1385- عن ابن شهاب، أنه سأله عن الرجل " يتكارى الدابة، ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به، فقال: لا بأس بذلك "
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَكْتَرِي الدَّابَّةَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ , وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَطَاوُسٌ , وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِمِثْلِ مَا أَكْرَاهَا بِهِ , وَأَقَلَّ , وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَى مِلْكِهِ كَبَائِعِ الْأَعْيَانِ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا , وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهَا أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا , وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِمَّا يَصِحُّ بَدَلَ مَنَافِعِهِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاعِينِ , وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَإِجَارَتُهُ قَرْضُهُ , وَالْأُجْرَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ , وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ , وَغَيْرُهُ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ , وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إِذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ , وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ لَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُسْتَأْجَرَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْتَرِيهَا وَيَحْمِلُ , وَلَهُ غَرَضٌ بِأَنْ يَرَى النَّاسَ أَنَّ مَعَهُ مَالًا كَثِيرًا فَيُتَاجِرَ وَيُنَاكِحَ , وَإِنَّمَا قُلْنَا يَكُونُ الْمَالِكُ مَعَهُ لِئَلَّا يُنْفِقَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيُعْطِيَهُ بَدَلَهَا وَيَزِيدَهُ الْأُجْرَةَ فَيَكُونَ قَرْضًا بِعِوَضٍ , وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا مَنَعَ اسْتِئْجَارَهَا لِمَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا , وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَا أَبَاحَ اسْتِئْجَارَهَا بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ , وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ لِمَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى بُدُوِّ صَلَاحِهِ , وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِيَمُدَّ عَلَيْهَا الْحِبَالَ , وَيَبْسُطَ الْغَسَّالُ الثِّيَابَ عَلَيْهَا , وَمَا جَرَى مُجْرَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ لِلْمُكْرِي فَسْخَهُ لِلْعَدْلِ مِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ حَمَّالًا لِسَفَرٍ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ أَوْ يَمْرَضَ فَلَهُ الْفَسْخُ أَوْ يَكْتَرِيَ دَارًا ثُمَّ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ دُكَّانًا يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَكَانَ لَازِمًا بِالشَّرْعِ كَالْبَيْعِ , وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُكْرِي فَسْخَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُكْتَرِي فَسْخَهُ لِأَنَّهُ كَالْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ.
( مَسْأَلَةٌ ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَضْمُونَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُقْصَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنٍ , وَإِجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً مُعَيَّنَةً , وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً يَأْتِيهِ بِهَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَمَلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَنَافِعِهَا , وَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ دَابَّةً مَوْصُوفَةً فِي ذِمَّتِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مَنَافِعَهَا.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ كِرَاءً مَضْمُونًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْيِينَ يُنَافِي الضَّمَانَ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَةَ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهَا , وَالْكِرَاءُ بِعَيْنِهَا , وَمَعْنَى ذَلِكَ مَنَافِعُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا لَا يَقُومُ غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ مَقَامَهَا , وَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْكَرِيِّ فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا , وَكَانَ لِلْمُكْتَرِي عَلَى الْكَرِيِّ مِنْ ثَمَنِ الْمَنَافِعِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنَافِعَ دَابَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكِرَاءَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يَتَقَدَّرُ عَمَلُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ بِالْعَمَلِ , وَبِالزَّمَنِ فَالْعَمَلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ارْكَبْ هَذِهِ الدَّابَّةَ إِلَى الرَّمْلَةِ أَوْ إِلَى مِصْرَ أَوْ إِلَى بَرْقَةَ أَوْ إِلَى مَكَّةَ , وَأَمَّا الْمُقَدَّرَةُ بِالثَّمَنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا شَهْرًا , وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَا يَكْتَرِي عَلَيْهِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لِيَكُونَ لِلْعَمَلِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ , وَإِلَّا كَانَ مَجْهُولًا , وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ التَّقْدِيرَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا عَاوَضَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةَ الْمَحْضَةَ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ فِيهَا حَتَّى تَحْضُرَ , وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ إِنْ اشْتَرَطَ تَأْخِيرَ النَّقْدِ إِلَى الْبُلُوغِ فَذَلِكَ جَائِزٌ , وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّقْدَ لَا يَجُوزُ فِيهَا حَتَّى تَحْضُرَ فَإِذَا حَضَرَتْ جَازَتْ حِينَ النَّقْدِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْطِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَهَلْ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ رُكُوبِهَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَنْقُدْ , وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْغَرَرَ الْيَسِيرَ جَائِزٌ فِي الْعُقُودِ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ النَّقْلِ , وَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِهَا السَّلَامَةُ , وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ فِي الْمُعَيَّنِ إِلَى شَهْرٍ , وَابْتِيَاعِهِ إِلَى شَهْرَيْنِ الْمَنَافِعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ , وَلَا مَوْجُودَةٍ , وَلِعَدَمِ التَّعْيِينِ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِ التَّأْخِيرِ , وَوَجْهٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي تَعْجِيلَ النَّقْدِ , وَالْإِجَارَةُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ النَّقْدِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْمَنَافِعُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ تَأْخِيرُ قَبْضِ الْمَنَافِعِ فِي الْعَقْدِ تَأْثِيرًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مُقْتَضَاهُ , وَفِي الْبَيْعِ إِنْ عُجِّلَ دَخَلَهُ تَارَةً بَيْعٌ , وَتَارَةً سَلَفٌ , وَإِنْ أُخِّرَ فَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ.
( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيمَا بَعُدَ , وَيَجُوزُ فِيمَا قَرُبَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَنْقُدَ الْكِرَاءَ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ , وَوَجْهُ ذَلِكَ إنَّهُ مُدَّةٌ يَكْثُرُ فِيهَا تَغْيِيرُ الْحَيَوَانِ لَا سِيَّمَا مَعَ اسْتِخْدَامِ صَاحِبِهِ لَهُ , وَإِتْعَابِهِ إِيَّاهُ فِيمَا يُرِيدُهُ , وَيُعْجِبُهُ فَيَحْتَاجُ بِتَغَيُّرِهِ إِلَى رَدِّ الْكِرَاءِ فَيَكُونُ تَارَةً كِرَاءً وَتَارَةً سَلَفًا.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ إطْلَاقَ عَقْدِ الْكِرَاءِ فِي مَنَافِعِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَ النَّقْدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ , وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ نَدَبَ إِلَى تَعْجِيلِ قَضَاءِ حَقِّهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهِ , وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ , وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُعَوَّضُ عَلَيْهِ دُونَ ذِكْرِ تَأْجِيلٍ فَلَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إِلَّا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَثْمُونِ كَالْأَعْيَانِ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ عُرْفٌ مِنْ نَقْدٍ أَوْ تَأْخِيرٍ حَمَلُوا عَلَيْهِ , وَإِلَّا فَكُلَّمَا عَمِلَ جُزْءًا مِنْ الْعَمَلِ اسْتَحَقَّ بِقَدْرِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَغَيْرُهُ , وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً بِأَنْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ بِعَمَلِ شَهْرٍ بِثَوْبٍ فَإِنْ كَانَ كِرَاءُ النَّاسِ عِنْدَهُمْ عَلَى النَّقْدِ أُجْبِرَ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّوْبِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالنَّقْدِ لَمْ تَصْلُحْ الْإِجَارَةُ , وَلَا الْكِرَاءُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ النَّقْدَ , وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ مَبِيعٌ مُعَيَّنٍ لَا يُقْبَضُ إِلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْعُرُوضُ , وَالطَّعَامُ فِي هَذَا سَوَاءٌ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْكِرَاءُ بِهَذَا كُلِّهِ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَ سُنَّةُ النَّاسِ مِنْ التَّأْخِيرِ فَهُوَ عَلَى التَّعْجِيلِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّأْخِيرُ تَصْرِيحًا , وَقَالَهُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُرْفِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ لَا حُكْمَ لِلْعُرْفِ الْفَاسِدِ , وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ , وَالْحُكْمُ لِلْعُرْفِ الصَّحِيحِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ شَرَطَ أَنْ يُمْسِكَهُ الثَّوْبَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ إِنْ كَانَ يُمْسِكُ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوْ الْخَادِمَ لِيَخْدُمَ أَوْ الدَّابَّةَ لِيَرْكَبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَحْبِسَ ذَلِكَ لِلِاسْتِيثَاقِ لِلْإِشْهَادِ أَوْ نَحْوَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ , وَلَا أَفْسَخُ بِهِ الْبَيْعَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ قِصَرُ الْمُدَّةِ وَقِلَّةُ الْغَرَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ , وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ.
.
( فَصْلٌ ) فَأَمَّا الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَجَّلًا بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ هَذَا حُكْمُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ مِنْهَا إِلَّا عَلَى مَوْجُودٍ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهِ فِيمَنْ يُعْتَبَرُ بِقَوْلِهِ , وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَك إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ فِي الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَى مَنَافِعِهَا إنَّمَا هُوَ تَعْيِينٌ لِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَكَذَلِكَ عَلَى مَنَافِعِ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ حُكْمَ كِرَاءِ الرَّاحِلَةِ الْمَضْمُونَةِ إِلَى أَجَلٍ عَلَى تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ , وَهَلْ يَجُوزُ فِيهِ التَّأْخِيرُ قَالَ مَالِكٌ إِذَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا كَالْمُتَكَارِي إِلَى غَيْرِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلْيُقَدِّمْ مِنْهُ الدِّينَارَيْنِ , وَنَحْوَهُمَا , وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَضْمُونِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ الرُّكُوبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ , وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ الدَّنَانِيرَ حَتَّى يَأْتِيَ بِالظَّهْرِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ , وَكَمْ مِنْ مُكْرٍ يَهْرَبُ بِالْكِرَاءِ أَوْ يَتْرُكُ أَصْحَابَهُ , وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ تَأْخِيرَ النَّقْدِ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَنْقُدَ أَكْثَرَ الْكِرَاءِ أَوْ ثُلُثَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَطَعَ الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ بِتَأْخِيرِ النَّقْدِ وَنَقْدِهِ الدِّينَارَ , وَنَحْوَهُ , وَسَوَاءٌ كَانَ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَجَلًا بَعْدَ تَبْلِيغِ الْحُمُولَةِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْكِرَاءِ لِلْحَجِّ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْكِرَاءِ لِغَيْرِ الْحَجِّ وَآخِرُ مَا قَالَهُ فِيهِ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ الْعَامَّةِ الشَّامِلَةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ حَالًا وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْدٍ لِأَنَّ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ قَدْ تَعَجَّلَ وَأَخَذَهُ فِي الرُّكُوبِ وَتَمَادِيهِ فِيهِ يَقُومُ مُقَامَ اسْتِعْجَالِهِ كَمَا يَقُولُهُ فِي الْمَقَاثِي والمبطخة وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَمْ يُخْلِفْ أَكْثَرَهُ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ لِسَابِقِهِ وتتابعه.
( مَسْأَلَةٌ ) وَالْمَرْكُوبُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَرَّفَ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ فَالْمُشَاهَدُ يُشَارُ إِلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ اكْتَرَيْتُك هَذِهِ الرَّاحِلَةَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوِ الْعَبْدَ , وَالْمَوْصُوفُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِلْحَمْلِ وَمَا يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ , وَالذَّكَرُ أَصْعَبُ مِنَ الْأُنْثَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا تَتَعَيَّنُ الدَّابَّةُ وَلَا السَّفِينَةُ بِكَوْنِهَا فِي مِلْكِ الْمُكْتَرِي وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَكْتَرِي مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا وَلَهُ دَابَّةٌ أَوْ سَفِينَةٌ أَحْضَرَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ غَيْرَهَا إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَحْمِلُنِي عَلَى هَذِهِ فَهَلَكَتْ بَعْدَ أَنْ رَكِبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ غَيْرِهَا وَذَلِكَ عَلَى الضَّمَانِ وَمَتَى اشْتَرَطَ أَنِّي أُكْرِيكَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِهَلَاكِهَا أَوْ يُكْرِي مِنْهُ جُزْءًا مِنْ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَالتَّعْيِينِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ أيده اللَّهُ : وَهَذَا عِنْدِي إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمُونَ مَوْصُوفٌ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ تَوَاصَفَا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْكِرَاءَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْكِرَاءِ ثُمَّ أَحْضَرَهُ مَا فِي مِلْكِهِ قَضَاءً عَنِ الْمَضْمُونِ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَا تَوَاصَفَا شَيْئًا فَيَكُونَ مَا أَحْضَرَ مِنَ الرَّاحِلَةِ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ يَقُومُ مُقَامَ الْوَصْفِ لِمَا عَقَدَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِحْضَارُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَهَذَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ يَحْمِلُنِي عَلَى دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ وَلَمْ يُسَمِّهَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِشَيْءٍ مَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ الْعَقْدِ فِيهِ إِلَّا عَلَى الْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
( فَصْلٌ ) ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَإِنْ عُيِّنَتْ لِذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ كَالْوَصْفِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ تَتْلَفُ , وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا وَخِيَاطَةِ قَمِيصٍ بِعَيْنِهِ فَتَهْلِكُ الْغَنَمُ , وَيَحْتَرِقُ الثَّوْبُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ لَا يَنْفَسِخُ , وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُوَفِّيَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ , وَيَأْتِيَ إِنْ شَاءَ بِغَنَمٍ مِثْلِهَا , وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْعَيْنَ الَّتِي تُسْتَوْفَى فِيهَا الْإِجَارَةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ قَالَ : وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَوْ كَانَ يَخْتَصُّ الِاسْتِيفَاءُ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لَمَا لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الْمُكْتَرِي لِأَنَّ لَهُ بَيْعَ مَتَاعِهِ وَغَنَمِهِ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهَا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا أَحَدُ الْمَحَلَّيْنِ بِالْإِجَارَةِ فَتَصِحُّ بِعَيْنِهِ كَالْعَيْنِ الَّتِي تُسْتَوْفَى فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَلِذَلِكَ إِذَا عَيَّنَ مَنْ يَرْكَبُهَا أَوْ الْقَمِيصَ الَّذِي يَخِيطُهُ أَوْ الْغَنَمَ الَّتِي يَرْعَاهَا يَجِبُ أَنْ تَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ ذَلِكَ , وَلِأَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ فِي الضِّئْرِ تُسْتَأْجَرُ لِرَضَاعِ صَبِيٍّ وَالطَّبِيبِ لِعِلَاجِ مَرِيضٍ أَوْ قَلْعِ ضِرْسٍ إِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ وَبَرِئَ الْمَرِيضُ فَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ , وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا , وَذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ يَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجِنْسِ , وَلَا تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ كَحَمْلِ الْقَمْحِ , وَحَمْلِ الشَّعِيرِ , وَحَمْلِ الشُّقَّةِ فَهَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ حَمْلِ قَمْحٍ وَحَمْلِ قَمْحٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ فِي مِثْلِ وَزْنِهِ , وَلَا تَسْتَضِرُّ الدَّابَّةُ بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا إِلَّا مِثْلَ اسْتِضْرَارِهَا بِالْآخَرِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : وَلَوْ أَحْضَرَ مَتَاعًا اكْتَرَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْيِينًا لَهُ , وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَعُدُّوهُ , وَلَا يَأْتِيَ بِغَيْرِهِ , وَلَمْ يُبَدِّلْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلَ فَلَهُ كِرَاءُ مِثْلِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ.
( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ مَا تَسَاوَتْ حَالُهُ فِي أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ فَتَلِفَ ذَلِكَ الْمَتَاعُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ , وَكَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذًا جَمِيعُ الْإِجَارَةِ , وَيَأْتِي بِمِثْلِ الْمَتَاعِ يُحْمَلُ لَهُ إِنْ شَاءَ.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ شَرَطَ تَعْيِينَهُ , وَأَنْ لَا يَعْدُوَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَنْ شَرَطَ فِي مَضْمُونٍ أَنَّهُ مَتَى عَيَّنَهُ ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ بَطَلَ الْحَقُّ بِبُطْلَانِهِ , وَفَسَدَ الْعَقْدُ لِلشَّرْطِ الْمُدْخِلِ لِلْغَرَرِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ بِالِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْإِحْضَارِ لِلِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ فِي عَدَدٍ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَهُ صُبْرَةً مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَتَلِفَ قَبْلَ الْكَيْلِ أَنَّهُ يَبْطُلُ السَّلَمُ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُبْطِلُ السَّلَمَ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى وَصْفِ الرَّاكِبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَجْسَامَ فِي الْأَغْلَبِ مُتَقَارِبَةٌ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَعْيِينِهِ بِالْوَصْفِ , وَلَا بِالرُّؤْيَةِ فَإِنْ جَاءَ بِرَجُلٍ فَادِحٍ عَظِيمِ الْخَلْقِ خَارِجٍ عَنْ الْمُعْتَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ , وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ إِلَّا بِالْمُعْتَادِ دُونَ النَّادِرِ.
.
( فَصْلٌ ) وَالضَّرْبُ الثَّانِي ضَرْبٌ تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ بِتَبَايُنِ أَغْرَاضِهِ كَالْعَلِيلِ يَسْتَأْجِرُ الطَّبِيبَ عَلَى عِلَاجِهِ , وَالْمُرْضِعُ تَسْتَأْجِرُ الضِّئْرَ عَلَى رَضَاعِهِ , وَالْمُعَلِّمُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ , وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ , وَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهُ عَلَى مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ , وَتَفَاوُتِهِمْ فِي أَمْرَاضِهِمْ وَاخْتِلَافِ الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الرَّضَاعِ وَقِلَّتِهِ مَعَ مَشَقَّةِ تَنَاوُلِ أَحْوَالِ بَعْضِهِمْ , وَكَذَلِكَ مَنْ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ وَالصَّنَائِعَ يَتَفَاوَتُونَ فِي التَّعْلِيمِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الذَّكَاءِ وَقَبُولِ التَّعَلُّمِ.
.
( فَصْلٌ ) وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ تَخْتَلِفُ أَعْيَانُهُ اخْتِلَافًا يَسِيرًا كَالْغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا مَنْ يَرْعَاهَا وَيَحْفَظُهَا فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَسُكُونِهَا وَأُنْسِهَا , وَلَيْسَ بِكَبِيرِ اخْتِلَافٍ فَفِي مِثْلِ هَذَا الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ لِتَقَارُبِ أَحْوَالِ الْجِنْسِ مِنْهَا , وَأَمَّا صِفَةُ الْعَقْدِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَصْلُحُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ إِلَّا بِشَرْطِ خَلَفِ مَا هَلَكَ مِنْهَا , وَقَالَ غَيْرُهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ , وَالْحُكْمُ يُوجِبُ لَهُ ذَلِكَ , وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَكَالصِّفَّةِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَصَادِ زَرْعٍ فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ إِنْ هَلَكَ الزَّرْعُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِجَارَةُ قَائِمَةٌ , وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مِثْلِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ اخْتِلَافُ حَالِ الْبُقَعِ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ , وَتَغَيُّرِ الْمِثْلِ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَقْرُبُ , وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ رِفْقٌ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِنَّ عَمَلَ الْحَصَادِ لَا يَخْتَلِفُ فِي الزَّرْعِ فَلِذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ عَلَى حَصَادِهِ كَحَمْلِ الْأَحْمَالِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ
عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرح...
عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن عفان: «أعطاه مالا قراضا يعمل فيه على أن الربح بينهما»
عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليهود خيبر يوم افتتح خيبر: «أقركم فيها، ما أقركم الله عز وجل على أن الثمر بيننا وبينكم»، قال:...
عن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه، وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم،...
عن رافع بن خديج، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن كراء المزارع» قال حنظلة: فسألت رافع بن خديج بالذهب والورق، فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس ب...
عن ابن شهاب، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن " كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به "
عن ابن شهاب، أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع، فقال: «لا بأس بها بالذهب والورق» قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع ب...
عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان «يكري أرضه بالذهب والورق»
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة، فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه»