حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الفتن باب حدثنا مسدد (حديث رقم: 7121 )


7121- عن ‌أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل.
وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون، فذلك حين: {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها.»

أخرجه البخاري


(دجالون) خلاطون بين الحق والباطل مموهون.
والفرق بينهم وبين الدجال الأكبر أنهم يدعون النبوة وهو يدعي الإلهية.
ولكنهم كلهم مشتركون في التمويه وادعاء الباطل الكبير وقد وجد كثير منهم ففضحهم الله تعالى وأهلكهم.
(يقبض العلم) بموت العلماء.
(تكثر الزلازل) خصص الزلازل والمراد كل ما يجري ذاك الزمن.
(يتقارب الزمان) أي يتقارب من أهله في الجهل ويحتمل حمله على تعادل الليل والنهار دائما.
(فيفيض) يزيد عن الحاجة كثرة كبيرة.
قيل هو إشارة إلى ما وقع زمن عمر بن عبد العزيز.
(يهم) يحزن.
(أرب) حاجة.
(يتطاول) أي كل من يبني بناء يريد أن يكون بناؤه أرفع وأضخم وأفخم من بناء غيره مفاخرة ورياء (فذلك) أي فهذا الوقت.
(كسبت في إيمانها خيرا) آمنت إيمانا صادقا وعملت بمقتضاه فلم ترتكب الكبائر وتصر عليها.
/ الأنعام 158 / (فلا يتبايعانه) لا يتمكنان من إمضاء عقد البيع.
(لقحته) الناقة الحلوب.
والقريبة العهد بالولادة.
(يليط) يطين ويصلح.
(أكلته) لقمته

شرح حديث ( لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة )

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله ( عَنْ عَبْد الرَّحْمَن ) ‏ ‏هُوَ الْأَعْرَج , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيِّ لِهَذِهِ النُّسْخَة " عَنْ الْأَعْرَج " وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاء بَعْض هَذَا الْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد وَفِيهِ " عَنْ عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج ".
‏ ‏قَوْله ( لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَقْتَتِل فِئَتَانِ ) ‏ ‏الْحَدِيث " وَحَتَّى يُبْعَث دَجَّالُونَ " الْحَدِيث " وَحَتَّى يُقْبَض الْعِلْم إِلَخْ " هَكَذَا سَاقَ هَذِهِ الْأَشْرَاط السَّبْعَة مَسَاق الْحَدِيث الْوَاحِد هُنَا , وَأَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق شُعَيْب بْن أَبِي حَمْزَة عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ فِي كُلّ وَاحِد مِنْهَا " وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ قَالَ : أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الْأَحَادِيث السَّبْعَة عَنْ أَبِي الْيَمَان عَنْ شُعَيْب.
قُلْت , فَسَمَّاهَا سَبْعَة مَعَ أَنَّ فِي بَعْضهَا أَكْثَر مِنْ وَاحِد كَقَوْلِهِ " حَتَّى يُقْبَض الْعِلْم وَتَكْثُر الزَّلَازِل وَيَتَقَارَب الزَّمَان وَتَظْهَر الْفِتَن وَيَكْثُر الْهَرْج " فَإِذَا فُصِّلَتْ زَادَتْ عَلَى الْعَشَرَة , وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذِهِ النُّسْخَة حَدِيث قَبْض الْعِلْم فَسَاقَهُ كَاَلَّذِي هُنَا فِي كِتَاب الِاسْتِسْقَاء ثُمَّ قَالَ " وَحَتَّى يَكْثُر فِيكُمْ الْمَال فَيَفِيض " اِقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْر مِنْهُ , ثُمَّ سَاقَهُ فِي كِتَاب الزَّكَاة بِتَمَامِهِ , وَذَكَرَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِهَذَا السَّنَد حَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالهمْ الشَّعْر " الْحَدِيث وَفِيهِ أَشْيَاء غَيْر ذَلِكَ مِنْ هَذَا النَّمَط , وَهَذِهِ الْمَذْكُورَات وَأَمْثَالهَا مِمَّا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ تَقُوم السَّاعَة , لَكِنَّهُ عَلَى أَقْسَام : ‏ ‏أَحَدهَا مَا وَقَعَ عَلَى وَفْق مَا قَالَ , ‏ ‏وَالثَّانِي مَا وَقَعَتْ مَبَادِيه وَلَمْ يَسْتَحِكُمْ , ‏ ‏وَالثَّالِث مَا لَمْ يَقَع مِنْهُ شَيْء وَلَكِنَّهُ سَيَقَعُ , فَالنَّمَط الْأَوَّل تَقَدَّمَ مُعْظَمه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة , وَقَدْ اِسْتَوْفَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمَقْبُولَة , وَالْمَذْكُور مِنْهُ هُنَا اِقْتِتَال الْفِئَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَظُهُور الْفِتَن وَكَثْرَة الْهَرْج وَتَطَاوُل النَّاس فِي الْبُنْيَان وَتَمَنِّي بَعْض النَّاس الْمَوْت وَقِتَال التُّرْك وَتَمَنِّي رُؤْيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا وَرَدَ مِنْهُ حَدِيث الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَأْخُذ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُون قَبْلَهَا " الْحَدِيث وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام , وَلَهُ شَوَاهِد , وَمِنْ النَّمَط الثَّانِي تَقَارُب الزَّمَان وَكَثْرَة الزَّلَازِل وَخُرُوج الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة فِي شَرْح حَدِيث أَبِي مُوسَى فِي أَوَائِل كِتَاب الْفِتَن إِلَى مَا وَرَدَ فِي مَعْنَى تَقَارُب الزَّمَان , وَوَقَعَ فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " يَتَقَارَب الزَّمَان وَتَنْقُص السُّنُونَ وَالثَّمَرَات " وَتَقَدَّمَ فِي " بَاب ظُهُور الْفِتَن ".
" وَيُلْقَى الشُّحّ " وَمِنْهَا حَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقْسَم مِيرَاث وَلَا يُفْرَح بِغَنِيمَةٍ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ الَّذِي نَبَّهْت عَلَيْهِ آنِفًا لَا يُنَافِي أَنَّ قَبْلَ السَّاعَة يَقَع عَشْر آيَات فَذَكَرَ مِنْهَا " وَثَلَاثَة خُسُوف خَسْف بِالْمَشْرِقِ وَخَسْف بِالْمَغْرِبِ وَخَسْف بِجَزِيرَةِ الْعَرَب " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَذَكَرَ مِنْهَا الدُّخَان وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي سُورَة الدُّخَان , وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث صُحَارَى بِضَمِّ الصَّاد وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ حَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُخْسَف بِقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَب " الْحَدِيث , وَقَدْ وُجِدَ الْخَسْف فِي مَوَاضِع , وَلَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْخُسُوفِ الثَّلَاثَة قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا وُجِدَ كَأَنْ يَكُون أَعْظَم مِنْهُ مَكَانًا أَوْ قَدْرًا وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَسُود كُلّ قَبِيلَة مُنَافِقُوهَا " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ , وَفِي لَفْظ " رُذَّالُهَا " وَأَخْرَجَ الْبَزَّار عَنْ أَبِي بَكْرَة نَحْوه , وَعِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " وَكَانَ زَعِيم الْقَوْم أَرْذَلهمْ وَسَادَ الْقَبِيلَة فَاسِقهمْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " إِذَا وُسِّدَ الْأَمْر إِلَى غَيْر أَهْله فَانْتَظِرْ السَّاعَة " وَحَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكُون الْوَلَد غَيْظًا , وَالْمَطَر قَيْظًا , وَتَفِيض الْأَيَّام فَيْضًا " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَعَنْ أُمّ الضِّرَاب مِثْله وَزَادَ " وَيَجْتَرِئ الصَّغِير عَلَى الْكَبِير وَاللَّئِيم عَلَى الْكَرِيم وَيُخَرَّب عُمْرَان الدُّنْيَا وَيُعَمَّر خَرَابهَا " وَمِنْ النَّمَط الثَّالِث طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ طُرُق أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَفِي بَدْء الْخَلْق مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ وَحَدِيث " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُقَاتِل الْمُسْلِمُونَ الْيَهُود فَيَقْتُلهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئ الْيَهُودِيّ وَرَاءَ الْحَجَر " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مِنْ رِوَايَة أَبِي زُرْعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر , وَمَضَى شَرْحه فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَأَنَّ ذَلِكَ يَقَع قَبْلَ الدَّجَّال كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث سَمُرَة عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ , وَحَدِيث أَنَس " أَنَّ أَمَام الدَّجَّال سُنُونَ خَدَّاعَات يُكَذَّب فِيهَا الصَّادِق وَيُصَدَّق فِيهَا الْكَاذِب وَيُخَوَّن فِيهَا الْأَمِين وَيُؤْتَمَن فِيهَا الْخَائِن وَيَتَكَلَّم فِيهَا الرُّوَيْبِضَة " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار وَسَنَده جَيِّد , وَمِثْله لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَفِيهِ " قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَة ؟ قَالَ الرَّجُل التَّافِه يَتَكَلَّم فِي أَمْر الْعَامَّة " وَحَدِيث سَمُرَة " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا عِظَامًا لَمْ تُحَدِّثُوا بِهَا أَنْفُسكُمْ " وَفِي لَفْظ " يَتَفَاقَم شَأْنهَا فِي أَنْفُسكُمْ وَتَسْأَلُونَ هَلْ كَانَ نَبِيّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَحَتَّى تَرَوْا الْجِبَال تَزُول عَنْ أَمَاكِنهَا " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيث طَوِيل وَأَصْله عِنْدَ التِّرْمِذِيّ دُونَ الْمَقْصُود مِنْهُ هُنَا , وَحَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُتَسَافَد فِي الطَّرِيق تَسَافُد الْحُمُر " أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم , وَلِأَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَفْنَى هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَقُوم الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَة فَيَفْتَرِشهَا فِي الطَّرِيق فَيَكُون خِيَارهمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُول لَوْ وَارَيْنَاهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِط " وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي " الْأَوْسَط " مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ نَحْوه وَفِيهِ " يَقُول أَمْثَلهمْ لَوْ اِعْتَزَلْتُمْ الطَّرِيق " وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَوْله " وَحَتَّى تَمُرّ الْمَرْأَة بِالْقَوْمِ فَيَقُوم إِلَيْهَا أَحَدُهُمْ فَيَرْفَع بِذَيْلِهَا كَمَا يَرْفَع ذَنَب النَّعْجَة فَيَقُول بَعْضهمْ أَلَا وَارَيْتهَا وَرَاءَ الْحَائِط , فَهُوَ يَوْمئِذٍ فِيهِمْ مِثْل أَبِي بَكْر وَعُمَر فِيكُمْ " وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عِنْدَ اِبْن مَاجَهْ " يَدْرُس الْإِسْلَام كَمَا يَدْرُس وَشْي الثَّوْب حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَام وَلَا صَلَاة وَلَا نُسُك وَلَا صَدَقَة , وَيَبْقَى طَوَائِف مِنْ النَّاس الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة وَيَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَنَحْنُ نَقُولهَا " وَحَدِيث أَنَس " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى لَا يُقَال فِي الْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " أَخْرَجَهُ أَحْمَد بِسَنَدٍ قَوِيّ , وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِم بِلَفْظِ " اللَّه اللَّه " وَلَهُ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود " لَا تَقُوم السَّاعَة إِلَّا عَلَى شِرَار النَّاس " وَلِأَحْمَدَ مِثْله مِنْ حَدِيث عِلْبَاء السُّلَمِيِّ بِكَسْرِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام بَعْدَهَا مُوَحَّدَة خَفِيفَة وَمَدّ بِلَفْظِ " حُثَالَة " بَدَلَ " شِرَار " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ شَوَاهِده فِي " بَاب إِذَا بَقِيَ حُثَالَة مِنْ النَّاس " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْهُ " لَا تَقُوم السَّاعَة عَلَى مُؤْمِن " وَلِأَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَأْخُذ اللَّه شَرِيطَته مِنْ أَهْل الْأَرْض , فَيَبْقَى عَجَاج لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا " وَلِلطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَرْجِع نَاس مِنْ أُمَّتِي إِلَى الْأَوْثَان يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّه " وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثه فِي ذِكْر ذِي الْخَلَصَة قَرِيبًا , وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة " وَيَبْقَى طَوَائِف مِنْ النَّاس الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَنَحْنُ نَقُولهَا " وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَد مِنْ حَدِيث ثَوْبَانَ " وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَلْحَق قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ , وَحَتَّى تَعْبُد قَبَائِل مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَان " وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة " لَا تَذْهَب الْأَيَّام وَاللَّيَالِي حَتَّى تُعْبَد اللَّات وَالْعُزَّى مِنْ دُونِ اللَّه " الْحَدِيث وَفِيهِ " ثُمَّ يَبْعَث اللَّه رِيحًا طَيِّبَة فَيَتَوَفَّى بِهَا كُلّ مُؤْمِن فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ إِيمَان فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْر فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِين آبَائِهِمْ " وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ شَاهِده وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْت عِيسَى بْن مَرْيَم " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره : الْأَشْرَاط مِنْهَا صِغَار وَقَدْ مَضَى أَكْثَرهَا وَمِنْهَا كِبَار سَتَأْتِي.
قُلْت : وَهِيَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا حَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِم وَهِيَ الدَّجَّال وَالدَّابَّة وَطُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ وَنُزُول عِيسَى بْن مَرْيَم وَخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَالرِّيح الَّتِي تَهُبّ بَعْدَ مَوْت عِيسَى فَتَقْبِض أَرْوَاح الْمُؤْمِنِينَ " وَقَدْ اِسْتَشْكَلُوا عَلَى ذَلِكَ حَدِيث " لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه " فَإِنَّ ظَاهِر الْأَوَّل أَنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْقَائِم بِالْحَقِّ , وَظَاهِر الثَّانِي الْبَقَاء , وَيُمْكِن أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " أَمْر اللَّه " هُبُوب تِلْكَ الرِّيح فَيَكُون الظُّهُور قَبْلَ هُبُوبهَا , فَبِهَذَا الْجَمْع يَزُول الْإِشْكَال بِتَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى , فَأَمَّا بَعْدَ هُبُوبهَا فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَار وَلَيْسَ فِيهِمْ مُؤْمِن فَعَلَيْهِمْ تَقُوم السَّاعَة , وَعَلَى هَذَا فَآخِر الْآيَات الْمُؤْذِنَة بِقِيَامِ السَّاعَة هُبُوب تِلْكَ الرِّيح , وَسَأَذْكُرُ فِي آخِر الْبَاب قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام " إِنَّ السَّاعَة حِينَئِذٍ تَكُون كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَضَع ".
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) ‏ ‏وَأَمَّا قَوْله " حَتَّى تَقْتَتِل فِئَتَانِ " الْحَدِيث تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الرِّقَاق أَنَّ الْمُرَاد بِالْفِئَتَيْنِ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ وَمُعَاوِيَة وَمَنْ مَعَهُ , وَيُؤْخَذ مِنْ تَسْمِيَتهمْ مُسْلِمِينَ مِنْ قَوْله دَعْوَتهمَا وَاحِدَة الرَّدّ عَلَى الْخَوَارِج وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي تَكْفِيرهمْ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ , وَدَلَّ حَدِيث " تَقْتُل عَمَّارًا الْفِئَة الْبَاغِيَة " عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ الْمُصِيب فِي تِلْكَ الْحَرْب لِأَنَّ أَصْحَاب مُعَاوِيَة قَتَلُوهُ , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّار بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ " كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَة فَقَالَ : كَيْف أَنْتُمْ وَقَدْ خَرَجَ أَهْل دِينكُمْ يَضْرِب بَعْضهمْ وُجُوه بَعْض بِالسَّيْفِ ؟ قَالُوا.
فَمَا تَأْمُرنَا ؟ قَالَ : اُنْظُرُوا الْفِرْقَة الَّتِي تَدْعُو إِلَى أَمْر عَلِيّ فَالْزَمُوهَا فَإِنَّهَا عَلَى الْحَقّ " وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ " لَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَة غَلَبَة عَلِيّ عَلَى أَهْل الْجَمَل دَعَا إِلَى الطَّلَب بِدَمِ عُثْمَان فَأَجَابَهُ أَهْل الشَّام فَسَارَ إِلَيْهِ عَلِيّ فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ " , وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْن سُلَيْمَان الْجُعْفِيُّ أَحَد شُيُوخ الْبُخَارِيّ فِي " كِتَاب صِفِّينَ " فِي تَأْلِيفه بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ أَبِي مُسْلِم الْخَوْلَانِيّ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ : أَنْتَ تُنَازِع عَلِيًّا فِي الْخِلَافَة أَوْ أَنْتَ مِثْله ؟ قَالَ : لَا , وَإِنِّي لَأَعْلَم أَنَّهُ أَفْضَل مِنِّي وَأَحَقّ بِالْأَمْرِ , وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَان قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا اِبْن عَمّه وَوَلِيّه أَطْلُب بِدَمِهِ ؟ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَع لَنَا قَتَلَة عُثْمَان , فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ : يَدْخُل فِي الْبَيْعَة وَيُحَاكِمهُمْ إِلَيَّ , فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَة فَسَارَ عَلِيّ فِي الْجُيُوش مِنْ الْعِرَاق حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ , وَسَارَ مُعَاوِيَة حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّة سَنَة سِتّ وَثَلَاثِينَ , فَتَرَاسَلُوا فَلَمْ يَتِمّ لَهُمْ أَمْر , فَوَقَعَ الْقِتَال إِلَى أَنْ قُتِلَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا ذَكَرَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخه نَحْو سَبْعِينَ أَلْفًا , وَقِيلَ كَانُوا أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَيُقَال كَانَ بَيْنَهُمْ أَكْثَر مِنْ سَبْعِينَ زَحْفًا , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير سُورَة الْفَتْح مَا زَادَهَا أَحْمَد وَغَيْره فِي حَدِيث سَهْل بْن حُنَيْفٍ الْمَذْكُور هُنَاكَ مِنْ قِصَّة التَّحْكِيم بِصِفِّينَ وَتَشْبِيه سَهْل بْن حُنَيْفٍ مَا وَقَعَ لَهُمْ بِهَا بِمَا وَقَعَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَة.
وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ أَبِي الرِّضَا سَمِعْت عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ يَقُول : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَنِفهُ الْحُور الْعِين فَلْيَتَقَدَّمْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مُحْتَسِبًا.
وَمِنْ طَرِيق زِيَاد بْن الْحَارِث : كُنْت إِلَى جَنْب عَمَّار فَقَالَ رَجُل : كَفَرَ أَهْل الشَّام , فَقَالَ عَمَّار : لَا تَقُولُوا ذَلِكَ نَبِيّنَا وَاحِد , وَلَكِنَّهُمْ قَوْم حَادُوا عَنْ الْحَقّ فَحُقَّ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا.
وَذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّ عُثْمَان لَمَّا قُتِلَ وَبُويِعَ عَلِيّ أَشَارَ اِبْن عَبَّاس عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَة عَلَى الشَّام حَتَّى يَأْخُذ لَهُ الْبَيْعَة ثُمَّ يَفْعَل فِيهِ مَا شَاءَ , فَامْتَنَعَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَة فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أَلِي لَهُ شَيْئًا أَبَدًا.
فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيّ مِنْ أَهْل الْجَمَل أَرْسَلَ جَرِير بْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيَّ إِلَى مُعَاوِيَة يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُول فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاس فَامْتَنَعَ , فَأَرْسَلَ أَبَا مُسْلِم كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَنْتَظِم الْأَمْر , وَسَارَ عَلِيّ فِي الْجُنُود إِلَى جِهَة مُعَاوِيَة فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ فِي الْعَشَر الْأُوَل مِنْ الْمُحَرَّم وَأَوَّل مَا اِقْتَتَلُوا فِي غُرَّة صَفَر , فَلَمَّا كَادَ أَهْل الشَّام أَنْ يُغْلَبُوا رَفَعُوا الْمَصَاحِف بِمَشُورَةِ عَمْرو بْن الْعَاصِ وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا , فَآلَ الْأَمْر إِلَى الْحَكَمَيْنِ فَجَرَى مَا جَرَى مِنْ اِخْتِلَافهمَا وَاسْتِبْدَاد مُعَاوِيَة بِمُلْكِ الشَّام وَاشْتِغَال عَلِيّ بِالْخَوَارِجِ وَعِنْدَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت : أَتَيْت أَبَا وَائِل فَقَالَ : كُنَّا بِصِفِّينَ , فَلَمَّا اِسْتَحَرَّ الْقَتْل بِأَهْلِ الشَّام قَالَ عَمْرو لِمُعَاوِيَةَ أَرْسِلْ إِلَى عَلِيّ الْمُصْحَف فَادْعُهُ إِلَى كِتَاب اللَّه فَإِنَّهُ لَا يَأْبَى عَلَيْك , فَجَاءَ بِهِ رَجُل فَقَالَ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَاب اللَّه ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب اللَّه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيق مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) فَقَالَ عَلِيّ نَعَمْ أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ , فَقَالَ الْقُرَّاء الَّذِينَ صَارُوا بَعْدَ ذَلِكَ خَوَارِج : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا نَنْظُر بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم , أَلَّا نَمْشِي عَلَيْهِمْ بِسُيُوفِنَا حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنَنَا ؟ فَقَالَ سَهْل بْن حُنَيْفٍ يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّهِمُوا أَنْفُسكُمْ فَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَة , فَذَكَرَ قِصَّة الصُّلْح مَعَ الْمُشْرِكِينَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْه عَنْ سَهْل بْن حُنَيْفٍ , وَقَدْ أَشَرْت إِلَى قِصَّة التَّحْكِيم فِي " بَاب قَتْل الْخَوَارِج وَالْمُلْحِدِينَ " مِنْ كِتَاب اِسْتِتَابَة الْمُرْتَدِّينَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة مِنْ طَرِيق اِبْن مَنْدَهْ ثُمَّ مِنْ طَرِيق أَبِي الْقَاسِم اِبْن أَخِي أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَمِّي فَقَالَ لَهُ إِنِّي أُبْغِض مُعَاوِيَة , قَالَ لَهُ لِمَ ؟ قَالَ لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا بِغَيْرِ حَقّ ; فَقَالَ لَهُ أَبُو زُرْعَة : رَبّ مُعَاوِيَة رَبّ رَحِيم وَخَصْم مُعَاوِيَة خَصْم كَرِيم فَمَا دُخُولُك بَيْنَهُمَا ؟ ‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى يُبْعَث دَجَّالُونَ ) ‏ ‏جَمْع دَجَّال , وَسَيَأْتِي تَفْسِيره فِي الْبَاب الَّذِي بَعْدَهُ , وَالْمُرَاد بِبَعْثِهِمْ إِظْهَارهمْ , لَا الْبَعْث بِمَعْنَى الرِّسَالَة.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ أَفْعَال الْعِبَاد مَخْلُوقَة لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ جَمِيع الْأُمُور بِتَقْدِيرِهِ.
‏ ‏قَوْله ( قَرِيب مِنْ ثَلَاثِينَ ) ‏ ‏وَقَعَ فِي بَعْض الْأَحَادِيث بِالْجَزْمِ , وَفِي بَعْضهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَفِي بَعْضهَا بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ , فَأَمَّا الْجَزْم فَفِي حَدِيث ثَوْبَانَ " وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيّ وَأَنَا خَاتَم النَّبِيِّينَ لَا نَبِيّ بَعْدِي " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَهُوَ طَرَف مِنْ حَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَلَمْ يَسُقْ جَمِيعه , وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة ثَلَاثُونَ دَجَّالًا كَذَّابًا " وَفِي حَدِيث عَلِيّ عِنْدَ أَحْمَد وَنَحْوه وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَحْوه وَفِي حَدِيث سَمُرَة الْمُصَدَّر أَوَّله بِالْكُسُوفِ وَفِيهِ " وَلَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَخْرُج ثَلَاثُونَ كَذَّابًا آخِرهمْ الْأَعْوَر الدَّجَّال " أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالطَّبَرَانِيُّ , وَأَصْله عِنْدَ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ , وَفِي حَدِيث اِبْن الزُّبَيْر " إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة ثَلَاثِينَ كَذَّابًا مِنْهُمْ الْأَسْوَد الْعَنْسِيُّ صَاحِب صَنْعَاءَ وَصَاحِب الْيَمَامَة يَعْنِي مُسَيْلِمَةَ.
قُلْت : وَخَرَجَ فِي زَمَن أَبِي بَكْر طُلَيْحَة بِالتَّصْغِيرِ اِبْن خُوَيْلِدٍ وَادَّعَى النُّبُوَّة ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام , وَتَنَبَّأَتْ أَيْضًا سَجَاح ثُمَّ تَزَوَّجَهَا مُسَيْلِمَة ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْدَهُ , وَأَمَّا الزِّيَادَة فَفِي لَفْظ لِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ أَوْ أَكْثَر قُلْت : مَا آيَتهمْ ؟ قَالَ : يَأْتُونَكُمْ بِسُنَّةٍ لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهَا يُغَيِّرُونَ بِهَا سُنَّتكُمْ , فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاجْتَنِبُوهُمْ " وَفِي رِوَايَة عَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَخْرُج سَبْعُونَ كَذَّابًا " وَسَنَدهَا ضَعِيف , وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيث أَنَس نَحْوه وَسَنَده ضَعِيف أَيْضًا , وَهُوَ مَحْمُول إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمُبَالَغَة فِي الْكَثْرَة لَا عَلَى التَّحْدِيد , وَأَمَّا التَّحْرِير فَفِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ حُذَيْفَة بِسَنَدٍ جَيِّد " سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعَة وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ أَرْبَع نِسْوَة , وَإِنِّي خَاتَم النَّبِيِّينَ لَا نَبِيّ بَعْدِي " وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ رِوَايَة الثَّلَاثِينَ بِالْجَزْمِ عَلَى طَرِيق جَبْر الْكَسْر , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب " قَرِيب مِنْ ثَلَاثِينَ ".
‏ ‏قَوْله ( كُلّهمْ يَزْعُم أَنَّهُ رَسُول اللَّه ) ‏ ‏ظَاهِر فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّة , وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي قَوْله فِي آخِر الْحَدِيث الْمَاضِي " وَإِنِّي خَاتَم النَّبِيِّينَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الَّذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّة مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَحْوهَا وَأَنَّ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَدَد الْمَذْكُور يَكُون كَذَّابًا فَقَطْ لَكِنْ يَدْعُو إِلَى الضَّلَالَة كَغُلَاةِ الرَّافِضَة وَالْبَاطِنِيَّة وَأَهْل الْوَحْدَة وَالْحُلُولِيَّة وَسَائِر الْفِرَق الدُّعَاة إِلَى مَا يُعْلَم بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ خِلَاف مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث عَلِيّ عِنْدَ أَحْمَد " فَقَالَ عَلِيّ لِعَبْدِ اللَّه بْن الْكَوَّاء : وَإِنَّك لَمِنْهُمْ " وَابْن الْكَوَّاء لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّة وَإِنَّمَا كَانَ يَغْلُو فِي الرَّفْض.
‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى يُقْبَض الْعِلْم ) ‏ ‏تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم وَيَأْتِي أَيْضًا فِي " كِتَاب الْأَحْكَام ".
‏ ‏قَوْله ( وَتَكْثُر الزَّلَازِل ) ‏ ‏قَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشَّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولهَا وَدَوَامهَا , وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث سَلَمَة بْن نُفَيْلٍ عِنْدَ أَحْمَد " وَبَيْن يَدَيْ السَّاعَة سَنَوَات الزَّلَازِل " وَلَهُ عَنْ أَبِي سَعِيد " تَكْثُر الصَّوَاعِق عِنْدَ اِقْتِرَاب السَّاعَة ".
‏ ‏قَوْله ( وَيَتَقَارَب الزَّمَان وَتَظْهَر الْفِتَن وَيَكْثُر الْهَرْج ) ‏ ‏تَقَدَّمَ الْبَحْث فِي ذَلِكَ قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى يَكْثُر فِيكُمْ الْمَال فَيَفِيض ) ‏ ‏تَقَدَّمَ شَرْحه فِي كِتَاب الزَّكَاة وَالتَّقْيِيد بِقَوْلِهِ " فِيكُمْ " يُشْعِر بِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى زَمَن الصَّحَابَة فَيَكُون إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ الْفُتُوح وَاقْتِسَامهمْ أَمْوَال الْفُرْس وَالرُّوم وَيَكُون قَوْله " فَيَفِيض حَتَّى يُهَمّ رَبّ الْمَال " إِشَارَة إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي زَمَنه أَنَّ الرَّجُل كَانَ يَعْرِض مَاله لِلصَّدَقَةِ فَلَا يَجِد مَنْ يَقْبَل صَدَقَته : وَيَكُون قَوْله " وَحَتَّى يَعْرِضهُ فَيَقُول الَّذِي يَعْرِضهُ عَلَيْهِ : لَا أُرَبِّ لِي بِهِ " إِشَارَة إِلَى مَا سَيَقَعُ فِي زَمَن عِيسَى بْن مَرْيَم.
فَيَكُون فِي هَذَا الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ثَلَاثَة أَحْوَال : ‏ ‏الْأُولَى إِلَى كَثْرَة الْمَال فَقَطْ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَن الصَّحَابَة وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِيهِ " يَكْثُر فِيكُمْ " وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك الَّذِي مَضَى فِي " كِتَاب الْجِزْيَة " ذَكَرَ عَلَامَة أُخْرَى مُبَايِنَة لِعَلَامَةِ الْحَالَة الثَّانِيَة فِي حَدِيث عَوْف بْن مَالِك رَفَعَهُ " اُعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة : مَوْتِي , ثُمَّ فَتْح بَيْت الْمَقْدِس , وَمَوْتَانِ ثُمَّ اِسْتِفَاضَة الْمَال حَتَّى يُعْطَى الرَّجُل مِنْهُ مِائَة دِينَار فَيَظَلّ سَاخِطًا " الْحَدِيث.
وَقَدْ أَشَرْت إِلَى شَيْء مِنْ هَذَا عِنْدَ شَرْحه ‏ ‏الْحَالَة الثَّانِيَة الْإِشَارَة إِلَى فَيْضه مِنْ الْكَثْرَة بِحَيْثُ أَنْ يَحْصُل اِسْتِغْنَاء كُلّ أَحَد عَنْ أَخْذ مَال غَيْره , وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِر عَصْر الصَّحَابَة وَأَوَّل عَصْر مَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ " يُهَمّ رَبّ الْمَال " وَذَلِكَ يَنْطَبِق عَلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
‏ ‏الْحَالَة الثَّالِثَة فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى فَيْضه وَحُصُول الِاسْتِغْنَاء لِكُلِّ أَحَد حَتَّى يَهْتَمّ صَاحِب الْمَال بِكَوْنِهِ لَا يَجِد مَنْ يَقْبَل صَدَقَته وَيَزْدَاد بِأَنَّهُ يَعْرِضهُ عَلَى غَيْره وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقّ الصَّدَقَة فَيَأْبَى أَخْذه فَيَقُول لَا حَاجَة لِي فِيهِ : وَهَذَا فِي زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا الْأَخِير خُرُوج النَّار وَاشْتِغَال النَّاس بِأَمْرِ الْحَشْر فَلَا يَلْتَفِت أَحَد حِينَئِذٍ إِلَى الْمَال بَلْ يَقْصِد أَنْ يَتَخَفَّف مَا اِسْتَطَاعَ.
‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى يَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنْيَان ) ‏ ‏تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْإِيمَان مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي سُؤَال جِبْرِيل عَنْ الْإِيمَان قَوْله فِي أَشْرَاط السَّاعَة وَيَتَطَاوَل النَّاس فِي الْبُنْيَان , وَهِيَ مِنْ الْعَلَامَات الَّتِي وَقَعَتْ عَنْ قُرْب فِي زَمَن النُّبُوَّة , وَمَعْنَى التَّطَاوُل فِي الْبُنْيَان أَنَّ كُلًّا مِمَّنْ كَانَ يَبْنِي بَيْتًا يُرِيد أَنْ يَكُون اِرْتِفَاعه أَعْلَى مِنْ اِرْتِفَاع الْآخَر , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمُبَاهَاة بِهِ فِي الزِّينَة وَالزَّخْرَفَة أَوْ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ وُجِدَ الْكَثِير مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي اِزْدِيَاد.
‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى يَمُرّ الرَّجُل بِقَبْرِ الرَّجُل ) ‏ ‏تَقَدَّمَ شَرْحه قَبْلَ بِبَابَيْنِ.
‏ ‏قَوْله ( وَحَتَّى تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا ) ‏ ‏تَقَدَّمَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الرِّقَاق : وَذَكَرْت هُنَاكَ مَا أَبْدَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيّ اِحْتِمَالًا أَنَّ الزَّمَن الَّذِي لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا يَحْتَمِل أَنْ يَكُون وَقْت طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمَغْرِب , ثُمَّ إِذَا تَمَادَتْ الْأَيَّام وَبَعُدَ الْعَهْد بِتِلْكَ الْآيَة عَادَ نَفْع الْإِيمَان وَالتَّوْبَة , وَذَكَرْت مَنْ جَزَمَ بِهَذَا الِاحْتِمَال وَبَيَّنْت أَوْجُه الرَّدّ عَلَيْهِ.
ثُمَّ وَقَفْت عَلَى حَدِيث لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو ذَكَرَ فِيهِ طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمُغْرِب وَفِيهِ " فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ " الْآيَة , أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِم , وَهُوَ نَصّ فِي مَوْضِع النِّزَاع وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
‏ ‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبهمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ ) ‏ ‏وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة سُفْيَان عَنْ أَبِي الزِّنَاد وَيَتَبَايَعَانِ الثَّوْب فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ حَتَّى تَقُوم وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة عَلَى رَجُلَيْنِ قَدْ نَشَرَا بَيْنَهُمَا ثَوْبًا يَتَبَايَعَانِهِ فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ " وَنِسْبَة الثَّوْب إِلَيْهِمَا فِي الرِّوَايَة الْأُولَى بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَة فِي أَحَدهمَا وَالْمَجَاز فِي الْآخَر لِأَنَّ أَحَدهمَا مَالِك وَالْآخَر مُسْتَام , وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " يَتَبَايَعَانِهِ " أَيْ يَتَسَاوَمَانِ فِيهِ مَالِكه وَاَلَّذِي يُرِيد شِرَاءَهُ فَلَا يَتِمّ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ مِنْ بَغْتَة قِيَام السَّاعَة فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ , وَعِنْدَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " إِنَّ السَّاعَة تَقُوم عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا يَنْشُرَانِ الثَّوْب فَمَا يَطْوِيَانِهِ " وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَةَ بْن عَامِر عِنْدَ الْحَاكِم لِهَذِهِ الْقِصَّة وَمَا بَعْدَهَا مُقَدِّمَة قَالَ " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلُع عَلَيْكُمْ قَبْل السَّاعَة سَحَابَة سَوْدَاء مِنْ قِبَل الْمُغْرِب مِثْل التُّرْس , فَمَا تَزَال تَرْتَفِع حَتَّى تَمْلَأ السَّمَاء , ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيّهَا النَّاس - ثَلَاثًا يَقُول فِي الثَّالِثَة - أَتَى أَمْر اللَّه.
قَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَنْشُرَانِ الثَّوْب بَيْنَهُمَا فَمَا يَطْوِيَانِهِ " الْحَدِيث.
‏ ‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ ) ‏ ‏أَيْ الرَّجُل.
‏ ‏قَوْله ( يَلِيط حَوْضه ) ‏ ‏بِفَتْحِ أَوَّله مِنْ الثُّلَاثِيّ وَبِضَمِّهِ مِنْ الرُّبَاعِيّ وَالْمَعْنَى يُصْلِحهُ بِالطِّينِ وَالْمَدَر فَيَسُدّ شُقُوقه لِيَمْلَأهُ وَيَسْقِي مِنْهُ دَوَابّه يُقَال لَاطَ الْحَوْض يَلِيطهُ إِذْ أَصْلَحَهُ بِالْمَدَرِ وَنَحْوه , وَمِنْهُ قِيلَ اللَّائِط لِمَنْ يَفْعَل الْفَاحِشَة , وَجَاءَ فِي مُضَارِعه يَلُوط تَفْرِقَة بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَوْض.
وَحَكَى الْقَزَّاز فِي الْحَوْض أَيْضًا يَلُوط , وَالْأَصْل فِي اللَّوْط اللُّصُوق وَمِنْهُ " كَانَ عُمَر يَلِيط أَهْل الْجَاهِلِيَّة بِمَنْ اِدَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَام " كَذَا قَالَ , وَاَلَّذِي يَتَبَادَر أَنَّ فَاعِل الْفَاحِشَة نُسِبَ إِلَى قَوْم لُوط وَاَللَّه أَعْلَم.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث عُقْبَةَ بْن عَامِر الْمَذْكُور " وَإِنَّ الرَّجُل لَيَمْدُر حَوْضه فَمَا يَسْقِي مِنْهُ شَيْئًا " وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عِنْد الْحَاكِم وَأَصْله فِي مُسْلِم " ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّوَر فَيَكُون أَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْضه فَيُصْعَق " فَفِي هَذَا بَيَان السَّبَب فِي كَوْنه لَا يَسْقِي مِنْ حَوْضه شَيْئًا , وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم " وَالرَّجُل يَلِيط فِي حَوْضه فَمَا يَصْدُر - أَيْ يَفْرُغ أَوْ يَنْفَصِل عَنْهُ - حَتَّى تَقُوم ".
‏ ‏قَوْله ( فَلَا يُسْقَى فِيهِ ) ‏ ‏أَيْ تَقُوم الْقِيَامَة مِنْ قَبْل أَنْ يُسْتَقَى مِنْهُ.
‏ ‏قَوْله ( وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ ) ‏ ‏بِالضَّمِّ أَيْ لُقْمَته إِلَى فِيهِ ‏ ‏( فَلَا يَطْعَمهَا ) ‏ ‏أَيْ تَقُوم السَّاعَة مِنْ قَبْل أَنْ يَضَع لُقْمَته فِي فِيهِ , أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يَمْضُغهَا , أَوْ مِنْ قَبْل أَنْ يَبْتَلِعهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْث مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ " تَقُوم السَّاعَة عَلَى رَجُل أُكْلَتُهُ فِي فِيهِ يَلُوكهَا فَلَا يُسِيغهَا وَلَا يَلْفِظهَا " وَهَذَا يُؤَيِّد الِاحْتِمَال الْأَخِير وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر " كِتَاب الرِّقَاق " فِي " بَاب طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا " بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب طَرَف مِنْهُ وَهُوَ مِنْ قَوْله " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا " وَذَكَرَ بَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبهمَا " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ اِنْصَرَفَ الرَّجُل بِلَبَنِ لِقْحَته فَلَا يَطْعَمهُ " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَهُوَ يَلِيط حَوْضه " وَبَعْدَهُ " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَة وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ " فَزَادَ وَاحِدَة وَهِيَ الْحَلْب , وَمَا أَدْرِي لِمَ حَذَفَهَا هُنَا مَعَ أَنَّهُ أَوْرَدَ الْحَدِيث هُنَا بِتَمَامِهِ إِلَّا هَذِهِ الْجُمْلَة وَقَدْ أَوْرَدَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي جُمْلَة الْحَدِيث عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي ذَكَرْته فِي أَوَّل الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث , ثُمَّ وَجَدْتهَا ثَابِتَة فِي الْأَصْل فِي رِوَايَة كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَسَقَطَتْ لِأَبِي ذَرّ وَالْقَابِسِيّ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَة بِشْر بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ " بِلَبَنِ لِقْحَته مِنْ تَحْتهَا لَا يَطْعَمهُ " وَأَخْرَجَ مَعَهُ الثَّلَاثَة الْأُخْرَى.
وَاللِّقْحَة بِكَسْرِ اللَّام وَسُكُون الْقَاف بَعْدَهَا مُهْمَلَة النَّاقَة ذَات الدَّرّ , وَهِيَ إِذَا نُتِجَتْ لَقُوح شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة ثُمَّ لَبُون , وَهَذَا كُلّه إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْقِيَامَة تَقُوم بَغْتَة وَأَسْرَعهَا رَفْع اللُّقْمَة إِلَى الْفَم.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْهُ فِي آخِر " كِتَاب الْفِتَن " هَذِهِ الْأُمُور الْأَرْبَعَة إِلَّا رَفْع اللُّقْمَة مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَاد بِسَنَدِهِ هَذَا وَلَفْظه " تَقُوم السَّاعَة وَالرَّجُل يَحْلُب اللِّقْحَة فَمَا يَصِل الْإِنَاء إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُوم , وَالرَّجُلَانِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْب , وَالرَّجُل يَلِيط فِي حَوْضه " وَقَدْ ذَكَرْت لَفْظه فِيهِمَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَا يُعْرَف مِنْهُ الْمُرَاد مِنْ التَّمْثِيل بِصَاحِبِ الْحَوْض وَلَفْظه " ثُمَّ يُنْفَخ فِي الصُّوَر فَلَا يَسْمَعهُ أَحَد إِلَّا أَصْغَى , وَأَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْض إِبِله فَيُصْعَق " أَخْرَجَهُ مُسْلِم , وَأَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ وَأَحْمَد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ " لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا السَّاعَة فَبَدَؤُا بِإِبْرَاهِيمَ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْم , ثُمَّ سَأَلُوا مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْم , فَرُدَّ الْحَدِيث إِلَى عِيسَى فَقَالَ : قَدْ عُهِدَ إِلَيَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتهَا , فَأَمَّا وَجْبَتهَا فَلَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه " فَذَكَرَ خُرُوج الدَّجَّال , قَالَ : فَأُنْزَل إِلَيْهِ فَأَقْتُلهُ ثُمَّ ذَكَرَ خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثُمَّ دُعَاءَهُ بِمَوْتِهِمْ ثُمَّ بِإِرْسَالِ الْمَطَر فَيُلْقِي جِيَفهمْ فِي الْبَحْر ثُمَّ تُنْسَف الْجِبَال وَتُمَدّ الْأَرْض مَدّ الْأَدِيم , فَعُهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَتْ السَّاعَة مِنْ النَّاس كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا.


