6558-
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير قلت: ما الثعارير؟ قال: الضغابيس،» وكان قد سقط فمه، فقلت لعمرو بن دينار أبا محمد: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج بالشفاعة من النار؟ قال: نعم.
أخرجه مسلم في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلا فيها رقم 191
(الثعارير) قثاء صغار.
(الضغابيس) جمع ضغبوس نبت يخرج في أصول الشجر والإذخر لا ورق له وفيه حموضة وقيل نبت يشبه الهليون يسلق ثم يؤكل بالزيت والخل.
(سقط فمه) ذهبت أسنانه أي فينطق الثعارير بالثاء وهي الشعارير بالشين.
(فقلت) القائل هو حماد
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( أَبُو النُّعْمَان ) هُوَ مُحَمَّد بْن الْفَضْل , وَحَمَّاد هُوَ اِبْن زَيْد , وَعَمْرو هُوَ اِبْن دِينَار , وَجَابِر هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيُّ.
قَوْله ( يَخْرُج مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنْ رِوَايَة الْبُخَارِيّ بِحَذْفِ الْفَاعِل , وَثَبَتَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ عَنْ الْفَرَبْرِيّ " يَخْرُج قَوْم " وَكَذَا لِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق يَعْقُوب بْن سُفْيَان عَنْ أَبِي النُّعْمَان شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ , وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الرَّبِيع الزَّهْرَانِيّ عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد وَلَفْظه " إِنَّ اللَّه يُخْرِجُ قَوْمًا مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ " وَلَهُ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو سَمِعَ جَابِر مِثْله لَكِنْ قَالَ " نَاسٌ مِنْ النَّار فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّة " وَعِنْد سَعِيد بْن مَنْصُور وَابْنِ أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان عَنْ عَمْرو فِيهِ سَنَدٌ آخَر أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَة عَمْرو عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا وَزَادَ " فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ - يَعْنِي لِعَبِيدِ بْن عُمَيْر - وَكَانَ الرَّجُل يُتَّهَمُ بِرَأْيِ الْخَوَارِج وَيُقَال لَهُ هَارُونُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَاصِم مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُهُ بِهِ ؟ فَقَالَ : إِلَيْك عَنِّي , لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ " : قُلْت : وَقَدْ جَاءَ بَيَان هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ وَجْه آخَرَ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق يَزِيد الْفَقِير بِفَاءٍ ثُمَّ قَافٍ وَزْن عَظِيم وَلُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْكُو فَقَارَ ظَهْرِهِ لَا أَنَّهُ ضِدّ الْغِنَى قَالَ " خَرَجْنَا فِي عِصَابَة نُرِيد أَنْ نَحُجّ ثُمَّ نَخْرُج عَلَى النَّاس , فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَجُل يُحَدِّث وَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ.
فَقُلْت لَهُ : مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ بِهِ , وَاَللَّهُ يَقُولُ ( إِنَّك مَنْ تَدْخُلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْته ) وَ ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) قَالَ.
أَتَقْرَأُ الْقُرْآن ؟ قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : أَسَمِعْت بِمَقَامِ مُحَمَّد الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ ؟ قُلْت : نَعَمْ.
قَالَ : فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُود الَّذِي يُخْرِج اللَّه بِهِ مَنْ يُخْرِج مِنْ النَّار بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا.
ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَدَّ النَّاسِ عَلَيْهِ , قَالَ : فَرَجَعْنَا وَقُلْنَا : أَتَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخ يَكْذِب عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَوَاَللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْر رَجُل وَاحِد " وَحَاصِله أَنَّ الْخَوَارِج الطَّائِفَة الْمَشْهُورَة الْمُبْتَدِعَة كَانُوا يُنْكِرُونَ الشَّفَاعَة , وَكَانَ الصَّحَابَة يُنْكِرُونَ إِنْكَارَهُمْ وَيُحَدِّثُونَ بِمَا سَمِعُوا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق شَبِيبِ بْن أَبِي فَضَالَةَ : ذَكَرُوا عِنْد عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ الشَّفَاعَة فَقَالَ رَجُل : إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَا بِأَحَادِيثَ لَا نَجِدُ لَهَا فِي الْقُرْآنِ أَصْلًا , فَغَضِبَ وَذَكَرَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ : أَنَّ الْحَدِيث يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ.
وَأَخْرَجَ سَعِيد بْن مَنْصُور بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : مَنْ كَذَّبَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهَا.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق يُوسُف بْن مِهْرَانَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاس : خَطَبَ عُمَر فَقَالَ : إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّة قَوْم يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ , وَيُكَذِّبُونَ بِالدَّجَّالِ , وَيُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ الْقَبْر , وَيُكَذِّبُونَ بِالشَّفَاعَةِ , وَيُكَذِّبُونَ بِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنْ النَّار.
وَمَنْ طَرِيق أَبِي هِلَال عَنْ قَتَادَة قَالَ قَالَ أَنَسٌ : يَخْرُج قَوْمٌ مِنْ النَّارِ , وَلَا نُكَذِّب بِهَا كَمَا يُكَذِّب بِهَا أَهْل حَرُورَاء.
يَعْنِي الْخَوَارِج.
قَالَ اِبْنِ بَطَّال : أَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَة وَالْخَوَارِج الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج مَنْ أُدْخِلَ النَّارَ مِنْ الْمُذْنِبِينَ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ).
وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات.
وَأَجَابَ أَهْل السُّنَّة بِأَنَّهَا فِي الْكُفَّار , وَجَاءَتْ الْأَحَادِيث فِي إِثْبَات الشَّفَاعَة الْمُحَمَّدِيَّة مُتَوَاتِرَة وَدَلَّ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَك رَبُّك مَقَامًا مَحْمُودًا ) وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الشَّفَاعَة , وَبَالَغَ الْوَاحِدِيُّ فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ , وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَزَيَّفَهُ , وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : قَالَ أَكْثَرُ أَهْل التَّأْوِيل الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ الَّذِي يَقُومهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرِيحَهُمْ مِنْ كَرْب الْمَوْقِف , ثُمَّ أَخْرَجَ عِدَّة أَحَادِيث بَعْضهَا التَّصْرِيح بِذَلِكَ وَفِي بَعْضهَا مُطْلَق الشَّفَاعَة , فَمِنْهَا حَدِيث سَلْمَان قَالَ " فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِي أُمَّتِهِ فَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " وَمِنْ طَرِيق رِشْدِين بْن كُرَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاس " الْمَقَام الْمَحْمُود الشَّفَاعَة " وَمِنْ طَرِيق دَاوُدَ بْن يَزِيد الْأَوْدِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله تَعَالَى ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَك رَبُّك مَقَامًا مَحْمُودًا ) قَالَ " سُئِلَ عَنْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هِيَ الشَّفَاعَة " وَمِنْ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك رَفَعَهُ " أَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ , فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّة خَضْرَاء , ثُمَّ يُؤْذَن لِي فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُولَ : فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود " وَمِنْ طَرِيق يَزِيد بْن زُرَيْعٍ عَنْ قَتَادَة " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُ شَافِعٍ , وَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ إِنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود " وَمِنْ حَدِيث أَبِي مَسْعُود رَفَعَهُ : إِنِّي لَأَقُومُ يَوْم الْقِيَامَة الْمَقَام الْمَحْمُود إِذَا جِيءَ بِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً " وَفِيهِ " ثُمَّ يَكْسُونِي رَبِّي حُلَّة فَأَلْبَسُهَا فَأَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْش مَقَامًا لَا يَقُومهُ أَحَدٌ يَغْبِطُنِي بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ " وَمِنْ طَرِيق اِبْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِد : الْمَقَام الْمَحْمُود الشَّفَاعَة.
وَمِنْ طَرِيق الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ مِثْله , قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَقَالَ لَيْث عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى ( مَقَامًا مَحْمُودًا ) : يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى عَرْشِهِ.
ثُمَّ أَسْنَدَهُ وَقَالَ : الْأَوَّل أَوْلَى , عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ بِمَدْفُوعٍ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَة النَّظَرِ.
وَقَالَ اِبْنُ عَطِيَّةَ : هُوَ كَذَلِكَ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.
وَبَالَغَ الْوَاحِدِيّ فِي رَدِّ هَذَا الْقَوْل , وَأَمَّا النَّقَّاشُ فَنَقَلَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَن أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ مُتَّهَمٌ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْ اِبْنِ مَسْعُودٍ عِنْد الثَّعْلَبِيِّ وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاس عِنْد أَبِي الشَّيْخ وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كُرْسِيّ الرَّبّ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ.
قُلْت : فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونُ الْإِضَافَة إِضَافَة تَشْرِيف , وَعَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره , وَالرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَقَامِ الْمَحْمُود الشَّفَاعَة , لَكِنَّ الشَّفَاعَة الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْمَقَام الْمَحْمُود نَوْعَانِ : الْأَوَّل الْعَامَّة فِي فَصْل الْقَضَاء , وَالثَّانِي الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج الْمُذْنِبِينَ مِنْ النَّار وَحَدِيث سَلْمَان الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا , وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ , وَحَدِيث كَعْب أَخْرَجَهُ اِبْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِم , وَحَدِيث اِبْنِ مَسْعُود أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم وَجَاءَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد , وَعَنْ اِبْنِ عُمَر كَمَا مَضَى فِي الزَّكَاة عَنْ جَابِر عِنْد الْحَاكِم مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْهُ , وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ , فَالْمَشْهُور عَنْهُ أَنَّهُ مُرْسَل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر , وَقَالَ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيّ عَنْ رِجَال مِنْ أَهْل الْعِلْم أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي حَاتِم , وَحَدِيث جَابِر فِي ذَلِكَ عِنْد مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ , وَفِيهِ عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ اِبْنِ مَرْدَوَيْهِ ; وَعِنْده أَيْضًا مِنْ حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ وَلَفْظه " سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَقَام الْمَحْمُود فَقَالَ : هُوَ الشَّفَاعَة " وَعَنْ أَبِي سَعِيد عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْنِ مَاجَهْ , وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره : اُخْتُلِفَ فِي الْمَقَام الْمَحْمُود عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال , فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ : الشَّفَاعَة وَالْإِجْلَاس , وَالثَّالِث إِعْطَاؤُهُ لِوَاءَ الْحَمْد يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : هَذَا لَا يُغَايِر الْقَوْل الْأَوَّل , وَأَثْبَتَ غَيْره رَابِعًا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ بْن أَبِي حَاتِم بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال أَحَدِ صِغَار التَّابِعِينَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْمَقَام الْمَحْمُود أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ يَوْم الْقِيَامَة بَيْن الْجَبَّار وَبَيْن جِبْرِيل , فَيَغْبِطهُ بِمَقَامِهِ ذَلِكَ أَهْل الْجَمْع.
قُلْت : وَخَامِسًا هُوَ مَا اِقْتَضَاهُ حَدِيث حُذَيْفَة وَهُوَ ثَنَاؤُهُ عَلَى رَبِّهِ , وَسَيَأْتِي سِيَاقه فِي شَرْح الْحَدِيث السَّابِعَ عَشَرَ , وَلَكِنَّهُ لَا يُغَايِر الْأَوَّل أَيْضًا.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيّ سَادِسًا وَهُوَ مَا اِقْتَضَاهُ حَدِيث اِبْنِ مَسْعُود الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم قَالَ " يَشْفَع نَبِيُّكُمْ رَابِع أَرْبَعَة جِبْرِيل ثُمَّ إِبْرَاهِيم ثُمَّ مُوسَى أَوْ عِيسَى ثُمَّ نَبِيّكُمْ لَا يَشْفَع أَحَدٌ فِي أَكْثَرِ مِمَّا يَشْفَع فِيهِ " الْحَدِيث , وَهَذَا الْحَدِيث لَمْ يُصَرَّحْ بِرَفْعِهِ , وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ : الْمَشْهُور قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَا أَوَّلُ شَافِع ".
قُلْت : وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ طُرُقه التَّصْرِيح بِأَنَّهُ الْمَقَام الْمَحْمُود , مَعَ أَنَّهُ لَا يُغَايِر حَدِيث الشَّفَاعَة فِي الْمُذْنِبِينَ , وَجَوَّزَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ سَابِعًا وَهُوَ مَا اِقْتَضَاهُ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك الْمَاضِي ذَكَرَهُ فَقَالَ بَعْد أَنَّ أَوْرَدَهُ : هَذَا يُشْعِر بِأَنَّ الْمَقَام الْمَحْمُود غَيْر الشَّفَاعَة , ثُمَّ قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تَكُونُ الْإِشَارَة بِقَوْلِهِ " فَأَقُول " إِلَى الْمُرَاجَعَة فِي الشَّفَاعَة.
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِه , وَيُمْكِن رَدُّ الْأَقْوَال كُلّهَا إِلَى الشَّفَاعَة الْعَامَّة , فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ لِوَاءَ الْحَمْد وَثَنَاءَهُ عَلَى رَبِّهِ وَكَلَامِهِ بَيْن يَدَيْهِ وَجُلُوسه عَلَى كُرْسِيِّهِ وَقِيَامه أَقْرَبِ مِنْ جِبْرِيل كُلّ ذَلِكَ صِفَات لِلْمَقَامِ الْمَحْمُود الَّذِي يَشْفَع فِيهِ لِيُقْضَى بَيْن الْخَلْق , وَأَمَّا شَفَاعَته فِي إِخْرَاج الْمُذْنِبِينَ مِنْ النَّار فَمِنْ تَوَابِع ذَلِكَ , وَاخْتُلِفَ فِي فَاعِلِ الْحَمْد مِنْ قَوْله " مَقَامًا مَحْمُودًا " فَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ أَهْل الْمَوْقِف , وَقِيلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ إِنَّهُ هُوَ يَحْمَد عَاقِبَة ذَلِكَ الْمَقَام بِتَهَجُّدِهِ فِي اللَّيْل , وَالْأَوَّل أَرْجَحُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيث اِبْنِ عُمَر الْمَاضِي فِي الزَّكَاة بِلَفْظِ " مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدهُ أَهْل الْجَمْع كُلّهمْ " وَيَجُوز أَنْ يُحْمَل عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مَقَامًا يَحْمَدهُ الْقَائِم فِيهِ وَكُلّ مَنْ عَرَفَهُ , وَهُوَ مُطْلَق فِي كُلّ مَا يَجْلِب الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاع الْكَرَامَات , وَاسْتَحْسَنَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ نَكِرَة فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد مَقَامًا مَخْصُوصًا , قَالَ اِبْنِ بَطَّال : سَلَّمَ بَعْض الْمُعْتَزِلَة وُقُوع الشَّفَاعَة لَكِنْ خَصَّهَا بِصَاحِبِ الْكَبِيرَة الَّذِي تَابَ مِنْهَا وَبِصَاحِبِ الصَّغِيرَة الَّذِي مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِنْ قَاعِدَتهمْ أَنَّ التَّائِب مِنْ الذَّنْب لَا يُعَذَّب , وَأَنَّ اِجْتِنَاب الْكَبَائِر يُكَفِّر الصَّغَائِر , فَيَلْزَم قَائِله أَنْ يُخَالِف أَصْله.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُغَايَرَة بَيْن الْقَوْلَيْنِ , إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ حُصُول ذَلِكَ لِلْفَرِيقَيْنِ إِنَّمَا حَصَلَ بِالشَّفَاعَةِ , لَكِنْ يَحْتَاج مَنْ قَصَرَهَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى دَلِيلِ التَّخْصِيص , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الدَّعَوَات الْإِشَارَة إِلَى حَدِيث " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أُمَّتِي " وَلَمْ يَخُصّ بِذَلِكَ مَنْ تَابَ , وَقَالَ عِيَاض : أَثْبَتَتْ الْمُعْتَزِلَة الشَّفَاعَة الْعَامَّة فِي الْإِرَاحَة مِنْ كَرْب الْمَوْقِف وَهِيَ الْخَاصَّة بِنَبِيِّنَا وَالشَّفَاعَة فِي رَفْع الدَّرَجَات وَأَنْكَرَتْ مَا عَدَاهُمَا.
قُلْت : وَفِي تَسْلِيم الْمُعْتَزِلَة الثَّانِيَة نَظَرٌ.
قَالَ النَّوَوِيّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ : الشَّفَاعَة خَمْس فِي الْإِرَاحَة مِنْ هَوْل الْمَوْقِف وَفِي إِدْخَال قَوْم الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب , وَفِي إِدْخَال قَوْم حُوسِبُوا فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَاب أَنْ لَا يُعَذَّبُوا , وَفِي إِخْرَاج مَنْ أُدْخِلَ النَّار مِنْ الْعُصَاة.
وَفِي رَفْع الدَّرَجَات.
وَدَلِيل الْأُولَى سَيَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي شَرْح الْحَدِيث السَّابِعَ عَشَرَ.
وَدَلِيل الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى فِي جَوَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُمَّتِي أُمَّتِي : أَدْخِلْ الْجَنَّة مِنْ أُمَّتك مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ " كَذَا قِيلَ , وَيَظْهَر لِي أَنَّ دَلِيله سُؤَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَادَة عَلَى السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب فَأُجِيبَ , وَقَدْ قَدَّمْت بَيَانه فِي شَرْح الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله.
وَدَلِيل الثَّالِثَة قَوْله فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد مُسْلِم " وَنَبِيّكُمْ عَلَى الصِّرَاط يَقُول : رَبِّ سَلِّمْ " وَلَهُ شَوَاهِد سَأَذْكُرُهَا فِي شَرْح الْحَدِيث السَّابِعَ عَشَر.
وَدَلِيل الرَّابِعَة ذَكَرْته فِيهِ أَيْضًا مَبْسُوطًا.
وَدَلِيل الْخَامِسَة قَوْله فِي حَدِيث أَنَسٍ عِنْد مُسْلِم " أَنَا أَوَّلُ شَفِيع فِي الْجَنَّة " كَذَا قَالَهُ بَعْض مَنْ لَقِينَاهُ وَقَالَ : وَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْجَنَّة ظَرْفًا لِشَفَاعَتِهِ.
قُلْت : وَفِيهِ نَظَرٌ , لِأَنِّي سَأُبَيِّنُ أَنَّهَا ظَرْف فِي شَفَاعَته الْأُولَى الْمُخْتَصَّة بِهِ , وَاَلَّذِي يُطْلَب هُنَا أَنْ يَشْفَع لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ عَمَله دَرَجَة عَالِيَةً أَنْ يَبْلُغهَا بِشَفَاعَتِهِ.
وَأَشَارَ النَّوَوِيّ فِي " الرَّوْضَة " إِلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَة مِنْ خَصَائِصه مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر مُسْتَنَدَهَا , وَأَشَارَ عِيَاض إِلَى اِسْتِدْرَاك شَفَاعَة سَادِسَة وَهِيَ التَّخْفِيف عَنْ أَبِي طَالِبِ فِي الْعَذَاب كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي شَرْح ا9لْحَدِيث الرَّابِعَ عَشَرَ , وَزَادَ بَعْضهمْ شَفَاعَة سَابِعَة وَهِيَ الشَّفَاعَة لِأَهْلِ الْمَدِينَة لِحَدِيثِ سَعْد رَفَعَهُ " لَا يَثْبُت عَلَى وَلَأْوَائِهَا أَحَدِ إِلَّا كُنْت لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوت بِالْمَدِينَةِ فَلْيَفْعَلْ , فَإِنِّي أَشْفَع لِمَنْ مَاتَ بِهَا " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ قُلْت : وَهَذِهِ غَيْر وَارِدَة لِأَنَّ مُتَعَلَّقَهَا لَا يَخْرُج عَنْ وَاحِدَة مِنْ الْخَمْس الْأُوَلِ , وَلَوْ عُدَّ مِثْل ذَلِكَ لَعُدَّ حَدِيث عَبْد الْمَلِك بْن عَبَّاد " سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : أَوَّلُ مَنْ أَشْفَع لَهُ أَهْل الْمَدِينَة ثُمَّ أَهْل مَكَّة ثُمَّ أَهْل الطَّائِف " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ , وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْنِ عُمَر رَفَعَهُ " أَوَّلِ مَنْ أَشْفَع لَهُ أَهْل بَيْتِي ثُمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ثُمَّ سَائِر الْعَرَب ثُمَّ الْأَعَاجِم " وَذَكَرَ الْقَزْوِينِيّ فِي الْعُرْوَة الْوُثْقَى شَفَاعَته لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصُّلَحَاء فِي التَّجَاوُز عَنْ تَقْصِيرهمْ وَلَمْ يَذْكُر مُسْتَنَدهَا , وَيَظْهَر لِي أَنَّهَا تَنْدَرِج فِي الْخَامِسَة , وَزَادَ الْقُرْطُبِيّ أَنَّهُ أَوَّلُ شَافِع فِي دُخُول أُمَّته الْجَنَّة قَبْل النَّاس , وَهَذِهِ أَفْرَدَهَا النَّقَّاشُ بِالذِّكْرِ وَهِيَ وَارِدَة وَدَلِيلهَا يَأْتِي فِي حَدِيث الشَّفَاعَة الطَّوِيل , وَزَادَ النَّقَّاش أَيْضًا شَفَاعَته فِي أَهْل الْكَبَائِر مِنْ أُمَّته وَلَيْسَتْ وَارِدَة لِأَنَّهَا تَدْخُل فِي الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة , وَظَهَرَ لِي بِالتَّتَبُّعِ شَفَاعَة أُخْرَى وَهِيَ الشَّفَاعَة فِيمَنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ أَنْ يُدْخَل الْجَنَّة , وَمُسْتَنَدهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ اِبْنِ عَبَّاس قَالَ : السَّابِق يَدْخُل الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَابٍ , وَالْمُقْتَصِد يَرْحَمُهُ اللَّهُ , وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يَدْخُلُونَهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ فِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف أَنَّهُمْ قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ , وَشَفَاعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ شَفَاعَتُهُ فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَعْمَل خَيْرًا قَطُّ , وَمُسْتَنَدهَا رِوَايَة الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي شَرْح الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ , وَلَا يَمْنَع مِنْ عَدِّهَا قَوْلُ اللَّه تَعَالَى لَهُ " لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْك " لِأَنَّ النَّفْيَ يَتَعَلَّق بِمُبَاشَرَةِ الْإِخْرَاج , وَإِلَّا فَنَفْسُ الشَّفَاعَة مِنْهُ قَدْ صَدَرَتْ وَقَبُولُهَا قَدْ وَقَعَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَثَرُهَا , فَالْوَارِدُ عَلَى الْخَمْسَة أَرْبَعَة وَمَا عَدَاهَا لَا يُرَدُّ كَمَا تُرَدُّ الشَّفَاعَةُ فِي التَّخْفِيفِ عَنْ صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ وَغَيْر ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا.
قَوْله ( كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِير ) بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَاحِدُهَا ثُعْرُورٌ كَعُصْفُورٍ.
قَوْله ( قُلْت وَمَا الثَّعَارِيرُ ) سَقَطَتْ الْوَاوُ لِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ.
قَوْله ( قَالَ الضَّغَابِيس ) بِمُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَة بَعْدهَا مُهْمَلَة.
أَمَّا الثَّعَارِير فَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هِيَ قِثَّاءٌ صِغَارٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مِثْله وَزَادَ وَيُقَال بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة بَدَلَ الْمُثَلَّثَة , وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي قَوْل الرَّاوِي : وَكَانَ عَمْرو ذَهَبَ فَمه - أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانه - فَنَطَقَ بِهَا ثَاء مُثَلَّثَة وَهِيَ شِينٌ مُعْجَمَةٌ.
وَقِيلَ هُوَ نَبْت فِي أُصُول الثُّمَام كَالْقُطْنِ يَنْبُت فِي الرَّمَل يَنْبَسِط عَلَيْهِ وَلَا يَطُول.
