6732- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.»
أخرجه مسلم في الفرائض باب ألحقوا الفرائض بأهلها رقم 1615
(ألحقوا الفرائض بأهلها) أعطوا الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى لأصحابها المستحقين لها.
(فما بقي) فما زاد من التركة عن أصحاب الفروض.
(فلأولى) لأقرب وارث من العصبات
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( اِبْن طَاوُسٍ ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ.
قَوْله ( عَنْ اِبْن عَبَّاس ) قِيلَ : تَفَرَّدَ وُهَيْب بِوَصْلِهِ , وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ اِبْن طَاوُسٍ لَمْ يَذْكُر اِبْن عَبَّاس بَلْ أَرْسَلَهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ , وَأَشَارَ النَّسَائِيُّ إِلَى تَرْجِيح الْإِرْسَال وَرُجِّحَ عِنْد صَاحِبَيْ " صَحِيح الْمَوْصُول " لِمُتَابَعَةِ رَوْح بْن الْقَاسِم وُهَيْبًا عِنْدَهُمَا وَيَحْيَى بْن أَيُّوب عِنْد مُسْلِم وَزِيَاد بْن سَعْد وَصَالِح عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ , وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَر فَرَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَرَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ مَعْمَر وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا مُرْسَلًا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَمَلَ رِوَايَة مَعْمَر عَلَى رِوَايَة الثَّوْرِيِّ وَإِنَّمَا صَحَّحَاهُ ; لِأَنَّ الثَّوْرِيَّ وَإِنْ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لَكِنَّ الْعَدَد الْكَثِيرَ يُقَاوِمُهُ , وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَصْل وَالْإِرْسَال وَلَمْ يُرَجَّح أَحَد الطَّرِيقَيْنِ قُدِّمَ الْوَصْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله ( أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ) الْمُرَاد بِالْفَرَائِضِ هُنَا الْأَنْصِبَاء الْمُقَدَّرَة فِي كِتَاب اللَّه - تَعَالَى - وَهِيَ النِّصْف وَنِصْفه وَنِصْف نِصْفه وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفهمَا وَنِصْف نِصْفهمَا , وَالْمُرَاد بِأَهْلِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بِنَصِّ الْقُرْآن , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة رَوْح اِبْن الْقَاسِم عَنْ اِبْن طَاوُسٍ " اِقْسِمُوا الْمَال بَيْن أَهْل الْفَرَائِض عَلَى كِتَاب اللَّه " أَيْ عَلَى وَفْق مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ.
قَوْله ( فَمَا بَقِيَ ) فِي رِوَايَة رَوْح بْن الْقَاسِم فَمَا تَرَكَتْ أَيْ أَبْقَتْ.
قَوْلُهُ ( فَهُوَ لِأَوْلَى ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " فَلِأَوْلَى " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَاللَّام بَيْنهمَا وَاوٌ سَاكِنَة أَفْعَل تَفْضِيل مِنْ الْوَلْيِ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ الْقُرْب , أَيْ لِمَنْ يَكُون أَقْرَبَ فِي النَّسَبِ إِلَى الْمُورَث , وَلَيْسَ الْمُرَاد هُنَا الْأَحَقَّ , وَقَدْ حَكَى عِيَاض أَنَّ فِي رِوَايَة اِبْن الْحَذَّاء عَنْ اِبْن مَاهَان فِي مُسْلِم " فَهُوَ لِأَدْنَى " بِدَالٍ وَنُونٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْأَقْرَب , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمَعْنَى أَقْرَب رَجُل مِنْ الْعَصَبَة.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : الْمُرَاد بِأَوْلَى رَجُل أَنَّ الرِّجَال مِنْ الْعَصَبَة بَعْد أَهْل الْفُرُوض إِذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَقْرَب إِلَى الْمَيِّت اِسْتَحَقَّ دُون مَنْ هُوَ أَبْعَد فَإِنْ اِسْتَوَوْا اِشْتَرَكُوا , قَالَ : وَلَمْ يَقْصِد فِي هَذَا الْحَدِيث مَنْ يُدْلِي بِالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَات مَثَلًا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْره إِذَا اِسْتَوَوْا فِي الْمَنْزِلَة , كَذَا قَالَ اِبْن الْمُنِير.
وَقَالَ اِبْن التِّين : إِنَّمَا الْمُرَاد بِهِ الْعَمَّة مَعَ الْعَمّ وَبِنْت الْأَخ مَعَ اِبْن الْأَخ وَبِنْت الْعَمّ مَعَ اِبْن الْعَمّ , وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْأَخ وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ يُحْجَب كَالْأَخِ لِلْأَبِ مَعَ الْبِنْت وَالْأُخْت الشَّقِيقَة , وَكَذَا يَخْرُج الْأَخ وَالْأُخْت لِأُمٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهَا الْأُخُوَّة مِنْ الْأُمّ , وَسَيَأْتِي مَزِيد فِي هَذَا فِي.
" بَاب اِبْنَيْ عَمّ أَحَدهمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَالْآخَر زَوْجٌ ".
قَوْلُهُ ( رَجُلٍ ذَكَرٍ ) هَكَذَا فِي جَمِيع الرِّوَايَات , وَوَقَعَ فِي كُتُب الْفُقَهَاء كَصَاحِبِ النِّهَايَة وَتِلْمِيذه الْغَزَالِيّ " فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ " قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْمُنْذِرِيُّ : هَذِهِ اللَّفْظَة لَيْسَتْ مَحْفُوظَة , وَقَالَ اِبْنُ الصَّلَاح : فِيهَا بُعْدٌ عَنْ الصِّحَّة مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ فَضْلًا عَنْ الرِّوَايَة فَإِنَّ الْعَصَبَة فِي اللُّغَة اِسْمٌ لِلْجَمْعِ لَا لِلْوَاحِدِ , كَذَا قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ اِسْمُ جِنْسٍ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي بَعْض طُرُق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب قَبْله " فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا " قَالَ اِبْنُ دَقِيق الْعِيد : قَدْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْأَخَوَات عَصَبَاتُ الْبَنَات , وَالْحَدِيث يَقْتَضِي اِشْتِرَاط الذُّكُورَة فِي الْعَصَبَة الْمُسْتَحِقّ لِلْبَاقِي بَعْد الْفُرُوض , وَالْجَوَاب أَنَّهُ مِنْ طَرِيق الْمَفْهُوم , وَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ لَهُ عُمُوم ؟ وَعَلَى التَّنَزُّل فَيُخَصُّ بِالْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَات عَصَبَات الْبَنَات , وَقَدْ اسْتَشْكَلَ التَّعْبِير بِذَكَرٍ بَعْد التَّعْبِير بِرَجُلٍ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا كُرِّرَ لِلْبَيَانِ فِي نَعْتِهِ بِالذُّكُورَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْعَصَبَة إِذَا كَانَ عَمًّا أَوْ اِبْن عَمٍّ مَثَلًا وَكَانَ مَعَهُ أُخْت لَهُ أَنَّ الْأُخْت لَا تَرِثُ وَلَا يَكُونُ الْمَال بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا ظَاهِرِ مِنْ التَّعْبِير بِقَوْلِهِ " رَجُل " وَالْإِشْكَال بَاقٍ إِلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ , وَبِهِ جَزَمَ غَيْره كَابْنِ التِّين قَالَ : وَمِثْله اِبْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , وَزَيَّفَهُ الْقُرْطُبِيّ فَقَالَ : قِيلَ إِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ اللَّفْظِيّ , وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَرَب إِنَّمَا تُؤَكِّد حَيْثُ يُفِيد فَائِدَة إِمَّا تَعَيُّن الْمَعْنَى فِي النَّفْس , وَإِمَّا رَفْع تَوَهُّم الْمَجَاز وَلَيْسَ ذَلِكَ هُنَا.
وَقَالَ غَيْره : هَذَا التَّوْكِيد لِمُتَعَلَّقِ الْحُكْم وَهُوَ الذُّكُورَة ; لِأَنَّ الرَّجُل قَدْ يُرَاد بِهِ مَعْنَى النَّجْدَة وَالْقُوَّة فِي الْأَمْر , فَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ مَرَرْت بِرَجُلٍ رَجُلٌ أَبُوهُ فَلِهَذَا اِحْتَاجَ الْكَلَام إِلَى زِيَادَة التَّوْكِيد بِذَكَرٍ حَتَّى لَا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ خُصُوص الْبَالِغ , وَقِيلَ : خَشْيَة أَنْ يُظَنّ بِلَفْظِ رَجُل الشَّخْص وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى.