حديث لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة وحتى يبعث

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الْيَمَانِ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏شُعَيْبٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو الزِّنَادِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا ‏ ‏أَرَبَ ‏ ‏لِي بِهِ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ ‏ ‏يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ حِينَ ‏ { ‏لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ‏} ‏وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ ‏ ‏يُلِيطُ ‏ ‏حَوْضَهُ فَلَا يَسْقِي فِيهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

إنهم يقولون إن معه جبل خبز ونهر ماء قال هو أهون عل...

عن ‌قيس قال: قال لي ‌المغيرة بن شعبة : «ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته، وإنه قال لي: ما يضرك منه؟.<br> قلت: لأنهم يقولون إن م...

أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية

عن ابن عمر، أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال «أعور عين اليمنى، كأنها عنبة طافية»

يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة

عن ‌أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يجيء الدجال، حتى ينزل في ناحية المدينة، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق.»

لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ولها يومئذ سبعة...

عن ‌أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل المدينة رعب المسيح لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان»

لا يدخل المدينة رعب المسيح لها يومئذ سبعة أبواب عل...

عن ‌أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل المدينة رعب المسيح لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» قال: وقال ابن إسحاق، عن صالح بن إبرا...

ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أ...

عن ‌عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: إني لأنذركموه، و...

رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة ط...

عن ‌عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر، ينطف أو يهراق رأسه ماء، قلت: من هذا؟ ق...

سمعت رسول الله ﷺ يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال.»

إن مع الدجال ماء ونارا فناره ماء بارد وماؤه نار

عن ‌حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال في الدجال: إن معه ماء ونارا، فناره ماء بارد، وماؤه نار» قال أبو مسعود: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عل...