حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الجهاد باب الترغيب في الجهاد (حديث رقم: 961 )


961- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله.
فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة، كان له حسنات.
ولو أنها قطعت طيلها ذلك، فاستنت شرفا أو شرفين، كانت آثارها وأرواثها حسنات له.
ولو أنها مرت بنهر.
فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك له حسنات.
فهي له أجر.
ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر.
ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر؟ فقال: "لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة: ٨] "

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ يُرِيدُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا وَرَبْطَهَا فِي الْغَالِبِ يَكُونُ لِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَحْوَالِ إمَّا لِمُجَرَّدِ الْأَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِمَّا لِلسِّتْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا لِيَكْتَسِبَ عَلَيْهَا وَإِمَّا لِلْوِزْرِ وَهُوَ لِمَنْ رَبَطَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ , وَارْتِبَاطُ الْخَيْلِ وَرَبْطُهَا هُوَ اقْتِنَاؤُهَا وَأَصْلُهُ مِنْ الرَّبْطِ بِالْحَبْلِ وَالْمِقْوَدِ وَلَمَّا كَانَتْ الْخَيْلُ لَا تُسْتَبَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ كُلُّ مَنْ اقْتَنَى فَرَسًا رَبَطَهُ وَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى سَمَّوْا اقْتِنَاءَهَا وَاِتِّخَاذَهَا رَبْطًا فَمَعْنَى رَبْطِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إعْدَادُهَا لِهَذَا الْوَجْهِ وَاِتِّخَاذُهَا بِسَبَبِهِ وَهُوَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ يُثَابُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فِي حَالِ مَقَامِهِ دُونَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجِهَادِ وَغَزْوِ الْعَدُوِّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِعْدَادِ لَهُ وَالْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ فَإِذَا غَزَا بِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ وَأَجْرُ الِاتِّخَاذِ وَالرِّبَاطِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) الرِّبَاطُ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا رِبَاطُ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قوله تعالى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ الْآيَةُ وَرِبَاطُ الْخَيْلِ يَكُونُ اتِّخَاذَهَا فِي مَوْطِنِ الْمُتَّخِذِ لَهَا وَغَيْرِ مَوْطِنِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الثَّغْرِ وَقُرْبِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي مُعْظَمِ الْإِسْلَامِ وَبِالْبُعْدِ مِنْ الْعَدُوِّ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ إعْدَادِ الْقُوَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِ النَّفِيرُ وَيَحْتَاجُ إِلَى الْغَزْوِ وَلَا يَجِدُ مِنْ الْمُهْلَةِ مَا يَتَّخِذُ فِيهِ الْخَيْلَ وَلِأَنَّ الْغَازِيَ بِهَا يَحْتَاجُ إِلَى اخْتِبَارِهَا وَتَأْدِيبِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا يَتِمُّ لَهُ مُرَادُهُ مِنْهَا إِلَّا بِاِتِّخَاذِهَا قَبْلَ الْغَزْوِ بِهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الرِّبَاطِ هُوَ رِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ الثُّغُورِ وَيُكْثِرُ سَوَادَهَا وَالْإِرْهَابَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَمَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَرِبَاطُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ هُوَ أَنْ يَتْرُكَ وَطَنَهُ وَيَلْزَمَ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ الْمَخُوفَةِ لِمَعْنَى الْحِفْظِ وَتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ وَطَنُهُ الثَّغْرَ فَلَيْسَتْ إقَامَتُهُ بِهِ رِبَاطًا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ وَيُقِيمَ لِهَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً فَإِنْ أَقَامَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفَاتِهِ فَلَمْ يَرْبِطْ نَفْسَهُ لِمُدَافَعَةِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ رِبَاطُ الْخَيْلِ فَإِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يَسْتَغْنِي عَنْ اتِّخَاذِهَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَحِمهُ اللَّهُ : وَعِنْدِي أَنَّ مَنْ اخْتَارَ الْمَقَامَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالثَّغْرِ وَمَوْضِعِ الْخَوْفِ لِلرِّبَاطِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَمْكَنَهُ الْمَقَامُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ حُكْمُ الرِّبَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا كَانَ الثَّغْرُ رِبَاطًا لِمَوْضِعِ الْخَوْفِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْمَخَافَةُ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بَعُدَ الْعَدُوُّ عَنْهُمْ فَإِنَّ حُكْمَ الرِّبَاطِ يَزُولُ عَنْهُمْ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيَجْعَلُهُ فِي جُدَّةٍ قَالَ : لَا قِيلَ لَهُ : فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بِهَا خَوْفٌ قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَرِبَاطُ الْخَيْلِ وَالنَّفْسِ مِنْ عِدَّةِ الْجِهَادِ وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ : أَيُّمَا أَحَبُّ إلَيْك الرِّبَاطُ أَمْ الْغَارَاتُ فِي الْعَدُوِّ ؟ قَالَ أَمَّا الْغَارَاتُ فَلَا أَدْرِي كَأَنَّهُ كَرِهَهَا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى الْإِصَابَةِ يُرِيدُ السُّنَّةَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَرِهَ الْغَارَاتِ لَمَّا كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهَا مَنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَرُبَّمَا غَلُّوا وَأَمَّا السَّيْرُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُوَ الْغَزْوُ عَلَى الْإِصَابَةِ لِلْحَقِّ وَالسُّنَّةِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَا يَغُلَّ وَيُطِيعُ الْأَمِيرَ فِي الْحَقِّ فَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى الرِّبَاطِ دُخُولَ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَإِهَانَتِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ الْجِهَادَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَالرِّبَاطَ لِحَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَإِنَّمَا ذَلِكَ حِينَ دَخَلَ فِي الْجِهَادِ مَا دَخَلَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ : وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ بِثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ قَدْ اشْتَدَّ حَتَّى خِيفَ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَاسْتُنْفِرُوا لِإِدْرَاكِ ذَلِكَ الثَّغْرِ فَإِنَّ قَصْدَ ذَلِكَ الثَّغْرِ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ حَقْنَ دِمَاءِ أَهْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ ثَغْرًا مِنْ الثُّغُورِ لِلرِّبَاطِ فِيهِ لَا لِعَدُوٍّ يَتَرَقَّبُ نُزُولَهُ وَيَتْرُكُ الْغَزْوَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ فَقَدْ تَرَكَ الْأَفْضَلَ لِأَنَّ دُخُولَهُ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ نِكَايَةٌ فِيهِمْ وَإِهَانَةٌ لَهُمْ وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ حِفْظٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ نِكَايَةَ الْعَدُوِّ تُضْعِفُهُمْ عَنْ غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا غَزَا قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَذَكَرَ أَنَّهُ الرَّبْطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ وَصَفَ أَنَّ جَمِيعَ تَصَرُّفِهَا أَجْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَزْوٌ فَإِنْ أَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ لِلرَّعْيِ فَإِنَّ مَا أَصَابَتْ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تَصَرُّفَ هَذِهِ الْخَيْلِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ يَكُونُ حَسَنَاتٍ لَهُ وَلِذَلِكَ وَصَفَ أَوَّلًا مَا كَانَ بِسَبَبِهِ مِنْ الْإِطَالَةِ لَهَا فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَمِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ مِنْ قَطْعِ الطِّيَلِ وَهُوَ مَا أَطَالَ لَهَا فِيهِ مِنْ الْحَبْلِ , وَاسْتِنَانُ الشَّرَفِ هُوَ الْجَرْيُ إِلَى مَا يَعْلُو مِنْ الْأَرْضِ وَرَأَيْت لِبَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الشَّرَفَ وَالطَّلَقَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهَا عَلَى هَذَا جَرْيُهَا طَلِقًا أَوْ طَلِقَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ فِعْلَهُ مِنْ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِيدَ سَقْيَهَا وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَسَنَاتٍ لَهُ مِنْ رَبْطِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيَسْتَوْعِبَ أَنْوَاعَ تَصَرُّفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا يُرِيدُ أَنَّهُ رَبَطَهَا لِيَسْتَغْنِيَ بِهَا وَيَعِفَّ عَنْ السُّؤَالِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قَصْدِهِ فِيهَا لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اتِّخَاذَهَا لِهَذَا الْوَجْهِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا فَإِنْ ضَيَّعَ حُقُوقَ اللَّهِ فِيهَا لَمْ تُوصَفْ بِأَنَّهَا سِتْرٌ لَهُ خَاصَّةً لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَآثِمِ وَالْوِزْرِ بِسَبَبِهَا وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْثَمْ بِاِتِّخَاذِهَا لِأَنَّهُ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا وَالْحُقُوقُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِرِقَابِهَا أَنْ تُؤَدَّى مِنْهَا الْحُقُوقُ إِذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا بِاخْتِصَاصِهَا بِهَا أَوْ لِضِيقِ ذِمَّتِهِ عَنْهَا وَاحْتِيَاجِهِ إِلَى أَدَائِهَا مِنْ رِقَابِ هَذِهِ الْخَيْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ ظُهُورِهَا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ بِهَا إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِلْجِهَادِ إِلَّا أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِهَا وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حَمْلُ الضَّعِيفِ عَلَيْهَا إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَكَةَ وَلَمْ يَجِدْ مَحْمَلًا غَيْرَهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَخِرَ بِهَا وَيُرَائِيَ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَمَّا لَوْ افْتَخَرَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ وَرِئَائِهِمْ بِهَا لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخَيْرِ الَّذِي يَرْجُو عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَأَمَّا النِّوَاءُ فَهُوَ الْمُقَاوَمَةُ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ناوى فُلَانًا إِذَا قَاوَمَهُ عَلَى عَدَاوَةٍ فَمَنْ اقْتَنَى فَرَسًا يَفْتَخِرُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ويناويهم بِهَا فَهِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْ إِنْ كَانَ حُكْمُ الْحُمُرِ حُكْمَ الْخَيْلِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ أَوْ يَكُونُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْخَيْلِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُتَّخَذُ غَالِبًا لِجِهَادٍ وَلَا تُرْبَطُ فِيهِ وَهِيَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يناوى بِهَا وَلَا يُفْتَخَرُ بِاقْتِنَائِهَا وَلَا هِيَ مِمَّا يُتَكَسَّبُ بِرُكُوبِهَا وَأَنْ يُكْسَبَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا كَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ التَّقْسِيمِ وَالتَّفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِي الْخَيْلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَارِكَةٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَالْحُمُرُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْخَيْلِ فِي الْجِهَادِ فَقَدْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا رَاحِلَتَهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ اقْتِنَاءَ الْخَيْلِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهَا زَادَهُ وَسِلَاحَهُ وَيَتَكَسَّبُ عَلَيْهَا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَأَمَّا هِيَ فَيَشْتَرِيهَا وَيَسْتَعِينُ بِهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ عَلَى غَزْوِ الْإِسْلَامِ فَيُوزَرُونَ بِهَا فَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ لِأَنَّ اقْتِنَاءَهَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ أَوْ مِنْ عَمَلِ الشَّرِّ وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَرَاهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَاسْتَفَادَ مِنْهُ حُكْمًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّعَلُّقِ بِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَامَّةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاذَّةُ يُرِيدُ الْقَلِيلَةَ الْمِثْلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ يُقَالُ كَلِمَةٌ فَاذَّةٌ وَفَذَّةٌ أَيْ شَاذَّةٌ.


حديث الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له أجر فرجل

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏ ‏فَأَطَالَ لَهَا ‏ ‏فِي ‏ ‏مَرْجٍ ‏ ‏أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي ‏ ‏طِيَلِهَا ‏ ‏ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ وَلَوْ أَنَّهَا قُطِعَتْ طِيَلَهَا ذَلِكَ ‏ ‏فَاسْتَنَّتْ ‏ ‏شَرَفًا ‏ ‏أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ فَهِيَ لَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا ‏ ‏تَغَنِّيًا ‏ ‏وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا فِي ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً ‏ ‏وَنِوَاءً ‏ ‏لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ ‏ { ‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ‏}

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

ألا أخبركم بخير الناس منزلا رجل آخذ بعنان فرسه يجا...

عن عطاء بن يسار، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير الناس منزلا؟ رجل آخذ بعنان فرسه، يجاهد في سبيل الله.<br> ألا أخبركم بخير...

بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في اليسر والع...

عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، عن جده، قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر...

مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرج...

عن زيد بن أسلم، قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب، يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم.<br> فكتب إليه عمر بن الخطاب: " أما بعد.<br> فإنه...

نهى رسول الله ﷺ أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

عن عبد الله بن عمر أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» قال مالك: «وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو»

نهى رسول الله ﷺ الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل...

عن ابن لكعب بن مالك قال: حسبت أنه قال: عبد الرحمن بن كعب، أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان...

نهى عن قتل النساء والصبيان

و حدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان عن ابن عمر أن...

ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في...

عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام.<br> فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع.<br> فزعموا أن يزيد قال لأبي ب...

إذا بلغت وادي القرى فشأنك به

عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله، يقول لصاحبه: «إذا بلغت وادي القرى فشأنك به»

إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته...

عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب كان يقول: «إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو، فيبلغ به رأس مغزاته، فهو له»