1329-
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاما.
فلا يبعه حتى يستوفيه»
أخرجه الشيخان
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَفَادَهُ بِالِابْتِيَاعِ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ عَقْدَا بَيْعٍ لَا يَتَخَلَّلُهُمَا اسْتِيفَاءٌ بِالْكَيْلِ إِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ بِالْوَزْنِ إِنْ كَانَ مَوْزُونًا لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِفَادَةِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَمْيِيزِ مَا يُصَحِّحُ قَبْضَ الْبَيْعِ الثَّانِي.
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ ) الْمَبِيعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : مَطْعُومٌ وَغَيْرُ مَطْعُومٍ فَأَمَّا الْمَطْعُومُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَقِسْمٌ لَا يَجْرِي فِيهِ فَأَمَّا مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ , وَأَمَّا مَا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَهَذَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ التَّخْصِيصَ بِعُرْفِ اللُّغَةِ , وَأَمَّا مَنْ رَأَى التَّخْصِيصَ بِعُرْفِ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ ; لِأَنَّ لَفْظَةَ الطَّعَامِ إِذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْحِنْطَةُ دُونَ غَيْرِهَا وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ مَضَيْت إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إِلَّا سُوقُ الْحِنْطَةِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَطْعُومٌ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَاَلَّذِي يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ نَقْدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَغَيْرِ الْمَطْعُومِ.
( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِإِجْرَاءِ هَذَا الْحُكْمِ فِي الْمُقْتَاتِ خَاصَّةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَجْرَيْنَاهُ فِي كُلِّ مَطْعُومٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حُكْمِ الرِّبَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا فِي الْمَطْعُومِ الْمُقْتَاتِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَلِكَ الْمَعْدُودُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
.
( فَصْلٌ ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَطْعُومٍ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِهَذَا الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ كُلَّ مَا بِيعَ عَلَى كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي كَيْلٍ مَبِيعٍ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مَبِيعٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ مُخَالِفٌ لَهُ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ لَيْسَ بِمَطْعُومٍ فَجَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ.
( الْبَابُ الثَّانِي فِي تَمْيِيزِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِفَادَةِ ) الْعُقُودُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُعَاوَضَةٌ وَغَيْرُ مُعَاوَضَةٍ فَأَمَّا الْمُعَاوَضَاتُ فَالْبَيْعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَالْمُصَالَحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالْمُخَالَعَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ كَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَأَصْحَابِ السُّوقِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يُؤْخَذُ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا مُلِكَ بِمَهْرٍ أَوْ خُلْعٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهَذِهِ الْعُقُودُ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَخْتَصُّ بالمغابنة وَالْمُكَايَسَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِمَا وَقِسْمٌ يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُغَابَنَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَقِسْمٌ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ كَالْقَرْضِ فَأَمَّا الْبَيْعُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بالمغابنة.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مَا كَانَ أُجْرَةً لِعَمَلٍ أَوْ قَضَاءً لِدَيْنٍ أَوْ مَهْرًا أَوْ خُلْعًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ مِثْلًا لِمُتْلَفِ أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ فِي مَالٍ مَضْمُونٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى مِنْهُ عَقْدَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَخَلَّلُهُمَا قَبْضٌ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ حِفْظُهُ وَحِرَاسَتُهُ وَتَوَقِّيهِ مِنْ الرِّبَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ أَهْلُ الْعِينَةِ بِذَلِكَ إِلَى بَيْعِ دَنَانِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْعِينَةِ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ دَنَانِيرَ فِي أَكْثَرِ مِنْهَا نَقْدًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا عَلِمَ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ تَوَصَّلَ إِلَيْهِ بِأَنْ يَذْكُرَ حِنْطَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ يَبْتَاعَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ دُونَ اسْتِيفَاءٍ وَلَا قَصْدٍ لِبَيْعِهِ وَلَا لِابْتِيَاعِهِ فَلَمَّا كَثُرَ هَذَا وَكَانَتْ الْأَقْوَاتُ مِمَّا يُتَعَامَلُ بِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا لِمَعْرِفَةِ جَمِيعِ النَّاسِ لِثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَوُجُودِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهُ مُنِعَ ذَلِكَ فِيهَا وَشُرِطَ فِي صِحَّةِ تَوَالِي الْبَيْعِ فِيهَا لِخِلَالِ الْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ نِهَايَةُ التَّبَايُعِ فِيهَا وَإِتْمَامُ الْعَقْدِ وَلُزُومُهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ تَعَامُلُ أَهْلِ الْعِينَةِ بِهَا ; لِأَنَّ ثَمَنَهَا يَخْفَى فِي الْأَغْلَبِ وَيَقِلُّ مُشْتَرِيهَا.
( فَرْعٌ ) وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ كَيْلًا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَكَرِهَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى إجَازَتِهِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَبِيعٌ وَوَجْهُ الْإِبَاحَةِ وَالْجَوَازِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ مَبِيعٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا صَحَّ أَنْ يَقَعَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِرْفَاقِ وَوَجْهِ الْمُغَابَنَةِ كَالْإِقَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَوَجْهُ وُقُوعِهِ عَلَى الرِّفْقِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فِيهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ عَنْهُ لِزِيَادَةِ ثَمَنٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ فِي جِنْسِ ثَمَنٍ أَوْ أَجَلٍ خَرَجَ عَنْ وَجْهِ الرِّفْقِ إِلَى الْبَيْعِ الَّذِي لَا يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ عُقُودٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَالْمُوَاصَلَةِ دُونَ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ الَّتِي لِمُضَارَعَتِهَا مُنِعَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُنِعَ لِمُشَابَهَتِهِ الْعِينَةَ فَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ وَعَرِيَتْ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ كَانَتْ مُبَاحَةً كَالْقَرْضِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ فَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الطَّعَامِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَأَمَّا الْعَيْنُ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ الْإِقَالَةِ بِهِ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ أَوْ قَدْرُهُ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقَالَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ ; لِأَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مِثْلِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَهِيَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الطَّعَامِ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ أَوْ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ فَفِي الْوَاضِحَةِ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِالْمِثْلِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ أَرْفَعَ مِنْهُ وَلَا أَدْنَى وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا عِنْدَهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا عِوَضٌ يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَمْ تَجُزْ الْإِقَالَةُ مِنْ الطَّعَامِ إِلَّا بِعَيْنِهِ دُونَ مِثْلِهِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْقِيمَةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ كَالثَّوْبِ وَالْحَيَوَانِ فَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقَالَةُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ مِنْهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ فِي بَدَنٍ وَيَجُوزُ إِنْ دَخَلَهُ تَغَيُّرُ أَسْوَاقٍ وَوَجْهُ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِقَالَةَ إنَّمَا هِيَ فِي مَعْنَى حِلِّ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ ثَمَنَهُ وَلَا مِثْلَهُ لَمْ تَكُنْ إقَالَةً وَكَانَ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ ثَمَنًا لِعَمَلٍ فِي إجَارَةٍ جَازَ أَنْ يُقِيلَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَإِنْ عَمِلَ بَعْضَ الْعَمَلِ جَازَ أَنْ يُقِيلَهُ مِمَّا بَقِيَ دُونَ مَا عَمِلَ رَوَاهُ كُلَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ الْآخَرُ مِثْلًا لِلْأَوَّلِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْإِقَالَةَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ إنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الْقِيمَةِ فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِيهِ بَعْدَ فَوَاتِهِ كَالثَّوْبِ , وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي الْوَاضِحَةِ وَلَا تَبِعْ طَعَامَك مِنْ كِتَابَةٍ مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ قَبْضِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا تَافِهًا بِيعَ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
.
( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِالرِّفْقِ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَرَّرَ عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ وَيَلِيَهُ الْبَيْعُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الذِّمَّةَ مِنْ الطَّعَامِ بِغَيْرِ عَقْدٍ مِثْلُ أَنْ يَلْزَمَهَا بِالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْقَرْضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَالْبَيْعِ إِنْ كَانَ مِثْلًا لِمُتْلَفٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَخْذَ مِثْلَ الطَّعَامِ فِي الْغَصْبِ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا قَبْضٌ فَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لَمَا جَازَ أَنْ يَتَوَالَيَا عَلَيْهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ طَعَامٌ يُؤْخَذُ عِوَضًا عَلَى وَجْهِ الْمُشَاحَّةِ وَتَرْكِ الْإِرْفَاقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَلِيَ الْبَيْعَ دُونَ قَبْضِ أَصْلِ ذَلِكَ الْبَيْعِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعُقُودِ لَيْسَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا مَعْنَى الْعِينَةِ الَّتِي لَهَا مُنِعَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ.
.
( فَصْلٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ وَلَا وَارِثُهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ ; لِأَنَّ انْتِقَالَهُ بِالْمِيرَاثِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي إبَاحَةِ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِنْ وَهَبَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ أَنْ ابْتَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ رَوَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ , وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَزَادَ مَالِكٌ فِي النَّوَادِرِ وَكَذَلِكَ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ قَضَاءً مِنْ سَلَفٍ قَالَ وَأَخَفُّهُ عِنْدِي الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَحَلْته عَلَى طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ أَقْرَضْته إِيَّاهُ أَوْ قَضَيْته إِيَّاهُ مِنْ قَرْضٍ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِمَا اُسْتُفِيدَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ , وَلَا يَمْنَعُ مَا لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مِنْ هِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا قَرْضٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي تَعْرَى عَنْ الْعِوَضِ وَلِذَلِكَ لَمْ تَمْنَعْ مِنْ الْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا مُعَاوَضَةٌ.
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَمْيِيزِ مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً ) وَأَمَّا مَا يَكُونُ قَبْضًا وَاسْتِيفَاءً يَصِحُّ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الطَّعَامِ فَهُوَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْكَيْلِ وَالتَّوْفِيَةِ فِي الْمَكِيلِ , وَالْمَوْزُونِ وَالتَّوْفِيَةِ فِي الْمَوْزُونِ وَفِي التَّحَرِّي فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى مِقْدَارِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ وَتَوْفِيَتِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ الْبَائِعُ الْمُبْتَاعَ وَتَسْلِيمُ الْمُبْتَاعِ إِيَّاهُ لَازِمٌ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُ التَّوْفِيَةِ قَبْلَ هَذَا فَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ فَصْلًا بَيْنَ الْبَيْعَتَيْنِ فَإِنْ عَقَدَا عَقْدًا مِنْ بَيْعٍ فِي طَعَامَيْنِ فِي ذِمَّتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَتَقَاضَيَا بِهِمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إِنْ اتَّفَقَ رَأْسُ مَالِهِمَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ جَازَ ذَلِكَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاضَيَا بِالطَّعَامِ آلَ أَمْرُهُمَا إِلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَقَدْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ عَقَدَا بَيْعٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْعَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَعَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا قَبْضٌ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَآلَ أَمْرِهِمَا إِلَى الْإِقَالَةِ ; لِأَنَّ الْمُسَلِّمَ الثَّانِي رَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ وَهَذَا مَعْنَى الْإِقَالَةِ , وَالْعُقُودُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا بِاللَّفْظِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالْمَعْنَى وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى مَا وُجِدَ مِنْهُمَا السَّلَمُ وَالْإِقَالَةُ وَذَلِكَ يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ جَازَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ الطَّعَامَانِ مِنْ قَرْضٍ جَازَ ذَلِكَ حَلَّ أَجَلُهُمَا أَوْ لَمْ يَحِلَّ ; لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَرْضَيْنِ فِي الطَّعَامِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَيْعٍ وَالْآخَرُ مِنْ قَرْضٍ فَحَلَّ أَجَلَاهُمَا جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ ; لِأَنَّ اتِّصَالَ الْقَرْضِ بِالْبَيْعِ جَائِزٌ فِي الطَّعَامِ فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ جَازَتْ الْمُقَاصَّةُ وَقَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ إِلَّا ابْنَ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ مَعَ الْأَجَلِ فِي الْبَيْعِ يَمْنَعُ الْمُقَاصَّةَ بِمَا لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَالْمُقَاصَّةِ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْأَجَلَانِ وَاحِدًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حُلُولِهِمَا ; لِأَنَّ الذِّمَّتَيْنِ تَبْرَآنِ مِنْهُمَا دُونَ زِيَادَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ حَلَّ مِنْ الْأَجَلَيْنِ أَجَلُ الْقَرْضِ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ حَلَّ أَجَلُ السَّلَمِ وَلَمْ يَحِلَّ أَجَلُ الْقَرْضِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَوَّزَهُ أَشْهَبُ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مُقَاصَّةٌ بِمَا حَلَّ فِيمَا لَمْ يَحِلَّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا كَمَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ أَجَلُ السَّلَمِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْقَرْضَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ أَجَلُهُ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَالِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْمُسَلِّفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْأَجَلِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْبَرُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَجُوزَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أُصُولِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا تَجُوزَ عَلَى أَصْلِ أَشْهَبَ غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ تَمَسُّكًا بِأَصْلِهِ ; لِأَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ الْمُتَسَلِّفَ فَهُوَ يَلْزَمُ الْمُسَلِّفَ.
( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا اشْتُرِيَ جُزَافًا فَإِنَّ اسْتِيفَاءَهُ بِتَمَامِ الْعَقْدِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْفِيَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَخَرَّجُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ عَامٌّ فِيهِ وَفِي الْمَكِيلِ إِلَّا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِيهِ بِتَمَامِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ وَالْحَدِيثُ خَاصٌّ فِي الْمَكِيلِ الَّذِي فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يَنْقُلَهُ أَوْ يَأْخُذَهُ فَعَلَّقَ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ مَنْ اشْتَرَى طَعَامًا مُصَبَّرًا جُزَافًا فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ بَائِعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ نَقَدَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى تَمْرًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ لَمْ يُوجَدْ لِاتِّفَاقِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْجَامِحَةِ فِيهِ وَقَدْ رَوَى الْوَقَارُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ بِيعَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ عَلَى الْجُزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالثَّوْرِيُّ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ ابْتَاعَ لَبَنَ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا شَهْرًا فَأَرَادَ بَيْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْلُبَهُ نَهَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ النَّهْيَ قَالَ ; لِأَنَّهُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ فَهُوَ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُضْمَنْ مِنْ الطَّعَامِ ; وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ كَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ ضَمَانِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.
( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَمْيِيزِ مَا يُصَحِّحُ قَبْضَ الْبَيْعِ الثَّانِي ) أَمَّا قَبْضُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ الطَّعَامَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْمُسَلِّمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ كَذَلِكَ قَبْضُ زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ الَّذِي قَدْ بَانَ بِالْحِيَازَةِ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى كَيْلَةً مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً.
وَاسْتِيفَاءُ مَنْ وُهِبَ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ قَرْضُهُ يُبِيحُ لَهُ بَيْعَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مَحَلَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ابتاع طعاما.<br> فلا يبعه حتى يقبضه»
عن عبد الله بن عمر، أنه قال: «كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبتاع الطعام.<br> فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، إ...
عن نافع، أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فرده عليه، وقال: «لا تبع طعا...
عن يحيى بن سعيد، أنه سمع جميل بن عبد الرحمن المؤذن يقول لسعيد بن المسيب: إني رجل أبتاع من الأرزاق التي تعطى الناس بالجار ما شاء الله، ثم أريد أن أبيع...
عن أبي الزناد، أنه سمع سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، «ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل، ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب»
عن كثير بن فرقد، أنه سأل أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن الرجل: «يبيع الطعام من الرجل بذهب إلى أجل، ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب، فكره ذل...
عن عبد الله بن عمر أنه قال: «لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى، ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه، أو تمر لم يبد صلاحه...
عن سليمان بن يسار، أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته، فقال لغلامه: «خذ من حنطة أهلك طعاما، فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله...
عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، أنه سأل سعيد بن المسيب فقال: إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك بالجار، فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطى بالنص...