حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب البيوع باب ما جاء في بيع العرية (حديث رقم: 1303 )


1303- عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرخص لصاحب العرية، أن يبيعها بخرصها»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا مُطْلَقُ الرُّخْصَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ الْمَحْظُورَةِ بِالْإِبَاحَةِ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَجَعَلُوا لَهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهِ حُكْمًا مُفْرَدًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ لَا يُعَدُّونَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ وَاقِعَةً قُصِرَ الْحُكْمُ عَلَى مَوْضِعِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً عَدَّاهُ وَأُثْبِتَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمَعْنَى إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهَا اسْمَ الرُّخْصَةِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْعَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ.
وَرَوَى عَنْهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَرْصِ فِي الْعَرِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ قَالَ سَالِمٌ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ فَخَصَّ الْعَرِيَّةَ بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ سَائِرِ الْمَبِيعِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَعْنَى الْمُبِيحِ لِذَلِكَ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهَا الْعَرِيَّةَ وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَفِيهِ مَعْنًى مِنْ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إِذَا خُرِصَتْ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ; لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْحَوَائِطِ الِانْفِرَادُ بِعِيَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ فِي حَوَائِطِهِمْ وَجَمْعُ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا وَأَكْلُ ثَمَرِهَا رُطَبِهِ وَيَابِسِهِ فَإِذَا أَعَارَ نَخْلَةً مِنْ حَائِطِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ بِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ; لِأَنَّ لِلْمُعْرِي أَنْ يُقِيمَ مَعَ عَرِيَّتِهِ أَوْ يَمْتَنِعَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْرِي وَعَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ لِانْبِسَاطِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَالْأَكْلِ مِمَّا يَسْقُطُ إِلَّا بَعْدَ التَّحَفُّظِ مِنْ الْعَرِيَّةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى الْمَشَقَّةِ إِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِعْدَادِ فِي عَامٍ آخَرَ.
وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْرِيَ إِذَا أَعْرَى نَخْلَةً إِنْ احْتَاجَ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَجَمْعِ سَوَاقِطِهَا وَحِفْظِهَا وَسَقْيِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بَعْدُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَكُونُ فِيهِ , وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنْ ثَمَرَةِ الْغَيْرِ وَيَحْتَاجُ الْمُعْرِي إِلَى مَنْ يَكْفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي عَرِيَّتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُخْرَصَ عَلَى الْمُعْرَى وَيَكُونَ عَلَيْهِ خَرْصُهَا تَمْرًا يُؤَدِّيهِ إِلَى الْمُعْرِي عِنْدَ الْجُذَاذِ كَمَا يُخْرَصُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَائِطِهِ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وَيَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُ فِي الْحَائِطِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُهُمْ بِمُشَارَكَةِ الْمُعْرَى وَيَلْحَقُ أَهْلَ الزَّكَاةِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَائِطِ وَالْحِفْظِ لَهُ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَقَدْ قَرَّرَ الشَّرْعُ فِيهِ خَرْصَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَالِ لِيُؤَدُّوهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَأَمَّا عِلَّةُ الِاسْتِضْرَارِ بِالدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْإِرْفَاقُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ الْمَحْظُورِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا لِمَنْ أَرَادَ إرْفَاقَ صَدِيقٍ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ نَاقِصَةً بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَازِنَةٍ عَدَدًا وَمَنَعَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ تَكُونَ لِذَلِكَ عِلَّةٌ عِنْدَ اسْتِضْرَارِ الْمُعْرِي بِدُخُولِ الْمُعْرَى فَأُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَيَتَحَرَّرُ عِنْدِي مِنْ هَذَا قِيَاسٌ أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدَّ فِي الشَّرْعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَجَازَ أَنْ تُخْرَصَ ثَمَرَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مَنْ تَخَرَّصَ عَلَيْهِ خَرْصَهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجُذَاذِ , أَصْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ ).
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا خَصَّ بِذَلِكَ صَاحِبَ الْعَرِيَّةِ وَسَمَّاهُ بَيْعًا لَمَّا كَانَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُخْرَصُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ إِنْ شَاءَ مِثْلَ خَرْصِهَا بَدَلًا مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ مَعْنًى مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ لُزُومُ الْمُعَاوَضَةِ لِلْمُعْرِي وَلُزُومُ كَثِيرٍ مِنْ مَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُعَاوَضِ مِنْ حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَجَذِّهَا وَالْتِزَامِهَا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا بَعْدَهَا وَهَذَا إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى صِفَتِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ , وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَمْ تَرِدْ فِي الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُرْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِ الْبَيْعِ وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُعْرِيَ مُعَيَّنٌ مَالِكٌ لِأَمْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعَرِيَّةِ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَكَذَلِكَ الْمُعْرَى لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُهَا إِلَّا بِالزَّكَاةِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلزَّكَاةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ خَرْصِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِمُقَاسَمَةِ الثَّمَرَةِ حِينَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا وَالنَّظَرِ فِيهِ وَكَانَ حُكْمُ خَرْصِهَا وَتَسْلِيمِهَا إِلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ لَازِمٌ أَوْجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بَيْعًا لَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ.
وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ ) ‏ ‏فَأَمَّا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عِنْدَنَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطِهِ لِرَجُلٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ , وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَرَةَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْرَى مَا يَلْزَمُهَا إِلَى وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ وَقْتٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِطْلَاقُ الْهِبَةِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي هَذَا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ فَفَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَنْ مَالِكٍ إِنَّ زَكَاةَ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرِي وَزَكَاةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَالسَّقْيِ وَقَالَ أَشْهَبُ : زَكَاةُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرَى كَالْهِبَةِ إِلَّا أَنْ يُعْرِيَهُ إِلَى الزَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ السَّقْيَ عَلَى الْمُعْرَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ وِفَاقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ سَقْيًا يَلْزَمُ الْمُعْرَى لِأَجْلِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى سَقْيِهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ السَّقْيُ وَالزَّكَاةُ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُعْرَى وَالْوَاهِبِ وَقَالَ سَحْنُونٌ اُنْظُرْ إِلَى الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتَا بِيَدِ الْمُعْرِي أَوْ الْوَاهِبِ يَسْقِي ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُعْرَى أَوْ الْمَوْهُوبِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَهَذَا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ , وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَرِيَّةُ مِنْ النَّخْلِ الَّتِي تُعَرَّى عَنْ الْمُسَاوَمَةِ عِنْدَ بَيْعِ النَّخْلِ وَالْفِعْلُ : الْإِعْرَاءُ , وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَرَةَ عَامِهَا لِمُحْتَاجٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّخْلَةِ تُعَرَّى مِنْ ثَمَرَتِهَا بِالْهِبَةِ لِثَمَرَتِهَا فَسُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِذَلِكَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ النَّخْلِ إِلَّا لِمَا تُعْطَى ثَمَرَتُهُ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ عَلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ إِنَّ الْعَرَايَا وَاحِدَتُهَا عَرِيَّةٌ وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَتَهَا عَامَهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَرَوْت الرَّجُلَ أَعْرَوْهُ إِذَا أَتَيْته تَلْتَمِسُ بِرَّهُ وَمَعْرُوفَهُ مِنْ قَوْلُهُ تَعالَى وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعَتَّرَ وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَخَلِّي الْإِنْسَانِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ قَوْلُهُ تَعالَى فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ يَعْنِي الْمَوْضِعَ الْخَالِيَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْإِعْرَاءُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الثَّمَرَةِ كَانَتْ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ أَوْ مِمَّا لَا يَيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ وَفِي الْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْإِزْهَاءِ وَبَعْدَهُ لِعَامٍ أَوْ أَعْوَامٍ فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ وَبَعْضِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا تُبْطِلُهُ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَبِمَاذَا تَكُونُ حِيَازَتُهُ وَتَصِحُّ لِلْمُعْرَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ تَكُونُ بِاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَطْلُعَ فِيهَا ثَمَرَةٌ وَالثَّانِي أَنْ يَقْبِضَهَا فَإِنْ عُدِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْرِي فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِلْمُعْرَى وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ : إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِوُجُودِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ : الْإِبَارِ أَوْ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ , فَإِنَّهُ يَكُونُ حَوْزًا وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ الثَّمَرَةُ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ظُهُورَ الْهِبَةِ هُوَ طُلُوعُ الثَّمَرَةِ فِيهَا فَإِنْ جَازَ حِينَئِذٍ صَحَّتْ حِيَازَتُهُ لَهَا ; لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي أَعْطَاهَا قَدْ ظَهَرَتْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فَذَلِكَ مِثْلُ الْحَمْلِ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ إِلَّا بِالْوَضْعِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْإِبَارِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَالثَّمَرَةُ فِيهِ كَامِنَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْحَمْلَ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهَا فَإِذَا أُبِّرَتْ وَظَهَرَتْ كَانَ دُخُولُهُ وَخُرُوجُهُ إلَيْهَا حِيَازَةً لَهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ وَانْفِرَادُهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيَازَةً حَتَّى يَيْبَسَ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ كَانَ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ حِيَازَةً لِمَا وَهَبَ لَهُ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهَا كَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ فِي ثَمَرِ شَجَرٍ مُعَيَّنٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُعْرِيَهُ مِقْدَارًا مِنْ التَّمْرِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ , مِثْلُ أَنْ يُعْرِيَهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرِ حَائِطِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْمُعْرَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ هِبَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَهُ إِلَّا أَنْ يَبْتَاعَهَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ أَنَّ لِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعَ هِبَتِهِ وَأَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ , وَأَمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَأَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالتَّمْرِ أَوْ بِالرُّطَبِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ : الْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ إنَّمَا أَرْخَصَ فِي الْعَطِيَّةِ وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَهَبُ ثَمَرَ نَخْلِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَرْجِعُ فِيهِ وَيُعْطِيهِ عِوَضَهُ تَمْرًا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي ذَلِكَ قَالُوا وَالْعَرِيَّةُ هِيَ الْعَطِيَّةُ مِنْ أَعَارَ الشَّيْءَ وَهُوَ تَمْلِيكُ مَنَافِعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْعَرِيَّةَ إنَّمَا هِيَ النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبُ ثَمَرَتُهَا وَعَلَى ذَلِكَ فَسَّرَهَا جَمَاعَةُ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةً وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِالْجُودِ وَيَقُولُ إِنَّ نَخْلَهُ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ أَيْ لَا يُعَامَلُ عَلَيْهَا سِنِينَ وَهِيَ الْمُسَانَهَةُ وَقَوْلُهُ وَلَا رَجَبِيَّةَ يُرِيدُ لَيْسَتْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَالتَّرْجِيبُ الْبِنَاءُ بِالْحِجَارَةِ حَوْلَ أَصْلِهَا ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يُرِيدُ إِذَا نَزَلَتْ الْجَوَائِحُ بِالنَّاسِ وَاشْتَدَّ الزَّمَانُ وَقَلَّتْ الثِّمَارُ وَهَبَهَا حِينَئِذٍ وَجَعَلَ ثَمَرَتَهَا طُعْمَةً , وَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعَارَةِ بِسَبِيلٍ ; لِأَنَّ الْإِعَارَةَ يُقَالُ مِنْهُ أَعَارَهُ يُعِيرُهُ إعَارَةً وَهِيَ الْعَارِيَةُ وَالْإِعْرَاءُ يُقَالُ مِنْهُ أَعْرَاهُ يُعْرِيهِ إعْرَاءً وَهِيَ الْعَرِيَّةُ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ مِنْ الْإِعْطَاءِ لَمَا جَازَ أَنْ يَنْهَى عَنْ بَيْعِهِ ; لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ لَا يُبَاعُ وَإِنَّمَا يُبَاعُ الْمُعْطَى فَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُنْهَى عَنْ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ مَا وَيُبَاحُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ.
وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى بَعْضَ الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا سَمَّاهُ بَيْعًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا فَالْجَوَابُ إنَّمَا سَمَّاهُ هُنَاكَ بَيْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْت فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرَّدُ الْهِبَةِ فَلَمْ يُسَمَّ بَيْعًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّعَامَ يَفْسُدُ بَيْعُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَالثَّانِي الْجَهْلُ بِتَمَاثُلِ الْجِنْسِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ قَدْ أُرْخِصَ فِي بَيْعِهِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ فِي الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَكَذَلِكَ الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَجُوزُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ أَنْ لَا يَبِيعَ الْعَرِيَّةَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ يَجُوزُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : أَحَدُهَا أَنْ تُزْهِيَ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَدْنَى وَالثَّالِثُ أَنْ يُعْطِيَهُ التَّمْرَ عِنْدَ الْجِدَادِ وَالرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِنْفِهَا فَأَمَّا مَا اشْتِرَاطُهُ الْإِزْهَاءُ فَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا , وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَكُونَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَدْنَى فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَهَا عِنْدَ الْجِدَادِ فَهُوَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْجِيلُ الْعِوَضِ تَمْرًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ الْخَرْصَ تَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَتَقَابَضَا وَوَجْهُ الْخَرْصِ عِنْدَنَا أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا فِي النَّخْلِ الْمُعْرَاةِ مِنْ الثَّمَرَةِ فَيُقَدِّرَ ثُمَّ يَنْظُرَ إِلَى مَا يُخْرِجُ مِثْلِ تِلْكَ الْمَكِيلَةِ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْرِ فِي جَوْدَتِهِ أَوْ رَدَاءَتِهِ مِنْ التَّمْرِ الْيَابِسِ فَيَكُونُ الْمُعْرَى إِلَى الْجِذَاذِ , فَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَنَا تَأْخِيرُ التَّمْرِ إِلَى الْجِدَادِ وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّفَرُّقِ , وَالْفَصْلُ الثَّانِي أَنَّ اسْمَ الْعَرِيَّةِ وَاقِعٌ عَلَى النَّخْلَةِ الْمَوْهُوبِ ثَمَرَتُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلْبَيْعِ , وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ أَنَّ جَوَازَ بَيْعِهَا يَخْتَصُّ بِالْمُعْرِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِخَرْصِهِ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَتَأَجَّلَ بِالْخَرْصِ مِنْهُ تَمْرًا إِلَى الْجِدَادِ كَالزَّكَاةِ.
‏ ‏( فَرْعً ) فَإِذَا أَرَادَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَعْجِيلَ الْخَرْصِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ سَلِمَ مِنْ الْفَسَادِ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الطَّوْعِ كَنَقْدِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَتَعْجِيلِ السَّلَمِ بِإِثْرِ الْعَقْدِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْفَصْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى النَّخْلَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوهَا فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ وَقَالَ الشَّاعِرُ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءَ وَلَا رَجَبِيَّةَ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِحِ يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِأَنْ يَهَبَ ثَمَرَتَهَا فِي أَوْقَاتِ الْجَوَائِحِ وَلَا يَمْدَحُ نَفْسَهُ بِبَيْعِ ثَمَرَتِهَا حِينَئِذٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَكِنْ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا فَفِي هَذَا أَدِلَّةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ : أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ بِخَرْصِهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَيْبَ ; لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا خَرْصَ لَهُ وَلَا يُخْرَصُ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَنْطَلِقُ عَلَى الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَفْعَالِ فَيُقَالُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ وَصَاحِبُ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الثَّمَرَةِ وَلَا يُقَالُ صَاحِبُ الْقِيَامِ وَإِنَّمَا جَرَى عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْقَائِمُ وَوَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ قَالَ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْعَرِيَّةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ غَيْرُ الْبَيْعِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ) ‏ ‏وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ لَهُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُعْرِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَضَرَّةِ الشَّرِكَةِ بِدُخُولِ الْمُعْرِي وَخُرُوجِهِ كَمَا يَلْحَقُ الْمُعْرِيَ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَحَمَّلُ الْمُشْتَرِي الْعَمَلَ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُعْرَى كَمَا يَتَحَمَّلُهَا الْمُعْرِي وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ صَارَتْ إِلَيْهِ الْعَرِيَّةُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَحُكْمُهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا مِمَّنْ لَهُ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ حُكْمُ الْمُعْرِي لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَ هَذَا وَلَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى بُسْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فَيَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بَيْعَ الْعَرَايَا بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْعٌ يَخْتَصُّ بِالْعَرَايَا جَوَازُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُهُ فِي أَنْوَاعِ الثِّمَارِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ عَرَايَا إِذَا كَانَ الْبَيْعُ إعْرَاءً وَجَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَتَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَاسْتِثْنَاءُ الرُّخْصَةِ مِنْ الْمَنْعِ , وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عَمَّ الْمَنْعَ وَاسْتَثْنَى مِنْ تِلْكَ الرُّخْصَةِ أَهْلَ الْعَرِيَّةِ وَهُمْ أَرْبَابُ النَّخْلِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِهِمْ وَبَقِيَ الْبَاقُونَ عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَلَمْ يَجُزْ إِلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَجْدُودًا وَدَلِيلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالتَّمَاثُلِ أَمْكَنُ بِالْكَيْلِ مِنْهُ بِالْخَرْصِ ; لِأَنَّ الْخَرْصَ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إِلَى الْكَيْلِ وَقَدْ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْكَيْلِ إِذَا كَانَ مَجْدُودًا فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ خَرْصًا أَوْلَى وَأَحْرَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي حَائِطِ غَيْرِهِ أَصْلُ شَجَرَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ ثَمَرَتَهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرِهِ شَيْئًا , وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ الْعَمَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِهَا كَيْلًا إِلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لِلتَّخْفِيفِ وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ أَعْرَى جَمِيعَ حَائِطِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَتَهُ بِخَرْصِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِم ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي شِرَائِهِ بَعْضَ عَرِيَّتِهِ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَوْ أَعْرَى جَمَاعَةٌ مُشْتَرِكُونَ فِي حَائِطِ رَجُلًا ثَمَرَةَ نَخْلٍ مِنْهُ فَأَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَرِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ ; لِأَنَّ ضَرُورَةَ الشَّرِكَةِ بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَا تَرْتَفِعُ بِذَلِكَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْإِرْفَاقِ وَكِفَايَةِ الْمُؤْنَةِ , وَلَوْ أَعْرَى رَجُلٌ جَمَاعَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ عَرِيَّتَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَضِرُّ بِذَلِكَ وَيَتَحَفَّظُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّهُ بِالْإِرْفَاقِ دُونَ غَيْرِهِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ ) ‏ ‏عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الثِّمَارِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالْفُسْتُقِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَاتَيْنِ الثَّمَرَتَيْنِ يَخْتَصَّانِ بِالْأَكْلِ حَالَ الْإِرْطَابِ وَقَبْلَ الْيُبْسِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخَرْصُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ فَثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ كَالثَّمَرِ , وَأَمَّا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إِذَا كَانَ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ جَازَ ذَلِكَ فِيهِ بِخَرْصِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُوضَعَ عَلَى حَالَةٍ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَيَكُونُ أَجَلُ بَيْعِهِ إِلَى أَنْ يُمْكِنَ عَمَلُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ إِلَى أَنْ يُمْكِنَ تَزْبِيبُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ زَبِيبًا إِلَّا بِالتَّزْبِيبِ بَعْدَ الْقِطَافِ , وَأَمَّا التِّينُ فَإِنَّ أَوْقَاتَهُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ شَرَعَ فِي تَيْبِيسِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ خَرْصَهُ مِنْهُ دُونَ شَرْطٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ عِنَبًا لَا يَتَزَبَّبُ أَوْ نَخْلًا لَا يَتَتَمَّرُ فَعَلَى اشْتِرَاطِ الْيُبْسِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ ابْتِيَاعُ عَرِيَّتِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا شُرِطَ أَنْ يُعْطِيَهُ تَمْرًا فَإِمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ صِنْفٍ غَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَا لَا يَيْبَسُ مِنْ الْفَوَاكِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُعْرَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ مُعْرِيهِ بِخَرْصِهِ نَقْدًا وَلَا إِلَى جِدَادِهِ وَلَوْ أُجِيزَ ذَلِكَ بَدَيَا فِي كُلِّ عَرِيَّةٍ لَمْ أَرَهُ خَطَأً وَإِنْ كُنْت أَتَّقِيهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُبَاعَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو صَلَاحُهُ بِخَرْصِهِ مِنْ جِنْسِهِ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ عِنْدَ تَكَامُلِ طِيبِهِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَضِرُّ بِدُخُولِهِ إِلَيْهِ مِنْ وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إِلَى تَكَامُلِ طِيبِهِ وَكَذَلِكَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمُعْرِي عَمَلَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنَّمَا يُبَاعُ بِالتَّمْرِ إِلَى الْجِدَادِ وَلَا يُبَاعُ بِالرُّطَبِ نَقْدًا وَلَا إِلَى أَجَلٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ بِغَيْرِ نَوْعِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ بِرْنِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْتَرَطَ صِيحَانِيًّا وَلَا عَجْوَةً وَلَا أَدْنَى وَلَا أَفْضَلَ وَلَا يُعَيِّنَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ وَلَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ عَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَائِطٍ بِعَيْنِهِ فَفِي الْمَبْسُوطِ إِنْ فَعَلَ أَرَاهُ جَائِزًا وَيَكُونُ عَلَيْهِ مَا ضَمِنَ لِلْمُعْرِي فِي ذِمَّتِهِ إِلَى الْجِدَادِ يُعْطِيهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ.
‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَرِيَّةِ ) وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


حديث أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَرْخَصَ لِصَاحِبِ ‏ ‏الْعَرِيَّةِ ‏ ‏أَنْ يَبِيعَهَا ‏ ‏بِخَرْصِهَا ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو ف...

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرخص في بيع العرايا بخرصها، فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق» يشك داود قال: خمسة أوسق

تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب الحائط

عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول: ابتاع رجل ثمر حائط، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه، وقام فيه...

كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه

عن ربيعة بن عبد الرحمن، أن القاسم بن محمد كان «يبيع ثمر حائطه ويستثني منه»

الأفرق بأربعة آلاف درهم واستثنى منه بثمانمائة درهم...

عن عبد الله بن أبي بكر، أن جده محمد بن عمرو بن حزم " باع ثمر حائط له، يقال له: الأفرق، بأربعة آلاف درهم، واستثنى منه بثمانمائة درهم تمرا "

كانت تبيع ثمارها وتستثني منها

عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة، أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن كانت «تبيع ثمارها وتستثني منها»

التمر بالتمر مثلا بمثل

عن عطاء بن يسار، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التمر بالتمر مثلا بمثل»، فقيل له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين فقال رسول الله صل...

بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكل تمر خيبر هكذا»؟ فقال: ل...

أينقص الرطب إذا يبس فقالوا نعم فنهى عن ذلك

عن عبد الله بن يزيد، أن زيدا أبا عياش، أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت؟ فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ قال البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال سعد...

رسول الله ﷺ نهى عن المزابنة

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن المزابنة»، والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلا، وبيع الكرم بالزبيب كيلا