1185- عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها: «اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر»
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ : إنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا أَصْدَقَهَا , وَأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَأَمَّا الْخُلْعُ بِكُلِّ مَا أَصْدَقَهَا أَوْ أَقَلَّ فَجَائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ , وَأَمَّا الْخُلْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّتْهُ وَوَصَفَتْهُ وَأَحْضَرَتْهُ حَتَّى كَانَ مَعْرُوفًا غَيْرَ مَجْهُولٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ وَقَعَ لَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنْ تَنْخَلِعَ لَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ أَوْ لَا يُوجَدَ لَهَا شَيْءٌ , فَإِنْ وُجِدَ لَهَا شَيْءٌ لَهُ مِقْدَارٌ , فَإِنَّ الْخُلْعَ نَافِذٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ الْجَمَلِ الشَّارِدِ , وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَفِي الْمُدَوَّنَةِ , وَالْمَبْسُوطِ يَجُوزُ بِمَا يُثْمِرُ نَخْلُهُ الْعَامَ وَبِمَا تَلِدُ غَنَمُهُ الْعَامَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعالَى فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ , وَهَذَا عَامٌّ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْهِبَةِ , وَالْوَصِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ كَالْمَعْلُومِ.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْغَرَرِ , فَإِنَّهُ إِنْ سَلِمَ وَقَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ , وَإِنْ تَلِفَ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ , وَالطَّلَاقُ نَافِذٌ عَلَى حُكْمِهِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ الْغَرَرِ , فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَالْهِبَةِ , وَالْوَصِيَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى نَفَقَةٍ وَلَهَا مُدَّةُ الْحَوْلَيْنِ وَرَضَاعُهُ فِيهِمَا جَازَ ذَلِكَ , فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الِابْنِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الِابْنِ وَإِرْضَاعِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ عَنْ الزَّوْجَةِ , وَإِنْ شَرَطَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَالِكٌ بِمَا بَطَلَ مِنْ شَرْطِهِ شَيْئًا , وَأَجَازَ ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ مِنْ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ , أَوْ إِلَى انْقِضَاءِ أَمَدِ الْحَضَانَةِ الْمَخْزُومِيِّ وَاخْتَارَهُ سَحْنُونٌ وَوَجَّهَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْمُتَخَالِعَيْنِ أَدْخَلَا الْغَرَرَ فِيمَا أَوْقَعَا بِهِ الْخُلْعَ مِنْ النَّفَقَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ , وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ فَالْغَرَرُ دَخَلَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكٌ الْخُلْعَ بِنَفَقَةِ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ لِأَجْلِ الْغَرَرِ , وَإِنَّمَا مَنَعَهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى غَيْرِهِ , وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْحَوْلَيْنِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةَ وَهِيَ الرَّضَاعُ قَدْ تَجِبُ عَلَى الْأُمِّ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ إِذَا أَعْسَرَ الْأَبُ فَجَازَ أَنْ تُنْقَلَ هَذِهِ النَّفَقَةُ إِلَى الْأُمِّ ; لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ مَالِكًا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَهَذِهِ إشَارَةٌ إِلَى مَا قَدَّمْنَاهُ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ تَجُوزُ إزَالَتُهُ بِالْغَرَرِ فَجَازَ إزَالَتُهُ بِنَفَقَةِ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ أَصْلُ ذَلِكَ الْعِتْقُ.
( فَرْعٌ ) , فَإِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ بِنَفَقَةِ الِابْنِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَهَلْ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِبَقِيَّةِ النَّفَقَةِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَتْبَعُهَا بِشَيْءٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْفَرْجِ يَتْبَعُهَا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ مَا لَا يَتَمَوَّلَهُ , وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ تَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْوَلَدِ , فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّبِيِّ بِبَيِّنَةٍ فَمَاتَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِتَطَوُّعِهِ تَحَمُّلَ مُؤْنَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا إِنْ مَاتَتْ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي مَالِهَا ; لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ فِيهِ قَبْلَ مَوْتِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا , وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِالْخُلْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا بِمَالٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهَا.
.
( فَصْلٌ ) , وَإِنْ أَعَسَرَتْ بِالنَّفَقَةِ أَنْفَقَ الْأَبُ وَهَلْ يَتْبَعُهَا بِمِثْلِ النَّفَقَةِ رَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُتْبِعُهَا بِهِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتْبَعُهَا وَقَالَ أَيْضًا لَا يَتْبَعُهَا.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلِابْنِ عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ عَاوَضَ بِهِ الْأَبُ الْأُمَّ فَأَثْبَتَهُ فِي ذِمَّتِهَا عِوَضًا مِنْ طَلَاقِهَا , فَإِذَا أَعَسَرَتْ بِهِ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يُتْبِعَ بِهِ الْأَبَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقًّا عَلَيْهِ وَيَنْقُلَهُ إِلَى عَدِيمٍ فَيَرْجِعُ الِابْنُ بِهِ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْأَبُ عَلَى الْأُمِّ دَيْنًا يَتْبَعُهَا بِهِ ; لِأَنَّهُ عِوَضُ طَلَاقِهَا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الْأُمِّ , وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِيُسْرِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِينَ الْوُجُوبِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنَّهَا إِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَعَلَيْهَا نَفَقَتُهُ فِي الْحَوْلَيْنِ , فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَهُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ وَبِصَدَاقِهَا عَلَيْهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَا نَفَقَةُ حَمْلٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ , وَوَجْهُ قَوْلِهَا : إنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ أَنَّهَا لَمْ تَشْتَرِطْ بَقَاءً فَكَانَ الظَّاهِرُ إسْقَاطَهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِتَرْكِ مَا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى زَادَتْ نَفَقَةُ الْحَمْلِ وَلَمْ تَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَنَّهَا قَدْ أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْوَلَدِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَبِأَنْ تُسْقِطَ مَا وَجَبَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْلَى كَمَا قُلْنَا فِي الصَّدَاقِ : إنَّهَا إِذَا أَسْقَطَتْ نَفَقَةَ الْحَوْلَيْنِ اقْتَضَى ذَلِكَ إسْقَاطَ الصَّدَاقِ , وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ : إنَّهَا أَسْقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَةً مُقَدَّرَةً فَلَا يَتَعَدَّى الْإِسْقَاطُ إِلَى غَيْرِهَا وَإِلَى مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَلَا وَجَبَ بِسَبَبِهَا ; لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ فِي غَيْرِ مُدَّةِ الْحَوْلَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْحَوْلَيْنِ وَاجِبَةٌ بِغَيْرِ سَبَبِهَا وَلَا يُشْبِهُ هَذَا مَا أَسْقَطَ مِنْ الصَّدَاقِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ تَقَرَّرَ وَوَجَبَ وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ فَلَا تَسْقُطُ إِلَّا بِالنَّصِّ عَلَيْهَا.
.
( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا إِنْ خَالَعَهَا عَلَى جَمِيعِ مَا تَمْلِكُ وَلَمْ يُوجَدْ لَهَا شَيْءٌ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إِذَا خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ , أَوْ وُجِدَ فِيهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالْحَجَرِ قَالَ أَشْهَبُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ , وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الْخُلْعُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ ; لِأَنَّهُ رِضَى بِمَا غَرَّتْهُ بِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَسَحْنُونٌ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا غَرَّتْهُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْخُلْعُ كَمَا لَوْ قَالَتْ لَهُ : أُخَالِعُكَ بِعَبْدِي هَذَا , وَهُوَ حُرٌّ , فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ خُلْعٌ , أَوْ أُخَالِعُكَ بِهَذِهِ الدَّارِ وَلَمْ تَكُنْ لَهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ : إنَّهَا تَبْقَى عَلَى الزَّوْجِيَّةِ , وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا فَأَسْلَمَتْهَا إِلَيْهِ فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : لِأَنَّ هَذَا قَدْ قَبَضَهُ , وَالْأَوَّلُ لَمْ يَقْبِضْهُ , وَإِنَّمَا خَالَعَهَا بِهِ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ : إِذَا خَالَعَهَا عَلَى عَطَائِهَا , أَوْ وَصِيَّةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهِيَ زَوْجَةٌ وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ , وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى حُرٍّ غَرَّتْهُ بِهِ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَهَا عَطَاءٌ فَسَقَطَ اسْمُهَا , أَوْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثَ وَصِيَّتُهَا , فَإِنَّهُ يَمْضِي الْخُلْعُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
( فَرْعٌ ) , فَإِذَا قُلْنَا : لَا يَلْزَمُهُ الْخُلْعُ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ : لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَقَالَ مُطَرِّفٌ : لَوْ أَخَذَتْ لَوْزَةً , أَوْ حَصَاةً وَخَالَعَتْهُ بِهَا , فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ , وَإِنْ قَلَّ فَرَضِيَ بِهِ وَعَرَفَ مَا هُوَ فَهُوَ خُلْعٌ , وَأَمَّا حَصَاةٌ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِخُلْعٍ , وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ.
وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَمَّا وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَطَلَ الطَّلَاقُ جُمْلَةً كَمَا لَوْ غَرَّتْهُ مِنْ حُرٍّ فَخَالَعَتْهُ بِهِ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ , وَوَجْهُ قَوْلِ مُطَرِّفٍ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِوَضٌ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا وَكَانَ رَجْعِيًّا.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى خَمْرٍ , أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ تَعْجِيلِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ نَفَذَ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الْعِوَضُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إِلَى أَجَلِهِ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ بَائِنًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ : هُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ عَلَى هَذَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ : عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ ; لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَانَ بَائِنًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا رَضِيَ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ , فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ قَصَدَ إِلَى إيقَاعِ الْخُلْعِ دُونَ عِوَضٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ خُلْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَشْهَبُ : يَكُونُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا , وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ عَدَمَ حُصُولِ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا خَالَعَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقٌ عَرَا عَنْ عِوَضٍ وَاسْتِيفَاءِ عَدَدٍ فَكَانَ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إِذَا تَدَاعَيَا إِلَى الصُّلْحِ وَافْتَرَقَا عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا فَهُوَ فِرَاقٌ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا لَوْ قَصَدَا إِلَى الصُّلْحِ عَلَى أَنْ أَخَذَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَ إلَيْهَا مَتَاعَهَا أَنَّهُ خُلْعٌ لَازِمٌ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ , أَوْ لَمْ يَقُلْ قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ , وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إِلَى الصُّلْحِ وَقَالَ : لِي مَتَاعِي وَلَك مَتَاعُك أَوْ لَك زِيَادَةُ كَذَا ; فَلَهُ الرَّجْعَةُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إِذَا قَضَيَا الصُّلْحَ فَقَدْ أَحْرَزَ مَا صَارَ إِلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي طَلَّقَهَا الْآنَ ; لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ الَّذِي ذُكِرَ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ , وَأَمَّا إِذَا قَصَدَ طَلَاقَهَا دُونَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا لَهَا وَيَأْخُذَ مَالَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَارَيْتُك : إنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِتُبْرِئَهُ مِمَّا كَانَتْ تَطْلُبُهُ بِهِ مُحِقَّةً أَوْ مُبْطِلَةً وَيُبْرِئَهَا هُوَ أَيْضًا , وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْخُلْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَالْمَوَّازِيَّةِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَلِك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَتْ : لَا , وَلَا لَك عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ : لَا قَالَ : فَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِئْت مِنْهَا وَبَرِئَتْ مِنِّي فَافْتَرَقَا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَامَتْ بِمَا كَانَ لَهَا قِبَلَهُ وَقَالَتْ لَمْ أُرِدْ الْمُبَارَأَةَ وَقَالَ هُوَ أَرَدْت الْمُبَارَأَةَ , فَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ : كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الْمُبَارَأَةَ فَذَلِكَ نَافِذٌ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدُوا بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ السُّؤَالِ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ لَهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ صَالَحَهَا عَلَى أَنْ أَعْطَاهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَظَنَّ أَنَّهُ وَجْهُ الصُّلْحِ فَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ هُوَ خُلْعٌ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَأْخُذْ الزَّوْجُ بِهِ عِوَضًا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ كَوْنَهُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَطَاءٌ فِي خُلْعٍ فَاقْتَضَى الْبَيْنُونَةَ وَقَطْعَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ الزَّوْجَةُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّهُ قَطَعَ بِمَا أَعْطَاهَا مُطَالَبَتَهَا قِبَلَهُ , وَذَلِكَ سَبَبُ حُكْمِ الْخُلْعِ.
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ مَوْلَاةٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
عن نافع، أن ربيع بنت معوذ بن عفراء جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر فأخبرته أنها «اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان، فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ي...
عن ابن شهاب، أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني، جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتل...
عن عبد الله بن عمر «أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتفل من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد با...
عن محمد بن إياس بن البكير، أنه قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها، ثم بدا له أن ينكحها، فجاء يستفتي، فذهبت معه أسأل له، فسأل عبد الله بن عباس و...
عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري، عن عطاء بن يسار، أنه قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها؟ قال عطاء فقلت:...
عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر بن الخطاب، قال فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل الب...
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البت...
عن الأعرج، أن عثمان بن عفان «ورث نساء ابن مكمل منه، وكان طلقهن وهو مريض»
عن مالك، أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، يقول: بلغني أن امرأة عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها، فقال: «إذا حضت ثم طهرت فآذنيني، فلم تحض حتى مرض عبد...