وَقَالَ اِبْنِ الْعَرَبِيّ : فِي قَوْله ذَكَرٍ الْإِحَاطَةُ بِالْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى , وَلَا يَرِد قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْبِنْت تَأْخُذ جَمِيع الْمَال ; لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَأْخُذُهُ بِسَبَبَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَالْإِحَاطَة مُخْتَصَّة بِالسَّبَبِ الْوَاحِد , وَلَيْسَ إِلَّا الذَّكَر فَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الذُّكُورِيَّة , قَالَ : وَهَذَا لَا يَتَفَطَّنُ لَهُ كُلُّ مُدَّعٍ.
وَقِيلَ : إِنَّهُ اِحْتِرَازٌ عَنْ الْخُنْثَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تُؤْخَذ الْخُنْثَى فِي الزَّكَاة , وَلَا يُحْرِزُ الْخُنْثَى الْمَالَ إِذَا اِنْفَرَدَ , وَقِيلَ لِلِاعْتِنَاءِ بِالْجِنْسِ , وَقِيلَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْكَمَال فِي ذَلِكَ كَمَا يُقَال : اِمْرَأَة أُنْثَى , وَقِيلَ لِنَفْيِ تَوَهُّم اِشْتَرَاك الْأُنْثَى مَعَهُ لِئَلَّا يُحْمَل عَلَى التَّغْلِيب , وَقِيلَ ذُكِرَ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَب الِاسْتِحْقَاق بِالْعُصُوبَةِ وَسَبَب التَّرْجِيح فِي الْإِرْث وَلِهَذَا جُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ , وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الرِّجَال تَلْحَقُهُمْ الْمُؤَنُ كَالْقِيَامِ بِالْعِيَالِ وَالضِّيفَان وَإِرْفَاد الْقَاصِدِينَ وَمُوَاسَاة السَّائِلِينَ وَتَحَمُّل الْغَرَامَات وَغَيْر ذَلِكَ , هَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ , وَسَبَقَهُ الْقَاضِي عِيَاض فَقَالَ : قِيلَ هُوَ عَلَى مَعْنَى اِخْتِصَاص الرِّجَال بِالتَّعْصِيبِ بِالذُّكُورِيَّةِ الَّتِي بِهَا الْقِيَام عَلَى الْإِنَاث , وَأَصْلُهُ لِلْمَازِرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْد أَنْ ذَكَرَ اِسْتِشْكَال مَا وَرَدَ فِي هَذَا وَهُوَ رَجُل ذَكَرٌ وَفِي الزَّكَاة اِبْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ , قَالَ : وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ قَاعِدَة الشَّرْع فِي الزَّكَاة الِانْتِقَال مِنْ سِنٍّ إِلَى أَعْلَى مِنْهَا وَمِنْ عَدَدٍ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَقَدْ جُعِلَ فِي خَمْسَة وَعِشْرِينَ بِنْت مَخَاض وَسِنًّا أَعْلَى مِنْهَا وَهُوَ اِبْن لَبُون فَقَدْ يُتَخَيَّل أَنَّهُ عَلَى خِلَاف الْقَاعِدَة وَأَنَّ السِّنِينَ كَالسِّنِّ الْوَاحِد ; لِأَنَّ اِبْنِ اللَّبُون أَعْلَى سِنًّا لَكِنَّهُ أَدْنَى قَدْرًا فَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ ذَكَر عَلَى أَنَّ الذُّكُورِيَّة تَبْخَسُهُ حَتَّى يَصِير مُسَاوِيًا لِبِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ كَوْنهَا أَصْغَرَ سِنًّا مِنْهُ , وَأَمَّا فِي الْفَرَائِض فَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ الرِّجَال هُمْ الْقَائِمُونَ بِالْأُمُورِ , وَفِيهِمْ مَعْنَى التَّعْصِيب وَتَرَى لَهُمْ الْعَرَب مَا لَا تَرَى لِلنِّسَاءِ فَعَبَّرَ بِلَفْظِ ذَكَرٍ إِشَارَة إِلَى الْعِلَّة الَّتِي لِأَجْلِهَا اُخْتُصَّ بِذَلِكَ , فَهُمَا وَإِنْ اِشْتَرَكَا فِي أَنَّ السَّبَب فِي وَصْف كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَكَرٍ التَّنْبِيه عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ مُتَعَلَّقَ التَّنْبِيه فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ , فَإِنَّهُ فِي اِبْنِ اللَّبُون إِشَارَة إِلَى النَّقْص وَفِي الرَّجُل إِشَارَة إِلَى الْفَضْل , وَهَذَا قَدْ لَخَصَّهُ الْقُرْطُبِيّ وَارْتَضَاهُ.
