1009-
عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ سَأَلَهُ سُؤَالَ الْمُلْتَزِمِ لِحُكْمِهِ الرَّاجِعِ إِلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ يُسَمَّى مُسْتَفْتِيًا وَقَوْلُ الْمُفْتِي لَهُ يُسَمَّى فَتْوَى وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ فَأَمَّا الْعَالِمَانِ اللَّذَانِ يَسُوغُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ إِذَا سَأَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْأَلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّقْلِيدِ فَأَمَّا سُؤَالُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِفْتَاءٍ بَلْ هُوَ مُذَاكَرَةٌ وَمُنَاظَرَةٌ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمَا إِذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ وَتَبْيِينِهِ وَسَلِمَا مِنْ الْمِرَاءِ وَقَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا وَأَمَّا سُؤَالُهُ إِيَّاهُ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَيُمَكِّنُ السَّائِلَ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادَ دُونَ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُفُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلَّذِي دُونَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَالدَّلِيلُ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ دُونَ السُّؤَالِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ الْحَادِثَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ غَيْرَهُ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَمَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا تَخْلِي الْقَضِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي صِفَةِ الْمُفْتِي وَصِفَةِ الْمُسْتَفْتِي فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ مُبَاحٌ جَائِزٌ لِأَنَّ سَعْدًا ذَكَرَ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ وَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَخِيلِ فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ تَنْذِرَ لِمَعْنًى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِثْلِ أَنْ يَقُولَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ أَمْرِ كَذَا أَوْ رَزَقَنِي كَذَا فَإِنِّي أَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي صَلَاةً أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا فَهَذَا الْمَكْرُوهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَذْرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ دُونَ تَعَلُّقِ نَذْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَغَرَضِهَا ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيُخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ فَعَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَرْنَ بِأَهْلِهِ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا مُبَاحٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا تَرَكُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ لَمَا عَابَ بِهِ الْقَرْنَ.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا فَالْمُطْلَقُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُكَلَّفُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مَخْرَجًا وَالْمُقَيَّدُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَدَقَةٌ بِدِينَارٍ أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَكِلَا النَّذْرَيْنِ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَإِنَّ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا النَّذْرُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ انْعِقَادِهِ قوله تعالى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ سَعْدٍ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقَيَّدًا لَاسْتَفْسَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا نَذَرَ لِأَنَّ مِنْ النَّذْرِ الْمُقَيَّدِ مَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَمِنْهُ مَا لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْذِرَ مُحَرَّمًا فَلَمَّا كَانَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ يَتَنَوَّعُ إِلَى مَا لَا يَجُوزُ وَإِلَى مَا يَجُوزُ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مقيدا لَسَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ نَذْرِهَا لِيُمَيِّزَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ مِمَّا لَا يَجُوزُ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَكُونُ الْجَوَابُ وَلَمَّا لَمْ يَسْأَلْ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ وَمَا لَا يَلْزَمُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَذْرٌ قُصِدَ بِهِ الْقُرْبَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مُقَيَّدًا بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ.
( فَصْلٌ ) وَإِذَا قُلْنَا إِنَّ نَذْرَ أُمِّ سَعْدٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَيَّدُ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ وَيُقَيَّدُ بِمُبَاحٍ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَيُقَيَّدُ بِمُحَرَّمٍ فَإِذَا قُيِّدَ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ بِشَرْطٍ وَلَا صِفَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ أَصُومَ صَوْمًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا إِلَّا أَنْ يُعَلَّقَ بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَدَقَةٌ إِنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَزَلَ الْمَطَرُ الْيَوْمَ أَوْ فُرِّجَ عَنْ الْمَرِيضِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّعَلُّقِ بِصِفَةٍ وَلَا بِغَيْرِ صِفَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مِنْ جِهَةِ النَّذْرِ مَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ بِصِفَةٍ ( مَسْأَلَةٌ ) وَيَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي نَذْرِهِ عَلَى اللِّجَاجِ بَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَبَيْنَ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَالْوَفَاءُ بِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ حَالٌ يَلْزَمُ فِيهَا الْوَفَاءُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَزِمَ فِيهَا الْوَفَاءُ بِسَائِرِ الْقُرْبِ كَحَالِ الرِّضَى ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ أَمْرًا مُبَاحًا كَالْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَقْضِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا بَعْدُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْعَقَدَتْ يَمِينُهَا بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَقْضِهِ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا فَأَمَّا إِنْ لَمْ تَكُنْ قَضَتْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا بِمِثْلِ أَنْ تَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إِنْ شُفِيَ فُلَانٌ أَوْ إِنْ جَاءَ فُلَانٌ هَذَا الشَّهْرَ فَمَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهُ وَإِنْ فَعَلَتْ فَحَسَنٌ مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي نَذَرْت اعْتِكَافَ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَفَاءِ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَتِلْكَ حَالٌ لَا يَلْزَمُ مَا نَذَرَ فِيهَا ( مَسْأَلَةٌ ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَرَادَتْ أَنْ تُكَفِّرَ نَذْرَهَا قَبْلَ أَنْ تَحْنَثَ فِيهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَقَالَ مَرَّةً لَا تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَرَّةً تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى مُوجِبِهَا أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مَعْنًى يَحِلُّ الْيَمِينَ فَجَازَ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْحِنْثِ كَالِاسْتِثْنَاءِ ( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا إِذَا وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ تَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ إِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَوَجَبَ عَلَيْهَا بِقُدُومِ فُلَانٍ أَوْ بِأَنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ نَذْرَهَا وَلَعَلَّهَا مَاتَتْ فَجْأَةً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَخَّرَتْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ أَنْ يُكَفِّرَ حِينَ الْحِنْثِ وَلَهُ تَأْخِيرُهَا مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعْجِيلُ لِيُبْرِئَ ذِمَّتَهُ مِمَّا لَزِمَهُ فَقَوْلُ سَعْدٍ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَيِّنٌ لِأَنَّ لَفْظَةَ ( عَلَيَّ ) إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا عَلَيْهَا نَذْرٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ عَقَدَتْهُ وَالْتَزَمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ عَلَيْهَا أَدَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اقْضِهِ عَنْهَا ) يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَدَاءُ ذَلِكَ عَنْهَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُبَرِّئُهَا وَيَقْضِيَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ النَّدْبُ لقوله تعالى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ هُوَ النَّذْرُ بِنَذْرِهَا وَالْتِزَامِهَا وَيُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ عَنْهَا ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَعْنًى مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ أَوْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ أَوْ يَكُونَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِمَا كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّحْبِيسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَإِنَّ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنُوبُ فِي ذَلِكَ بِنِيَّةٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَيِّتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُخْتَصًّا بِالْبَدَنِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَقْضِيَهُ أَحَدٌ عَنْهُ وَلَا يَنُوبُ فِيهِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ كَالْحَجِّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّذَ فِيهِ وَصِيَّةَ الْمُوصِي بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَ سَعْدِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ يَقْتَضِي النَّذْرَ الْمُطْلَقَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْمَالُ لِأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَحْتَمِلُ النَّذْرَ الْمُقَيَّدَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ أَوْ بِمَا لَهُ تَعَلُّقٍ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَصِحُّ فِيهِ كَمَا لَا تَصِحُّ فِي فُرُوضِهِ ( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمْ يَقْضِهِ هَلْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْمَشْيِ بِقَدَمِهِ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْضِهِ عَنْهَا
عن عمته أنها حدثته عن، جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه، فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها «أن تمشي عنها»(1) 1353- قال يحيى...
عن عبد الله بن أبي حبيبة، قال: قلت لرجل، وأنا حديث السن: ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله، ولم يقل علي نذر مشي.<br> فقال لي رجل: هل لك أن أعط...
عن عروة بن أذينة الليثي، أنه قال خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله.<br> حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت.<br> فأرسلت مولى لها يسأل عبد الله بن عمر فخر...
عن يحيى بن سعيد، أنه قال: كان علي مشي فأصابتني خاصرة، فركبت حتى أتيت مكة.<br> فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا: «عليك هدي».<br> فلما قدمت المدينة س...
عن حميد بن قيس وثور بن زيد الديلي أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأ...
عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد أنه سمعه يقول: أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس، فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني.<br> فقال ابن عباس: «لا تنحري ابنك، وكف...
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» قال يحيى: وسمعت مالكا يقول: " معنى قول رسول...
عن عائشة أم المؤمنين، أنها كانت تقول: «لغو اليمين قول الإنسان لا والله، وبلى والله»
عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: " من قال: والله.<br> ثم قال: إن شاء الله.<br> ثم لم يفعل الذي حلف عليه، لم يحنث "