حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قال له رسول الله ﷺ قد أنكحتكها بما معك من القرآن - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب النكاح باب ما جاء في الصداق والحباء (حديث رقم: 1098 )


1098- عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا» فقال: ما أجد شيئا، قال: «التمس ولو خاتما من حديد»، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء»؟ فقال: نعم.
معي سورة كذا وسورة كذا - لسور سماها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أنكحتكها بما معك من القرآن»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (قال له رسول الله ﷺ قد أنكحتكها بما معك من القرآن)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُ الْمَرْأَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي وَهَبْت نَفْسِي لَك تُرِيدُ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ وَفِيهِ بَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هِبَةُ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي فِي النِّكَاحِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي أَنَّ هِبَةَ الْبُضْعِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَا تَجُوزُ ) ‏ ‏لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِدُونِ مَهْرٍ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ خَالِصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ مُنْكَرًا لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقِرَّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ ثُمَّ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ الْقَائِمَ نِكَاحَهَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا دُونَ صَدَاقٍ مَعَ حَاجَةِ الْقَائِمِ وَفَقْرِهِ وَعَدَمِ مَا يَصْدُقُهَا إِيَّاهُ حَتَّى أَنْكَحَهُ إيَّاهَا بِمَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَخْلُوَ نِكَاحُ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِوَضٍ لَمَا مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَعَ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ عَنَى بِهِ هِبَةَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَعْنِ بِهِ هِبَةَ الصَّدَاقِ فَهَذَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ قَالَ وَإِنْ عَنَى بِهِ نِكَاحَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَلَا يَجُوزُ وَمَا أَصْدَقَهَا وَلَوْ رُبْعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ فَجَائِزٌ وَلَهَا لَازِمٌ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ إِذَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ وَلَمْ تُرِدْ بِهِ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِ بَذْلَ الْبُضْعِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ نِكَاحٌ يَثْبُتُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنَّمَا هُوَ سِفَاحٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحَدُّ وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ وَأَمَّا مَا أَرَادَ بِهِ عَقْدَ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِيهِ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ تَقَدَّمَتَا وَالثَّالِثَةُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَهَذَا يَقْتَضِي إمْضَاءَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ أَصْبَغُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا قُلْنَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي ) ‏ ‏فِي حُكْمِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ.
وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُك وَلِيَّتِي عَلَى أَنْ تَصْدُقَهَا مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ الْمُؤَبَّدَ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ دُونَ مَا يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ عِنْدِي ذَكَرَ الْمَهْرَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا النِّكَاحَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ الْمُغِيرَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْقَائِمِ قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَهُ إيَّاهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إطْلَاقُهُ عَقْدَ تَمْلِيكٍ مُؤَبَّدٍ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ النِّكَاحُ كَلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ زَوَّجَنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ الَّتِي قَدْ أَجَابَتْ إِلَى النِّكَاحِ بِاسْتِئْذَانِ الَّذِي أَجَابَتْهُ وَأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَنْ يَخْطُبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ النَّاكِحِ فَإِذَا اُسْتُؤْذِنَ فِي الْخِطْبَةِ وَصُرِفَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النِّكَاحَ مُبَاحٌ لِلْفَقِيرِ إِذَا وَجَدَ الْمَهْرَ , وَالنِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَسَرَّى بِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْمَنْعُ بِذَلِكَ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْمَهْرِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَك شَيْءٌ تَصْدُقُهَا إِيَّاهُ مَعَ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ نَسَقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرَى عَنْ صَدَاقٍ وَقَوْلُهُ وَمَا عِنْدِي إِلَّا إزَارِي إظْهَارٌ لِفَقْرِهِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَعْطَيْتهَا إِيَّاهُ جَلَسْت لَا إزَارَ لَك يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصْدُقَهَا إِيَّاهُ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْإِزَارِ إلَيْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْبَقَاءِ عَلَى حَالَةٍ لَا يَجُوزُ بِهَا الْبَقَاءُ عَلَيْهَا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّعَرِّي عَنْ جَمِيعِ الْمَلْبَسِ وَلِذَلِكَ لَا يُبَاعُ هَذَا مِنْ الثِّيَابِ فِي دَيْنٍ وَلَا يُقْضَى بِهِ حَقٌّ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسْ شَيْئًا وَقَوْلُ الرَّجُلِ مَا أَجِدُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ لَفْظَةُ شَيْءٍ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُمْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا إِيَّاهُ ؟ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُقَهَا إِيَّاهُ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا أَجِدُ شَيْئًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نَوَاةِ تَمْرَةٍ وَقَتَّةِ حَشِيشٍ وَحُزْمَةِ حَطَبٍ يَحْتَطِبُهُ وَأَنْوَاعِ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إِنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ بِالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَالْجِرَارِ الْمُخَرَّقَةِ وَبِمَا لَا يَكُونُ عِوَضًا فِي الْغَالِبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ لَفْظَةَ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَوْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَلَزِمَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ بِقِشْرِ الْبِيضِ وَالْخَزَفِ الْمُكَسَّرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ قَالُوا أَنَّ مَعْنَاهُ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الصِّفَةِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ شَيْءٌ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْمِقْدَارِ وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يُكَلِّفُهُ أَوَّلًا الْأَكْثَرَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ أَرْخَصَ عَنْهُ فِي الْأَقَلِّ وَمُحَالٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْقَلِيلَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَلَّفَهُ الْكَثِيرَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْتَمِسْ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ قِيمَةِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لَهُ مَا أَجِدُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَعْنِي إِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّيْءَ الَّذِي كُلِّفَ الْتِمَاسَهُ فَلَوْ كُلِّفَ الْتِمَاسَ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَنَفَاهُ لَمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْتَمِسْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى أَنْ يَجِدَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فَلَمَّا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَلْتَمِسَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَى بِالشَّيْءِ فِي قَوْلِهِ الْتَمِسْ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَهَذَا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَطْلُوبِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَمُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ فِي الْحِينِ تَقْتَضِي أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ تَعْجِيلَهُ أَوْ تَعْجِيلَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا مِنْهُ وَلَوْ شُرِعَ تَأْخِيرُ جَمِيعِهِ لَسَأَلَهُ هَلْ يَرْجُو أَنْ يَتَكَسَّبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ الْخَاتَمِ مِنْ الْحَدِيدِ بَلْ الْغَالِبُ تَجْوِيزُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَكَانَ يَقُولُ لَهُ زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا هَذَا فِي ذِمَّتِك وَيَضْرِبُ لِذَلِكَ أَجَلًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَكَسُّبُهُ لِهَذَا وَلَمَّا نَقَلَهُ عَنْ وُجُودِ الْمَهْرِ إِلَى الْمَنَافِعِ دُونَ وَاسِطَةٍ ثَبَتَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْمَهْرِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ؟ فَقَالَ نَعَمْ.
وَذَكَرَ لَهُ مَا حَفِظَ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَدِمَ الْأَعْيَانَ عَدَلَ إِلَى سُؤَالِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ لِيُصْدِقَ ذَلِكَ امْرَأَتَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَطْ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَحْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِقْدَارًا مَا مِنْهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَاقَهَا وَهَذَا إبَاحَةُ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ مُضَرَ الْأَنْدَلُسِيُّ وَاحْتَجَّ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْبُضْعِ وَقَدْ رَوَى زَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ رَوَى عَقِيلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِزَارَ وَالْخَاتَمَ وَقَالَ مَا تَحْفَظُ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعْنَاهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَأَنَّ هَذَا خَاصٌّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ سَأَلْت يَحْيَى بْنَ يَحْيَى عَنْ مَنْ نَكَحَ بِقُرْآنٍ يُقْرِءُوهُ لَمْ يَنْقُدْ غَيْرَهُ فَقَالَ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ جَعْلِ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا مَعَ الْعَدَمِ فَلَا وَلَعَلَّهُ قَدْ جَعَلَ هَذَا الْمُعَجَّلَ مِنْ مَهْرِهَا لِئَلَّا يَكُونَ الْبِنَاءُ قَبْلَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَأَبْقَى بَاقِي الْمَهْرَ فِي ذِمَّتِهِ وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فَمَنْ نَكَحَ بِعَمَلِ سَنَةٍ أَكْرَهُهُ إِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَإِنْ نَزَلَ مَضَى فِي الْوَجْهَيْنِ وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ الَّسلَام وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ جَعْلَ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ مَهْرًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا دُونَ مَنَافِعِ الْحُرِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ تَعالَى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَسْخٌ وَقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ رَحَمِهُ اللَّهُبِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَرْكِ الِاسْتِئْمَارِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ مُبَاحَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْبِضْعِ كَمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ النِّكَاحُ جَعْلًا وَلَا كِرَاءً وَلِمَنْ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرُ مِثْلِهِ قَالَ مَالِكٌ وَمَا ذَكَرَ مِنْ نِكَاحِ مُوسَى عَلَيْهِ الَّسلَام فَالْأَحْكَامُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَهْرًا خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْجَعْلُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ عَقْدَ الْجَعْلِ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَقْدَ النِّكَاحِ لَازِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


حديث هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ فَقَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا قَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏هَلْ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَقَالَ نَعَمْ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها...

عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: «أيما رجل تزوج امرأة، وبها جنون أو جذام أو برص فمسها، فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها»

ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها

عن نافع، أن ابنة عبيد الله بن عمر، وأمها بنت زيد بن الخطاب، كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات، ولم يدخل بها، ولم يسم لها صداقا، فابتغت أمها صداقها، ف...

إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق

عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب: «قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق»

إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب...

عن ابن شهاب، أن زيد بن ثابت كان يقول: «إذا دخل الرجل بامرأته، فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق»

ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن...

عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده، قال لها: «ليس...

للبكر سبع وللثيب ثلاث

عن أنس بن مالك أنه كان يقول: «للبكر سبع، وللثيب ثلاث» قال مالك: وذلك الأمر عندنا

لا تحل لك حتى تذوق العسيلة

عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير، أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فا...

قالت عائشة لا حتى يذوق عسيلتها

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة، فتزوجها بعده رجل آخر فطلقها قبل أن يمسها، هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها؟ ف...

لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها»