6837-
و 6838- عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير» قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَزَيْد بْن خَالِد ) سَبَقَ التَّنْبِيه فِي شَرْح قِصَّة الْعَسِيف عَلَى أَنَّ الزُّبَيْدِيّ وَيُونُس زَادَا فِي رِوَايَتهمَا لِهَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيّ شِبْل بْن خَلِيل أَوْ ابْن حَامِد , وَتَقَدَّمَ بَيَانه مُفَصَّلًا.
قَوْله ( سُئِلَ عَنْ الْأَمَة ) فِي رِوَايَة حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَيْ هُرَيْرَة " أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ جَارِيَتِي زَنَتْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا , قَالَ : اِجْلِدْهَا " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم هَذَا الرَّجُل.
قَوْله ( إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَن ) تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْإِحْصَان , قَالَ اِبْن بَطَّال : زَعَمَ مَنْ قَالَ لَا جَلْد عَلَيْهَا قَبْل التَّزْوِيج بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيث " وَلَمْ تُحْصَن " غَيْرَ مَالِكٍ , وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ عَنْ اِبْن شِهَاب كَمَا قَالَ مَالِك , وَكَذَا رَوَاهُ طَائِفَة عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْهُ.
قُلْت : رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَرِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ تَقَدَّمَتْ فِي الْبُيُوع لَيْسَ فِيهَا " وَلَمْ تُحْصَن " وَزَادَهَا النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَته عَنْ الْحَارِث بْن مِسْكِين عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ " سُئِلَ عَنْ الْأَمَة تَزْنِي قَبْل أَنْ تُحْصَن " وَكَذَا عِنْد اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَمُحَمَّد بْن الصَّبَّاح كِلَاهُمَا عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ اِبْن شِهَاب أَيْضًا صَالِح بْن كَيْسَانَ كَمَا قَالَ مَالِك وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَته فِي كِتَاب الْبُيُوع فِي " بَاب بَيْع الْمُدَبَّر " وَكَذَا أَخْرَجَهُمَا مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة هُنَاكَ بِدُونِهَا وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَيْضًا , وَعَلَى تَقْدِير أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا فَهُوَ مِنْ الْحُفَّاظ وَزِيَادَته مَقْبُولَة , وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَاب عَنْ مَفْهُومهَا.
قَوْله ( قَالَ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ) قِيلَ أَعَادَ الزِّنَا فِي الْجَوَاب غَيْر مُقَيَّد بِالْإِحْصَانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَأَنَّ مُوجِبَ الْحَدّ فِي الْأَمَة مُطْلَق الزِّنَا , وَمَعْنَى " اِجْلِدُوهَا " الْحَدّ اللَّائِق بِهَا الْمُبَيَّن فِي الْآيَة وَهُوَ نِصْف مَا عَلَى الْحُرَّة , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَالْخِطَاب فِي اِجْلِدُوهَا لِمَنْ يَمْلِك الْأَمَة , فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّيِّد يُقِيم الْحَدّ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ جَارِيَة وَعَبْد , أَمَّا الْجَارِيَة فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا الْعَبْد فَبِالْإِلْحَاقِ , وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِيمَنْ يُقِيم الْحُدُود عَلَى الْأَرِقَّاء : فَقَالَتْ طَائِفَة لَا يُقِيمهَا إِلَّا الْإِمَام أَوْ مَنْ يَأْذَن لَهُ وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّة , وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ لَا يُقِيم السَّيِّد إِلَّا حَدّ الزِّنَا , وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِم بْن يَسَار قَالَ " كَانَ أَبُو عَبْد اللَّه رَجُل مِنْ الصَّحَابَة يَقُول : الزَّكَاة وَالْحُدُود وَالْفَيْء وَالْجُمُعَة إِلَى السُّلْطَان " قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا نَعْلَم لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَة , وَتَعَقَّبَهُ اِبْن حَزْم فَقَالَ : بَلْ خَالَفَهُ اِثْنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَة , وَقَالَ آخَرُونَ يُقِيمهَا السَّيِّد وَلَوْ لَمْ يَأْذَن لَهُ الْإِمَام وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ , وَأَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عُمَر " فِي الْأَمَة إِذَا زَنَتْ وَلَا زَوْجَ لَهَا يَحُدُّهَا سَيِّدُهَا , فَإِنْ كَانَتْ ذَات زَوْج فَأَمْرُهَا إِلَى الْإِمَام " وَبِهِ قَالَ مَالِك إِلَّا إِنْ كَانَ زَوْجهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُهَا إِلَى السَّيِّد , وَاسْتَثْنَى مَالِك الْقَطْع فِي السَّرِقَة , وَهُوَ وَجْه لِلشَّافِعِيَّةِ وَفِي آخَر يُسْتَثْنَى حَدُّ الشُّرْب , وَاحْتُجَّ لِلْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ فِي الْقَطْع مُثْلَة فَلَا يُؤْمَنُ السَّيِّد أَنْ يُرِيد أَنْ يُمَثِّل بِعَبْدِهِ فَيُخْشَى أَنْ يَتَّصِل الْأَمْر بِمَنْ يَعْتَقِد أَنَّهُ يَعْتِق بِذَلِكَ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ السَّرِقَة لِئَلَّا يَعْتِق فَيُمْنَع مِنْ مُبَاشَرَته الْقَطْعَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ , وَأَخَذَ بَعْض الْمَالِكِيَّة مِنْ هَذَا التَّعْلِيل اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ مُسْتَنَدُ السَّرِقَة عِلْمَ السَّيِّد أَوْ الْإِقْرَار , بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَجُوز لِلسَّيِّدِ لِفَقْدِ الْعِلَّة الْمَذْكُورَة , وَحُجَّة الْجُمْهُور حَدِيث عَلِيّ الْمُشَار إِلَيْهِ قَبْل وَهُوَ عِنْد مُسْلِم وَالثَّلَاثَة , وَعِنْد الشَّافِعِيَّة خِلَاف فِي اِشْتِرَاط أَهْلِيَّة السَّيِّد لِذَلِكَ , وَتَمَسَّكَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِط بِأَنَّ سَبِيله سَبِيل الِاسْتِصْلَاح فَلَا يَفْتَقِر لِلْأَهْلِيَّةِ.
وَقَالَ اِبْن حَزْم : يُقِيمهُ السَّيِّد إِلَّا إِنْ كَانَ كَافِرًا , وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ إِلَّا بِالصَّغَارِ وَفِي تَسْلِيطه عَلَى إِقَامَة الْحَدّ مُنَافَاةٌ لِذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي قَوْل مَالِك إِنْ كَانَتْ الْأَمَة ذَات زَوْج لَمْ يَحُدّهَا الْإِمَام مِنْ أَجْل أَنَّ لِلزَّوْجِ تَعَلُّقًا بِالْفَرْجِ فِي حِفْظه عَنْ النَّسَب الْبَاطِل وَالْمَاء الْفَاسِد , لَكِنَّ حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَع , يَعْنِي حَدِيث عَلِيّ الْمَذْكُور الدَّالّ عَلَى التَّعْمِيم فِي ذَات الزَّوْج وَغَيْرهَا.
وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْض طُرُقه " مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَن ".
قَوْله ( ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ) بِفَتْحِ الضَّاد الْمُعْجَمَة غَيْر الْمُشَالَة ثُمَّ فَاء أَيْ الْمَضْفُور فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول , زَادَ يُونُس وَابْن أَخِي الزُّهْرِيّ وَالزُّبَيْدِيّ وَيَحْيَى بْن سَعِيد كُلّهمْ عَنْ اِبْن شِهَاب عِنْد النَّسَائِيِّ " وَالضَّفِير الْحَبْل " وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ مَالِك وَزَادَهَا عَمَّار بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم وَهُوَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ عِنْد النَّسَائِيِّ وَابْن مَاجَهْ , لَكِنْ خَالَفَ فِي الْإِسْنَاد فَقَالَ : " إِنَّ مُحَمَّد بْن مُسْلِم حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَة وَعَمْرَة حَدَّثَاهُ أَنَّ عَائِشَة حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا زَنَتْ الْأَمَة فَاجْلِدُوهَا " وَقَالَ فِي آخِره " وَلَوْ بِضَفِيرٍ وَالضَّفِير الْحَبْل " وَقَوْله وَالضَّفِير الْحَبْل مُدْرَج فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي رِوَايَة الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك عِنْد مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ فَقَالَ فِي آخِره " قَالَ اِبْن شِهَاب وَالضَّفِير الْحَبْل " وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآت مَنْسُوبًا لِجَمِيعِ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأ إِلَّا اِبْن مَهْدِيّ فَإِنَّ ظَاهِر سِيَاقه أَنَّهُ أَدْرَجَهُ أَيْضًا , وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُر قَوْله وَالضَّفِير الْحَبْل كَمَا فِي رِوَايَة الْبَاب.
قَوْله ( قَالَ اِبْن شِهَاب ) هُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور.
قَوْله ( لَا أَدْرِي بَعْد الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة ) لَمْ يُخْتَلَف فِي رِوَايَة مَالِك فِي هَذَا , وَكَذَا فِي رِوَايَة صَالِح بْن كَيْسَانَ وَابْن عُيَيْنَةَ , وَكَذَا فِي رِوَايَة يُونُس وَالزُّبَيْدِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ عِنْد النَّسَائِيِّ , وَكَذَا فِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد مُسْلِم وَأَدْرَجَهُ فِي رِوَايَة يَحْيَى بْن سَعِيد عِنْد النَّسَائِيِّ وَلَفْظه " ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ بَعْد الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة " وَلَمْ يَقُلْ قَالَ اِبْن شِهَاب وَعَنْ قُتَيْبَة عَنْ مَالِك كَذَلِكَ , وَأَدْرَجَ أَيْضًا فِي رِوَايَة مُحَمَّد بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد النَّسَائِيِّ , وَالصَّوَاب التَّفْصِيل , وَأَمَّا الشَّكّ فِي الثَّالِثَة أَوْ فِي الرَّابِعَة فَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ " فَلْيَجْلِدْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا " وَنَحْوه فِي مُرْسَل عِكْرِمَة عِنْد أَبِي قُرَّة بِلَفْظِ " وَإِذَا زَنَتْ الرَّابِعَة فَبِيعُوهَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه " ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَة فَلْيَبِعْهَا " وَمُحَصَّل الِاخْتِلَاف هَلْ يَجْلِدهَا فِي الرَّابِعَة قَبْل الْبَيْع أَوْ يَبِيعهَا بِلَا جَلْدٍ ؟ وَالرَّاجِح الْأَوَّل وَيَكُون سُكُوت مَنْ سَكَتَ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْجَلْد لَا يُتْرَك وَلَا يَقُوم الْبَيْع مَقَامه , وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ الْبَيْع يَقَع بَعْد الْمَرَّة الثَّالِثَة فِي الْجَلْد لِأَنَّهُ الْمُحَقَّق فَيُلْغَى الشَّكّ , وَالِاعْتِمَاد عَلَى الثَّلَاث فِي كَثِير مِنْ الْأُمُور الْمَشْرُوعَة.
وَقَوْله " وَلَوْ بِضَفِيرٍ " أَيْ حَبْل مَضْفُور , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمَقْبُرِيِّ " وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر " وَأَصْل الضَّفْر نَسْج الشَّعْر وَإِدْخَال بَعْضه فِي بَعْض وَمِنْهُ ضَفَائِر شَعْر الرَّأْس لِلْمَرْأَةِ وَلِلرَّجُلِ , قِيلَ لَا يَكُون مَضْفُورًا إِلَّا إِنْ كَانَ مِنْ ثَلَاث , وَقِيلَ شَرْطه أَنْ يَكُون عَرِيضًا وَفِيهِ نَظَر.
وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الزِّنَا عَيْب يُرَدُّ بِهِ الرَّقِيقُ لِلْأَمْرِ بِالْحَطِّ مِنْ قِيمَة الْمَرْقُوق إِذَا وُجِدَ مِنْهُ الزِّنَا , كَذَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ , وَتَوَقَّفَ فِيهِ اِبْن دَقِيق الْعِيد لِجَوَازِ أَنْ يَكُون الْمَقْصُود الْأَمْر بِالْبَيْعِ وَلَوْ اِنْحَطَّتْ الْقِيمَة فَيَكُون ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِأَمْرٍ وُجُودِيّ لَا إِخْبَارًا عَنْ حُكْم شَرْعِيّ إِذْ لَيْسَ فِي الْخَبَر تَصْرِيح بِالْأَمْرِ مِنْ حَطّ الْقِيمَة.
