حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب البيوع باب السلفة في الطعام (حديث رقم: 1339 )


1339- عن عبد الله بن عمر أنه قال: «لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى، ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه، أو تمر لم يبد صلاحه»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم

شرح حديث (لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْصُوفًا ; لِأَنَّ السَّلَفَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْقَرْضِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى السَّلَمِ فَأَمَّا الْقَرْضُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى وَصْفٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ إِلَّا مِثْلَ مَا أَعْطَى فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَاهُنَا الْقَرْضَ , وَأَمَّا السَّلَمُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْصُوفًا ; لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَفَ إِلَّا بِالْوَصْفِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلِلسَّلَمِ سِتَّةُ شُرُوطٍ وَنَحْنُ نُفْرِدُ لِكُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا بَابًا فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِي كَوْنِهِ مَوْصُوفًا ) ‏ ‏وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيَهُ مَا سَلَّمَ إِلَيْهِ فِيهِ فَيَقُولُ لَهُ أُسَلِّمُ إلَيْك فِي مِثْلِ هَذَا فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي زَيْتٍ أَيَأْخُذُ مِنْ غَيْرِهِ وَيَطْبَعُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ صِفَتِهِ قَالَ لَا يَصْلُحُ قَالَ أَصْبَغُ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ غَائِبًا فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ خَلْفَ مِثْلِهِ وَفِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ أَيُرِيهِ ثَوْبًا فَيَقُولُ لَهُ عَلَى صِفَةِ هَذَا أَوْ يَجْتَزِئُ بِصِفَتِهِ قَالَ إِنْ أَرَاهُ فَحَسَنٌ وَإِلَّا أَجْزَأَتْهُ الصِّفَةُ فَمَنَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ وَهُوَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْجَوَازِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ يَقْتَضِي تَجْوِيزَهُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ وَتَجْوِيزَهُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْلَى وَأَحْرَى فَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ اعْتِبَارَ صِفَاتِ الْمِثْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَعَلَى جَمِيعِ أَوْصَافِهِ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ لَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمِثْلُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَإِذَا بَعُدَ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَهُوَ فِي الثِّيَابِ أَبْعَدُ وَهُوَ فِي الْحَيَوَانِ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الثِّيَابِ وَوَجْهُ إبَاحَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ وَصْفُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَإِذَا أَرَادَهُ مَا يُسَلِّمُ إِلَيْهِ فِي مِثْلِهِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ مُمَاثَلَتِهِ تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْلَالُ فِي السَّلَمِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ ذِكْرُهَا فِي السَّلَمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا عَلَى السَّلَامَةِ مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَصِفَهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي ثَمَنِهِ وَلَا يُوجِبُ رَغْبَةً فِيهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَا لَمْ يُضْبَطْ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَأَنْ يَخْتَلِفَ فِيمَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُقْرَضَ وَيُسَلَّمَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَلَا سَلَمًا وَلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنْ تَدُلَّ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ وَالثَّالِثُ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ فِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلُ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَقُلْت لَمْ أَجِدْ فِي الْإِبِلِ إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مَهْرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا سَلَمًا وَقَرْضًا كَالثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ كَالثِّيَابِ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَنَّ الْحَيَوَانَ مَعْنًى يَكُونُ بَدَلًا عَنْ سَلَفٍ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ كَالطَّعَامِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَقُولَ فَارِهًا وَإِنَّمَا يَصِفُهُ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا فَإِذَا أَتَاهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ فَيُذْكَرُ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ بِاخْتِلَافِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ لَحْمُ ضَأْنٍ أَوْ مَاعِزٍ وَيُوصَفُ بِالسَّمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاخْتِلَافِ الْأَسْنَانِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ لَزِمَ ذِكْرُهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَهَلْ يَذْكُرُ مَوْضِعَ اللَّحْمِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَمْ لَا ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَغْرَاضُ بِمَوَاضِعَ مِنْ الشَّاةِ مِنْ صَدْرٍ أَوْ فَخِذٍ أَوْ جَنْبِهِ ذَكَرَهُ فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ امْتِزَاجِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ دُونَ تَفْصِيلٍ وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ النَّاسِ مَكَانًا مِنْهُ عَلَى مَكَانٍ فَعَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطَابَةِ لَهُ وَغَيْرُهُ يَخْتَارُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا يَخْتَارُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ آحَادَ أَعْيَانِهِ مَعَ تَسَاوِيهِ فِي الصِّفَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ الْأَغْرَاضُ فِيهِ لَزِمَ بَيَانُهُ كَالْجِنْسِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , وَأَمَّا السَّمَانَةُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبِ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ سَمِينًا فَإِنْ ذَكَرَ وَسَطًا مِنْ السَّمَانَةِ فَحَسَنٌ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ أَنْ يَقُولَ سَمِينًا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَكُونُ لَهُ السِّمَنُ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السِّمَنَ وَالْهُزَالَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ وَالثَّمَنُ فِي اللَّحْمِ بِاخْتِلَافِهِ حَتَّى أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ السِّمَنِ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَضْعَافُ مَا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْمَهْزُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِ بِالصِّفَةِ فَيَصِفُ مَا يُسَلِّمُ فِيهِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ فَإِذَا مَيَّزَهُ بِهَذَا الِاسْمِ أَجْزَأَهُ عَنْ أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَ السَّمَانَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالسَّلَمُ فِي الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ جَائِزٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَيَحْتَاجُ مِنْ الصِّفَاتِ إِلَى كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ اللَّحْمُ وَيَذْكُرُ مَعَ ذَلِكَ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا أَوْ مُتَوَسِّطَةً إِذَا سَلَّمَ فِيهَا عَدَدًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّرَرِ وَالْفُصُوصِ خِلَافًا لِلشَّافِعَيَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالصِّفَةِ فَيُوصَفُ لَوْنُهُ وَصَفَاؤُهُ وَصُورَتُهُ مِنْ طَوِيلٍ أَوْ مُدَحْرَجٍ وَإِمْلَاسٍ وَتَضْرِيسٍ وَوَزْنُهُ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذَا مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ بِاخْتِلَافِهَا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْأَبْيَضِ الصَّافِي فِي الْمُدَحْرَجِ الَّذِي وَزْنُهُ دِرْهَمٌ وَبَيْنَ آخَرَ يُوصَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي تُوصَفُ بِالْبَيَاضِ وَالطُّولِ وَامْتِلَاءِ الْجِسْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَارِيَةٍ أُخْرَى لَا تُوصَفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الرَّقِيقِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا سَلَمًا كَالثِّيَابِ وَالطَّعَامِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَضَرْبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِيهِ وَهُوَ تُرَابُ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ; لِأَنَّهَا لَا تُضْبَطُ بِصِفَةٍ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ تُرَابَ مَعَادِنِ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ إِلَى عَمَلٍ , وَأَمَّا مَا يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَوْجُودًا عَلَى هَيْئَتِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ ; لِأَنَّ السَّلَمَ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُحْلِ وَذَلِكَ مِمَّا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَضَرْبٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ كَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مِنْ غَيْرِ الْمَطْعُومِ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ جِنْسُهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ حَيْثُ يَحْصُلُ النَّوْعَانِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُجْلَبُ إِلَيْهِ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الصِّنْفَانِ كَالْأَنْدَلُسِ الَّتِي يَقْرَبُ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَرُبَّمَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنْبَتِ والمحصد فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصِفَهُ بِجِنْسِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَصِفَهُ بِذَلِكَ إِذَا ذَكَرَ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا أَنْ يَبْطُلَ السَّلَمُ بِتَرْكِ ذِكْرِ الصِّفَةِ ; لِأَنَّ الثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِالْأَنْدَلُسِ بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الطَّعَامِ اخْتِلَافًا بَيِّنًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يُجْلَبُ إِلَيْهِ الْجِنْسَانِ كَالْجَارِ وَالْحِجَازِ فَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَصِفَهَا بِنَوْعِهَا وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ النَّوْعُ الْوَاحِدُ كَمِصْرَ الَّتِي حِنْطَتُهَا كُلُّهَا بَيْضَاءُ مَعَ السَّلَامَةِ وَالشَّامِّ الَّتِي حِنْطَتُهَا سَمْرَاءُ فَهَلْ يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِمِصْرَ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ رَوَاهَا ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَجْهُ الرَّوِيَّةِ الْأُولَى أَنَّ السَّلَمَ يَخْتَصُّ بِبَلَدِ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ ذِكْرُهُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ تَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهُ فَإِذَا وَجَبَ ذِكْرُ صِفَاتِهِ وَجَبَ ذِكْرُ أَجْنَاسِهِ كَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ حَيْثُ تَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهَا.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ فَهَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُفْسَخُ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُفْسَخُ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ مَوْضِعٌ يَلْزَمُ فِيهِ ذِكْرُ الْجِنْسِ فَوَجَبَ أَنْ يُفْسِدُ السَّلَمَ الْإِخْلَالُ بِهِ كَالْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْجِنْسَانِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْبَلَدِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ وَعَلَيْهِ يَجِبُ حَمْلُ السَّلَمِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِذِكْرِ الْجِنْسِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِظْهَارِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ فَإِذَا أَخَلَّ بِذِكْرِهِ وَكَانَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ ذَلِكَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا ; لِأَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ مِنْهُ الْجَيِّدُ وَالْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَهَلْ يُفْسِدُ الْعَقْدَ تَرْكُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ حَيْثُ يَحْصُلُ الطَّعَامُ فَيَفْسُدُ السَّلَمُ ; لِأَنَّ فِي مَوْضِعِ محصده يَكُونُ الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فَيَخْتَلِفُ بِذَلِكَ الثَّمَنُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ يُجْلَبُ إِلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُفْسَخُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إنَّهُ يُفْسَخُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْجَوْدَةِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ غَالِبَ أَمْرِ الطَّعَامِ تَسَاوِيهِ حَيْثُ يُجْلَبُ إِلَيْهِ فِي السُّفُنِ كَالْحِجَازِ وَجَدَّةَ ; لِأَنَّهُ يُخْلَطُ فِي السُّفُنِ وَيَتَسَاوَى فَلَا يُفْسِدُ السَّلَمَ تَرْكُ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ ; لِأَنَّ غَالِبَهُ مُتَسَاوٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ طَعَامَ السُّفُنِ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَيَكُونُ مِنْ طَعَامِ الْحِجَازِ وَجُدَّةَ مَا يُجْلَبُ فِي الْفُقَاعِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الطَّيِّبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَوْدَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَمَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ مِنْ الْقَمْحِ مَعَ إطْلَاقِ الصِّفَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَلْزَمُهُ الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا جَازَ فِيهِ إطْلَاقُ الصِّفَةِ رَجَعَ مِنْهُ إِلَى غَالِبِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ رَجَعَ مِنْهُ إِلَى الْوَسَطِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ إِنْ كَانَ لَهُ غَالِبٌ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ أَنْ لَا يَصِحَّ السَّلَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُجْزِئُهُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقُولَ غَايَةً فِي الْجَوْدَةِ قَالَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إِلَّا مَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مِنْ الصِّفَةِ بِالْجَوْدَةِ أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا حَتَّى يَقُولَ غَايَةَ الْجَوْدَةِ وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَصِفْهُ بِالْغَايَةِ بَطَلَ السَّلَمُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ صِفَةَ السَّلَمِ لَا تَبْلُغُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَوْصُوفِ مَبْلَغَ الرُّؤْيَةِ لَهُ وَإِنَّمَا يَبْلُغُ بِهِ مُعْظَمَ مَقَاصِدِهِ وَيُجْزِئُ فِي صِفَاتِ الرَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الطُّولِ فَإِنْ وَصَفَهُ بِسَوَادِ الْعَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ السَّوَادِ وَإِنْ وَصَفَ الثَّوْبَ بِالرِّقَّةِ فَلَا يَلْزَمُ غَايَةَ الرِّقَّةِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا يَبْطُلُ بِالْمُتَوَسِّطِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ غَايَتَهُ وَلَا يُقَالُ غَايَةَ التَّوَسُّطِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّ مَا قَالَهُ أَقْرَبُ إِلَى الْفَسَادِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ بِغَايَةِ الطِّيبِ مَا لَا يُوجَدُ أَطْيَبُ مِنْهُ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُ وَلَا يَكَادُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ السَّلَمِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي الطِّيبِ وَأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَأَفْضَلُ مِنْهُ مِمَّا يُوصَفُ بِغَايَةِ الطِّيبِ لَزِمَهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي وَصْفِهِ الطِّيبُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ يُجْزِئُ وَصْفُهُ بِجَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ دُونَ ذِكْرِ الْغَايَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَوَّازِ لَهُ الْعَامُّ مِنْ الْجَيِّدِ وَلَيْسَ لَهُ الْخَاصُّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْجَيِّدِ خَاصٌّ بَالِغٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالطِّيبِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ شَرَطَهُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَا دَفَعَهُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ صِفَةُ السَّلَمِ لَزِمَ الْمُسَلِّمَ قَبْضُهُ فَإِذَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِي جَيِّدٍ وَأَتَى بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ لَزِمَهُ قَبْضُهُ وَكَذَلِكَ الْوَسَطُ وَالرَّدِيءُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَتَصِفُهُ بِالنَّقَاءِ وَالْغَلْثِ أَوْ التَّوَسُّطِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ الْقَمْحَ وَيَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِهِ فَإِنْ أَخَلَّ بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْدَةَ أَوْ التَّوَسُّطَ أَوْ الرَّدَاءَةَ فَهَلْ يَبْطُلُ السَّلَمُ أَمْ لَا ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلْثَ عَيْبٌ فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ السَّلَامَةِ مِنْهُ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذِكْرُهُ ; لِأَنَّ الْغَلْثَ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْلُوَ طَعَامٌ مِنْهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ وَالرُّطَبِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ فِيهِ وَوُصِفَ بِالْجَوْدَةِ أَوْ التَّوَسُّطِ أَوْ الرَّدَاءَةِ فَعَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْحِنْطَةِ وَيَدْخُلُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْحِنْطَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالنَّقَاءِ ; لِأَنَّ التَّمْرَ لَا غَلْثَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْحَشْفِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ وَيَسْلَمُ أَكْثَرُ التَّمْرِ مِنْهُ وَيَلْزَمُ إِلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ الْحَشْفِ ; لِأَنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ إِلَّا الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَسْتَبِدُّ التَّمْرُ مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ تَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ مِنْهُ فَإِنَّ وَصْفَهُ بِالنَّوْعِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَهَذَا حُكْمُ الزَّبِيبِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَسَائِرِ الْقَطَانِيِّ وَالْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا السَّلَمُ فِي الثِّيَابِ عَلَى اخْتِلَافِ أُصُولِهَا مِنْ حَرِيرٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ فَأَنْ يَصِفَ صِقَالَتَهُ وَخِفَّتَهُ وَرِقَّتَهُ وَجِنْسَهُ وَأَصْلَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ وَزْنَهُ وَلَا أَنْ يَقُولَ جَيِّدًا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَحْقِيقُ الْوَزْنِ مَعَ اشْتِرَاطِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَإِذَا وَفَّاهُ الْمِقْدَارَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصَّفَاقَةِ فَقَدْ أَوْفَاهُ حَقَّهُ وَدَخَلَ فِيهِ قَدْرُ الْوَزْنِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ فَأَمَّا تَحْقِيقُهُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُقَدَّرًا ) ‏ ‏وَهُوَ مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ دُونَهُ ; لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ جُزَافًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِالتَّقْدِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ ; لِأَنَّهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَالتَّعْيِينِ لَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَكِيلِ يُقَدَّرُ بِالْكَيْلِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَعْدُودِ يُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَوْزُونِ يُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ وَمَا كَانَ يَتَقَدَّرُ بِالذَّرْعِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّرُ بِالذَّرْعِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ اللَّحْمَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِالتَّحَرِّي كَمَا يُبَاعُ الْخُبْزُ بِالْخُبْزِ تَحَرِّيًا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَوَازِينِ ; لِأَنَّهُ مَعَ الْإِمْكَانِ إنَّمَا قَصَدَ بِالتَّحَرِّي التَّخَاطُرَ وَالْحَزْرَ الَّذِي يُنَافِي السَّلَمَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ تَحَرِّيًا وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ مُفَسَّرًا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا صُوفُ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِالْوَزْنِ دُونَ عَدَدِ الْجَزَزِ ; لِأَنَّ الْجَزَزَ تَخْتَلِفُ فَمِنْهَا الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَلَهُ مِقْدَارٌ مَعْرُوفٌ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا الْبَيْضُ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِوَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ فَلَا يُسَلَّمُ فِيهِ إِلَّا بِالْعَدَدِ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَأَمَّا الرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تُبَاعُ عَدَدًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ الْكَيْلُ فِيهَا مَعْرُوفًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُسَلَّمُ فِيهَا عَدَدًا أَوْ كَيْلًا وَلَا يُسَلَّمُ فِيهَا وَزْنًا قَالَ وَيَذْكُرُ مِقْدَارَهُ فَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي بَيْعِهَا هُوَ الْعَدَدُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِغَيْرِهِ وَكَانَ مَجْهُولًا فِيهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ كَثِيرَهَا لَا يَكَادُ يَتَأَتَّى فِيهِ كَيْلٌ وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالتَّوَسُّطِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَدَدَ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِهِ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّسَاوِي وَالتَّسَاوِي قَلِيلٌ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَوَاكِهِ وَهِيَ الرُّمَّانُ وَالسَّفَرْجَلُ وَالتُّفَّاحُ فَكَانَ الْعَدَدُ فِيهَا مِنْ أَبْوَابِ الْخَطَرِ فَأَمَّا صَغِيرُ التُّفَّاحِ فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِ ظَاهِرٌ , وَأَمَّا مَا عَظُمَ مِنْهُ وَمِنْ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ فَالْعَدَدُ فِيهِ أَظْهَرُ كَالْأُتْرُجِّ وَإِنْ كَانَ يَجْرِي فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِالْوَزْنِ كَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْمَوْزُ وَالْكُمَّثْرَى وَرُءُوسُ الْغَنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا الْجَوْزُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الرُّمَّانِ وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْوَجْهَانِ مُمْكِنَانِ ظَاهِرَانِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبِ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ جَائِزٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا صَغُرَ مِنْ الْفَاكِهَةِ كَعُيُونِ الْبَقَرِ وَالْمِشْمِشِ وَالْقَرَاسْيَا وَالزُّعْرُورِ وَالْمُضَارِعِ فَإِنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالْأَحْمَالُ وَفِي كَثِيرٍ مِنْهُ الْعَدَدُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يُسَلَّمُ فِيهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ عَلَى عُرْفِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا صَغُرَ وَكَانَ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ كَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَقُلُوبِ الصَّنَوْبَرِ فَإِنَّهُ لَا يُسَلَّمُ فِيهِ إِلَّا كَيْلًا حَكَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ وَلَا يُسَلَّمُ فِيهِ عَدَدًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ بَيِّنٌ ; لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِعَدَدِهِ لِصِغَرِهِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَهُ بِبَلَدِ السَّلَمِ حُمِلَ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ الَّتِي تُدَّخَرُ فَبِالْكَيْلِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْبِلَادِ مَا لَمْ تُطْحَنْ فَإِذَا طُحِنَتْ فَخَلَصَ قَلْبُ الْأَرْزِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ أَوْ جَرِيشُهَا فَإِنَّ عُرْفَهُ بِمُعْظَمِ الْبِلَادِ الْوَزْنُ وَعُرْفَهُ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيْلُ وَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ فِي السَّلَمِ بِعُرْفِ بَلَدِ السَّلَمِ فَإِنَّ غَيْرَهُ مَجْهُولٌ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَاعُ طَعَامٌ بِقَصْعَةٍ أَوْ قَدْحٍ غَيْرِ مِكْيَالِ النَّاسِ وَهُوَ فَاسِدٌ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَمَا يُسَلَّمُ فِيهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ أَوْ أَشَدَّ وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ وَقَعَ لَمْ يُفْسَخْ وَقَالَ غَيْرُهُ يُفْسَخُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا الْحَطَبُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلَّمُ فِيهِ وَزْنًا أَوْ أَحْمَالًا وَحُزُمًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُوَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ مِنْ ذَلِكَ بِكُلِّ بَلَدٍ عَلَى مَا جَرَى عُرْفُ بَيْعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا الْجُذُوعُ وَالْخَشَبُ فَإِنَّهَا تَتَقَدَّرُ بِالذَّرْعِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالِارْتِفَاعِ ; لِأَنَّهُ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ , وَأَمَّا الْبُقُولُ وَالْقَصِيلُ فَإِنَّهَا تَتَقَدَّرُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْحُزُمِ وَالْقَبْضِ وَالْأَحْمَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّرَ بِذَرْعِ الْأَرْضِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَشْهَبُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمَنْعِ بِأَنَّ صَفَاقَتَهُ وَخِفَّتَهُ لَا تُضْبَطُ بِالصِّفَةِ وَهَذَا عَلَى صِحَّتِهِ نَاقِصُ الْعِبَارَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا تَقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ بِذَرْعِ الْأَرْضِ يَخْتَصُّ بِأَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ حَوْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُتَقَارِبَةٍ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ وَالثَّمَنَ يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْبُقْعَةُ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهَا ; لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ الْحَوْمَةُ لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقِرْبَةِ الصَّغِيرَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّيَابِ بِذَرْعِ الْأَرْضِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُسَلَّمُ فِي الثِّيَابِ كُلِّهَا بِالذَّرْعِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ ; لِأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ إِلَّا بِهِ فَإِنْ شَرَطَ ذِرَاعَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ خِيفَ أَنْ يَغْبِنَ أَخَذَ مِنْهُ مِقْدَارَ ذِرَاعِهِ إِلَى أَنْ يَجِيءَ أَجَلُ السَّلَمِ فَإِنْ شَرَطَا ذِرَاعًا وَلَمْ يُعَيِّنَا ذِرَاعَ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى ذِرَاعٍ وَسَطٍ قَالَ أَصْبَغُ هُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْفَسْخُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الذِّرَاعَ مَا لَمْ يُعَيَّنْ يُعَلَّقُ بِالْوَسَطِ وَصَحَّ بِذَلِكَ الْعَقْدُ ; لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْعَقْدِ وَجْهٌ مِنْ الصِّحَّةِ حُمِلَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ مَجْهُولٌ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ لِأَهْلِهَا ذِرَاعٌ مُعَيَّنٌ جَرَى عُرْفُ التَّبَايُعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذِرَاعٌ مُقَدَّرٌ كَذِرَاعِ الرَّشَّاشِ لِأَهْلِ قُرْطُبَةَ وَالذِّرَاعِ الْمَالِكِيِّ بِبَعْضِ الْبِلَادِ حُمِلَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَعَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا ) ‏ ‏أَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مُؤَجَّلٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَوْ يَوْمٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي جَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ فِي السَّلَمِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَجَلِ أَنَّ مَا اخْتَصَّ بِالسَّلَمِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ كَعَدَمِ التَّعْيِينِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا التَّأْجِيلُ كَالْبَيْعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالسَّلَمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُقْضَى بِبَلَدِ السَّلَمِ وَضَرْبٌ يُقْضَى بِغَيْرِهِ فَأَمَّا مَا يُقْضَى بِبَلَدِ الْعَقْدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مِقْدَارِ أَجَلِ السَّلَمِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَى الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إِلَى الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إِلَى أَيِّ أَجَلٍ كَانَ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إِلَّا إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ فَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّلَمَ لَمَّا اقْتَضَى الْأَجَلَ لِئَلَّا يُتَيَقَّنَ فِيهِ انْتِفَاعُ الْمُسَلَّمِ لِمُشَابَهَةِ الْغَرَضِ احْتَاجَ أَنْ يَكُونَ إِلَى أَمَدٍ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا عَدِمَ شَرْطَ الصِّحَّةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مِقْدَارُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَلَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا فَلَوْ كَانَ اعْتِبَارُ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا أَسْوَاقُ الْعُرُوضِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ السَّلَمِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي الْعَيْنِ وَلَوَجَبَ أَنْ تَخْتَلِفَ آجَالُ السَّلَمِ بِاخْتِلَافِ السِّلَعِ فَإِنَّ مِنْ السِّلَعِ مَا يَكْثُرُ تَغَيُّرُ أَسْوَاقِهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهَا مَا يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ تَغَيُّرَ الْأَسْوَاقِ فِي ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمُدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبِلَادِ وَمَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّمَا قَدَّرَ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ وَتَقْدِيرُ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَلِكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ أَظْهَرُ ; لِأَنَّ هَذَا عُرْفُ الْبِلَادِ وَمُقْتَضَى مَا عُلِمَ مِنْ أَسْوَاقِهَا فَإِنَّهُ يَغْلِبُ تَغَيُّرُهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَعُرْفُ مِصْرَ كَعُرْفِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَوَجْهُ الْأَجَلِ فِي الْبِيَاعَاتِ أَنْ يُبَيِّنَ بِمَا يُمْكِنُ تَبْيِينُهُ بِهِ وَجَرَتْ بِمِثْلِهِ الْعَادَةُ فَيَقُولُ إِلَى أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ إِلَى آخِرِهِ أَوْ إِلَى يَوْمِ كَذَا مَضَتْ مِنْهُ أَوْ بَقِيَتْ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ إِلَى شَهْرِ كَذَا فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يَحِلُّ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ فَأَمَّا إِنْ قَالَ يُوَفِّيهِ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَطَّارِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا إِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَلَيْسَ بِأَجَلٍ مَحْدُودٍ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ مَا بَيْنَ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ غَيْرَ أَنَّ السَّلَمَ لَا يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ وَيُكْرَهُ بَدْءًا فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَنَفَذَ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَى الْجِدَادِ وَالْحَصَادِ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا أَجَلٌ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا فِي السَّلَمِ وَالْبُيُوعِ الْمُؤَجَّلَةِ أَصْلُهُ إِذَا أَجَّلَهُ بِسَنَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ فِي الْآجَالِ إِلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْرُوفًا لَا يَخْتَلِفُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ خُرُوجِ الْعَطَاءِ فَإِذَا حَلَّ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَلَّ الْأَجَلُ خَرَجَ الْعَطَاءُ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُهُمْ إِلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي تَغَيُّرَ بَلَدِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَهَذَا تَجَوُّزٌ فِي عِبَارَةٍ ; لِأَنَّ قَطْعَ مُدَّةِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ أَجَلٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ حَالٍّ يُؤَجَّلُ بِالرِّيفِ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْوَاقِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ كَاخْتِلَافِهَا بَعْدَ الْآجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَةَ إِلَى الْبِلَادِ رَجَاءَ اخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ كَمَا يُؤَخِّرُونَ السِّلَعَ إِلَى الْأَجَلِ وَجَازَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَرَّرْنَا فِيهِ قِيَاسًا فَنَقُولُ إِنَّ هَذَا مَعْنَى عُرْفِهِ بِتَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ فَجَازَ السَّلَمُ إِلَيْهِ كَالْأَجَلِ الْبَعِيدِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ عَقَدَا عَلَى ذَلِكَ عَقْدًا صَحِيحًا وَجَبَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى مَكَانِ الْقَضَاءِ مَتَى بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِقْدَارٌ تُقْطَعُ فِيهِ الْمَسَافَةُ فَإِنْ أَبَى مِنْ الْخُرُوجِ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي الْمُسَلَّمَ مَا سُلِّمَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالْخُرُوجِ إِلَى مَوْضِعِهِ أَوْ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ بَعْدَ أَنْ قَصَدَ خَارِجًا إِلَى مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ تَوْكِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْزِلَهُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ فَيَبْطُلُ سَفَرُ الْمُسَلِّمُ أَوْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَنْ سَلَّمَ إِلَيْهِ حَقَّهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُوَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ عَزْلُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسَلِّمِ بِهَذِهِ الْوَكَالَةِ كَمَا يَقُولُ فِي التَّوْكِيلِ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَكَمَا يَقُولُ فِي الْوَكِيلِ عَلَى الْخُصُومَةِ إِذَا تَقَيَّدَتْ عَلَيْهِ الْمَقَالَاتُ لَمْ يَكُنْ لِمُوَكِّلِهِ عَزْلٌ إِلَّا بِرِضَا مَنْ يُخَاصِمُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْوَكَالَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ جَازَ الْأَجَلَ وَوَجَدَ الْمُسَلِّمُ الْمُسَلَّمَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ بَلَدِ التَّسْلِيمِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بَلَدِ التَّسْلِيمِ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا وَهِيَ أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ فَتَسَاوَتْ حَالُهُمَا فِي الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ , وَالْعُرُوضُ تَخْتَلِفُ أَسْوَاقُهَا وَلَيْسَتْ بِأُصُولٍ فِي الْأَثْمَانِ وَلَا قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَتَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يُسَلِّمَهُ وَلَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْهُ بِغَيْرِ بَلَدِ السَّلَمِ وَلِذَلِكَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَيَلْزَمُ مَنْ هُوَ لَهُ قَبْضُهُ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ إِلَّا بِرِضَا مَنْ هُوَ لَهُ وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأَجَلِ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ مَوْضِعُ تَسْلِيمِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : الْأَفْضَلُ أَنْ يَذْكُرَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ لِزَوَالِ التَّخَاصُمِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَيَدْخُلَانِ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ حُكْمَهُ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمَنْ سَلَّفَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ كَمَا يَقْتَضِي إطْلَاقُ الْبَيْعِ ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ لَا يَذْكُرَا مَوْضِعَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَذْكُرَاهُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهُ لَزِمَ الْمُسَلَّمَ إِلَيْهِ دَفْعُهُ فِي بَلَدِ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَزِمَ الْمُسَلِّمَ قَبْضُهُ هُنَاكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ التَّسْلِيمُ مِنْهُ وَقَدْ شَرَطَا بَلَدَ التَّسْلِيمِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَلَزِمَ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ سُوقٌ بِذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ ذَلِكَ السُّوقُ مَوْضِعَ تَسْلِيمِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَصُّ بِقَاعِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُوقٌ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ إِلَيْهِ يُوَفِّيهِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُوَفِّيهَا بِدَارِ الْمُسَلِّمِ كَانَ لَهَا سُوقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمَا إِنْ أَقَرَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَتَّخِذَا مَوْضِعًا فَإِنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ حَيْثُ قُبِضَتْ الدَّرَاهِمُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَوْضِعَ الْعَقْدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَلَدَ النَّقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ تَعْيِينِ الْبَلَدِ وَتَعْيِينُهُ يَقْتَضِي تَسْلِيمَهُ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ذَلِكَ الْبَلَدِ كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ اسْمَ الْجَوْدَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ دَفْعَ مَا شَاءَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمَّا كَانَ مَحَلُّ دَفْعِهِ مَوْضِعَ سُوقِهِ وَمُعْظَمُ نَفَاذِهِ وَمَوَازِينِهِ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُهُ بِمَوْضِعِ سُوقِهِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِصِفَاتِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ إيصَالُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ اقْتَضَى ذَلِكَ إيصَالَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَالْمَاءِ لَمَّا كَانَ عَلَى بَائِعِهِ إيصَالُهُ لَزِمَهُ إيصَالُهُ إِلَى مَنْزِلِ الْمُبْتَاعِ لَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا إطْلَاقَ الْعَقْدِ وَادَّعَى الثَّانِي اشْتِرَاطَ مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي إطْلَاقِ الْعَقْدِ ; لِأَنَّ الثَّانِيَ ادَّعَى خِلَافَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا شَرَطَا مَوْضِعًا لِلْقَضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي تَعْيِينِهِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ عَقْدِ السَّلَمِ وَادَّعَى الثَّانِي غَيْرَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي مَوْضِعِ السَّلَمِ لِمُوَافَقَتِهِ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِلْقَبْضِ أُحْلِفَا وَفُسِخَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْقَضَاءِ مَحْدُودًا بِحَدٍّ يَقْرَبُ كَالْفُسْطَاطِ أَوْ الْفَيُّومِ أَوْ الإسكندرية , وَأَمَّا إِنْ تَبَاعَدَتْ أَقْطَارُهُ كَمِصْرَ وَالشَّامِّ وَالْأَنْدَلُسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ إِنَّ مِصْرَ مَا بَيْنَ نَجْدٍ إِلَى أَسْوَانَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ تَبَاعُدِ الْأَقْطَارِ وَتَفَاوُتِ الْأَسْفَارِ لِتَبَاعُدِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا لِقَبْضِ السَّلَمِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَعُودُ لِجَهَالَةِ مَوْضِعِ الْقَبْضِ وَخَطَرِ الْغَرَرِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
‏ ‏( الْبَابُ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ الْأَجَلِ ) , ‏ ‏وَأَمَّا الشَّرْطُ الْخَامِسُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ الْأَجَلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ ; لِأَنَّ حُلُولَ الْأَجَلِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعْدُومًا حِينَ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ ; لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّسْلِيمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ حَانَ الْأَجَلُ وَعُدِمَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بِجَائِحَةٍ اسْتَأْصَلَتْهُ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْ مُسَلِّمِهِ حَتَّى فَاتَ مِنْ أيدى النَّاسِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ السَّلَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ وُجُودَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَصْلُ ذَلِكَ الزَّمَانُ الَّذِي بَيْنَ وَقْتِ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ الْأَجَلِ.
