596-
عن زريق بن حيان، وكان زريق على جواز مصر، في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز، فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: «أن انظر من مر بك من المسلمين، فخذ مما ظهر من أموالهم، مما يديرون من التجارات، من كل أربعين دينارا، دينارا.
فما نقص، فبحساب ذلك.
حتى يبلغ عشرين دينارا.
فإن نقصت ثلث دينار، فدعها ولا تأخذ منها شيئا.
ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا، دينارا.
فما نقص فبحساب ذلك، حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا.
واكتب لهم بما تأخذ منهم، كتابا إلى مثله من الحول»
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى زُرَيْقٌ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ قَبْلَ الرَّاءِ وَالصَّوَابُ رُزَيْقٌ بِالرَّاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ قَبْلَ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ ورزيق لَقَبٌ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ حَيَّانَ الْفَزَارِيُّ قَوْلُهُ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَصْرِيحٌ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِيهَا وَأَنَّهُمْ لَا يأخذون إِلَّا بِمَا ظَهَرَ وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَخْفَى فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِمَّنْ كَانَ مُؤْتَمَنًا فِيهَا وَقَوْلُهُ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ يَسْتَغْرِقُ الْعُرُوضَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ فِي الْعَرْضِ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ التِّجَارَةَ إنَّمَا تُدَارُ بِهَا وَالرِّبْحُ وَالنَّمَاءُ إنَّمَا يُقْصَدُ فِيهَا وَبِإِدَارَتِهَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ سَائِرَ الْأَمْوَالِ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْإِدَارَةُ مِنْ غَيْرِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الْعُرُوضُ فَهِيَ الَّتِي يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُقْتَنَى مِنْهَا فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَبَيْنَ مَا يُدَارُ مِنْهَا فِي التِّجَارَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ زَكَاةَ الْعُرُوضِ وَهَذَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ إِلَى عُمَّالِهِ وَأَصْحَابِ جَوَائِزِهِ وَأَخَذَ رُزَيْقٌ بِهِ النَّاسَ فِي زَمَانِهِ وَهَذَا مِمَّا يُحَدَّثُ بِهِ فِي الْأَمْصَارِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ تَظَلَّمَ مِنْهُ بِسَبَبِهِ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَخَالَفَ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ بِوَجْهٍ كَانَ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَهَذَا عَامٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ , ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُك وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةُ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ مُرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَجَازَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعَيْنِ.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَالٌ أَصْلُهُ التِّجَارَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ وَمَالٌ أَصْلُهُ الْقِنْيَةُ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْعِمَةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ فَمَا كَانَ أَصْلُهُ التِّجَارَةَ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى الْقِنْيَةِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ , وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصِّيَاغَةَ وَمَا كَانَ أَصْلُهُ الْقِنْيَةَ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى التِّجَارَةِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الِابْتِيَاعُ فَمَنْ اشْتَرَى عَرْضًا وَلَمْ يَنْوِ بِهِ تِجَارَةً فَهُوَ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ وَمَنْ وَرِثَ عَرْضًا يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ فَهُوَ عَلَى الْقِنْيَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ عَمَلٌ يَنْقُلُهُ إِلَى التِّجَارَةِ فَإِذَا ابْتَاعَهُ لِلتِّجَارَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْعَمَلُ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التِّجَارَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مَا ابْتَاعَهُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الدُّورِ , ثُمَّ بَاعَهُ بَعْدَ حَوْلٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُزَكِّي الثَّمَنَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ نَافِعٍ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ حَوْلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغَلَّةَ نَوْعٌ مِنْ النَّمَاءِ فَالْإِرْصَادُ لَهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ كَرِبْحِ التِّجَارَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَالٌ لَمْ يُرْصَدْ لِلتِّجَارَةِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِلْقِنْيَةِ.