وَوَقَعَ تَشْبِيههمْ بِالطَّرَاثِيثِ فِي حَدِيث حُذَيْفَة , وَهِيَ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُثَلَّثَة هِيَ الثُّمَام بِضَمِّ الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم , وَقِيلَ الثُّعْرُور الْأَقِط الرَّطْب.
وَأَغْرَبَ الْقَابِسِيّ فَقَالَ : هُوَ الصَّدَف الَّذِي يَخْرُج مِنْ الْبَحْر فِيهِ الْجَوْهَر.
وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤ " وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ أَلْفَاظ التَّشْبِيه تَخْتَلِف , وَالْمَقْصُود الْوَصْف بِالْبَيَاضِ وَالدِّقَّة.
وَأَمَّا الضَّغَابِيس فَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : شَيْءٌ يَنْبُتُ فِي أُصُول التَّمَام يُشْبِهُ الْهِلْيُون يُسْلَقُ ثُمَّ يُؤْكَلُ بِالزَّيْتِ وَالْخَلّ.
وَقِيلَ يَنْبُتُ فِي أُصُول الشَّجَر وَفِي الْإِذْخِر يَخْرُج قَدْر شِبْر فِي دِقَّة الْأَصَابِع لَا وَرَق لَهُ وَفِيهِ حُمُوضَة.
وَفِي غَرِيب الْحَدِيث لِلْحَرْبِيِّ : الضُّغْبُوس شَجَرَة عَلَى طُول الْإِصْبَع , وَشُبِّهَ بِهِ الرَّجُل الضَّعِيف.
وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ : هِيَ طُيُور صِغَار فَوْق الذُّبَاب.
وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيمَا قَالَ ( تَنْبِيهٌ ) : هَذَا التَّشْبِيه لِصِفَتِهِمْ بَعْد أَنْ يَنْبُتُوا , وَأَمَّا فِي أَوَّل خُرُوجهمْ مِنْ النَّار فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ كَالْفَحْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْده.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث يَزِيد الْفَقِير عَنْ جَابِر 9عِنْد مُسْلِم " فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَان السَّمَاسِم , فَيَدْخُلُونَ نَهْرًا فَيَغْتَسِلُونَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ الْقَرَاطِيس الْبِيض " وَالْمُرَاد بَعِيدَانِ السَّمَاسِم مَا يَنْبُت فِيهِ السِّمْسِم , فَإِنَّهُ إِذَا جُمِعَ وَرُمِيَتْ الْعِيدَان تَصِير سُودًا دِقَاقًا.
وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ اللَّفْظَة مُحَرَّفَة وَأَنَّ الصَّوَاب السَّاسم بِمِيمِ وَاحِدَة , وَهُوَ خَشَب أَسْوَد وَالثَّابِت فِي جَمِيع طُرُق الْحَدِيث بِإِثْبَاتِ الْمِيمَيْنِ وَتَوْجِيهُهُ وَاضِحٌ.
قَوْله ( فَقُلْت لِعَمْرٍو ) الْقَائِلُ حَمَّادٌ.
قَوْله ( أَبَا مُحَمَّد ) بِحَذْفِ أَدَاة النِّدَاء وَثَبَتَ بِلَفْظِ " يَا أَبَا مُحَمَّد " فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ وَعَمْرو هُوَ اِبْن دِينَار , وَأَرَادَ الِاسْتِثْبَات فِي سَمَاعه لَهُ مِنْ جَابِر وَسَمَاع جَابِر لَهُ , وَلَعَلَّ سَبَب ذَلِكَ رِوَايَة عَمْرو لَهُ عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر مُرْسَلًا , وَقَدْ حَدَّثَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ بِالطَّرِيقَيْنِ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمْ الثَّعَارِيرُ قُلْتُ مَا الثَّعَارِيرُ قَالَ الضَّغَابِيسُ وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ النَّارِ قَالَ نَعَمْ
حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع، فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين.»
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة من خر...
عن النعمان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه.»
عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي...
عن عدي بن حاتم «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة،...
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من ا...
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا، فيأتون آد...
حدثنا عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين...
عن أنس «أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هلك حارثة يوم بدر أصابه غرب سهم، فقالت: يا رسول الله، قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في...