‏ ‏( الْبَابُ السَّادِسُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا إِلَخْ ) , ‏ ‏وَأَمَّا الشَّرْطُ السَّادِسُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَوْ فِي حُكْمِ النَّقْدِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَتَأَخُّرِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَكَانَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُؤَجَّلًا إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ وَثَمَنُهُ مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَقَبْضُهُ فِي مَجْلِسِ السَّلَمِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ بِالشَّرْطِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِيهِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ لِمَعْنًى فِي الْعِوَضِ وَإِنَّمَا هُوَ مَمْنُوعٌ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ مِنْ شَرْطِهِ التَّأْجِيلُ وَالثَّمَنُ مِنْ شَرْطِهِ التَّعْجِيلُ فَكَمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بِتَأْخِيرِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْكَالِئِ فَكَذَلِكَ الثَّمَنُ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ التَّعْجِيلُ لَا يُفْسِدُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مَجْلِسِ الْقَبْضِ وَلَا بِتَأَخُّرِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا يَدْخُلُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْكَالِئِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَجُورُ تَأَخُّرُهُ بِشَرْطٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِنَا يَجُوزُ السَّلَمُ إِلَى أَجَلِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَجُوزُ تَأَخُّرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ هَذَا الْمِقْدَارَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْضُهُ بِالشَّرْطِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ السَّلَمَ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِلَى الْأَجَلِ الْبَعِيدِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ صَحَّ أَنْ يَقُولَ بِتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّأْجِيلِ وَلَوْ كَانَ لَهُ حُكْمُ التَّأْجِيلِ لَجَازَ تَأَخُّرُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إِلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا تَأَخُّرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ إِلَى أَجَلِ السَّلَمِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يُفْسِدُ السَّلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يُفْسِدُ السَّلَمَ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَجْهُ الْقَوْلِ بِفَسَادِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى التَّعَاقُدِ عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ; لِأَنَّ عَمَلَهَا إِلَيْهِ آلَ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَقْدَهُمَا سَلِمَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُفْسِدُهُ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرَ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَفْسُدْ السَّلَمُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَحَدُهُمَا فَسَدَ السَّلَمُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَرَّ لِيُفْسِدَ السَّلَمَ فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِإِفْسَادِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ الْفَارَّ مِنْ الْأَدَاءِ فِي الصَّرْفِ لَا يُبْطِلُ الصَّرْفَ وَإِذَا لَمْ يَفِرَّ أَحَدُهُمَا فَقَدْ رَضِيَا بِإِفْسَادِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَفْسُدَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَالِ إِذَا كَانَ عَيْنًا إِلَى أَجَلٍ فَبَانَ لَا يَبْطُلُ إِذَا كَانَ عَرَضًا مُعَيَّنًا أَوْلَى وَأَحْرَى ; لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ السَّلَمُ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرَضًا مُعَيَّنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا أَوْ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ كَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يُفْسَخْ كَالْحَيَوَانِ وَالدُّورِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي السَّلَمِ عَبْدًا وَتَأَخَّرَ الشَّهْرَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنَّهُ جَائِزٌ وَكَانَ هَذَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهِيَةً وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إِذَا كَانَ عَيْنًا بَطَلَ السَّلَمُ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا يُغَابُ عَلَيْهِ فَالسَّلَمُ مَكْرُوهٌ وَلَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُغَابَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَهُوَ مِنْ الْمُسَلِّمِ وَيَفْسُدُ السَّلَمُ فَإِذَا بَقِيَ بِيَدِهِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بِأَنْ يَدَّعِيَ صِنَاعَةً وَيُبْطِلُ السَّلَمَ مَتَى شَاءَ وَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى بِيَدِهِ مُدَّةً لَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فِيهَا فِي السَّلَمِ , وَأَمَّا مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ فَهَلَاكُهُ لَا يُؤَدِّي إِلَى إبْطَالِ السَّلَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ فَالْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَوْ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ جَمِيعَ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا كَانَ دَفَعَ إِلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ لَزِمَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ قَبْضُهُ وَدَفْعُ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ الْمُسَلِّمُ فَقَدْ مَنَعَ الْمُسَلَّمَ إِلَيْهِ مِنْ مَقْصُودِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ إِلَى أَجَلِهِ وَلِهَذَا التَّأْخِيرِ تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ الْعَقْدِ فَصَارَ ذَلِكَ لِلْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ أَنْ يُبْطِلَهُ أَبْطَلَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْ جِهَةِ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا مَضَرَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ فِي فَسْخِهِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ السَّلَمِ بِزَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَلَا بِثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَذَلِكَ أَنَّ السَّلَمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ فِي الذِّمَّةِ وَمُضَافٌ إِلَى بَلْدَةٍ فَأَمَّا الْمُطْلَقُ فِي الذِّمَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ فِي قَمْحٍ أَوْ تَمْرٍ وَيَصِفُهُ بِصِفَةٍ وَلَا يَشْتَرِطَ مِنْ تَمْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَهُ إِلَى بَلَدِهِ فَيَقُولَ مِنْ قَمْحِ مِصْرَ أَوْ الشَّامِّ أَوْ تَمْرِ الصَّفْرَاءِ أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى مَوْضِعٍ صَغِيرٍ لَا يُؤْمَنُ انْقِطَاعُ ثَمَرَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُ ذَلِكَ الْحَائِطِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ لِبَائِعِ التَّمْرِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى مَوْضِعٍ كَبِيرٍ كَثِيرِ التَّمْرِ وَالزَّرْعِ يُؤْمَنُ انْقِطَاعُهُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ مِثْلَ وَادِي الْقُرَى وَخَيْبَرَ فَهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ السَّلَمِ فِيهِ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ أَوْ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ سَأَلْت ابْنَ أَبِي أَوْفَى عَنْ السَّلَفِ فَقَالَ كُنَّا نُسَلِّفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ إِلَى قَوْمٍ لَا نَدْرِي أَعْنَدَهُمْ أَمْ لَا وَابْنُ أَبْزَى قَالَ مِثْلَ يَعْنِي ذَلِكَ.


حديث لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ما

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏لَا بَأْسَ بِأَنْ ‏ ‏يُسَلِّفَ ‏ ‏الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَرْعٍ لَمْ ‏ ‏يَبْدُ صَلَاحُهُ ‏ ‏أَوْ تَمْرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا...

عن سليمان بن يسار، أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته، فقال لغلامه: «خذ من حنطة أهلك طعاما، فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله...

إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك بالجار فربما ا...

عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم، أنه سأل سعيد بن المسيب فقال: إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك بالجار، فربما ابتعت منه بدينار ونصف درهم فأعطى بالنص...

إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا

عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: «إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقن...

باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل

عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أن علي بن أبي طالب «باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل»

اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها...

عن مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر «اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة»

سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل فق...

عن مالك، أنه سأل ابن شهاب عن: " بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل، فقال: لا بأس بذلك "

نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهل...

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة،...

نهي من الحيوان عن ثلاثة عن المضامين والملاقيح وحبل...

عن سعيد بن المسيب أنه قال: " لا ربا في الحيوان، وإنما نهي من الحيوان عن ثلاثة: عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، والمضامين بيع ما في بطون إناث الإبل،...

رسول الله ﷺ نهى عن بيع الحيوان باللحم

عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن بيع الحيوان باللحم»