حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

هو الطهور ماؤه الحل ميتته - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الطهارة باب الطهور للوضوء (حديث رقم: 41 )


41- عن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته»

أخرجه مالك في الموطأ


حديث صحيح رجاله ثقات

شرح حديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا يَرْكَبُونَهُ لَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَيَكُونُ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى قَلِيلِ الْمَاءِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَطَشَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلشُّرْبِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّعَلُّقِ بِهِ.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الطَّهُورُ يَعْنِي الَّذِي يَتَكَرَّرُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى طَهُورٍ طَاهِرًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوهُ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ هَلْ هُوَ مُطَهِّرٌ فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ طَهُورٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ طَهُورٍ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى مُطَهِّرٍ وَلَا يَكُونُ مُطَهِّرًا حَتَّى يَكُونَ مَاءً طَاهِرًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْحُكْمِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمِيَاهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ وَمُضَافٌ فالمطلق مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبَحْرِ وَهَذَا هُوَ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ مِنْ الْمِيَاهِ وَالتُّرَابِ وَالْحَمْأَةِ الَّذِي هُوَ قَرَارٌ لَهَا وَكَذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ الْمِيَاهِ عَلَى كُحْلٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ شَبٍّ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ زَاجٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُغَيِّرُ صِفَاتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ بِالطُّحْلُبِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكَّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَأَمَّا إِذَا سَقَطَ وَرَقُ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشُ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ فَإِنَّ مَذْهَبَ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيُّ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَيَشُقُّ تَرْكُ اسْتِعْمَالِهِ كَالطُّحْلُبِ وَقَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ غَانِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي غُدُرٍ تَرِدُهَا الْمَاشِيَةُ فَتَبُولُ فِيهَا وَتَرُوثُ فَتُغَيِّرُ طَعْمَ الْمَاءِ وَلَوْنَهُ لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا مُخَالَطَةُ الْمِلْحِ الْمَاءَ [ ] فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْمِلْحُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَإِذَا غُيِّرَ الْمَاءُ يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَدْ رَأَيْت الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَبَا الْحَسَنِ اخْتَلَفَا فِي مَسْأَلَةِ الْمِلْحِ يُخَالِطُ الْمَاءَ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ بِهِ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَفْصِلَا وَيُحْتَمَلُ كَلَامُ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمِلْحَ الْمَعْدِنِيَّ هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ التُّرَابِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا مَا يَجْمُدُ لِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَقَدْ دَخَلَتْهُ الصِّنَاعَةُ الْمُعْتَادَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ غُيِّرَ الْمَاءُ بِمُخَالَطَتِهِ مُنِعَ الْوُضُوءُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمُضَافُ مِنْ الْمِيَاهِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَاقِعٌ عَلَى مَا تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ بِمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ فَأَمَّا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَاتُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُخَالِطَهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ فَإِنْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ كَالْيَسِيرِ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَالْمَذْيِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الطَّهَارَةُ بِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُطَهِّرُ وَإِذَا تَوَضَّأَ مُكَلَّفٌ بِالْمَاءِ وَأَزَالَ بِهِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تُعَادَ بِهِ طَهَارَةٌ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَصْبَغَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ تَأْوِيلًا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَىوَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءٌ طَهُورًا وَطَهُورٌ عَلَى مِثَالِ شَكُورٍ وَصَبُورٍ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَكْثُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مَرَّةً لَا يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ بِهِ ثَانِيَةً كَرَفْعِهِ مِنْ آخِرِ الْعُضْوِ بَعْدَ تَطْهِيرِ أَوَّلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ يَسِيرَ الطَّاهِرِ يَسْلُبُ الْمَاءَ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى جَسَدِ الْإِنْسَانِ أَثَرٌ يَسِيرٌ مِنْ عِرْقٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَالَطَ الْمَاءَ فَيُسْلَبُ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً فَلَمْ يَنْجُسْ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ تَبَرُّدًا ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ لِمَاءٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ نَجِسًا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْمَ النَّجَاسَةِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَوْلِهِ وَيَرَى عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَعُودُ إِلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي حَكَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْهُ وَأَمَّا الْخِلَافُ فَفِي الْعِبَارَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّمَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَنْجُسْ مِنْهُ غَيْرُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا نَجِسَ جَمِيعُهُ وَالْكَثِيرُ عِنْدَهُ الْغَدِيرُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَالْقُلَّةُ عِنْدَهُ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ شُرَيْحٍ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بِضَاعَةٍ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَاءٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَوْفِ الْخِلَافِ فِيهِ وَهَذَا الْمَاءُ يُسَمِّيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ نَجِسًا وَيَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِهِ بِحُكْمِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي غَسْلِ الثَّوْبِ وَالْجِسْمِ مِنْهُ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ فِي الْبَحْرِ تَبَرُّدًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ طَهَارَةِ أَعْضَائِهِ يَعْنِي مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ كَاَلَّذِي تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَلَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُعِيدَ الْوُضُوءَ بِنِيَّتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ وَأَمَّا سُؤْرُ النَّصْرَانِيِّ وَفَضْلُ وُضُوئِهِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَفِي الْمُدَوِّنَةِ لَا يَتَوَضَّأُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ لِأَنَّهُ لَا يَتَدَيَّنُ بِالتَّوَقِّي مِنْهَا لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ مِنْ الدَّجَاجِ الْمُخْلَاةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ إِذَا أَمِنَتْ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً أَوْ يَشْرَبَ خَمْرًا فَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْبِئْرُ تَقَعُ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ دَجَاجَةُ أَوْ هِرَّةٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الْهِرَّةُ فَتَمُوتُ فَيُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَتَمَعَّطَتْ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إِنْ سَالَ فِي الْبِئْرِ مِنْ فَرْثِهَا أَوْ دَمِهَا شَيْءٌ نُزِحَتْ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ نُزِحَ مِنْهَا شَيْءٌ وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا مَيِّتَةً وَبَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا حَيَّةً فَتَمُوتَ فِيهَا فَقَالَ إِنْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْمَاءَ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَلَمْ يُؤْمَرْ أَهْلُ الْبِئْرِ أَنْ يُنَحُّوا مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا نُزِحَ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ وَحَكَى عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ كِلَا الْوَجْهَيْنِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُوجِبُ عَدَمَ إبَاحَتِهَا وَاَلَّتِي تَقَعُ فِيهَا مَيِّتَةً أَشَدُّ إفْسَادًا وَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْمَاءِ الْمَحْكُومِ بِالْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَالثَّانِي فِي صِفَةِ تَطْهِيرِ الْمَحَلِّ مِنْهُ وَالثَّالِثُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْقَلِيلِ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُفْسِدُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ ‏ ‏( بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمَمْنُوعِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ ) يُمْنَعُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ الطَّاهِرُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونُ يُجْمَعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَيَمَّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِلْخِلَافِ الظَّاهِرِ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ فَإِنْ كَانَ مَاءً طَاهِرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ تَيَمَّمَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ يَسِيرَ الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَالثَّانِي أَنَّ التَّيَمُّمَ يَلْزَمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ ‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّ ابْنَ سَحْنُونٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إِنْ بَدَأَ بِالْوُضُوءِ وَكَانَ الْمَاءُ نَجِسًا تَنَجَّسَتْ أَعْضَاؤُهُ وَثِيَابُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْوُضُوءَ صَلَّى وَقَدْ نُجِّسَتْ أَعْضَاؤُهُ أَيْضًا فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلًا وَأَعْضَاؤُهُ طَاهِرَةٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا تَوَضَّأَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلَّى وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَقَدْ رَأَيْت لِسَحْنُونٍ يُهْرِيقُ الْمَاءَ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ وَصَلَّى [ ] فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا يُعِيدُ بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ تَوَضَّأَ بِهِ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَسْنُونَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي عَشَرَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ وَقَعَتْ بِهِ دَجَاجَةٌ فَتَزَلَّعَتْ ثُمَّ صَلَّى وَهُوَ مِمَّا لَوْ عُجِنَ بِهِ لَطُرِحَ ذَلِكَ الطَّعَامُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْوَقْتِ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى هُوَ كَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ أَوْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَقَوْلُ يَحْيَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ كَالْمُتَغَيِّرِ وَمِثْلُ هَذَا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى دُونَ تَيَمُّمٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ أَدَاءً لِلصَّلَاةِ حِينَ تَوَضَّأَ لَهَا بِمَاءٍ لَا يَعْلَمُ هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا امْتَزَجَ بِهَذَا الْمَاءِ مِنْ عَجِينٍ أَوْ حِنْطَةٍ تُبَلُّ [ ] فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الْخُبْزُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي وَجْهَيْنِ التَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهِيَةُ فَأَمَّا مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ وَقَدْ عَجَنُوا بِهِ خُبْزًا بِمِئِينَ مِنْ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعْلَمُوهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ بِطَرْحِهِ أَوْ عَلْفِهِ الدَّوَابَّ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَكْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمَا أَمَرَهُمْ بِطَرْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ أَرْفَعِ الْأَقْوَاتِ وَالشَّرْعُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ مَا عُجِنَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ الْمُتَغَيِّرِ لَا يُطْعَمُ الدَّجَاجَ وَهُوَ كَالْمَيْتَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ فِي رَاوِيَةِ أَشْهَبَ بِإِطْعَامِهِ الدَّوَابَّ وَالْإِبِلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَجِسًا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّ مَا عُجِنَ مِنْ الْخُبْزِ بِمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُطْعِمُهُمْ إِيَّاهُ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ فَلَا يُطْعَمُ مَا عُجِنَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوِّنَة أَنَّ الْعَسَلَ النَّجِسَ يعلفه النَّحْلُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحَرَامَ النَّجِسَ يعلفه الْحَيَوَانُ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ النَّحْلَ تَأْكُلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَسَلَ يُغْتَذَى بِهِ وَيُجْتَنَى عَسَلًا آخَرَ مِنْ النُّوَّارِ وَيَحْكُمُ لَهُ فِي نَفْسِهِ بِحُكْمِ الطَّهَارَةِ لِتَغَيُّبِهِ عَنَّا وَوُرُودِهِ الْمِيَاهَ كَالْهِرَّةِ تَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ ثُمَّ تَغِيبُ عَنَّا وَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَقَى الدَّوَابَّ ذَوَاتِ اللَّبَنِ وَالْأَشْجَارَ ذَوَاتِ الثَّمَرِ هَذَا الْمَاءَ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فَيَنْجُسُ بَوْلُ الْحَيَوَانِ وَلَا يَنْجُسُ لَبَنُهُ وَلَا ثَمَرُ الشَّجَرِ وَأَمَّا مَا طُبِخَ مِنْ اللَّحْمِ بِهَذَا الْمَاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُغْسَلُ ذَلِكَ وَيُؤْكَلُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا فِي اللَّحْمِ مِنْ الْمَائِيَّةِ تَقْوَى بِالنَّارِ فَمَنَعَ الْمَاءُ الْمَكْرُوهَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِهِ وَالْمَاءُ يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَائِيَّةَ اللَّحْمِ تَمْتَزِجُ بِهَذَا الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ فَيَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى إزَالَةِ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ اللَّحْمِ بِالْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏ ‏( بَابٌ فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ ) وَأَمَّا تَطْهِيرُ الْمَحَلِّ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُطَهِّرَ مُسْتَقَرَّهُ وَالثَّانِي أَنْ يُطَهِّرَ مَا أَصَابَهُ فَأَمَّا تَطْهِيرُ مُسْتَقَرِّهِ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكُ إِنْ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ أَخْرَجَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُطَيِّبُهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنْ تَفَسَّخَتْ فِي الْبِئْرِ نُزِعَتْ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءُ وَإِذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ نُزِعَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ بِقَدْرِ مَا يُطَيِّبُهَا وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ قَوْلًا هُوَ عِنْدِي أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي قَدْرِ مَا يَنْزِعُ مِنْ الْبِئْرِ قَدْرُهَا وَقَدْرُ مَاءِ الْبِئْرِ وَطُولُ إقَامَتِهَا فِي الْمَاءِ وَدُرُوجِهَا فِيهِ قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَرَى أَنَّهُ جَاوَزَهَا وَأَصَابَهَا ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا تَطْهِيرُ مَا أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ مِنْ جِسْمٍ أَوْ ثَوْبٍ [ ] فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُغَْسلُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَالْجَسَدُ وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعِيدُ الْمُتَوَضِّئَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ الرَّفِيعُ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ وَلَهُ بَيْعُهُ كَذَلِكَ وَالصَّلَاةُ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ غَيْرَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَجَسَدَهُ وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إعَادَةَ الْمُتَوَضِّئِ مِنْهُ الصَّلَاةَ أَبَدًا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ يُنْضَحُ مِنْهُ الثَّوْبُ ‏ ‏( بَابٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْهُ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمَاءِ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ إِلَّا التَّغْيِيرُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ وَالثَّانِي الْبَقَاءُ وَالتَّجَدُّدُ فَأَمَّا الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغَ أَنَّ الْآبَارَ الصِّغَارَ مِثْلُ آبَارِ الدُّورِ تَفْسُدُ بِمَا مَاتَ فِيهَا مِنْ شَاةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَلَا تَفْسُدُ بِمَا وَقَعَ فِيهَا مَيِّتًا حَتَّى تَتَغَيَّرَ وَأَمَّا آبَارُ الزرانيق وَالسَّوَانِي فَلَا يُفْسِدُهَا مَا مَاتَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْبِرَكُ الْعِظَامُ جِدًّا وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي جُبٍّ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ فَتَنْشَقُّ فِيهِ وَتَتَفَسَّخُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ إِلَّا مَا قَرُبَ مِنْهَا إنَّهَا تُخْرَجُ وَيُنْزَعُ مِنْهَا مَا يُذْهِبُ دَسَمَ الْمَيْتَةِ وَالرَّائِحَةَ وَاللَّوْنَ فَتَطِيبُ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَأَنْكَرَ هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَجَدِّدَ وَالدَّائِمَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْكَثْرَةِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمَاءَ الدَّائِمَ خِلَافُ الْمُتَجَدِّدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ إِلَّا أَنْ يَكْثُرَ الدَّائِمُ جِدًّا.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا قِلَّةُ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي تَخْفِيفُ حُكْمِهَا فَأَمَّا قِلَّتُهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إنَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ إِنْ كَانَ مِثْلَ الْجِرَارِ لَمْ تُفْسِدْهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ إنَاءِ الْوُضُوءِ أَفْسَدَتْهُ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ فِي ثَمَانِيَتِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْسِدُ مَاءَ بِئْرِ الدَّارِ وَأَمَّا تَخْفِيفُ حُكْمِهَا فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ إنَاءَ الْوُضُوءِ يُفْسِدُهُ رَوْثُ الدَّابَّةِ وَإِنْ وَجَدَهُ طَافِيًا فِي الْحُبِّ لَمْ يُفْسِدْهُ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَجَاسَتِهِ وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْحُبِّ تَجِدُ فِيهِ الرَّوْثَ طَافِيًا رَطْبًا أَوْ يَابِسًا لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ بِنَجَاسَةِ أَرْوَاثِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي غَسْلِ الْخُفِّ مِنْهَا فَقَالَ مَرَّةً يُغْسَلُ وَقَالَ مَرَّةً لَا يُغْسَلُ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا وَالثَّانِيَةُ لِلِاخْتِلَافِ فِي نَجَاسَتِهَا.
‏ ‏( فَصْلٌ ) ثُمَّ نَعُودُ إِلَى أَصْلِ التَّقْسِيمِ وَقَدْ قَضَيْنَا الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُضَافُ فَهُوَ الَّذِي تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَتَغَيُّرُهُ يَكُونُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا اعْتِبَارَ فِي تَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِتَغَيُّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُضَافُ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا فَمَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ [ ] فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ وَمَا تَغَيَّرَ بِطَاهِرٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَىفَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَشَرَطَ عَدَمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجْعَلُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَاءٌ قَدْ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا فَلَمْ يَكُنْ مُطَهِّرًا كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ وَجَدَ مُرِيدُ الطَّهَارَةِ الْمَاءَ مُتَغَيِّرًا وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَغَيَّرَ أَمِنْ مَعْنًى يَمْنَعُ التَّطْهِيرَ بِهِ أَمْ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَاهِرٌ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ حُمِلَ عَلَى الطَّهَارَةِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ ظَاهِرٌ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي بِئْرٍ فِي دَارٍ تَغَيَّرَتْ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَغَيَّرَتْ قَالَ يَنْزِفُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ طَابَتْ وَإِلَّا لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْهَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَخَافُ أَنْ تَسْقِيَهُ قَنَاةُ مِرْحَاضٍ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَمْرِهَا لِقُرْبِ الْمَرَاحِيضِ مِنْ آبَارِ الدُّورِ وَرَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ رُبَّ بِئْرٍ فِي الصَّفَا وَالْحَجَرِ لَا يَصِلُ إلَيْهَا شَيْءٌ وَرُبَّ أَرْضٍ رَخْوَةٍ يَصِلُ مِنْهَا فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا وَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي الْبِئْرِ يَمْتَلِئُ مِنْ النِّيلِ إِذَا زَادَ ثُمَّ تُقِيمُ بَعْدَ زَوَالِهِ شَهْرًا لَا يستقى مِنْهَا فَتَتَغَيَّرُ رَائِحَتُهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي خَلِيجِ الإسكندرية الَّذِي تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ فَإِذَا جَاءَ النِّيلُ صَفَا مَاؤُهُ وَابْيَضَّ وَإِذَا ذَهَبَ النِّيلُ رَكَدَ وَتَغَيَّرَ وَالْمَرَاحِيضُ إِلَيْهِ خَارِجَةٌ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي إِذَا خَرَجَتْ إِلَيْهِ الْمَرَاحِيضُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَقَالَ بِأَثَرِ هَذَا اجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَ الْحَرَامِ سِتْرًا مِنْ الْحَلَالِ لَا تُحَرِّمْهُ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ كَرَاهِيَةً وَاسْتِظْهَارًا لَا الْحُكْمَ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمَرَاحِيضُ إِلَيْهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِيهِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِيَاهٌ مَاءٌ فَأَكْثَرُ فَعَلِمَ نَجَاسَةَ أَحَدِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُ فَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَحَدُهَا بِنَجَاسَةٍ وَسَائِرُهَا بِمَا لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ سَقَطَ فِي أَحَدِهَا نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ إِلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّطْهِيرُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَحَكَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يَتَيَمَّمُ وَيَتْرُكُهَا وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَيُرْوَى عَنْهُ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهَا وَيُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِالْآخَرِ وَيُصَلِّي وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَتَوَضَّأُ بِأَحَدِهَا وَيُصَلِّي ثُمَّ يَغْسِلُ مِنْ الْآخَرِ مَوَاضِعَ الطَّهَارَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ يَتَحَرَّى أَحَدَهَا فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي بِهِ وَيُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إِنْ كَانَ عَدَدُ الْمِيَاهِ قَلِيلًا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ مِنْهَا وَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً يُؤَدِّي اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ إِلَى الْمَشَقَّةِ جَازَ لَهُ التَّحَرِّي وَجْهُ مَنْعِ التَّحَرِّي أَنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَلَهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إِلَى الْيَقِينِ فِيهِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً وَاحِدَةً لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ بِأَحَدِهَا لَمْ يُؤَدِّ الصَّلَاةَ بِيَقِينٍ وَإِذَا تَوَضَّأَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَصَلَّى لَزِمَهُ صَلَاتَانِ لِلظُّهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ إِلَى التَّيَمُّمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا مَنْ نَسِيَ صَلَاةً وَجَهِلَ عَيْنَهَا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ بِالتَّحَرِّي أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى تَارَةً بِيَقِينٍ وَتَارَةً بِظَاهِرٍ فَجَازَ دُخُولُ التَّحَرِّي فِيهَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ مُعَايَنَتِهَا وَالظَّاهِرُ مَعَ عَدَمِ الْمُعَايَنَةِ وَالْيَقِينِ فِي الْوُصُولِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْبَحْرِ وَالنِّيلِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ لَا يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ غَيَّرَهُ ‏ ‏( فَرْعٌ ) وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْوُضُوءِ بِكُلِّ إنَاءٍ فَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي تَرْكِهِ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْإِنَاءِ الثَّانِي قَبْلَ الْوُضُوءِ بِهِ أَنَّ الْمَاءَ الثَّانِيَ إِذَا غَلَبَ عَلَى آثَارِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ فِي الْأَعْضَاءِ صَارَ لَهُ حُكْمٌ فِي نَفْسِهِ فَإِمْرَارُ الْيَدِ مَعَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُجْزِي مِنْ الْوُضُوءِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ إِلَى الْعُضْوِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَطَرُ فَأَمَرَّ يَدَهُ مَعَهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْعُضْوِ مِنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ غَسْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْوُضُوءِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ لَمْ يَغْسِلْ ذِرَاعَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَقَدْ رَأَيْت لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ مِثْلَ مَا قَدَّمْته فِيمَنْ كَانَتْ فِي ذِرَاعَيْهِ نَجَاسَةٌ فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُنَقِّهَا أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا ‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ فِي التَّحَرِّي فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ تَسَاوِي الْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ مَعَ كَوْنِ الْمَحْظُورِ أَكْثَرَ وَهَذَا حُكْمُ الثِّيَابِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فِي الثِّيَابِ وَمَنَعَ ذَلِكَ فِي الْمِيَاهِ وَقَالَ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهَا إِلَّا إِذَا كَانَ عَدَدُ الْمُبَاحِ أَكْثَرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا جِنْسٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّحَرِّي إِذَا كَانَ عَدَدُ الْمُبَاحِ أَكْثَرَ فَجَازَ فِيهِ التَّحَرِّي وَإِنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ عَدَدُ الْمَحْظُورِ أَكْثَرَ كَالثِّيَابِ.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ يُرِيدُ مَا مَاتَ مِنْ حَيَوَانِهِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَالْحَيَوَانُ جِنْسَانِ بَحْرِيٌّ وَبَرِّيٌّ أَمَّا الْبَحْرِيُّ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ لَا تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالْحُوتِ وَنَوْعٌ تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ فَأَمَّا الْحُوتُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُبَاحٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَاتَتْ نَفْسُهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا مَاتَ مِنْهُ حَتْفَ أَنْفِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُبَاحٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُهُ تَعَالَىأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ صَيْدُهُ مَا صِدْته وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَاسْمُ الْمَيْتَةِ إِذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا فَاتَتْ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا تَدُومُ حَيَاتُهُ كَالضُّفْدَعِ وَالسُّلَحْفَاةِ [ ] فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرٌ حَلَالٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَاةٍ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ هُوَ حَرَامٌ نَجِسٌ إِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إِلَى ذَكَاةٍ كَالْحُوتِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ تَبْقَى حَيَاتُهُ فِي الْبَرِّ كَالطَّيْرِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا حَيَوَانُ الْبَرِّ فَعَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا مَالُهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالطَّيْرِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ وَشَحْمَةِ الْأَرْضِ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْبَرَاغِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَرَاغِيثِ يَحْتَاجُ إِلَى تَحْقِيقٍ لِأَنَّ مِنْ هَذَا الْخَشَاشِ مَا يَكُونُ فِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ مِنْ ذَاتِهِ كَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَعُوضِ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي بُرْغُوثٍ وَقَعَ فِي ثَرِيدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ سَائِلٌ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَنْ احْتَاجَ شَيْئًا مِنْهَا لِلدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ فَلْيُذَكِّهِ بِمَا يُذَكِّي الْجَرَادَ فَجَعَلَ الْبَعُوضَ مِنْ صِنْفِ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ وَفِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُرَاعَى فِي الدَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْحَيَوَانِ فَيَكُونَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَمَا لَهُ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَفِيمَا فِيهِ دَمٌ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ الْقَوْلَانِ يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ وَلَا يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبُرْغُوثُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إِذَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ وَلَا يَنْجُسُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَمٌ وَذِكْرُ اللَّحْمِ فِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ مَعَ الدَّمِ والحلزوم لَحْمٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَرَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا فَأْرَةُ الْمِسْكِ فَقَدْ قَالَ أَبُو إسْحَاقِ هِيَ مَيْتَةٌ وَيُصَلِّي بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهَا كَخُرَّاجٍ يَحْدُثُ بِالْحَيَوَانِ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِدَادٌ ثُمَّ يَسْتَحِيلُ مِسْكًا وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَيْتَةً أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ بِذَكَاةِ مَنْ لَا تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَإِنَّمَا حُكِمَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ الدَّمِ وَخَرَجَتْ عَنْ اسْمِهِ إِلَى صِفَاتٍ وَاسْمٍ يَخْتَصُّ بِهَا فَطَهُرَتْ بِذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِيلُ الدَّمُ وَسَائِرُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إِلَى اللَّحْمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ إِلَى الْخَلِّ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَكَمَا يَسْتَحِيلُ مَا يُدْمَنُ بِهِ مِنْ الْعَذَرَةِ وَالنَّجَاسَةِ تَمْرًا أَوْ بَقْلًا فَيَكُونُ طَاهِرًا وَإِنَّمَا لَمْ تَنْجُسْ فَأْرَةُ الْمِسْكِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ فَتَنْجُسُ بِعَدَمِ الذَّكَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ كَمَا يَحْدُثُ الْبِيضُ فِي الطَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَهُوَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ طَهَارَتِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَعْنًى تَبَيَّنَ بِهِ وَجْهُ حُكْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَبَنَاتِ وِرْدَانِ وَالصِّرَارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً وَأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الدَّوَاءَ وَيُقَدِّمُ الدَّاءَ فَلَوْ كَانَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَيَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ لَمَا أُمِرْنَا أَنْ نُفْسِدَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِغَمْسِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْغَالِبِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ كَالْجَرَادِ ‏


حديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ ‏ ‏مِنْ آلِ ‏ ‏بَنِي الْأَزْرَقِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ ‏ ‏وَهُوَ مِنْ ‏ ‏بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

هي من الطوافين عليكم أو الطوافات

عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة، عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة الأنصاري، أنها أخبرتها: أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا، فجا...

إنا نرد على السباع، وترد علينا

عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن عمر بن الخطاب خرج في ركب، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد ح...

إن كان الرجال والنساء، في زمان رسول الله ﷺ ليتوضئ...

عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول: «إن كان الرجال والنساء، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليتوضئون جميعا»

يطهره ما بعده

عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنها سألت أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر.<br> قالت...

لا ينصرف ولا يتوضأ حتى يصلي

عن مالك، أنه رأى ربيعة بن أبي عبد الرحمن «يقلس، مرارا وهو في المسجد، فلا ينصرف، ولا يتوضأ، حتى يصلي»

صلى ولم يتوضأ

عن نافع، أن عبد الله بن عمر «حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد، فصلى ولم يتوضأ»

أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ

عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكل كتف شاة، ثم صلى، ولم يتوضأ»

مضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ

عن بشير بن يسار، مولى بني حارثة، عن سويد بن النعمان، أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام خيبر.<br> حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من أد...

ثم صلى ولم يتوضأ

عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير، أنه «تعشى مع عمر بن الخطاب ثم صلى ولم يتوضأ»