَذَا سُؤَال جَاهِل أَوْ مُتَجَاهِل , فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْحَيَوَان قَدْ جَمَعَ الصِّفَات الْمُتَضَادَّة.
وَقَدْ أَلَّفَ اللَّه بَيْنهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاع وَجَعَلَ مِنْهَا قُوَى الْحَيَوَان , وَإِنَّ الَّذِي أَلْهَمَ النَّحْلَة اِتِّخَاذ الْبَيْت الْعَجِيب الصَّنْعَة لِلتَّعْسِيلِ فِيهِ , وَأَلْهَمَ النَّمْلَة أَنْ تَدَّخِر قُوتهَا أَوَان حَاجَتهَا , وَأَنْ تَكْسِر الْحَبَّة نِصْفَيْنِ لِئَلَّا تَسْتَنْبِت , لَقَادِر عَلَى إِلْهَام الذُّبَابَة أَنْ تُقَدِّم جَنَاحًا وَتُؤَخِّر آخَر.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : مَا نُقِلَ عَنْ هَذَا الْقَائِل لَيْسَ بِعَجِيبٍ , فَإِنَّ النَّحْلَة تُعَسِّل مِنْ أَعْلَاهَا وَتُلْقِي السُّمّ مِنْ أَسْفَلهَا , وَالْحَيَّة الْقَاتِل سُمّهَا تَدْخُل لُحُومهَا فِي التِّرْيَاق الَّذِي يُعَالَج بِهِ السُّمّ , وَالذُّبَابَة تُسْحَق مَعَ الْإِثْمِد لِجَلَاءِ الْبَصَر.
وَذَكَرَ بَعْض حُذَّاق الْأَطِبَّاء أَنَّ فِي الذُّبَاب قُوَّة سُمِّيَّة يَدُلّ عَلَيْهَا الْوَرَم وَالْحَكَّة الْعَارِضَة عَنْ لَسْعه , وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاح لَهُ , فَإِذَا سَقَطَ الذُّبَاب فِيمَا يُؤْذِيه تَلَقَّاهُ بِسِلَاحِهِ , فَأَمَرَ الشَّارِع أَنْ يُقَابِل تِلْكَ السُّمِّيَّة بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّه تَعَالَى فِي الْجَنَاح الْآخَر مِنْ الشِّفَاء فَتَتَقَابَل الْمَادَّتَانِ فَيَزُول الضَّرَر بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : " ثُمَّ لِيَنْزِعهُ " عَلَى أَنَّهَا تَنْجُس بِالْمَوْتِ كَمَا هُوَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ , وَالْقَوْل الْآخَر كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة , أَنَّهَا لَا تَنْجُس , وَاَللَّه أَعْلَم.
( خَاتِمَة ) : اِشْتَمَلَ كِتَاب الطِّبّ مِنْ الْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة عَلَى مِائَة حَدِيث وَثَمَانِيَة عَشَر حَدِيثًا , الْمُعَلَّق مِنْهَا ثَمَانِيَة عَشَر طَرِيقًا وَالْبَقِيَّة مَوْصُولَة , الْمُكَرَّر مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى خَمْسَة وَثَمَانُونَ طَرِيقًا وَالْخَالِص ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ , وَافَقَهُ مُسْلِم عَلَى تَخْرِيجهَا سِوَى حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي نُزُول الدَّاء وَالشِّفَاء , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس الشِّفَاء فِي ثَلَاث , وَحَدِيث عَائِشَة فِي الْحَبَّة السَّوْدَاء , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُوم " وَحَدِيث أَنَس " رَخَّصَ لِأَهْلِ بَيْت فِي الرُّقْيَة " وَحَدِيثه أَنَّ أَبَا طَلْحَة كَوَاهُ , وَحَدِيث عَائِشَة فِي الصَّبْر عَلَى الطَّاعُون , وَحَدِيث أَنَس " اِشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي " وَفِيهِ مِنْ الْآثَار عَنْ الصَّحَابَة فَمَنْ بَعْدهمْ سِتَّة عَشَر أَثَرًا , وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء.»
عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة.<br> قال أبو بكر: يا رسول...
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: «خسفت الشمس ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام يجر ثوبه مستعجلا، حتى أتى المسجد، وثاب الناس، فصلى ركعتين فجلي عنها،...
عن أبي جحيفة قال: «فرأيت بلالا جاء بعنزة فركزها ثم أقام الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة مشمرا، فصلى ركعتين إلى العنزة، ورأيت ال...
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار.»
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا.»
عن أبي هريرة يقول: قال النبي أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته، إذ خسف الله به فهو يتجلل إلى يوم القيا...
عن سالم بن عبد الله : أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل يجر إزاره خسف به فهو يتجلل في الأرض إلى يوم القيامة» تابعه يونس عن...
حدثنا شعبة قال: لقيت محارب بن دثار على فرس وهو يأتي مكانه الذي يقضي فيه فسألته عن هذا الحديث فحدثني، فقال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول...