1211- عن نافع، أن عبد الله بن عمر طلق امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق، قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ : إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ , فَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا حَائِضٌ , وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الزَّوْجُ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ هِيَ مُصَدَّقَةٌ وَلَا تُكْشَفُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ ; وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ مُصَدَّقَةً فِيهِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ طَلَّقَ فَقَالَتْ : طَلَّقَنِي فِي الْحَيْضِ فَقَالَ بَلْ طَلَّقْتُك , وَأَنْتِ طَاهِرٌ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَقُولَهُ بَعْدَمَا طَهُرَتْ , وَأَمَّا إِذَا قَالَتْهُ قَبْلَ أَنْ تُقِرَّ بِالطُّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ.
.
( فَصْلٌ ) سُؤَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ عَنْ طَلَاقِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا لِمَا ظَهَرَ إِلَيْهِ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ أَوْ لِمَا سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْعِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حُكْمَ مَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَوَقَعَ مِنْهُ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَةً فِي دَمِ حَيْضٍ وَلَا دَمِ نِفَاسٍ لِمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ , وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ , وَأَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي يَكُونُ بِغَلَبَةٍ مِنْ السُّلْطَانِ فِيمَنْ بِهِ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ عُنَّةٌ أَوْ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فِي دَمٍ وَلَا حَيْضٍ وَلَا نِفَاسٍ , وَالْأَمَةُ تُعْتَقُ فِي الْحَيْضِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ حَتَّى تَطْهُرَ , فَإِنْ فَعَلَتْ مَضَى , وَأَمَّا الْمَوْلَى فَرَوَى أَشْهَبُ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ حَالَ الْحَيْضِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَطْلُقُ عَلَيْهِ ; وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ قَالَ : وَكَيْفَ أُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَأُجْبِرُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لقَوْلُهُ تَعالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَى قَوْلِهِ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ , وَالِارْتِجَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِالْحَقَّيْنِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لُزُومُ مَا يُوقِعُ مِنْ الطَّلَاقِ حِينَ الْحَيْضِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
( مَسْأَلَةٌ ) , إِذَا رَأَتْ الْحَائِضُ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ فَلَا يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ هِيَ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَوَطْءِ الْحَائِضِ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الطَّلَاقُ أَصْلَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ حَائِضًا فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَامِلُ وَلَدًا وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا آخَرُ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ : إِنْ قُلْنَا تَطْلُقُ الْحَامِلُ حَالَ الْحَيْضِ لَمْ يُجْبَرْ هَذَا عَلَى الرَّجْعَةِ , وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تُمَيِّزُ فَتَطْلُقُ حَالَ الْحَيْضِ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَيَجْرِي الْأَمْرُ فِي هَذِهِ عَلَى تِلْكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) , إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَنْ الْمَرْأَةِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ عَاوَدَهَا بِالْقُرْبِ أُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَى الرَّجْعَةِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ إذْ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُطَلِّقٌ فِي وَقْتٍ يُضَافُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الدَّمِ إِلَى مَا قَبْلَهُ فَتَعُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضَةً وَاحِدَةً كَاَلَّذِي طَلَّقَ حَالَ الْحَيْضِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ : وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ إيقَاعُهُ فِيهِ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ وَوَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَوْقَعَهُ حَالَ طُهْرٍ كَامِلٍ , وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ لِبَعْضِ الصَّقَلِّيِّينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ الصَّغِيرَةَ , وَالْيَائِسَةَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَلَا يُوصَفُ طَلَاقُهُمَا بِأَنَّهُ لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ ; لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدَةٌ لَيْسَتْ لَهُمَا حَالَانِ فَيَخْتَصُّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِإِحَدِهِمَا , وَإِنَّمَا جَمِيعُ تِلْكَ الْحَالِ وَقْتٌ لِلْعِدَّةِ فَكَانَتْ وَقْتًا لِلطَّلَاقِ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَفِي طَلَاقِهَا حَالَ الْحَيْضِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا مَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ أَشْهَبُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَلْحَقُ بِهِ ضَرَرُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ كَطَلَاقِ الطَّاهِرِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ طَلَاقُ حَائِضٍ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْمَنْعُ كَطَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا , وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ : مَنْعُ أَشْهَبَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ فَإِذَا قُلْنَا : إِنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ طَلَاقَهَا يَتَنَوَّعُ إِلَى السُّنَّةِ , وَالْبِدْعَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فَلَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْحَامِلِ : إنَّهُ يَتَخَرَّجُ طَلَاقُهَا حَالَ حَيْضِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوَجَدْت لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَلِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ , وَتَوْجِيهُ الْقَوْلِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : مُسْتَحَاضَةٌ لَا تُمَيِّزُ وَمُسْتَحَاضَةٌ تُمَيِّزُ فَأَمَّا الَّتِي لَا تُمَيِّزُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّغِيرَةِ , وَالْيَائِسَةِ قَالَ ابْن شِهَابٍ : تَطْلُقُ الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا طَهُرَتْ لِلصَّلَاةِ قَالَ فَجَعَلَ ذَلِكَ طُهْرَهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ : وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ الَّتِي تُمَيِّزُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُسْتَحَاضَةَ الَّتِي تُمَيِّزُ وَاَلَّتِي لَا تُمَيِّزُ فَيَكُونُ طُهْرُ الَّتِي تُمَيِّزُ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْحَيْضِ وَيَكُونُ طُهْرُ الَّتِي لَا تُمَيِّزُ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابنَا : إِنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ فِيهِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ ; لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْحَيْضِ الَّذِي يَمْنَعُهُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ظَاهِرُ هَذَا الْأَمْرِ وُجُوبُهُ عَلَى عُمَرَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَهُ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِالِارْتِجَاعِ وَيَقْتَضِي أَمْرَ عُمَرَ لِابْنِهِ عَنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلُزُومِهِ لَهُ.
وَإِنْ كَانَ أَمْرُ عُمَرَ بِذَلِكَ بِمَعْنَى التَّقَدُّمِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ , وَذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا أَنْ يُرَاجِعَهَا إِذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ بِخُلْعٍ أَوْ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الطَّلَاقِ أَوْ طُلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ جُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ إعْسَارٍ بِنَفَقَةٍ فَأَمَّا العنين فَلَا رَجْعَةَ لَهُ بِوَجْهٍ ; لِأَنَّهُ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ , وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِزَوَالِ مُوجِبِ الطَّلَاقِ مِثْلُ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ أَوْ يُوسِرَ الْمُعْسِرُ أَوْ يَخِفَّ الْجُذَامُ إِلَى حَالٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرَّجْعَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ : وَمَنْ طَلَّقَ مِنْهُمْ حَائِضًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا يُؤْمَرُ بِهَا وَلَا يُجْبَرُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مُضَارٌّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ.
( فَرْعٌ ) , فَإِنْ أُمِرَ بِالرَّجْعَةِ فَامْتَنَعَ مِنْهَا فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يُهَدَّدُ سَوَاءً ابْتَدَأَ الطَّلَاقَ أَوْ حَنِثَ , فَإِنْ أَبَى يَسْجُنُهُ الْحَاكِمُ , فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالسَّوْطِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ , فَإِنْ تَمَادَى أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ الرَّجْعَةَ وَكَانَتْ الرَّجْعَةُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ وَبَقَاءَهُ عَلَى حُكْمِ الطَّلَاقِ مَعْصِيَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْهَا , وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَإِلَّا لَزِمَ مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) , فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فُعِلَ بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ تِلْكَ الْعِدَّةِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضِ ثُمَّ تَطْهُرُ فَلَا تُجْبَرُ ; وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مِنْ الْعِدَّةِ فَأُجْبِرَ الْمُطَلِّقُ عَلَى ارْتِجَاعِهَا أَصْلُ ذَلِكَ الطُّهْرُ الْأَوَّلُ وَزَمَنُ الْحَيْضِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيْنَا ; لِأَنَّهَا رَجْعَةٌ وَجَبَتْ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَجَعَ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْآنَ فَلَا يُجْبَرُ الْآنَ عَلَى الرَّجْعَةِ لِانْقِضَاءِ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الطَّلَاقِ فِيهِ وَفِي هَذَا الطُّهْرِ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ أَنْ يَرْتَجِعَ فَلَا مَعْنَى لِجَبْرِهِ فِيهِ عَلَى الِارْتِجَاعِ.
( فَرْعٌ ) , فَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ وَلَمْ يَنْوِهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا فَوْقَ الْإِزَارِ مِنْهَا حَالَ حَيْضِهَا , لَوْ نَوَى الرَّجْعَةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْت لِلشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ هِيَ رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ وَلَهُ الْوَطْءُ كَالْمُتَزَوِّجِ هَازِلًا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ وَلَهُ الْوَطْءُ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْحَيْضِ الْأَوَّلِ عَلَى الِارْتِجَاعِ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الْأَوَّلِ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ بِمَا زَادَ مِنْ الطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ مَا بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَإِنْ أُجْبِرَ عَلَى الِارْتِجَاعِ فَارْتَجَعَ فَلَمَّا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَانِيَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : بِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ وَجْهُ كَرَاهِيَةِ طَلَاقِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَ ثُمَّ يُمْسِكَ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ.
وَهَذَا عَامٌّ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ , وَإِنَّمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الِارْتِجَاعِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الطَّلَاقِ تَطْوِيلٌ لِلْعِدَّةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ , وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ قَالَ شُيُوخُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي الطُّهْرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ إِنْ شَاءَ ; لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْمُبْتَدَأِ , وَالرَّجْعَةِ الْوَطْءُ فَلِذَلِكَ شُرِعَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي طُهْرٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ الْوَطْءُ إِنْ شَاءَ لِئَلَّا يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ لِغَيْرِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَيَكُونُ عَلَى مَعْنَى الْإِضْرَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَقَالَ تَعَالَى وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا فَشَرَطَ إرَادَةَ الْإِصْلَاحِ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سُنَّةِ النِّكَاحِ وَمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِهِ , وَلَفْظُ الرَّجْعَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُمْسِكْهَا هَكَذَا رَوَى الْحَدِيثَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَهُوَ أَثْبُتُ النَّاسِ فِيهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ وَابْنُ شِهَابٍ أَثْبُتُ مَنْ يُرْوَى عَنْهُ وَتَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَرَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالُوا فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَوْ حَامِلًا , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ لَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذَا , وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ سَالِمٌ وَعَلْقَمَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ رَوَوْا الزِّيَادَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَالنَّظَرُ يُعَضِّدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يُرَاجِعُهَا , وَإِذَا طَهُرَتْ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَثَرِ , وَالنَّظَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا , وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُوقِعُ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ لِمَا فِي الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ قَدْ مَسَّ فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ فِي الْعِدَّةِ ; لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي أَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْحَمْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَلَا يُعْقِبْ حَيْضًا طَلَّقَ فِيهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَاَلَّذِي طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ إِذَا ارْتَجَعَ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَ فِي طُهْرٍ مَسَّ فِيهِ أَوْ يَكُونَ ارْتِجَاعُهُ بِمُضِيِّ نِكَاحٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ , وَذَلِكَ مَحْظُورٌ فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنْ الطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ طُهْرٍ لِيَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْحَيْضِ رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِمَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَهُمْ هُشَامُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ عُلَيَّةَ وَدَاوُدُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعالَى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ إِلَى قَوْلُهُ تَعالَى فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قَالَ : وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي حَالِ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ تَعَالَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ إيقَاعَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَخُصَّ حَالًا دُونَ حَالٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ إِنْ وَقَعَ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ الطَّلَاقِ لَزِمَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ أَيْضًا عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ : طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا , فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ : وَالطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا فَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : فَفِي الْحَدِيثِ أَدِلَّةٌ : أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا قَالَ : وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي النِّكَاحِ إِلَّا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ , وَوَجْهٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ : فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَاَلَّذِي كَانَ يُحْتَسَبُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إنَّمَا كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ شُووِرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَفْتَى فِيهَا بِمَا امْتَثَلَ فَمُحَالٌ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ طَلْقَةً مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ , وَالسِّرَايَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَالِ الطُّهْرِ , وَالْحَيْضِ كَالْعِتْقِ.
وَاسْتِدْلَالٌ فِي الْمَسْأَلَةِ , وَهُوَ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَإِلْزَامَهُ تَغْلِيظٌ وَمَنْعَهُ تَخْفِيفٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ , وَالصَّبِيَّ , وَالنَّائِمَ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ عُصَاةٍ وَيَلْزَمُ السَّكْرَانَ ; لِأَنَّهُ عَاصٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبِأَنْ يَلْزَمَ مَنْ أَوْقَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ
عن عائشة أم المؤمنين أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن...
عن سليمان بن يسار أن الأحوص هلك بالشام، حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة، وقد كان طلقها، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى زيد بن ثابت، يسأله عن ذ...
عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: «إذا طلق الرجل امرأته، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه، وبرئ منها» قال مالك: «وهو الأمر عندنا»
عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري، أن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، كانا يقولان: «إذا طلقت المرأة فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد بانت م...
عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول: «عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت»
عن يحيى بن سعيد، عن رجل من الأنصار أن امرأته سألته الطلاق، فقال لها: «إذا حضت فآذنيني»، فلما حاضت آذنته، فقال: «إذا طهرت فآذنيني»، فلما طهرت آذنته فطل...
عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت...
عن نافع، أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، «فطلقها البتة فانتقلت»، فأنكر ذلك عليها عبد الله بن عمر
عن نافع، أن عبد الله بن عمر «طلق امرأة له في مسكن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان طريقه إلى المسجد، فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت، ك...