حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب البيوع باب ما جاء في إفلاس الغريم (حديث رقم: 1371 )


1371- عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل باع متاعا، فأفلس الذي ابتاعه منه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا، فوجده بعينه فهو أحق به، وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء»

أخرجه مالك في الموطأ


صحيح

شرح حديث (أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ الْفَلَسُ هُوَ عَدَمُ الْمَالِ , وَهُوَ الْإِعْسَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ , وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مَجْهُولًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا غِنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْفَلَسِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُحْبَسُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ حَتَّى يَسْتَبِدَّ أَمْرَهُ لَعَلَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ , وَقَالَ مُطَرِّفٌ , وَيُحْبَسُ النِّسَاءُ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ فِي الدَّيْنِ فِي اللَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِعْسَارِ يُنَافِيهِ إقْرَارُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عِوَضَهُ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُوسِرٌ بِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ خِلَافُ مَا يَدَّعِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ السِّجْنَ لِتَحَقُّقِ حَالِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ ادَّعَى الْفَقْرَ , وَظَاهِرُهُ الْغِنَى , وَأَقَامَ بَيِّنَةً فِي الْفَقْرِ , وَلَمْ تُزَكَّ بَيِّنَتُهُ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِ حَمِيلٌ وَسِجْنٌ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ , وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا لِمَنْ تَفَالَسَ , وَيَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ , وَأَمَّا إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ , وَوَعَدَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُؤَخِّرْهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا يَرْجُو لَهُ , وَلَا يَعْجَلْ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ , وَقَالَ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ إِنْ سَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ أُخِّرَ , وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِهِ سُجِنَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَضَاءِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَإِذَا أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ , وَسَأَلَ النَّظِرَةَ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الْمُطَالِبِ لَهُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَفِّقَهُ مِثْلَ هَذَا التَّأْخِيرِ , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ سَمَّاكٌ لِرَجُلِ عَلَيْهِ سَمَكٌ فَسَأَلَ الصَّبْرَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَصِيدَ قَالَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي رِوَايَتِهِ الْحَمِيلَ , وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْحَمِيلُ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْأَجَلُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ إِلَّا بِحَمِيلٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّمَّاكُ عَدِيمًا يُعْلَمُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ , وَلَا يَجِدُ قَضَاءً إِلَّا مِنْ تَصَيُّدِهِ فَيَتْرُكُ , وَالتَّصَيُّدَ لِأَنَّهُ الْوَجْهُ الَّذِي يُسْلِمُ إِلَيْهِ فِيهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمُدَّةُ سَجْنِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فَقَالَ يُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ , وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , وَفِي الْوَسَطِ مِنْهُ شَهْرَيْنِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُجِنَ عَلَى وَجْهِ اخْتِبَارِ حَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي يُخْتَبَرُ مِنْ أَجْلِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُحْبَسُ الْوَصِيُّ فِيمَا عَلَى الْأَيْتَامِ مِنْ دَيْنٍ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ , وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ إِذَا كَانَ لَهُ بِيَدِهِ مَالٌ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَ لَهُ مَالًا , وَلَا يَعْلَمُ بَقَاءَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُحْبَسُ الْأَبُ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ , وَلَا يُحْبَسُ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ يُرِيدُ إِذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَطْلُبُهُ بِهِ , وَأَمَّا تَرْكُهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَضَرَرٌ يَلْحَقُ الْوَلَدَ , وَغَيْرَهُ يَطْلُبُهُ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ فِي الدَّيْنِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ , وَيُحْبَسُ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ فِي الدَّيْنِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرْمَةُ وَالْمَنْزِلَةُ إِلَّا الْوَالِدَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَجْلِ حُرْمَتِهِ وَقَرَابَتِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا وَاحِدَةٌ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الْأُبُوَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَةِ , وَيُحْبَسُ سَائِرُ الْقَرَابَاتِ مِنْ الْأَجْدَادِ , وَغَيْرِهِمْ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحَلِّفُهُ , وَيُطْلِقُهُ , وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ الشُّهُودُ إنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا , وَيَنْقَضِي أَمْرُ السِّجْنِ , وَيَلْزَمُهُ هُوَ الْيَمِينُ لِأَنَّ الشُّهُودَ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِلْمِ فَعَلَيْهِ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَاطِنِ بِالْبَتِّ كَالرَّجُلِ يَسْتَحِقُّ الدَّارَ فَيَشْهَدُ الشُّهُودُ لَهُ عَلَى عِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَوْتَهُ فَيَحْلِفُ هُوَ عَلَى الْبَاطِنِ بِالْبَتِّ وَالْقَطْعِ أَنَّهُ مَا فَوَّتَهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ فَلَسُهُ , وَعُلِمَ عُدْمُهُ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يُحْبَسُ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا , وَلَا شَيْءَ لَهُ , وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فَلَا يُحْبَس حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يُؤَاجِرُ الْمُفْلِسُ فِي دَيْنِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ دُونَ عَمَلِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ غِنَاهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرَ أَمْرِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيَّةِ يُحْبَسُ حَتَّى يُوَفِّيَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَهَذَا لَا يُصْرَفُ , وَلَا يُعَجَّلُ سَرَاحُهُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ قَالَ : وَهَذَا مِثْلُ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ ثُمَّ يَدَّعُونَ ذَهَابَهَا , وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ , وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ سُرِقَ لَهُ شَيْءٌ , وَلَا أُحْرِقَ لَهُ مَنْزِلٌ , وَلَا أُصِيبَ بِشَيْءٍ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فَلَسُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ , وَيَحْجُرُ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْسِمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ , وَيُعَجِّلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ , وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا , وَهَذَا مَعْنَى تَفْلِيسِهِ , وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ غَائِبًا , وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَقَامَ غُرَمَاؤُهُ عَلَيْهِ لِيُفْلِسَ لَهُمْ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ , وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ , وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاضِحَةِ إِنْ كَانَتْ غِيبَةً قَرِيبَةً فَيَكْتُبُ إِلَيْهِ , وَيَكْشِفُ عَنْ أَمْرِهِ لِيَعْرِفَ مَلَاءَهُ مِنْ عُدْمِهِ , وَإِنْ كَانَ بَعِيدَ الْغَيْبَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَعْرِفَ حَالَهُ فِي الْعُدْمِ وَالْيَسَارِ أَوْ يَجْهَلَ ذَلِكَ فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَلِسَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ عَرَفَ يَسَارَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُفَلَّسُ , وَقَالَ أَشْهَبُ يُفَلَّسُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا مَعْرُوفُ الْمَلَاءَةِ فَلَا يُفَلَّسُ أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ حَاضِرًا , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ مَالَ الْغَائِبِ الْبَعِيدِ الْغَيْبَةِ لَا يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ , وَلَا يُعْرَفُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إفْلَاسَهُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُفَلِّسُهُ الْحَاكِمُ , وَيَقْضِي دُيُونَ الْحَاضِرِينَ , وَتُحَاصُوا بِمَا عُلِمَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ لِغَائِبٍ , وَلَا يُؤَخَّرُونَ لِاسْتِبْرَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَاقِيَةٌ , وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ ذَهَبَتْ فَلِذَلِكَ يُسْتَأْنَى بِهِمْ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالدَّيْنِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ , وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ جَمِيعُ غُرَمَائِهِ تَفْلِيسَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ لِلْقَائِمِ تَفْلِيسَهُ وَسَجْنَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ , وَإِنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ , وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلطَّالِبِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِسْقَاطِ غَيْرِهِ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا لَوْ وَهَبَ بَعْضُهُمْ دَيْنَهُ لَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُمْ أَنْ يَهَبَهُ دَيْنَهُ أَيْضًا , وَلِمَنْ أَبَى تَفْلِيسَهُ أَنْ يُحَاصَّ لِلْقَائِمِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ , وَيُقِرَّ بِيَدِ الْمُفْلِسِ مَا كَانَ لَهُ بِالْمُحَاصَّةِ , وَلَيْسَ لِلْقَائِمِ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي دَيْنِهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَفْلِيسَهُ يَقْتَضِي تَحَاصَّ غُرَمَائِهِ فِي مَالِهِ فَمَنْ أَقَرَّ حِصَّتَهُ بِيَدِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اسْتَأْنَفَ مُعَامَلَتَهُ بَعْدَ التَّفْلِيسِ لَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُ مَا عَامَلَهُ بِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا قَامَ مَنْ أَرَادَ إقْرَارَ حِصَّتِهِ بِيَدِهِ , وَطَلَبَ الْمُحَاصَّةَ , وَأَمَّا مَنْ أَمْسَكَ عَنْ الطَّلَبِ , وَعَلِمَ بِالتَّفْلِيسِ , وَتَقَاسَمَ الْغُرَمَاءُ مَالَهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْقِيَامَ أَوْ يَكُونَ لَهُ سُلْطَانٌ , وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ , وَأَمْسَكَ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاضٍ بِذَلِكَ , وَمُسَوِّغٌ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ مَالِهِ رِضًا بِطَلَبِ ذِمَّتِهِ مَعَ خَرَابِهَا أَوْ رِفْقًا بِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ , وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ سُكُوتِهِ عَمَّا أَعْتَقَ الْمُفْلِسُ ثَمَّ يُرِيدُ الْقِيَامَ بِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ تَفْلِيسِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ قَالَ : وَإِذَا قَامَ غُرَمَاؤُهُ فَأَمْكَنَهُمْ مِنْ مَالِهِ يَتَّبِعُونَهُ , وَيَقْتَسِمُونَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَفْلِيسِ السُّلْطَانِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ لَا يَتَعَدَّى الْمُفْلِسَ , وَغُرَمَاءَهُ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ثَبَتَ بَيْنَهُمْ , وَمَعْنَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِلِهِ بَعْدَ التَّفْلِيسِ أَحَقَّ بِيَدِهِ مِمَّنْ فَلَّسَهُ , وَأَخَذَ حِصَّتَهُ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ رَوَاهُ أَصْبَغُ , وَأَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا وَجَدُوا لَهُ مَالًا تَحَاصُّوا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُ شَيْئًا فَتَرَكُوهُ فَتَدَايَنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا بِتَفْلِيسٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ : وَلَوْ بَلَغُوا بِهِ السُّلْطَانَ فَفَلَّسَهُ لَكَانَ هَذَا تَفْلِيسًا لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مِنْ كَشْفِ حَالِهِ مَا لَا يَبْلُغُهُ غُرَمَاؤُهُ , وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ غُرَمَاءَهُ يَبْلُغُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغُهُ السُّلْطَانُ رَأَيْته تَفْلِيسًا , وَلَكِنْ لَا آخُذُ بِهِ خَوْفَ أَنْ لَا يَبْلُغُوا ذَلِكَ , وَقَالَهُ أَصْبَغُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَبَعْدَهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ مَا لَا يُنْتَزَعُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ مَا يُحْجَزُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي دُيُونِ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْفَلَسِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ التَّفْلِيسِ وَبَعْدَهُ ) ‏ ‏أَمَّا إقْرَارُ الْمُفْلِسِ وَبَيْعُهُ لِمَالِهِ وَقَضَاؤُهُ عَنْ بَعْضِ غُرَمَائِهِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ إِنْ قَضَى بَعْضَ غُرَمَائِهِ أَوْ رَهَنَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ , وَقَالَ لَا يَدْخُلُونَ , وَذَلِكَ مَاضٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَجْهُ قَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ , وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ عِتْقٌ بِغَيْرِ إذْنِ غُرَمَائِهِ فَأَشْبَهَ الَّذِي قَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِتَفْلِيسِهِ أَوْ الْمَرِيضَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَخُوفَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ , وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَخُوفٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي مَالِهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ دَيْنَ الْبَيْعِ , وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا فَطِنَ الْمُقْتَضَيْ بِاسْتِغْرَاقِهِ , وَبَادَرَ الْغُرَمَاءَ فَهُوَ أَحَقُّ , وَهَذَا لَمْ يَكُنْ الْغُرَمَاءُ قَدْ تَشَاوَرُوا كُلُّهُمْ فِي تَفْلِيسِهِ , وَلَمْ يَرْفَعُوهُ بَعْدُ فَخَالَفَ بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ فَقَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ يَدْخُلُ مَعَهُ سَائِرُ الْغُرَمَاءِ , وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَدْخُلُونَ مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ إِذَا تَشَاوَرُوا فِي تَفْلِيسِهِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّحَاصِّ فِي مَالِهِ , وَذَلِكَ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمْ فِيهِ فَمَنْ اقْتَضَى مِنْهُمْ شَيْئًا شَارَكَهُ فِيهِ الْآخَرُونَ كَمَا لَوْ بَاعُوا مِنْهُ بِعَقْدٍ , وَاحِدٍ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُدُوا ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمْ , وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاشْتِرَاكُ بِإِنْفَاذِ التَّفْلِيسِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالتَّفْلِيسُ الَّذِي يَمْنَعُ قَبُولَ إقْرَارِهِ فِيمَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْلِيسِ قَالَ مُحَمَّدٌ يُرِيدُ , وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ , وَبَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ حِينَئِذٍ بِدَيْنٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَيْسَرَةَ مَا كَانَ قَائِمَ الْوَجْهِ مُنْبَسِطَ الْيَدِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إقْرَارُهُ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا خَافَ مِنْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ فَأَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ فَأَرَاهُ فَاسِدًا , وَيَبْطُلُ إقْرَارُهُ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إقْرَارُهُ للأجنبيين , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ دُيُونُ غُرَمَائِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ ثَابِتَةً بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا هِيَ بِإِقْرَارٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ , وَبِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرُبَ بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ دَيْنُهُمْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَرُدَّ بَعْضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ , وَإِذَا أَقَرَّ لِقَوْمٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إقْرَارُهُ لِلْآخَرِينَ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْأَوَّل قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا يُدْخِلُ النَّقْصَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا أَقَرَّ الْمُفْلِسُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِغُرَمَائِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يُحَاصُّ سَائِرَ غُرَمَائِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِمَنْ يَثْبُتُ دَيْنُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فِي وَقْتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ نَقْصًا عَلَى مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ , وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَقَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي الْإِقْرَارِ كَالسَّفِيهِ , وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ كَانَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لَهُ الْمُفْلِسُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ تَقَاضِيًا لَهُ وَمُدَايَنَةً وَخُلْطَةً فَإِنَّهُ يَحْلِفُ , ويحاصص مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ , وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَذَا الْإِقْرَارِ , وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُخَالَطَةِ لَهُ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ بِهِ , وَأَمَّا السَّفِيهُ فَإِنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِذِمَّتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ إقْرَارُهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ كَانَ إقْرَارُهُ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إِذَا كَانَ لِلْغُرَمَاءِ بَيِّنَةٌ , وَهَذَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ , وَقَدْ أَحَاطَ بِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِمَالِهِ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ دَيْنُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَفْلِيسُهُ , وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ فَجَازَ إقْرَارُهُ كَسَائِرِ الْمُتَصَرِّفِينَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا حُكْمُ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ , وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لِبَعْضِ مَا بِيَدِهِ هَذَا إقْرَاضٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ الْمُفْلِسُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يُصَدَّقُ فِي الدَّيْنِ , وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِقْرَارٌ يُدْخِلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ النَّقْصَ فَلَمْ يَجُزْ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ فِي مَا لِي وَدِيعَةٌ أَوْ قِرَاضٌ , وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّ أَصْبَغَ قَالَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ , وَقَالَ أَصْبَغُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ , وَلَمْ يُقِرَّ بِدَيْنٍ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ زَادَ أَصْبَغُ , وَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا يُقَرُّ بِيَدِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَا يَقْبِضُهُ الْغُرَمَاءُ فِي دُيُونِهِمْ ) ‏ ‏فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُتْرَكُ لَهُ مَا فِيهِ نَفَقَةٌ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَلِعِيَالِهِ وَكِسْوَةٌ لَهُ وَلِأَهْلِهِ وَفِي كِسْوَةِ زَوْجَتِهِ شَكٌّ , وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُتْرَكُ لَهُ قَدْرُ نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ , وَلَا يُتْرَكُ لَهُ كِسْوَةُ زَوْجَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُتْرَكُ لَهُ لُبْسُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَزَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ الْأَيَّامَ , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ , وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرَ الشَّهْرِ , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إِنْ كَانَ الَّذِي يُوجَدُ لَهُ قَدْرُ نَفَقَتِهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ فَلْيُتْرَكْ لَهُ يَعِيشُ بِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ لِبَاسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَرَّى مِنْهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ سِتْرِهِ وَكَشْفِ عَوْرَتِهِ فَيُتْرَكُ لَهُ مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرُ لَا يُعَاوَضُ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْأَيَّامِ لِنَفْسِهِ وَلِبَنِيهِ الصِّغَارِ إِلَى أَنْ يَتَسَبَّبَ فِي وَجْهِ نَفَقَتِهِ لِأَنَّ إسْلَامَهُ لِلْهَلَاكِ دُونَ فَوْتٍ غَيْرُ جَائِزٍ , وَكَذَلِكَ إخْرَاجُهُ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ , وَأَمَّا كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا مَالِكٌ , وَصَرَّحَ سَحْنُونٌ بِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ , وَلَهَا كِسْوَةٌ سِوَاهَا مِمَّا يَمْلِكُهَا , وَهِيَ مِمَّا يَطُولُ بَقَاؤُهُ , وَيَدُومُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالنَّفَقَةِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْأَيَّامِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْأَثَاثِ وَالدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالْعُرُوضِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ بِهِ , وَيُبَاعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ يُسْتَأْنَى فِي بَيْعِ رِيعِهِ بِسُوقِ الشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ , وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْمُدَّةُ الْيَسِيرَةُ , وَكَذَلِكَ الْعُرُوضُ وَالْحَيَوَانُ أَسْرَعُ بَيْعًا , وَمَعْنَى ذَلِكَ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَعَ تَسَرُّعِ التَّغَيُّرِ إِلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَصِفَةُ بَيْعِهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا طَلَبًا لِلزِّيَادَةِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ , وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا تَوَقَّفَ النَّاسُ عَنْ الزِّيَادَةِ إِلَّا عِنْدَ تَوَقُّعِ إمْضَاءِ الْبَيْعِ , وَإِذَا أَمْضَى الْبَيْعَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزِّيَادَةِ فَكَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَبِيعَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لِيَكُونَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ يَعْلَمُ وَقْتَ فَوَاتِهَا فَلَا يُؤَخِّرُهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ سَرِيرَهُ وَقُبَّتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَخَاتَمَهُ قَالَهُ مَالِكٌ , وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ كُتُبِهِ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِ كُتُبُ الْعِلْمِ قَالَ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُجِيزُ بَيْعَهَا فِي الدَّيْنِ , وَغَيْرِهِ , وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا فَإِنَّ مَالِكًا مَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَغَيْرِهَا لِأَنَّ طَرِيقَهَا النَّظَرُ , وَلَيْسَ بِمَقْطُوعٍ بِصِحَّتِهَا , وَجَوَّزَ بَيْعَ الْمُصْحَفِ لِصِحَّةِ مَا فِيهِ , وَقَدْ أَبَاحَ بَيْعَهَا الْجُمْهُورُ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِيعَتْ كُتُبُ ابْنِ وَهْبٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ , وَأَصْحَابُنَا مُتَوَافِرُونَ فَمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا تُؤَجَّرُ أُمُّ وَلَدِ الْمُفْلِسِ , وَيُؤَاجِرُ مُدَبَّرَهُ , وَتُبَاعُ كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَد إنَّمَا بَقِيَ لَهُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ , وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاعُ , وَلَا يُوهَبُ , وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّ خِدْمَتَهُ لِلْمُفْلِسِ , وَهُوَ يَعُودُ مَالًا فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ كِتَابَةُ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ مُؤَجَّلٌ يُطْلَبُ بِهِ الْمَكَاتِبُ , وَيَصِحُّ بَيْعُهُ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا سَلَّمَ فِيهِ مِنْ الْعُرُوضِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يُجْبَرُ الْمُفْلِسُ عَلَى اعْتِصَارِ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ , وَلَا عَلَى الْأَخْذِ بِشُفْعَةٍ لَهُ فِيهَا فَضْلٌ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَمْلِكُ , وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ هِبَةٍ تُوهَبُ لَهُ أَوْ وَصِيَّةٍ يُوصَى لَهُ بِهَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ , وَلَوْ بَذَلَ لَهُ رَجُلٌ السَّلَفَ وَالْعَوْنَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ وَرِثَ أَبَاهُ فَالدَّيْنُ أَوْلَى بِهِ , وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ الدَّيْنِ فَيَعْتِقَ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ لَعَتَقَ , وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوهَبْ لَهُ لِيَبِيعَهُ الْغُرَمَاءُ , وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْعِتْقَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمَرْأَةُ الْمِدْيَانَةُ تُفَلَّسُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَلَيْسَ لِغُرَمَائِهَا أَخْذُ مَهْرِهَا فِي دَيْنِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ كَالدِّينَارِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْضِيَهُمْ جَمِيعَ صَدَاقِهَا , وَتَبْقَى بِلَا جِهَازِهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجِهَازِ , وَعَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا رَهِقَ الرَّجُلَ دَيْنٌ فَزَعَمَ فِي جَارِيَةٍ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مِنْهُ رَوَى عِيسَى , وَمُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونَ قَدْ فَشَا هَذَا قَبْلَ ادِّعَائِهِ أَوْ كَانَ يَذْكُرُ ذَلِكَ , وَإِلَّا بِيعَتْ لِلْغُرَمَاءِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتَحَاصُّ فِيهِ الْغُرَمَاءُ مِنْ مَالِهِ ) ‏ ‏الْمَالُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أُوقِفَ لِذَلِكَ أَوْ بِيعَ لَهُ بَعْضُ مَا وُجِدَ لَهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ , وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ , وَمُطَرِّفٌ , وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْقَضَاءُ فِيهَا , وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقِسْمَةِ , وَلِذَلِكَ كَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ , وَهَذَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتْ الدُّيُونُ عَيْنًا , وَكَانَ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ مِثْلَهُ فِي صِفَتِهِ فَأَمَّا إِنْ كَانَ دَيْنُهُ عُرُوضًا فَقَدْ قَالَ يُتَحَاصُّ بِقِيمَتِهِ , ويشتري لَهُ بِذَلِكَ مِثْلَ عُرُوضِهِ فَاَلَّذِي يُحَاصُّ بِهِ الْعَيْنُ فَلِذَلِكَ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حِينَئِذٍ تَفَرَّدَ بِمِلْكِهِ , وَمِنْ أَجْلِهِ نُقِلَ إِلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إِنْ كَانَ بِيعَ بِهِ عَرْضٌ , وَإِذَا كَانَ مَالُهُ طَعَامًا , وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ طَعَامًا فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا , وَإِنَّمَا وُقِفَ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْهُ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا وُقِفَ لِلْبَيْعِ فَاَلَّذِي رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْمُفْلِسِ , وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَعَلَى هَذَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الْغُرَمَاءُ يَضْمَنُونَ الْعَيْنَ , وَالْمُفْلِسُ يَضْمَنُ غَيْرَهُ , وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ أَنَّ الْمُفْلِسَ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ حَتَّى يَقْتَسِمَهُ الْغُرَمَاءُ , وَرِوَايَةُ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ يَضْمَنُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَهُمْ وُقِفَ , وَبِسَبَبِهِمْ مُنِعَ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ فَضَمَانُهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمُفْلِسِ بِهِ تَعَلُّقٌ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حُقُوقِهِمْ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ حَقَّ التَّوْفِيَةِ بَقِيَ فِيهِ فَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُفْلِسِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَلَوْ اشْتَرَى مِنْ الْعَيْنِ سِلْعَةً بَعْدَ التَّوْقِيفِ لِمَنْ رِبْحُهَا ؟ فَقَالَ لِلْمُفْلِسِ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ قِيلَ لَهُ فَكَيْفَ رِبْحُهُ لَهُ , وَضَمَانُهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ؟ فَسَكَتَ.
‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ الْمُحَاصَّةِ ) ‏ ‏أَمَّا حُكْمُهَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى كُلِّ دَيْنٍ عَلَيْهِ مُؤَجَّلٍ أَجَلُهُ بِالْفَلَسِ , وَيُحَاصُّ صَاحِبُهُ لِغُرَمَائِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّ الْفَلَسَ مَعْنًى يُفْسِدُ الذِّمَّةَ فَاقْتَضَى حُلُولَ الدُّيُونِ كَالْمَوْتِ , وَمَالَهُ مِنْ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَبْقَى إِلَى أَجَلِهِ , وَيُبَاعُ لِغُرَمَائِهِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِهِ لِأَنَّ خَرَابَ الذِّمَّةِ لَا يُوجِبُ حُلُولَ الدُّيُونِ الَّتِي لَهَا , وَإِنَّمَا يُوجِبُ حُلُولَ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَيْهَا كَخَرَابِهَا بِالْمَوْتِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ مُتَمَاثِلًا كَالْعَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَوْ غَيْرِ مُتَمَاثِلٍ , فَإِنْ كَانَ مُتَمَاثِلًا وَكَانَ جَمِيعُهُ عَيْنًا صَيَّرَ مَالَهُ عَيْنًا , وَيُقَاسِمُهُ الْغُرَمَاءُ بِأَنْ يَعْلَمَ مَا لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَيُجْمَعُ ثُمَّ يَنْظُرُ كَمْ مِقْدَارُ مَا وُجِدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ أَخَذَ كُلُّ غَرِيمٍ نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ , وَاتَّبَعَهُ بِالْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ مَتَى أَيْسَرَ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَدْفَعُ فِيمَا لَهُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ أَنَّ إصَابَتَهُ بِالْمُحَاصَّةِ قِيمَتُهَا , وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ كَطَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِذَا كَانَ مَالُهُ طَعَامًا , وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ دُفِعَ إِلَى غُرَمَائِهِ يُرِيدُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا لَهُمْ كَالْعَيْنِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ , وَعَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ كَانَ مَالُهُ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ دَرَاهِمُ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَصْرِفُهَا إِلَّا أَنْ يَصْرِفَهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا تَسْوَى بِرِضَاهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ , وَيُجْمَعُ إِلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيَوَانِ , وَالثِّيَابِ فِي لُزُومِ بَيْعِهَا , وَإِنْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهَا تَحَاصَّوْا فِيهَا بِصَرْفِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عُرُوضًا فَاشْتَرَى بَعْضُ الْغُرَمَاءِ شَيْئًا مِمَّا بِيعَ عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ مِنْ الْمُحَاصَّةِ.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ غَيْرَ مُتَمَاثِلٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ عُرُوضٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ حَيَوَانٌ وَعَيْنٌ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَنْ أَفْلَسَ , وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ وَحَيَوَانٌ أُسْلِمَ إِلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُحَاصُّ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ اشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا شَرَطَهُ , وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ حَاصَّ بِقِيمَتِهِ فَمَا أَصَابَهُ بِذَلِكَ يَشْتَرِي لَهُ بِهِ مِثْلَ طَعَامِهِ مَا بَلَغَ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْقِيمَةِ ثَمَنًا , وَلَوْ كَانَ السَّلَمُ فِي وَصِيفٍ فَدَفَعَ لَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ نِصْفَ وَصِيفٍ خُيِّرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نِصْفَ وَصِيفٍ , وَيُتَّبَعُ الْمُفْلِسُ بِنِصْفِ وَصِيفٍ إِذَا أَيْسَرَ وَبَيْنَ أَنْ يُتْرَكَ حَتَّى يَيْسَرَ صَاحِبُهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ وَصِيفًا كَامِلًا , وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ وَيَتَّبِعَهُ بِنِصْفِ وَصِيفٍ أَوْ يَهَبَهُ مَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَصَابَهُ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ فَأَقَلَّ فَيَكُونَ إقَالَةً جَائِزَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقِيمَةِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْمُحَاصَّةِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْ حَلَّ , وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَأَخَّرَ الشِّرَاءُ حَتَّى غَلَا سِعْرُهُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّهُ لَا تَرَاجُعَ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ , وَأَمَّا التَّحَاسُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْلِسِ فَفِي زِيَادَةِ ذَلِكَ أَوْ نُقْصَانِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِالْقِسْمَةِ قَدْ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا صَارَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ , وَصَارَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِ فَزِيَادَتُهُ وَنُقْصَانُهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ ‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ مَالِهِ مِنْ السَّلَمِ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي السَّلَمِ فَإِنْ كَانَ وَصَفَ الطَّعَامَ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَشْتَرِي لَهُ أَدْنَى مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ , وَقَدْ قِيلَ أَوْسَطُ تِلْكَ الصِّفَةِ , وَمَعْنَى ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلَمَ إِلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مَعَ التَّشَاحِّ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ ) ‏ ‏وَأَمَّا مَا تَقَعُ فِيهِ الْمُحَاصَّةُ فَهُوَ كُلُّ دَيْنٍ ثَابِتٍ قَدْ لَزِمَ ذِمَّتَهُ , وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَاصَّ غُرَمَاءَ الزَّوْجِ بِصَدَاقِهَا أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ عَنْهُ , وَهَذَا إِذَا كَانَ قَدْ بَنَى بِهَا فَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تُحَاصُّ بِجَمِيعِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ لَهُ إسْقَاطُ بَعْضِهِ بِطَلَاقِهَا , وَلَهُ إثْبَاتُهُ بِاسْتِدَامَةِ نِكَاحِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَأْثِيرَ لِطَلَاقِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ , وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا جَمِيعَهُ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ حَاصَّتْ الْغُرَمَاءَ بِمَا وَجَبَ لَهَا مِنْهُ , وَهُوَ نِصْفُهُ , وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا جَمِيعَهُ كَانَ لَهَا نِصْفُهُ , وَالنِّصْفُ الثَّانِي دَيْنٌ لَهَا عَلَيْهِ تُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ , وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا نِصْفَهُ.
فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ , وَقَدْ كَانَ نَقَدَهَا خَمْسِينَ , وَبَقِيَ لَهَا خَمْسُونَ مُؤَخَّرَةٌ , وَفَلِسَ الزَّوْجُ فَلْتَرُدَّ نِصْفَ النَّقْدِ , وَتُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فِيمَا تَرُدُّ بِنِصْفِ الْمَهْرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَهَذَا إِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ أَفْلَسَ فَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا , وَهُوَ قَائِمٌ الْوَجْهُ فَقَدْ أَوْجَبَ لَهَا مَا أَخَذَتْ , وَتَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ فَلَسِهِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ , وَأَمَّا إِنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفَلَسِ فَجَوَابُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَحِيحٌ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِيهِ نَظَرٌ , وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ , وَمَعْنًى آخَرَ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ نَقَدَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ نَقَدَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ فَهَذَا إنَّمَا سَلَّمَهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جَمِيعِ صَدَاقِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَالِ فَلَسِهِ كَانَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ التَّرَاجُعِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْفَلَسِ فَلَمْ ينتجز بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَا مُحَاصَّةَ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ , وَبَقِيَ نِصْفُ الْمُؤَجَّلِ إِلَى أَنْ يَجِيءَ أَجَلُهُ , وَأَمَّا إِنْ تَقَاصَّا فِي ذَلِكَ , وَرَضِيَ الزَّوْجُ بِتَرْكِ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا فِي الْمُعَجَّلِ فَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ , وَلَا تَرْجِعُ هِيَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ صَدَاقِهَا , وَلَا أَنَّهُ حَقٌّ لِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ , وَإِنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُ مَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَكُونَ قَضَاهَا دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ مُعَامَلَةٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ سَبَبِهَا شَيْءٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ صَالَحَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ إِلَى شَهْرٍ فَأَفْلَسَتْ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ لَهُ عَلَيْهَا قَدْ اسْتَوْفَتْ مَا عَاوَضَتْ بِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا ثَوْبًا قَبَضَتْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمُطَلَّقَةُ الْحَامِلُ لَا تَضْرِبُ بِنَفَقَةِ الْحَمْلِ مَعَ الْغُرَمَاءِ , وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ فِي الْعِصْمَةِ لَا تَضْرِبُ بِنَفَقَتِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ عَنْ دَيْنٍ لَمْ يُقْبَضْ بَعْدُ أَوْ نَفَقَةٍ عَلَى وَلَدٍ , وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ لِأَنَّ دُيُونَهُمْ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ , وَاسْتَوْفَى أَعْوَاضَهَا , وَأَمَّا الزَّوْجَةُ تُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهَا فِي غَيْبَةِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ دُونَ أَنْ يُرْفَعَ أَمْرُهَا إِلَى السُّلْطَانِ لَمْ يُحَاصَّ بِهِ الْغُرَمَاءُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ رَفَعَتْ إِلَى الْإِمَامِ فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِهِ فِي الْفَلَسِ , وَهَلْ تَضْرِبُ بِهِ فِي الْمَوْتِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ مَرَّةً تُحَاصُّ بِهِ فِي الْمَوْتِ كَالْفَلَسِ , وَقَالَ مَرَّةً تُحَاصُّ بِهِ فِي الْفَلَسِ دُونَ الْمَوْتِ , وَاخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ , وَوَجْهُهُ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَازِمٌ لِذِمَّتِهِ لِمَعْنًى مَاضٍ قَدْ اسْتَوْفَاهُ تَجِبُ الْمُحَاصَّةُ بِهِ فِي الْفَلَسِ فَوَجَبَتْ الْمُحَاصَّةُ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ مَا طَرِيقُهُ النَّفَقَاتُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ جُمْلَةً , وَلَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ , وَلِذَلِكَ لَا يُحَاصُّ بِهَا , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ لَزِمَتْ , وَثَبَتَتْ أَسْبَابُهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَضْرِبُ بِنَفَقَتِهِمْ فِي مَوْتٍ وَلَا فَلَسٍ , وَقَالَ أَشْهَبُ الْوَلَدُ كَالزَّوْجَةِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا نَفَقَةٌ لَا تَجِبُ إِلَّا مَعَ الْيَسَارِ فَلَا يُحَاصُّ بِهَا الْغُرَمَاءُ كَالْمُسْتَقْبَلِ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ تَلْزَمُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ فَإِذَا كَانَتْ لِأَمْرٍ مَاضٍ فِي وَقْتٍ يَلْزَمُ الْأَبَ النَّفَقَةُ وَجَبَ أَنْ يُحَاصَّ بِهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمٍّ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِأَمْرِ سُلْطَانٍ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ , وَالْأَبُ يَوْمَئِذٍ مَلِيءٌ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِهِمَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَوْمَ الْإِنْفَاقِ مُعْسِرًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُنْفِقِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا يَضْرِبُ بِهِمَا فِي مَوْتٍ , وَلَا فَلَسٍ قَالَ أَصْبَغُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ قُدِّرَتْ بِحُكْمٍ أَوْ تَسَلَّفَ وَهُوَ مَلِيءٌ يَوْمَئِذٍ فَإِنَّهَا تَضْرِبُ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ , وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهَا الْمَاضِيَةَ فَإِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ , وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُضْرَبَ بِهِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمَسْجُونُ فِي دَيْنِ امْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ , وَلَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سُجِنَ لِلتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ تُمْنَعْ لَذَّتَهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ قَالَهُ سَحْنُونٌ , وَلَوْ سُجِنَ الزَّوْجَانِ فِي حَقٍّ لَمْ يُمْنَعَا أَنْ يَجْتَمِعَا إِذَا كَانَ السِّجْنُ خَالِيًا , وَلَوْ كَانَ فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ حُبِسَ الزَّوْجُ مَعَ الرِّجَالِ , وَحُبِسَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ النِّسَاءِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا مَسْجُونَانِ فَلَمْ يُقْصَدْ لِكَوْنِهَا مَعَهُ إدْخَالُ الرَّاحَةِ عَلَيْهِ وَالرِّفْقُ بِهِ , وَإِنَّمَا قُصِدَ بِذَلِكَ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِذَا وَجَبَ السِّجْنُ عَلَيْهِمَا لَمْ يُمْنَعَا الِاجْتِمَاعَ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأَبَوَيْنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْقَرَابَاتِ فِي السِّجْنِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ فِي الْحُقُوقِ مِمَّنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ , وَلَا مِمَّنْ يَخْدُمُهُ , وَإِنْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ , وَاحْتَاجَ إِلَى أَمَةٍ تَخْدُمُهُ , وَتُبَاشِرُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاشِرُ غَيْرُهَا , وَتَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ مَعَهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ , وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْعَهُ مِمَّا تَدْعُوهُ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْعَنَتِ عَلَيْهِ , وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُمْنَعُ الْمَسْجُونُ مِنْ الْخُرُوجِ إِلَى الْجُمْعَةِ وَالْعِيدِ , وَلَا يَخْرُجُ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَا غَيْرِهَا , وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ بِحَجَّةٍ حَنِثَ بِهَا أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قِيَم عَلَيْهِ بِأَنْ حُبِسَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ , وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهَا لِعِبَادَةٍ لَا يَفُوتُ وَقْتُهَا قَالَ : وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَوْمَ نُزُولِهِ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ عَرَفَةَ , وَهُوَ مُحْرِمٌ اسْتَحْسَنْت أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْبَسُ بَعْدَ النَّفَرِ الْأَوَّلِ , وَاسْتَحْسَنَ إِذَا اشْتَدَّ مَرَضُ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ أَخِيهِ , وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْ أَقْرِبَائِهِ , وَخِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ , وَيُؤْخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ , وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قَرَابَتِهِ رَوَى ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ سَحْنُونٍ , وَهَذَا سَائِغٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالِاسْتِحْسَانِ فَأَمَّا الْقِيَاسُ , وَالنَّظَرُ فَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ , وَمَنْ أَنْكَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِحْسَانَ مَنَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ , وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ , وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَمَلَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى وَجْهِهِ , وَقَالَا بِذَلِكَ فِي الْبَائِعِ الْمُفْلِسِ يَجِدُ مَتَاعَهُ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ , وَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ , وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ حَجَّةٌ عَلَيْهِ , وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ , وَهُوَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا الْمَالِكِيُّونَ وَالْحَنَفِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُسْنَدٌ , وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فَلَسَ الْمُبْتَاعِ بِثَمَنِ المَبِيعِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى صِفَتِهِ , وَعَدَمَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ يُوجِبُ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ , وَيَجْعَلُهُ أَحَقَّ بِهِ إِنْ شَاءَ أَصْلُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهُمَا بِمَاذَا ثَبَتَتْ السِّلْعَةُ لِلْبَائِعِ , وَالثَّانِيَةُ فِيمَا تَثْبُتُ فِيهَا لِصَاحِبِهَا , وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِيمَا تَثْبُتُ فِيهَا لِلْغُرَمَاءِ , فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِيمَا تَثْبُتُ فِيهِ السِّلْعَةُ لِلْبَائِعِ , وَأَنْ يَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ , وَقَالَ الْمُفْلِسُ هِيَ لَهُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِّ بَيِّنَةٌ فَقَالَ عِنْدَ التَّفْلِيسِ هَذَا مَتَاعُ فُلَانٍ فَقِيلَ يَكُونُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْلِفُ بَائِعُ الْعَبْدِ , وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ , وَلَمْ يَذْكُرْ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ بِأَصْلِ الْحَقِّ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَلَسِ , وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ جَائِزٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ , وَلَعَلَّ هَذَا فِي الصُّنَّاعِ , وَالْخِلَافُ فِيهِ وَاحِدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي غَيْرِهَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ , وَالصُّنَّاعُ لَا يَتَعَلَّقُ مَا سُلِّمَ إِلَيْهِمْ بِذِمَمِهِمْ , وَإِنَّمَا يَضْمَنُونَهُ إِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ مَا , وَقِيلَ إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الشُّهُودُ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِعَبْدٍ أَوْ سِلْعَةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَعْيِينِهَا بَعْدَ التَّفْلِيسِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَصْلِ الْحَقِّ , وَافْتَرَقَ بِذَلِكَ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ لَهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي حُجَّةَ الْبَائِعِ لَا سِيَّمَا , وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُكَذِّبُ قَوْلَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْبَائِعَ مُدَّعٍ فِي تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ , وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ عَلَى عِلْمِهِمْ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ الْبَائِعُ , وَأَخَذَهَا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمَّا لَزِمَتْهُ , وَعَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ فِيمَا يَقُولُ , وَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِعَيْنِ الْعَبْدِ فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ , وَحَلَفَ أَنَّهُ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ , وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ تَسْلِيمِهَا , وَيُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِثَمَنِهَا سَوَاءٌ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ لَهُ إِلَّا سِلْعَتُهُ , وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْمُحَاصَّةِ بِثَمَنِهَا , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ السِّلْعَةَ قَدْ مَلَكَهَا الْمُفْلِسُ بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ فَلَمَّا غَابَتْ ذِمَّتُهُ , وَدَخَلَ الثَّمَنَ النَّقْصُ كَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ , وَيَرْجِعَ بِسِلْعَتِهِ , وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُدَهُ , وَيُحَاصَّ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ , وَلَيْسَ فِي الْإِفْلَاسِ مَعْنًى يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْبَائِعِ إِلَّا سِلْعَتُهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ثَمَنِهَا قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَلَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ الثَّمَنَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ , وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَفْدُوهَا بِأَمْوَالِهِمْ , وَلَكِنْ يَفْدُوهَا بِثَمَنِهَا فِي مَالِ الْمُفْلِسِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ , وَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ حَتَّى يَزِيدُوا عَلَى الثَّمَنِ زِيَادَةً يَحُطُّونَهَا عَنْ الْمُفْلِسِ مِنْ دَيْنِهِمْ وَتَكُونُ لَهُمْ السِّلْعَةُ لَهُمْ نَمَاؤُهَا , وَعَلَيْهِمْ تَوَاهَا , وَفِي هَذَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهِ تَصَيُّرِ الْمِلْكِ إِلَى الْمُفْلِسِ فَيَكُونُ الْمُصَيَّرُ أَحَقَّ بِهَا , وَالثَّانِي فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا فَأَمَّا الْبَابُ الْأَوَّلُ فَبِأَيِّ وَجْهٍ صَارَتْ السِّلْعَةُ إِلَى الْمُفْلِسِ مِنْ وُجُوهِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْ صَيَّرَهَا إِلَيْهِ أَحَقَّ بِهَا , فَمَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَبْدًا أَوْ سِلَعًا قَبَضَتْهَا ثُمَّ أَفْلَسَتْ , وَقَدْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِنِصْفِ مَا وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَكَانَ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيْعِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ وَهَبَ لِثَوَابٍ فَتَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ ثُمَّ فَلِسَ فَإِنَّ الْوَاهِبَ أَحَقُّ بِهَا كَالْبَيْعِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ , وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالُوا إِلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْغُرَمَاءُ قِيمَتَهَا , وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ الْغَازِينَ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمَّ فَلِسَ فَأَهْلُ الْمَغْنَمِ الَّذِينَ بَاعُوهُ أَوْلَى بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ سَهْمِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ فِي ذَلِكَ شَرْطًا قَالَ وَذَلِكَ إِذَا كَانَ شِرَاؤُهُ مِنْهُمْ خَاصَّةً بِمِقْدَارِ مَا صَارَ لَهُ وَلَهُمْ دُونَ الْجَيْشِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَمْ يَحُلْ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ , فَأَمَّا إِنْ حِيلَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ عَلَى حَقِّهِ فَالْمُحَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا احْتَالَ , وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَشْتَرِ مِنْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ إذْ لَيْسَتْ بِسِلَعٍ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ إنَّمَا هِيَ غَنَائِمُ يَبِيعُهَا السُّلْطَانُ لِلْخُمُسِ وَالْجَيْشِ , والمحيل لَيْسَ بِبَائِعٍ , وَإِنَّمَا أُحِيلَ بِدَيْنٍ فَهُوَ , وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَ أَصْبَغُ , وَادَّعَى أَنْ يَكُونَ الْمُحَالُ يَقُومُ مَقَامَ مَنْ أَحَالهُ سَوَاءٌ يَكُونُ أَحَقَّ بِمَا زَادَ ثَمَنُهُمْ عَلَى سَهْمِهِ عَلَى مَا كَانَ اشْتَرَى يَوْمَ الشِّرَاءِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَأَفْلَسَ الْبَائِعُ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ الْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِالسِّلْعَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا , وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا , وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ الْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا , وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِدَيْنٍ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَذَلِكَ سَوَاءٌ إِلَّا أَنْ يَجِدَ ثَمَنَهَا بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبَضَهَا قَبْضًا يَتَمَلَّكُ بِهِ كَانَ كَالرَّهْنِ بِيَدِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا لَهُ فِيهَا , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِعَيْنِ سِلْعَتِهِ الَّتِي سَلَّمَ لَا بِمَا سُلِّمَ إِلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَرَدَّهَا بِعَيْبٍ ثُمَّ أَفْلَسَ الْبَائِعُ فَوَجَدَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ بِعَيْنِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ أَحَقَّ بِهِ , وَأَشَارَ ابْنُ الْمَوَّازِ إِلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَا دَفَعَ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ إِنْ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ , وَإِنَّمَا هُوَ نَقْصٌ لِلْبَيْعِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ تَصَيُّرِ الْمِلْكِ إِلَى الْمُفْلِسِ فَيَكُونُ الْمُصَيَّرُ أَحَقَّ بِهَا ) ‏ ‏وَأَمَّا مَا يَثْبُتُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا , وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهَا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا هِيَ سِلْعَتُهُ بِعَيْنِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ زَيْتَهُ لِأَنَّهَا سِلْعَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَكَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا فِي فَلَسِ الْمُبْتَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِنْدَ الْمُبْتَاعِ غَيْرُ مَزْجِهَا بِمَا هُوَ مِثْلُهَا , وَذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَلْطَ الرَّجُلِ مِلْكَهُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ , وَبَيْعُهُ يَخْرُجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي يَنْقُلُ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مِلْكِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُبْتَاعِ فَبِأَنْ لَا يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَزْجِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْ أَشْهَبَ فِي قَوْمٍ اكْتَرَوْا إبِلًا , وَدَفَعُوا الثَّمَنَ ثُمَّ فَلِسَ الْجَمَّالُ , وَوُجِدَتْ دَنَانِيرُ أَحَدِهِمْ بِيَدِ الْجَمَّالِ بِعَيْنِهَا أَشْهَدُ عَلَيْهَا أَنَّ دَافِعَهَا لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بِخِلَافِ السِّلْعَةِ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ , وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ دَفَعَ إِلَى صَرَّافٍ مِائَةَ دِينَارٍ قَبَضَهَا فِي كِيسِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ مَكَانَهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ , وَالثَّانِي مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَتَاعِهِ إِنْ شَاءَ , وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمَوْتِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ حُكْمِ الْفَلَسِ لِأَنَّهُ فِي فَلَسِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ , وَفِي مَوْتِ الْمُبْتَاعِ الْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ , وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ , وَقَالَ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلْسِ , وَهُمَا سَوَاءٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمُبْتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ , وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِمَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَلَيْسَتْ بِأَصَحَّ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ثِقَةٌ , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ حَظَّ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَانْفِرَادِهِ , وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ أَنَّ فِي الْفَلَسِ الذِّمَّةُ بَاقِيَةٌ يَرْجِعُ الْغُرَمَاءُ إلَيْهَا , وَيَنْتَظِرُونَ الِاقْتِضَاءَ مِنْهَا , وَفِي الْمَوْتِ تَبْطُلُ الذِّمَّةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِحَقِّ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَنْ مَالٍ قَدْ مَلَكَهُ غَرِيمُهُمْ لَا رُجُوعَ لَهُمْ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ يُوقِفَ لِلْبَائِعِ سِلْعَتَهُ , وَأَمَّا إِنْ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُفْلِسِ السُّلْطَانُ يُوقِفُ مَالَهُ , وَيُوقِفُ مِنْهُ سِلْعَةً لِبَائِعِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ السِّلْعَةَ لِبَائِعِهَا إِذَا وَقَفَهَا لَهُ السُّلْطَانُ , وَإِنْ مَاتَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ , وَلَيْسَ إيقَافُ الْمَالِ إيقَافًا لَهُ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا الْبَائِعُ , وَأَرَادَ أَخْذَهَا فِي حَيَاةِ الْمُبْتَاعِ , وَأَبَى ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهَا فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ , وَكَذَلِكَ لَوْ ابْتَاعَ مِنْهُ طَعَامًا عَلَى الْكَيْلِ فَلَمْ يَكْتَلْهُ حَتَّى مَاتَ الْبَائِعُ فَالْمُبْتَاعُ أَحَقُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ.


حديث أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من...

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أفلس، فأدرك الرجل ماله بعينه، فهو أحق به من غيره»

أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء

عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة، قال أبو رافع فأمرني رسول الله صل...

هذه خير من دراهمي التي أسلفتك فقال قد علمت ولكن نف...

عن حميد بن قيس المكي، عن مجاهد أنه قال: استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم، ثم قضاه دراهم خيرا منها، فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي...

من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه

عن نافع، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: «من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه»

رسول الله ﷺ قال لا يبع بعضكم على بيع بعض

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»

لا تلقوا الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض و...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلقوا الركبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل...

أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها وليس في نفسك اشتراؤه...

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن النجش» قال مالك: «والنجش أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها، وليس في نفسك اشتراؤها فيقتدي بك غي...

إذا بايعت فقل لا خلابة

عن عبد الله بن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بايعت فقل: لا خلابة "، قال:...

إذا جئت أرضا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام به...

عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: «إذا جئت أرضا يوفون المكيال، والميزان فأطل المقام بها، وإذا جئت أرضا ينقصون المكيال والميزان، فأقلل المق...