( فَرْعٌ ) فَأَمَّا إِذَا ابْتَاعَهُ لِأَمْرَيْنِ وَجْهٌ مِنْ الْقِنْيَةِ وَوَجْهٌ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِوَطْءٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَإِذَا وَجَدَ بِهَا رِبْحًا بَاعَهَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ ثَمَنُهَا فَائِدَةٌ وَرَوَى أَشْهَبُ يُزَكِّي ثَمَنَهَا فَعَلَى هَذَا لِشِرَاءِ السِّلْعَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا يَشْتَرِيهَا لِلتِّجَارَةِ الْمَحْضَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْقِنْيَةِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهَا وَالثَّالِثُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِلْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ فَهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا , وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ إِذَا اشْتَرَاهَا لِلْغَلَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ , ثُمَّ صَرَفَهُ إِلَى الْقِنْيَةِ , ثُمَّ بَاعَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ حُكْمُهُ الْقِنْيَةُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ حُكْمُهُ التِّجَارَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَصْلَهُ الْقِنْيَةُ فَأَثَّرَ فِي رَدِّهِ إِلَى أَصْلِهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ النِّيَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعُرُوضِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ , ثُمَّ نَوَى بِهَا الْقِنْيَةَ , وَلِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ وَثَبَتَ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ صَارَ أَصْلًا لَهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ مَا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَتِهَا دُونَ عَيْنِهَا وَلَوْ وَجَبَتْ فِي عَيْنِ الْعَرْضِ لَقَالَ رُبُعُ قِيمَةِ الْمَالِ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ إِلَى الْعَيْنِ عُلِمَ أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِيهِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَرْضِ , وَالزَّكَاةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : زَكَاةُ عَيْنٍ وَهِيَ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةُ قِيمَةٍ وَهِيَ زَكَاةُ الْعُرُوضِ الْمُدَارَةِ فِي التِّجَارَةِ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي عَيْنِ الْعَرْضِ وَلَكِنْ يُخْرَجُ قِيمَةُ ذَلِكَ الْعَرْضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَالٍ اُعْتُبِرَ النِّصَابُ فِيهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ كَالْمَاشِيَةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ الْمُدَارَةَ لِلتِّجَارَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ضَرْبٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَضَرْبٌ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ فَهِيَ الْعُرُوضُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَتَجِبُ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَأَمَّا مَا وُرِّثَ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اُشْتُرِيَتْ لِلْقِنْيَةِ وَنُوِيَ بِهَا التِّجَارَةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَالْمَاشِيَةِ فَإِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ أَحَقُّ بِهَا ; لِأَنَّ الزَّكَاتَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَتَا كَانَتَا أَوْلَاهُمَا زَكَاةَ الْعَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَزَكَاةَ الْقِنْيَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَكَانَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ أَوْلَى.
( فَرْعٌ ) وَهَذَا إِذَا بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ نِصَابًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابَ الْمَاشِيَةِ وَبَلَغَتْ نِصَابَ الْقِنْيَةِ ثَبَتَتْ زَكَاةُ الْقِنْيَةِ لِعَدَمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَبَيَانُ أَنَّ النِّصَابَ هُوَ الْعِشْرُونَ دِينَارًا وَقَوْلُهُ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّقْصَ عَنْ النِّصَابِ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَذَكَرَ الثُّلُثَ الدِّينَارِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَقَصَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَلَا ذَكَرَهُ وَقَدْ تَعَلَّقَ قَوْمٌ , وَقَالُوا إِنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا إِذَا نَقَصَتْ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَمَا قَالُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يُظَنَّ هَذَا بِهِ وَلَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا غَيْرَ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ غَيْرَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا وَقَوْلُهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إِذَا نَقَصَتْ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا لَا مِثْلَ الْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ الزَّكَاةُ , وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِهَذَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - " لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ مَا اعْتَقَدَ فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمَنْ مَرَّ بِك مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى ذَلِكَ اجْتِهَادًا لِكَسَادِ أَسْوَاقِ الْجِهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيمَا كَانُوا يَحْمِلُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالزَّيْتِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ لِيُكْثِرَ بِذَلِكَ طَعَامَهُمْ وَزَيْتَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَصَدَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَحْدَهُ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اجْتِهَادًا مِنْهُ وَأَنَّهُ رَأَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَجْرِي مَجْرَى النَّفَقَةِ وَمِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسَافِرِ فِي سَفَرِهِ , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا يَحْمِلُونَهُ لِلتِّجَارَةِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ; لِأَنَّهُمْ انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ إِذَا انْتَفَعُوا بِالتِّجَارَةِ بِهِ فِي غَيْرِ أُفْقِهِمْ الَّذِي يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ عَلَى الْمَقَامِ وَالتِّجَارَةِ فِيهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ بَرَاءَةً لَهُمْ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَمَنْعًا مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَى انْقِضَاءِ الْحَوْلِ , وَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَأْتُونَ تُجَّارًا إِلَى غَيْرِ أُفُقِهِمْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُنْ لَهُمْ بَرَاءَاتٌ إِلَى الْحَوْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ انْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَمَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمْ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ
عن عبد الله بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: «هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة»
عن أبي هريرة أنه كان يقول: " من كان عنده مال لم يؤد زكاته، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان.<br> يطلبه حتى يمكنه يقول: أنا كنزك "
عن طاوس اليماني، أن معاذ بن جبل الأنصاري " أخذ من ثلاثين بقرة، تبيعا، ومن أربعين بقرة، مسنة.<br> وأتي بما دون ذلك، فأبى أن يأخذ منه شيئا.<br> وقال: لم...
عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي، عن جده سفيان بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا فكان يعد على الناس بالسخل.<br> فقالوا: أتعد علينا بالسخل؟ ولا...
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: مر على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة.<br> فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم.<br> فقال عمر: «ما هذه الش...
عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال: أخبرني رجلان من أشجع، أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقا.<br> فيقول لرب المال: «أخرج إلي صدقة مالك.<br> فلا ي...
عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله.<br> أو لعامل عليها.<br> أو لغارم.<br> أو لرجل...
عن زيد بن أسلم أنه قال: شرب عمر بن الخطاب لبنا فأعجبه.<br> فسأل الذي سقاه، «من أين هذا اللبن؟» فأخبره أنه ورد على ماء، قد سماه، فإذا نعم من نعم الصدقة...
عن ابن شهاب، أنه قال: «لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق»، قال: «وهو يعد على صاحب المال، ولا يؤخذ منه في الصدقة»