6537- عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب.»
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَةَ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكُنْيَة حَاتِم أَبُو يُونُس وَاسْم أَبِي صَغِيرَةَ مُسْلِمٌ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ زَوْجُ أُمِّ أَبِي يُونُسَ وَقِيلَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ.
قَوْله ( لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ , ثُمَّ قَالَ أَخِيرًا : وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ ) وَكِلَاهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُرَاد بِالْمُحَاسَبَةِ تَحْرِيرُ الْحِسَابِ فَيَسْتَلْزِمُ الْمُنَاقَشَةَ وَمَنْ عُذِّبَ فَقَدْ هَلَكَ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي " الْمُفْهِمِ " قَوْله " حُوسِبَ " أَيْ حِسَابَ اِسْتِقْصَاءٍ وَقَوْلُهُ " عُذِّبَ " أَيْ فِي النَّارِ جَزَاءً عَلَى السَّيِّئَاتِ الَّتِي أَظْهَرَهَا حِسَابُهُ , وَقَوْله " هَلَكَ " أَيْ بِالْعَذَابِ فِي النَّارِ.
قَالَ : وَتَمَسَّكَتْ عَائِشَةُ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحِسَابِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ.
قَوْله ( يُنَاقَش الْحِسَابَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ يُنَاقَشُ فِي الْحِسَابِ.
قَوْله ( أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ) تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَة اِنْشَقَّتْ مِنْ رِوَايَة يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي يُونُس بِلَفْظِ " فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاءَك أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ".
قَوْله ( إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ ) فِي رِوَايَة الْقَطَّانِ " قَالَ ذَاكِ الْعَرْضُ تُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ " وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَة هَمَّام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس رَفَعَهُ " مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ " وَقَالَهُ غَرِيب.
قُلْت : وَالرَّاوِي لَهُ عَنْ هَمَّام عَلَى بْن أَبِي بَكْر صَدُوقٌ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : مَعْنَى قَوْله " إِنَّمَا ذَلِك الْعَرْضُ " أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي حَدِيث اِبْنِ عُمَرَ فِي النَّجْوَى , قَالَ عِيَاضٌ : قَوْله " عُذِّبَ " لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدهمَا أَنَّ نَفْسَ مُنَاقَشَةِ الْحِسَابِ وَعَرْض الذُّنُوبِ وَالتَّوْقِيف عَلَى قَبِيح مَا سَلَفَ وَالتَّوْبِيخ تَعْذِيب , وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى اِسْتِحْقَاق الْعَذَابِ إِذْ لَا حَسَنَةَ لِلْعَبْدِ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِإِقْدَارِهِ عَلَيْهَا وَتَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ بِهَا وَهِدَايَته لَهَا وَلِأَنَّ الْخَالِص لِوَجْهِهِ قَلِيلٌ , وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " هَلَكَ " وَقَالَ النَّوَوِيّ : التَّأْوِيل الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح لِأَنَّ التَّقْصِير غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ , فَمَنْ اُسْتُقْصِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَامَحْ هَلَكَ.
وَقَالَ غَيْره : وَجْه الْمُعَارَضَة أَنَّ لَفْظ الْحَدِيث عَامٌّ فِي تَعْذِيب كُلّ مَنْ حُوسِبَ وَلَفْظ الْآيَة دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُعَذَّبُ ; وَطَرِيق الْجَمْع أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِسَابِ فِي الْآيَة الْعَرْض وَهُوَ إِبْرَاز الْأَعْمَال وَإِظْهَارهَا فَيُعَرِّف صَاحِبهَا بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَتَجَاوَز عَنْهُ , وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ عِنْد الْبَزَّار وَالطَّبَرِيّ مِنْ طَرِيق عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر " سَمِعْت عَائِشَة تَقُول : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِسَابِ الْيَسِيرِ قَالَ : الرَّجُلُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُتَجَاوَزُ لَهُ عَنْهَا " وَفِي حَدِيث أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ " يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال اِعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَار ذُنُوبه " الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيث جَابِر عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم وَالْحَاكِم " مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَمَنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُل الْجَنَّة , وَمَنْ زَادَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي أَوْبَقَ نَفْسَهُ وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ فِي مِثْلِهِ " وَيَدْخُل فِي هَذَا حَدِيث اِبْن عُمَر فِي النَّجْوَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْمَظَالِم وَفِي تَفْسِير سُورَة هُود وَفِي التَّوْحِيد وَفِيهِ " وَيَدْنُو أَحَدكُمْ مِنْ رَبّه حَتَّى يَضَع كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُول : أَعَمِلْت كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُول : نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ.
ثُمَّ يَقُول : إِنِّي سَتَرْت عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَك الْيَوْمَ " وَجَاءَ فِي كَيْفِيَّة الْعَرْضِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَة عَلِىّ بْن عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " تُعْرَض النَّاس يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاث عَرْضَات : فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ وَعِنْد ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ " قَالَ التِّرْمِذِيّ : لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَة وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِىّ بْن عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي مُوسَى اِنْتَهَى , وَهُوَ عِنْد اِبْن مَاجَهْ وَأَحْمَد مِنْ هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعًا , وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود مَوْقُوفًا , قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ : الْجِدَالُ لِلْكُفَّارِ يُجَادِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا جَادَلُوا نَجَوْا , وَالْمَعَاذِيرُ اِعْتِذَارُ اللَّهِ لِآدَمَ وَأَنْبِيَائِهِ بِإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَعْدَائِهِ , وَالثَّالِثَة لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْعَرْضُ الْأَكْبَرُ.
( تَنْبِيهٌ ) : وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة مَرْفُوعًا " لَا يُحَاسَب رَجُلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَظَاهِرُهُ يُعَارِضُ حَدِيثَهَا الْمَذْكُور فِي الْبَاب , وَطَرِيق الْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا فِي حَقّ الْمُؤْمِن , وَلَا مُنَافَاةَ بَيْن التَّعْذِيب وَدُخُول الْجَنَّة لِأَنَّ الْمُوَحِّدَ وَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ بِعُمُومِ الرَّحْمَةِ.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي ب...
عن عدي بن حاتم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه...
عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر مع...
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدخل من أمتي زمرة هم سبعون ألفا، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر.<br> وقال أبو هريرة: فق...
عن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف شك في أحدهما متماسكين آخذ بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أ...
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقال لأهل الجنة: خلود لا موت، ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت.»
عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلعت في الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء.»
عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النا...