1052- عن نافع، أنه قال: «رميت طائرين بحجر، وأنا بالجرف فأصبتهما، فأما أحدهما فمات، فطرحه عبد الله بن عمر، وأما الآخر فذهب عبد الله بن عمر يذكيه بقدوم فمات قبل أن يذكيه فطرحه عبد الله أيضا»
إسناده صحيح
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ رَمَيْت طَائِرَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مُتَصَيِّدًا فَرَمَاهُمَا فِي حَالِ تَصَيُّدِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا فِي مَقْعَدِهِ أَوْ مُتَصَرِّفًا فِي بَعْضِ شَأْنِهِ حَتَّى رَآهُمَا مُمَكَّنَيْنِ فَرَمَاهُمَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ لِلتَّصَيُّدِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِالْتِذَاذِ بِهِ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَنْ اتَّخَذَهُ مَكْسَبًا أَوْ قَرَمَ إِلَى اللَّحْمِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ : لَا أَرَى لِأَحَدٍ صَيْدَ الْبَرِّ إِلَّا لِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ عَيْشُهُمْ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا إنَّمَا قَصَدَ اللَّحْمَ وَتَحْصِيلُ الصَّيْدِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لقوله تعالى لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ إِلَى قَوْلِهِ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : مَعْنَاهُ مِمَّا صِدْنَ لَكُمْ وَأَمَّا الَّذِي يَخْرُجُ إِلَى الصَّيْدِ تَلَذُّذًا فَلَيْسَ غَرَضُهُ فِي الصَّيْدِ وَإِنَّمَا غَرَضُهُ فِي الِالْتِذَاذِ بِطَلَبِهِ وَالْأَخْذِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ الِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ فِي أَكْلٍ أَوْ بَيْعِهِ بِثَمَنٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الصَّيْدَ لِمَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ وَيَقُولُ : هُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا غِنًى بِهِمْ عَنْهُ وَكَرِهَهُ لِأَهْلِ الْحَوَاضِرِ وَرَأَى خُرُوجَهُمْ إِلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْخِفَّةِ وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَا يَأْخُذُ الْإِنْسَانُ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَالْكَلَامُ الثَّانِي فِي عُذْرِ النَّاسِ لِلتَّصَيُّدِ مَعَ قَوْلِهِ أَنَّهُ خَرَجَ لَمَّا أَرَادَ إحْرَازَ الصَّيْدِ وَلَمْ يَقْصِدْ اللَّذَّةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ وَمُعْتَادُونَ لَهُ فَلَا يُغْنِيهِمْ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْحَوَاضِرِ يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِمْ مَعَ قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ أُدْمِ الْحَوَاضِرِ وَالْمَجَازِرِ فَلَا يُعْذَرُونَ بِمَا يَدَعُونَ مِنْ مَقْصِدِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا صَيْدُ الْحِيتَانِ فَفِي الْعُتْبِيَّةُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ عِنْدِي أَخَفُّ لِذَوِي الْمُرُوآتِ وَالْمَالُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَكَأَنِّي رَأَيْتُهُ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَمَيْت طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى الطَّائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ وَقَصَدَ إِلَى إصَابَتِهِمَا بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرٍ غَيْرِ الْحَجَرِ الَّذِي رَمَى بِهِ الْآخَرَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ رَمَيْت طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ أَيْ هَذَا الْجِنْسُ مِمَّا يُرْمَى بِهِ وَيُصَادُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَمَى بِهِ أَحَدَهُمَا فَأَصَابَهُ ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ الْحَجَرَ فَرَمَى بِهِ الطَّيْرَ الثَّانِي فَأَصَابَهُ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ : أَحَدُهَا فِي صِفَةِ السِّلَاحِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ أَوْ يُضْرَبُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الرَّمْيِ أَوْ الضَّرْبِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْمَضْرُوبِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُنْتَهَى فِعْلِ الرَّمْيَةِ وَالضَّرْبَةِ.