وَقِيلَ إِنَّهُ وَصْفٌ لِأَوْلَى لَا لِرَجُلٍ قَالَهُ السُّهَيْلِيّ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيره وَتَبَجَّحَ بِهِ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث أَصْلٌ فِي الْفَرَائِض وَفِيهِ إِشْكَالٌ وَقَدْ تَلَقَّاهُ النَّاس أَوْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى مَنْ أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلِم وَاخْتُصِرَ لَهُ الْكَلَام اِخْتِصَارًا فَقَالُوا : هُوَ نَعْتٌ لِرَجُلٍ , وَهَذَا لَا يَصِحّ لِعَدَمِ الْفَائِدَة ; لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر أَنْ يَكُونَ الرَّجُل إِلَّا ذَكَرًا وَكَلَامُهُ أَجَلّ مِنْ أَنْ يَشْتَمِل عَلَى حَشْو لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّق بِهِ حُكْم , وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَنَقَصَ فِقْه الْحَدِيث ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ بَيَان حُكْم الطِّفْل الَّذِي لَمْ يَبْلُغ سِنّ الرُّجُولِيَّة , وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمِيرَاث يَجِبُ لَهُ , وَلَوْ كَانَ اِبْنَ سَاعَةٍ فَلَا فَائِدَة فِي تَخْصِيصه بِالْبَالِغِ دُونَ الصَّغِيرِ , قَالَ : وَالْحَدِيث إِنَّمَا سَبَقَ لِبَيَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مِنْ الْقَرَابَة بَعْد أَصْحَاب السِّهَام , وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَفْرِقَةٌ بَيْن قَرَابَة الْأَب وَقَرَابَة الْأُمّ , قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْله " أَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ " يُرِيد الْقَرِيب فِي النَّسَبِ الَّذِي قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِ رَجُلٍ وَصُلْبٍ لَا مِنْ قِبَلِ بَطْنٍ وَرَحِمٍ , فَالْأَوْلَى هُنَا هُوَ وَلِيّ الْمَيِّت فَهُوَ مُضَاف إِلَيْهِ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظ وَهُوَ فِي اللَّفْظ مُضَاف إِلَى النَّسَب , وَهُوَ الصُّلْب فَعَبَّرَ عَنْ الصُّلْب بِقَوْلِهِ " أَوْلَى رَجُل " لِأَنَّ الصُّلْب لَا يَكُونُ إِلَّا رَجُلًا فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " لِأَوْلَى رَجُل " نَفْي الْمِيرَاث عَنْ الْأَوْلَى الَّذِي هُوَ مِنْ قِبَل الْأُمّ كَالْخَالِ , وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " ذَكَرٍ " نَفْيَ الْمِيرَاث عَنْ النِّسَاء وَإِنْ كُنَّ مِنْ الْمُدْلِينَ إِلَى الْمَيِّت مِنْ قِبَل صُلْب لِأَنَّهُنَّ إِنَاث , قَالَ : وَسَبَب الْإِشْكَال مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَخْفُوضًا ظُنَّ نَعْتًا لِرَجُلٍ , وَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمْ يُشْكِل كَأَنْ يُقَال فَوَارِثُهُ أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ , وَالثَّانِي أَنَّهُ جَاءَ بِلَفْظِ أَفْعَلَ وَهَذَا الْوَزْن إِذَا أُرِيدَ بِهِ التَّفْضِيل كَانَ بَعْض مَا يُضَاف إِلَيْهِ كَفُلَان أَعْلَم إِنْسَانٍ فَمَعْنَاهُ أَعْلَمُ النَّاس فَتُوُهِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " أَوْلَى رَجُل " أَوْلَى الرِّجَال وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ أَوْلَى الْمَيِّت بِإِضَافَتِهِ النَّسَب وَأَوْلَى صُلْب بِإِضَافَتِهِ كَمَا تَقُول هُوَ أَخُوك أَخُو الرَّخَاء لَا أَخُو الْبَلَاء , قَالَ : فَالْأَوْلَى فِي الْحَدِيث كَالْوَلِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْف يُضَاف لِلْوَاحِدِ وَلَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهُ ؟ فَالْجَوَاب إِذَا كَانَ مَعْنَاهُ الْأَقْرَب فِي النَّسَب جَازَتْ إِضَافَته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِرّ " بِرَّ أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ أَدْنَاك " قَالَ : وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي هَذَا الْكَلَام الْمُوجَز مِنْ الْمَتَانَة وَكَثْرَة الْمَعَانِي مَا لَيْسَ فِي غَيْره , فَالْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ وَأَعَانَ اِنْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَا يَخْلُو مِنْ اِسْتِغْلَاق.
وَقَدْ لَخَصَّهُ الْكَرْمَانِيُّ فَقَالَ : ذَكَرٌ صِفَةٌ لِأَوْلَى لَا لِرَجُلٍ , وَالْأَوْلَى بِمَعْنَى الْقَرِيب الْأَقْرَب فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَهُوَ لِقَرِيبِ الْمَيِّت ذَكَر مِنْ جِهَة رَجُل وَصُلْب لَا مِنْ جِهَة بَطْن وَرَحِمٍ , فَالْأَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُضَاف إِلَى الْمَيِّت , وَأُشِيرَ بِذِكْرِ الرَّجُل إِلَى الْأَوْلَوِيَّة فَأَفَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ الْمِيرَاث عَنْ الْأَوْلَى الَّذِي مِنْ جِهَة الْأُمّ كَالْخَالِ , وَبِقَوْلِهِ ذَكَر نَفْيه عَنْ النِّسَاء بِالْعُصُوبَةِ وَإِنْ كُنَّ مِنْ الْمُدْلِينَ لِلْمَيِّتِ مِنْ جِهَة الصُّلْب اِنْتَهَى.
وَقَدْ أَوْرَدْته كَمَا وَجَدْته وَلَمْ أَحْذِفْ مِنْهُ إِلَّا أَمْثِلَةً أَطَالَ بِهَا وَكَلِمَاتٍ طَوِيلَةً تَبَجَّحَ بِهَا بِسَبَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ , وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى.
قَالَ النَّوَوِيّ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الَّذِي يَبْقَى بَعْد الْفُرُوض لِلْعَصَبَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَب فَلَا يَرِثُ عَاصِبٌ بَعِيدٌ مَعَ عَاصِبٍ قَرِيبٍ , وَالْعَصَبَة كُلّ ذَكَرٍ يُدْلِي بِنَفْسِهِ بِالْقَرَابَةِ لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن الْمَيِّت أُنْثَى , فَمَتَى اِنْفَرَدَ أَخَذَ جَمِيع الْمَال , وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَوِي فُرُوض غَيْر مُسْتَغْرِقِينَ أَخَذَ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ مَعَ مُسْتَغْرِقِينَ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَأَمَّا تَسْمِيَة الْفُقَهَاء الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْت عَصَبَة فَعَلَى سَبِيل التَّجَوُّز ; لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة تَأْخُذ مَا فَضَلَ عَنْ الْبِنْت أَشْبَهَتْ الْعَاصِب , قُلْت : وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ : اِسْتَدَلَّ قَوْم - يَعْنِي اِبْنَ عَبَّاس وَمَنْ تَبِعَهُ - بِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاس عَلَى أَنَّ مَنْ خَلَّفَ بِنْتًا وَأَخًا شَقِيقًا وَأُخْتًا شَقِيقَة كَانَ لِابْنَتِهِ النِّصْف وَمَا بَقِيَ لِأَخِيهِ وَلَا شَيْء لِأُخْتِهِ وَلَوْ كَانَتْ شَقِيقَة , وَطَرَدُوا ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْت الشَّقِيقَة عَصَبَة فَقَالُوا لَا شَيْء لَهَا مَعَ الْبِنْت بَلْ الَّذِي يَبْقَى بَعْد الْبِنْت لِلْعَصَبَةِ وَلَوْ بَعُدُوا , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ) قَالُوا : فَمَنْ أَعْطَى الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ خَالَفَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ.
