6307- قال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ) فِي رِوَايَة يُونُس بْن يَزِيد عَنْ الزُّهْرِيِّ " أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.
قَوْله ( وَاَللَّه إِنِّي لِأَسْتَغْفِر اللَّه ) فِيهِ الْقَسَم عَلَى الشَّيْء تَأْكِيدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْد السَّامِع فِيهِ شَكّ.
قَوْله ( لَأَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ ) ظَاهِره أَنَّهُ يَطْلُب الْمَغْفِرَة وَيَعْزِم عَلَى التَّوْبَة " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد يَقُول هَذَا اللَّفْظ بِعَيْنِهِ , وَيُرَجِّح الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّد مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " أَسْتَغْفِر اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْمَجْلِس قَبْل أَنْ يَقُوم مِائَة مَرَّة " وَلَهُ مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن سُوقَة عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر بِلَفْظِ " إِنَّا كُنَّا لَنَعُدّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِس : رَبّ اِغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّك أَنْتَ التَّوَّاب الْغَفُور , مِائَة مَرَّة ".
قَوْله ( أَكْثَر مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة ) وَقَعَ فِي حَدِيث أَنَس " إِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه فِي الْيَوْم سَبْعِينَ مَرَّة , فَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد الْمُبَالَغَة وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد الْعَدَد بِعَيْنِهِ.
وَقَوْله " أَكْثَر " مُبْهَم فَيَحْتَمِل أَنْ يُفَسَّر بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر الْمَذْكُور وَأَنَّهُ يَبْلُغ الْمِائَة.
وَقَدْ وَقَعَ فِي طَرِيق أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مِنْ رِوَايَة مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ " إِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه فِي الْيَوْم مِائَة مَرَّة " لَكِنْ خَالَفَ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ.
نَعَمْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة بِلَفْظِ " إِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ كُلّ يَوْم مِائَة مَرَّة " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ النَّاس فَقَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى اللَّه , فَإِنِّي أَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مِائَة مَرَّة " وَلَهُ فِي حَدِيث الْأَغَرّ الْمُزَنِيِّ رَفَعَه مِثْله , وَهُوَ عِنْده وَعِنْد مُسْلِم بِلَفْظِ " إِنَّهُ لَيُغَان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِر اللَّه كُلّ يَوْم مِائَة مَرَّة " قَالَ عِيَاض : الْمُرَاد بِالْغَيْنِ فَتَرَات عَنْ الذِّكْر الَّذِي شَأْنه أَنْ يُدَاوِم عَلَيْهِ , فَإِذَا فَتَرَ عَنْهُ لِأَمْرٍ مَا عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا فَاسْتَغْفَرَ عَنْهُ.
وَقِيلَ هُوَ شَيْء يَعْتَرِي الْقَلْب مِمَّا يَقَع مِنْ حَدِيث النَّفْس , وَقِيلَ هُوَ السَّكِينَة الَّتِي تَغْشَى قَلْبه وَالِاسْتِغْفَار لِإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّة لِلَّهِ وَالشُّكْر لِمَا أَوْلَاهُ , وَقِيلَ هِيَ حَالَة خَشْيَة وَإِعْظَام وَالِاسْتِغْفَار شُكْرهَا , وَمِنْ ثُمَّ قَالَ الْمُحَاسِبِيّ : خَوْف الْمُتَقَرِّبِينَ خَوْف إِجْلَال وَإِعْظَام.
وَقَالَ الشَّيْخ شِهَاب الدِّين السُّهْرَوَرْدِيّ : لَا يُعْتَقَد أَنَّ الْغَيْن فِي حَالَة نَقْص , بَلْ هُوَ كَمَال أَوْ تَتِمَّة كَمَال.
ثُمَّ مَثَّلَ ذَلِكَ بِجَفْنِ الْعَيْن حِين يُسْبَل لِيَدْفَع الْقَذَى عَنْ الْعَيْن مَثَلًا فَإِنَّهُ يَمْنَع الْعَيْن مِنْ الرُّؤْيَة , فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة نَقْص , وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ كَمَال.
هَذَا مُحَصَّل كَلَامه بِعِبَارَةٍ طَوِيلَة , قَالَ : فَهَكَذَا بَصِيرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَرِّضَة لِلْأَغْيِرَة الثَّائِرَة مِنْ أَنْفَاس الْأَغْيَار فَدَعَتْ الْحَاجَة إِلَى السَّتْر عَلَى حَدَقَة بَصِيرَته صِيَانَة لَهَا وَوِقَايَة عَنْ ذَلِكَ اِنْتَهَى.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ وُقُوع الِاسْتِغْفَار مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعْصُوم , وَالِاسْتِغْفَار يَسْتَدْعِي وُقُوع مَعْصِيَة.
وَأُجِيبَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَة : مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْغَيْن , وَمِنْهَا قَوْل اِبْن الْجَوْزِيّ : هَفَوَات الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة لَا يَسْلَم مِنْهَا أَحَد , وَالْأَنْبِيَاء وَإِنْ عُصِمُوا مِنْ الْكَبَائِر فَلَمْ يُعْصَمُوا مِنْ الصَّغَائِر.
كَذَا قَالَ , وَهُوَ مُفَرَّع عَلَى خِلَاف الْمُخْتَار , وَالرَّاجِح عِصْمَتهمْ مِنْ الصَّغَائِر أَيْضًا.
وَمِنْهَا قَوْل اِبْن بَطَّال : الْأَنْبِيَاء أَشَدّ النَّاس اِجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَة لِمَا أَعْطَاهُمْ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْمَعْرِفَة , فَهُمْ دَائِبُونَ فِي شُكْره مُعْتَرِفُونَ لَهُ بِالتَّقْصِيرِ اِنْتَهَى.
وَمُحَصَّل جَوَابه أَنَّ الِاسْتِغْفَار مِنْ التَّقْصِير فِي أَدَاء الْحَقّ الَّذِي يَجِب لِلَّهِ تَعَالَى , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِاشْتِغَالِهِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَة مِنْ أَكْل أَوْ شُرْب أَوْ جِمَاع أَوْ نَوْم أَوْ رَاحَة , أَوْ لِمُخَاطَبَةِ النَّاس وَالنَّظَر فِي مَصَالِحهمْ , وَمُحَارَبَة عَدُوّهُمْ تَارَة وَمُدَارَاته أُخْرَى , وَتَأْلِيف الْمُؤَلَّفَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَحْجُبهُ عَنْ الِاشْتِغَال بِذِكْرِ اللَّه وَالتَّضَرُّع إِلَيْهِ وَمُشَاهَدَته وَمُرَاقَبَته , فَيَرَى ذَلِكَ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَام الْعَلِيّ وَهُوَ الْحُضُور فِي حَظِيرَة الْقُدْس.
وَمِنْهَا أَنَّ اِسْتِغْفَاره تَشْرِيع لِأُمَّتِهِ , أَوْ مِنْ ذُنُوب الْأُمَّة فَهُوَ كَالشَّفَاعَةِ لَهُمْ.
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي " الْإِحْيَاء " كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِم التَّرَقِّي , فَإِذَا اِرْتَقَى إِلَى حَال رَأَى مَا قَبْلهَا دُونهَا فَاسْتَغْفَرَ مِنْ الْحَالَة السَّابِقَة , وَهَذَا مُفَرَّع عَلَى أَنَّ الْعَدَد الْمَذْكُور فِي اِسْتِغْفَاره كَانَ مُفَرَّقًا بِحَسَبِ تَعَدُّد الْأَحْوَال , وَظَاهِر أَلْفَاظ الْحَدِيث يُخَالِف ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّيْخ السُّهْرَوَرْدِيّ : لَمَّا كَانَ رُوح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ فِي التَّرَقِّي إِلَى مَقَامَات الْقُرْب يَسْتَتْبِع الْقَلْب , وَالْقَلْب يَسْتَتْبِع النَّفْس , وَلَا رَيْب أَنَّ حَرَكَة الرُّوح وَالْقَلْب أَسْرَع مِنْ نَهْضَة النَّفْس فَكَانَتْ خُطَا النَّفْس تَقْصُر عَنْ مَدَاهُمَا فِي الْعُرُوج , فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَة إِبْطَاء حَرَكَة الْقَلْب لِئَلَّا تَنْقَطِع عَلَاقَة النَّفْس عَنْهُ فَيَبْقَى الْعِبَاد مَحْرُومِينَ , فَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْزَع إِلَى الِاسْتِغْفَار لِقُصُورِ النَّفْس عَنْ شَأْو تَرَقِّي الْقَلْب , وَاَللَّه أَعْلَم.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً
حدثنا عبد الله حديثين: أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه، قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر ي...
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة.»
عن عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يج...
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهم أسلمت...
عن حذيفة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا.<br> وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النش...
عن البراء بن عازب : «أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى رجلا فقال: إذا أردت مضجعك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت...
عن حذيفة رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده، ثم يقول: اللهم باسمك أموت وأحيا.<br> وإذا استيقظ قا...
عن البراء بن عازب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بت عند ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها، ثم...