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْآلَةِ ) مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ السِّلَاحِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا لَهُ حَدٌّ كَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ وَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ مِمَّا لَهُ حَدٌّ تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ وَالثَّانِي مَا لَا حَدَّ لَهُ كَالْمِعْرَاضِ وَالْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ لَا تَجُوزُ بِهِ الذَّكَاةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَجَرُ الَّذِي رَمَى بِهِ نَافِعٌ مِمَّا لَهُ حَدٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِمَا فَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ طَرْحِهِ الطَّائِرَيْنِ حِينَ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُمَا وَلَوْ كَانَ الْحَجَرُ مِمَّا لَهُ حَدٌّ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ وَجَرَحَ لَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاةً تُبِيحُ أَكْلَ الطَّائِرِ وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ ذَكَاتَهُمَا وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَامِي الصَّيْدِ بِالْحَجَرِ الَّذِي مِثْلُهُ يُذْبَحُ فَقَطَعَ رَأْسَ الصَّيْدِ وَهُوَ يَنْوِي اصْطِيَادَهُ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ إذْ لَعَلَّ الْحَجَرَ قَطَعَ رَأْسَ الصَّيْدِ بِعَرْضِهِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ ذَكَاتَهُ وَلَوْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ لَجَازَ لَهُ أَكْلُهُ ( الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الرَّمْيِ أَوْ الضَّرْبِ.
وَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعٌ مِنْ الذَّكَاةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ وَعَلَى صِفَةٍ تَصِحُّ بِهَا الذَّكَاةُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الرَّامِي أَوْ الضَّارِبُ الِاصْطِيَادَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ وَقَدْ نَوَى اصْطِيَادَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ اصْطِيَادَهُ بِرَمْيَتِهِ فَلَا يَأْكُلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّتُهُ كَالذَّبْحِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُهُ وَلَوْ أَصَابَهُ وَأَصَابَ غَيْرَهُ بَعْدَهُ أَكَلَهُ دُونَ الَّذِي أَصَابَ بَعْدَهُ لِمَعْنَى النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْمَضْرُوبِ وَهَذَا يُرَاعَى فِيهِ صِفَتَانِ : إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ التَّوَحُّشُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الِامْتِنَاعِ بِصِفَةٍ مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَكَاتِهِ فَأَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى فَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ الْآيَةُ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ نَالَتْهُ رِمَاحُنَا يَجِبُ أَنْ يَحِلَّ لَنَا إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَوَحِّشًا عَلَى أَصْلِهِ أَوْ تَأَنَّسَ ثُمَّ اسْتَوْحَشَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُسْتَوْحِشُ الْجِنْسِ مُمْتَنِعٌ فَجَازَ أَنْ يُذَكَّى بِالرَّمْيِ كَاَلَّذِي لَمْ يَتَأَنَّسْ قَطُّ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فِيهِ فَهِيَ الْعِلَّةُ فِي إبَاحَةِ مَا ذُكِرَ قَالَ فِي الصَّيْدِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ بِإِثْخَانِ الْجِرَاحِ لَهُ أَوْ بِحِبَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَجُزْ ذَكَاتُهُ إِلَّا بِمَا يُذَكَّى بِهِ إِلَّا نَسِيَ لِأَنَّ عِلَّةَ الِامْتِنَاعِ قَدْ عُدِمَتْ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُؤَثِّرَتَانِ فِي الْعَمَلِ لَا فِي النِّيَّةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَنْفَرِدُ بِهَا دُونَ النِّيَّةِ ( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي مُنْتَهَى فِعْلِ الرَّمْيَةِ وَالضَّرْبَةِ الرَّمْيَةُ أَوْ الضَّرْبَةُ بِهِ لَا تَخْلُو أَنْ تُنْفِذَ الْمَقَاتِلَ أَوْ لَا تُنْفِذَهَا فَإِنْ أَنْفَذَتْهَا فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهَا الذَّكَاةُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِينَ بِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَبِينَ بِهَا شَيْءٌ فَإِنْ بَانَ بِهَا مِنْهُ جُزْءٌ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَطَعَ الصَّيْدَ بِنِصْفَيْنِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ جَمِيعُهُ زَادَ النِّصْفُ الَّذِي مَعَ الرَّأْسِ أَوْ نَقَصَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أُكِلَا جَمِيعًا وَإِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الْفَخِذَ أُكِلَ الثُّلُثَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ الرَّأْسَ وَلَمْ يُؤْكَلْ الثُّلُثُ الْبَاقِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ : وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فَإِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ أُكِلَ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ لَا مَحَالَةَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي قُطِعَ مِنْهُ سِوَى الرَّأْسِ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ مِنْهُ بَعْدَ قَطْعِهِ فَإِنَّ الَّذِي بَانَ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي مِثْلُ أَنْ تَقْطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَإِنَّ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ عَيْشُ الْحَيَوَانِ بَعْدَهَا وَيُؤْكَلُ الْبَاقِي سَوَاءٌ مَاتَ مِنْ الْعَقْرِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنْ مَاتَتْ مِنْ الْعَقْرِ الْأَوَّلِ أُكِلَ جَمِيعُهُ وَمَا بَانَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى رَمَاهُ رَمْيَةً أُخْرَى فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ وَلَا يُؤْكَلُ مَا بَانَ مِنْهُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْقِيَاسُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ وَرِكَيْهِ مَعَ فَخِذَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مَا بَانَ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ بَاقِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ بَعْدَهُ وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِذَا ضَرَبَهُ فَخَذَلَ وَرِكَيْهِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ جَمِيعُهُ وَلَوْ أَبَانَ فَخِذَيْهِ وَلَمْ تَصِلْ إِلَى الْجَوْفِ فَلَا يُؤْكَلُ مَا أَبَانَ مِنْهُ وَيُؤْكَلُ مَا بَقِيَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّك إِذَا ضَرَبْتَهُ عَلَى الْعَجُزِ فَصَارَ عَجُزُهُ فِي حَيِّزِ الْأَسْفَلِ وَقَدْ قَطَعْت مِنْ جَوْفِهِ فَكَأَنَّك قَطَعْت وَسَطَهُ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَفْسِيرِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّمَا يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْقَطْعِ بِنِصْفَيْنِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصِلَ الْقَطْعُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْفِ وَعَلَى جَوَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ الْأَكْثَرُ فِي حَيِّزِ الْأَسْفَلِ وَعَلَى تَعْلِيلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ مَا لَا تُتَوَهَّمُ حَيَاتُهُ دُونَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ وَبِضَرْبَتِهِ تِلْكَ فَكَانَتْ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ الْيَدُ الْبَائِنَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي يَصِحُّ بَقَاءُ الْحَيَوَانِ دُونَهَا فَإِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَبِينَ الْمَقْطُوعُ مِنْهُ أَوْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْبَائِنِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إِنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِلْدِ أَوْ بِيَسِيرٍ مِنْ اللَّحْمِ فَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَنَحْوُهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يَسِيرَ اللَّحْمِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ تَعَلُّقًا يَحْيَا بِحَيَاتِهِ وَيَسْرِي إِلَيْهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجَسَدِ يُذَكَّى بِذَكَاتِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ إِلَّا بِالْجِلْدِ وَالشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا تَسْرِي إِلَيْهِ بِهِ الْحَيَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُذَكَّى بِذَكَاتِهِ كَالْمُنْفَصِلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِذَا أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ جُزْءٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ أَكْلُهُ لِكَمَالِ الذَّكَاةِ فِيهِ بِمَا يُذَكَّى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ مُحَدَّدِ السِّلَاحِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَاتَ بِنَفْسِ الضَّرْبَةِ أَوْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَهَذَا قَدْ فَاتَتْ فِيهِ الذَّكَاةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَجَرٍ لَا حَدَّ لَهُ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ حَدٌّ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَنَّهُ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَجَرِ فَلَمْ يَجْرَحْهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَقَدْ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الَّذِي يَضْرِبُ الصَّيْدَ بِالسَّيْفِ فَيَقْتُلُهُ وَلَا يَجْرَحُهُ وَقَالَ أَشْهَبُ : يُؤْكَلُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ عَلَى هَذَا إِنَّ هَذَا فَاتَ بِالْمَوْتِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ لِأَنَّ الذَّكَاةَ فَاتَتْ فِيهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فَاتَتْ ذَكَاتُهُ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَعْجِيلِهَا أَوْ يَكُونَ فَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الذَّكَاةِ فِيهِ لِسُرْعَةِ مَوْتِهِ فَإِنْ فَاتَ لِلتَّأْخِيرِ وَكَانَ ضَرَبَهُ بِعَرْضِ حَجَرٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَأَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ أَوْ لَمْ يَنْفُذْهَا فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مَوْقُوذَةٌ وَلَوْ ضَرَبَهُ بِحَدِّ الْحَجَرِ فَلَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ وَفَاتَ لِلتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَعْجِيلِ الذَّكَاةِ فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْدُورًا عَلَى ذَكَاتِهِ فَلَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ ذَكَاتِهِ كَالْإِنْسِيِّ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَكَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَأْخِيرٍ لَجَازَ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَرَبَهُ فَأَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ لَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُذَكِّيَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ جَازَ أَكْلُهُ لِكَمَالِ الذَّكَاةِ فِيهِ بِمَا يُذَكَّى بِهِ مِثْلُهُ مِنْ مُحَدَّدِ السِّلَاحِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ إِلَى قوله تعالى فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ رَحِمهُ اللَّهُ : فَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَا تَنَالُهُ أَيْدِينَا هُوَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ الْمُتَمَكَّنُ مِنْ ذَكَاتِهِ وَاَلَّذِي تَنَالُهُ رِمَاحُنَا هُوَ غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَذَكَاتُهُ مِنْ السِّلَاحِ بِالرِّمَاحِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ الْآيَةِ فِي بَابِ مَا قُتِلَ بِالْمِعْرَاضِ فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فِعْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي أَمْرِ الطَّائِرَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ رَمَيْتُ طَائِرَيْنِ بِحَجَرٍ وَأَنَا بِالْجُرْفِ فَأَصَبْتُهُمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَاتَ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُذَكِّيهِ بِقَدُومٍ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَطَرَحَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا
عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الكلب المعلم: «كل ما أمسك عليك إن قتل، وإن لم يقتل»(1) 1421- عن مالك أنه سمع نافعا يقول: قال عبد الله بن عمر: «وإن...
عن مالك عن نافع، أن عبد الرحمن بن أبي هريرة، سأل عبد الله بن عمر «عما لفظ البحر، فنهاه عن أكله»، قال نافع، ثم انقلب عبد الله فدعا بالمصحف، فقرأ: {أحل...
عن سعد الجاري، مولى عمر بن الخطاب أنه قال: سألت عبد الله بن عمر عن الحيتان يقتل بعضها بعضا أو تموت صردا؟ فقال «ليس بها بأس»، قال سعد ثم سألت عبد الله...
عن أبي هريرة، وزيد بن ثابت أنهما كانا: «لا يريان بما لفظ البحر بأسا»
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناسا من أهل الجار قدموا فسألوا مروان بن الحكم «عما لفظ البحر»؟ فقال: «ليس به بأس»، وقال: اذهبوا إلى زيد بن ثابت، وأبي هر...
عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكل كل ذي ناب من السباع حرام»
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكل كل ذي ناب من السباع حرام» قال مالك: وهو الأمر عندنا
عن عبد الله بن عباس أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أفلا انتفعتم بجل...
عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»