قَالَ : وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِمْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ بِنْتًا وَابْنَ اِبْنٍ وَبِنْتَ اِبْنٍ مُتَسَاوِيَيْنِ أَنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ اِبْنِ الِابْن وَبِنْتِ الِابْن وَلَمْ يَخُصُّوا اِبْنَ الِابْنِ بِمَا بَقِيَ لِكَوْنِهِ ذَكَرًا بَلْ وَرَّثُوا مَعَهُ شَقِيقَتَهُ وَهِيَ أُنْثَى , قَالَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس لَيْسَ عَلَى عُمُومه بَلْ هُوَ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا إِذَا تَرَكَ بِنْتًا وَعَمًّا وَعَمَّةً فَإِنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وَمَا بَقِيَ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ إِجْمَاعًا قَالَ : فَاقْتَضَى النَّظَر تَرْجِيح إِلْحَاق الْأُخْت مَعَ الْأَخ بِالِابْنِ وَالْبِنْت لَا بِالْعَمِّ وَالْعَمَّة ; لِأَنَّ الْمَيِّت لَوْ لَمْ يَتْرُك إِلَّا أَخًا وَأُخْتًا شَقِيقَتَيْنِ فَالْمَال بَيْنهمَا , فَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ اِبْنَ اِبْنٍ وَبِنْتَ اِبْنٍ , بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ عَمًّا وَعَمَّة فَإِنَّ الْمَال كُلّه لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّة بِاتِّفَاقِهِمْ , قَالَ : وَأَمَّا الْجَوَاب عَمَّا اِحْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْآيَة فَهُوَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَيِّت لَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأَخًا لِأَبٍ كَانَ لِلْبِنْتِ النِّصْف وَمَا بَقِيَ لِلْأَخِ , وَأَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) إِنَّمَا هُوَ وَلَدٌ يَحُوز الْمَال كُلّه لَا الْوَلَد الَّذِي لَا يَحُوز , وَأَقْرَب الْعَصَبَات الْبَنُونَ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ الْأَب ثُمَّ الْجَدّ وَالْأَخ إِذَا اِنْفَرَدَ وَاحِد مِنْهُمَا , فَإِنْ اِجْتَمَعَا فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ , ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَة ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا , ثُمَّ الْأَعْمَام ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا وَمَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِأَبٍ لَكِنْ يُقَدَّم الْأَخ مِنْ الْأَب عَلَى اِبْنِ الْأَخ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَيُقَدَّم اِبْنِ أَخٍ لِأَبٍ عَلَى عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ وَيُقَدَّم عَمٌّ لِأَبٍ عَلَى اِبْنِ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ , وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيّ عَلَى أَنَّ اِبْن الِابْن يَحُوزُ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ اِبْنٌ , وَعَلَى أَنَّ الْجَدّ يَرِثُ جَمِيعَ الْمَالِ.
إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ أَبٌ , وَعَلَى أَنَّ الْأَخ مِنْ الْأُمّ إِذَا كَانَ اِبْنَ عَمٍّ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ , وَسَيَأْتِي جَمِيع ذَلِكَ وَالْبَحْث فِيهِ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: «مرضت بمكة مرضا، فأشفيت منه على الموت، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله إن لي مالا...
عن الأسود بن يزيد قال: «أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميرا، فسألناه عن رجل: توفي وترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف والأخت النصف.»
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.»
عن هزيل بن شرحبيل قال: «سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسيتابعني، فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبي...
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر.»
عن ابن عباس قال: «أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذته، ولكن خلة الإسلام أفضل، أو قال: خير.<br> فإنه أن...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد م...
عن أبي هريرة أنه قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة، عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفي...
عن الأسود قال: «قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: النصف للابنة والنصف للأخت، ثم قال سليمان: قضى فينا، ولم يذكر على عهد رسول...