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ زَنَى فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ ثُمَّ عَادَ أُعِيدَ عَلَيْهِ , بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مِرَارًا فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِإِقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهِ مَرَّة وَاحِدَة عَلَى الرَّاجِح.
وَفِيهِ الزَّجْر عَنْ مُخَالَطَة الْفُسَّاق وَمُعَاشَرَتهمْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ الْأَلْزَامِ إِذَا تَكَرَّرَ زَجْرهمْ وَلَمْ يَرْتَدِعُوا وَيَقَع الزَّجْر بِإِقَامَةِ الْحَدّ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ الْحَدّ وَبِالتَّعْزِيرِ فِيمَا لَا حَدّ فِيهِ.
وَفِيهِ جَوَاز عَطْف الْأَمْر الْمُقْتَضِي لِلنَّدْبِ عَلَى الْأَمْر الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْأَمْر بِالْجَلْدِ وَاجِب وَالْأَمْر بِالْبَيْعِ مَنْدُوب عِنْد الْجُمْهُور خِلَافًا لِأَبِي ثَوْر وَأَهْل الظَّاهِر , وَادَّعَى بَعْض الشَّافِعِيَّة أَنَّ سَبَب صَرْف الْأَمْر عَنْ الْوُجُوب أَنَّهُ مَنْسُوخ , وَمِمَّنْ حَكَاهُ اِبْن الرِّفْعَة فِي الْمَطْلَب وَيَحْتَاج إِلَى ثُبُوت , وَقَالَ اِبْن بَطَّال : حَمَلَ الْفُقَهَاء الْأَمْر بِالْبَيْعِ عَلَى الْحَضّ عَلَى مُسَاعَدَة مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الزِّنَا لِئَلَّا يُظَنّ بِالسَّيِّدِ الرِّضَا بِذَلِكَ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَسِيلَة إِلَى تَكْثِير أَوْلَاد الزِّنَا , قَالَ : وَحَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى الْوُجُوب وَلَا سَلَفَ لَهُ مِنْ الْأُمَّةِ فَلَا يُسْتَقَلُّ بِهِ , وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْي عَنْ إِضَاعَة الْمَال فَكَيْف يَجِب بَيْع الْأَمَة ذَات الْقِيمَة بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر لَا قِيمَة لَهُ : فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد الزَّجْر عَنْ مُعَاشَرَة مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى بَيْع الثَّمِين بِالْحَقِيرِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَاز بَيْع الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَالَهُ بِدُونِ قِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ بِمَا يُتَغَابَن بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّ قَوْله " وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْر " لَا يُرَاد بِهِ ظَاهِره وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيث " مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاة " عَلَى أَحَد الْأَجْوِبَة , لِأَنَّ قَدْر الْمَفْحَص لَا يَسَع أَنْ يَكُون مَسْجِدًا حَقِيقَة , فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَيْن مَمْلُوكَة لِمَحْجُورٍ فَلَا يَبِيعهَا وَلِيُّهُ إِلَّا بِالْقِيمَةِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَطَّرِد لِأَنَّ عَيْب الزِّنَا تَنْقُص بِهِ الْقِيمَة عِنْد كُلّ أَحَد فَيَكُون بَيْعهَا بِالنُّقْصَانِ بَيْعًا بِثَمَنِ الْمِثْل نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاض وَمَنْ تَبِعَهُ , وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْمُرَاد مِنْ الْحَدِيث الْإِسْرَاع بِالْبَيْعِ وَإِمْضَاؤُهُ وَلَا يُتَرَبَّصُ بِهِ طَلَبُ الرَّاغِب فِي الزِّيَادَة , وَلَيْسَ الْمُرَاد بَيْعه بِقِيمَةِ الْحَبْل حَقِيقَة , وَفِيهِ أَنَّهُ يَجِب عَلَى الْبَائِع أَنْ يُعْلِم الْمُشْتَرِيَ بِعَيْبِ السِّلْعَة لِأَنَّ قِيمَتهَا إِنَّمَا تَنْقُص مَعَ الْعِلْم بِالْعَيْبِ حَكَاهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد , وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الْعَيْب لَوْ لَمْ يُعْلَم لَهُ تَنْقُص الْقِيمَة فَلَا يَتَوَقَّف عَلَى الْإِعْلَام , وَاسْتُشْكِلَ الْأَمْر بِبَيْعِ الرَّقِيق إِذَا زَنَى مَعَ أَنَّ كُلّ مُؤْمِن مَأْمُور أَنْ يَرَى لِأَخِيهِ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ , وَمِنْ لَازِم الْبَيْع أَنْ يُوَافِق أَخَاهُ الْمُؤْمِن عَلَى أَنْ يَقْتَنِي مَا لَا يَرْضَى اِقْتِنَاءَهُ لِنَفْسِهِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّ السَّبَب الَّذِي بَاعَهُ لِأَجْلِهِ لَيْسَ مُحَقَّق الْوُقُوع عِنْد الْمُشْتَرِي لِجَوَازِ أَنْ يَرْتَدِع الرَّقِيق إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَتَى عَادَ أُخْرِجَ فَإِنَّ الْإِخْرَاج مِنْ الْوَطَن الْمَأْلُوف شَاقّ , وَلِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ الْإِعْفَاف عِنْد الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : يُرْجَى عِنْد تَبْدِيل الْمَحَلّ تَبْدِيل الْحَال , وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ لِلْمُجَاوَرَةِ تَأْثِيرًا فِي الطَّاعَة وَفِي الْمَعْصِيَة , قَالَ النَّوَوِيّ : وَفِيهِ أَنَّ الزَّانِي إِذَا حُدَّ ثُمَّ زَنَى لَزِمَهُ حَدٌّ آخَر ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا , فَإِذَا زَنَى مَرَّات وَلَمْ يُحَدّ فَلَا يَلْزَمهُ إِلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ.
قُلْت : مِنْ قَوْله فَإِذَا زَنَى اِبْتِدَاء كَلَام قَالَهُ لِتَكْمِيلِ الْفَائِدَة وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَيْهِ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا بِخِلَافِ الشِّقّ الْأَوَّل فَإِنَّهُ ظَاهِر , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْعُقُوبَة فِي التَّعْزِيرَات إِذَا لَمْ يُفِدْ مَقْصُودُهَا مِنْ الزَّجْر لَا يُفْعَل لِأَنَّ إِقَامَة الْحَدّ وَاجِبَة , فَلَمَّا تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُفِدْ عَدَلَ إِلَى تَرْك شَرْط إِقَامَته عَلَى السَّيِّد وَهُوَ الْمِلْك , وَلِذَلِكَ قَالَ " بِيعُوهَا " وَلَمْ يَقُلْ : اِجْلِدُوهَا كُلَّمَا زَنَتْ , ذَكَرَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد وَقَالَ قَدْ تَعَرَّضَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إِذَا عَلِمَ الْمُعَزِّر فِي أَنَّ التَّأْدِيب لَا يَحْصُل إِلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّح فَلْيَتْرُكْهُ لِأَنَّ الْمُبَرِّح يُهْلِك وَلَيْسَ لَهُ الْإِهْلَاكُ , وَغَيْر الْمُبَرِّح لَا يُفِيد , قَالَ الرَّافِعِيّ : وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْإِمَام لَا يَجِب عَلَيْهِ تَعْزِير مَنْ يَسْتَحِقّ التَّعْزِير , فَإِنْ قُلْنَا يَجِب اِلْتَحَقَ بِالْحَدِّ فَلْيُعَزِّرْهُ بِغَيْرِ الْمُبَرِّح وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِر.
وَفِيهِ أَنَّ السَّيِّد يُقِيم الْحَدّ عَلَى عَبْده وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِن السُّلْطَانَ , وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ بَعْد ثَلَاثَة أَبْوَاب.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ
عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا زنت الأمة فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت الثا...
حدثنا الشيباني: «سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الرجم فقال: رجم النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أقبل النور أم بعده؟ قال: لا أدري» تابعه علي بن مسهر، وخ...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله...
و 6843- عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه: «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر، وه...
عن عائشة قالت: «جاء أبو بكر رضي الله عنه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا عل...
عن عائشة قالت: «أقبل أبو بكر، فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة، فبي الموت، لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجعني» نحوه
عن المغيرة، قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون من غيرة سعد، لأنا...
عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال: هل لك من إبل؟، قال: نعم،...
عن أبي بردة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله.»