1395- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة، فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه»
صحيح
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الشُّفْعَةِ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقْسَمُ وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ كَذَا مَا لَمْ يُقْسَمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ حَالَةً يُقْسَمُ فِيهَا.
وَمَا يَنْقَسِمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ كَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَبَانِي وَالْأَشْجَارِ وَضَرْبٌ يَنْقَسِمُ بِغَيْرِ حُدُودٍ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ وَبَعْضِ الْمَذْرُوعِ " فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ " يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ تَعَلُّقَ هَذَا الْحُكْمِ بِمَا يُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا لَا تُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ وَيُنْظَرُ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ بِضَرْبِ الْحُدُودِ فَإِنْ وَجَدْنَا عَلَيْهِ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ أَلْحَقْنَاهُ بِمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ , وَإِنْ وَجَدْنَاهُ مُخْتَصًّا بِمَا تُضْرَبُ فِيهِ الْحُدُودُ قَصَرْنَا الشُّفْعَةَ عَلَيْهِ وَوَجَدْنَا مَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي جِنْسِهِ يُبْطِلُ حُكْمَ الشُّفْعَةِ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ فَثَبَتَ أَنَّ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ بِالْحُدُودِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ بِذَلِكَ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا عُلِّقَ عَلَى صِفَةٍ فَإِنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَثَبَتَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ أَنَّ لِلْقِسْمَةِ تَأْثِيرًا فِي إبْطَالِهَا وَثَبَتَ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ , وَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ أَثْبَتُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ كَقِسْمَةِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ فَلَمْ يَبْقَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِنَوْعٍ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهُوَ مَا يُلْحَقُ بِقِسْمَةِ الْأَرَضِينَ مِنْ الْأَجْرِ وَالْمُؤَنِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهُ يَقْسِمُهَا غَالِبًا قَوْمٌ يَخْتَصُّونَ بِعِلْمِ ذَلِكَ وَيَتَمَوَّنُ لَهُمْ فِيهَا مُؤْنَةٌ وَأُجْرَةٌ غَالِبًا وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ قِسْمَتُهَا لَا تَخْتَصُّ بِقَسَّامٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَتَمَوَّنُ فِيهَا مُؤْنَةً وَلَا أُجْرَةً فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ وَهِيَ الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْأَرَضِينَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ ثَمَرَةٍ , أَوْ بِنَاءٍ فَأَمَّا الْأَرْضُ فَالشُّفْعَةُ فِيهَا عِنْدَنَا ثَابِتَةٌ , وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ وَالْبِنَاءُ إِلَّا أَنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ الْمَنْفَعَةِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُرْفَقًا لِلْمَالِ الَّذِي تَصِحُّ قِسْمَتُهُ دُونَ تَعْيِينٍ فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا يَنْقَسِمُ مَعَ بَقَاءِ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ كَالْحَقْلِ وَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي يُصِيبُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بِالْقِسْمَةِ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَقْلٍ وَدَارٍ وَالثَّانِي لَا يَنْقَسِمُ إِلَّا بِأَنْ يَتَغَيَّرَ اسْمُهُ وَصِفَتُهُ كَالْحَمَّامِ الَّذِي إِنْ قُسِمَ لَمْ يَكُنْ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَاسِمَيْنِ حَمَّامًا فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَعَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا مَضَرَّةَ فِي قِسْمَتِهِ وَالثَّانِي تَلْحَقُ الْمَضَرَّةُ فِي قِسْمَتِهِ فَأَمَّا مَا لَا تَلْحَقُ الْمَضَرَّةُ فِي قِسْمَتِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودَ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهَا كَالْحَقْلِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ بِالْمُزَارَعَةِ مَقْصُودَةٌ وَالدَّارِ الَّتِي مَنْفَعَتُهَا بِالسُّكْنَى مَقْصُودَةٌ وَالشَّجَرِ الَّتِي مَنْفَعَتُهَا بِالثَّمَرَةِ مَقْصُودَةٌ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَنْقَسِمَ دُونَ تَغْيِيرٍ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَنْقَسِمَ دُونَ مَضَرَّةٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا مَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِنَفْسِهَا كَالطَّرِيقِ الَّتِي إنَّمَا تُتَّخَذُ لِلِانْتِفَاعِ بِمَمَرِّهِ , أَوْ سَاحَةِ الدَّارِ الَّتِي إنَّمَا تُتَّخَذُ لِيَرْتَفِقَ بِهَا فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ مَعَ بَقَاءِ مَنْفَعَتِهِ كَالْحَمَّامِ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْحَمَّامِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي غَيْرِ الْمَوَّازِيَّةِ وَأَبَى مَالِكٌ الشُّفْعَةَ فِي الْحَمَّامِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إِلَّا بِتَحْوِيلِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ حَمَّامًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مِلْكٌ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُلَّاكٍ كَامِلِي الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا لَا يَتَغَيَّرُ بِالْقِسْمَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ فَوْقَ هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الشُّفْعَةِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إِلَّا بِضَرَرٍ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الرَّحَا فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي رَحَا الْمَاءِ وَالدَّوَابِّ , وَإِنْ بِيعَ مَعَ الْبَيْتِ فَالشُّفْعَةُ فِي الْبَيْتِ دُونَ الرَّحَا وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ وَالْآلَاتِ ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَاعَةٍ وَلَا بِنَاءَ وَإِنَّمَا هِيَ آلَاتٌ مَوْضُوعَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ الْبِنَاءِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا بُنِيَ مِنْهَا فِي الدُّورِ وَهَلْ يَتْبَعُ الدَّارَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَلَى حَسَبِ ذَلِكَ تَتَخَرَّجُ مَذَاهِبُهُمْ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَمَّا رَحَا الْمَاءِ وَالدَّوَابِّ فَلَيْسَتْ بِمَبْنِيَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إِنْ نَصَبُوهَا فِي أَرْضِهِمْ فَفِيهَا الشُّفْعَةُ , وَإِنْ نَصَبُوهَا فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّةً مِنْ الرَّحَا , أَوْ حِصَّتَهُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَيْتِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا الرَّحَا الَّتِي لَا شُفْعَةَ فِيهَا الَّتِي تُجْعَلُ وَسْطَ الْمَاءِ عَلَى غَيْرِ أَرْضٍ وَأَمَّا مَا رُدِمَ لَهَا مَوْضِعٌ فِي الْمَاءِ فَإِنْ اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ فَلَهُ حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا فَلَا شُفْعَةَ فَأَثْبَتَ فِيهَا أَشْهَبُ الشُّفْعَةَ إِذَا كَانَ مَوْضِعُهَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلْمَوْضِعِ وَمَنْعُ الشُّفْعَةِ كَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي أَحْجَارِ الرَّحَا دُونَ مَوْضِعِهَا فَأَمَّا مَوَاضِعُهَا فَيَجْرِي فِيهَا مِنْ اعْتِبَارِ الصِّفَاتِ مَا تَقَدَّمَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْأَنْدَرُ فَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَنْدَرِ إِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَفِيهَا الشُّفْعَةُ كَسَائِرِ الْبِقَاعِ وَكَعَرْصَةِ الدَّارِ الْمَهْدُومَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْأَفْنِيَةِ فَنَحَا بِهِ سَحْنُونٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَتْ مَنْفَعَتُهُ مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ لِلزَّرْعِ الَّذِي مَنْفَعَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْأَنْدَرِ كَالْأَفْنِيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ لِحَظِّ الْمَوْرِدَةِ وَالتَّوَسُّعِ فِيهَا لِلسُّكْنَى وَذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ إِلَى أَنَّ مَنْفَعَتَهُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَمُفْرَدَةٌ كَالْمَسَاكِنِ.
.
( فَصْلٌ ) وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُعْظَمُ أَصْحَابِهِ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهَا قَالَ أَشْهَبُ , وَذَلِكَ أَنَّهَا تُقْسَمُ بِالْحُدُودِ كَمَا تُقْسَمُ الْأَرْضُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا قُسِمَتْ فِي النَّخْلِ قَبْلَ الْجَدِّ لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ أَهْلِهَا قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَذَلِكَ مَا لَمْ يُزَايِلْ الْأَصْلَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا شُفْعَةَ فِي الثِّمَارِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَثَبَتَ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالشَّجَرِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا مِمَّنْ يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَإِذَا ظَهَرَتْ لَمْ تَتْبَعْ الْأَصْلَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَالثِّيَابِ ( فَرْعٌ ) وَإِذَا قُلْنَا بِالشُّفْعَةِ فِيهَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَا لَمْ تُزَايِلْ الْأَصْلَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَا لَمْ تَيْبَسْ وَتَجِدُ وَجْهَ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي النَّخْلِ مُتَّصِلَةً بِالْأَصْلِ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهُ فِي الشُّفْعَةِ كَالرُّطَبِ وَالْجَرِيدِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا إِذَا يَبِسَتْ لَمْ تَتِمَّ بِالْأَصْلِ فَلَمْ يَثْبُت فِيهَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ كَالْمَجْدُودَةِ وَهَذَا إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْبَيْعِ الثَّمَرَةُ فَإِنْ بِيعَتْ مَعَ الْأَصْلِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مَعَ الثَّمَرَةِ قَائِمَةً كَانَتْ , أَوْ مَجْدُودَةً وَلِلْمُشْتَرِي مَا سَقَى وَأَنْفَقَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ , وَإِنْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْرَدَهَا مُجْمَلَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْهَا , وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ إِذَا بِيعَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرٌ , أَوْ لَا يَكُونَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ وَجَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا ثَمَرٌ , أَوْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَأْبُورَةً فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ جَاءَ وَقَدْ أُبِّرَتْ الثَّمَرَةُ , أَوْ أَزْهَتْ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ إِنْ شَرَاهَا مَأْبُورَةً , أَوْ غَيْرَ مَأْبُورَةٍ , ثُمَّ أَبَّرَهَا الْمُبْتَاعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَصْلَ دُونَ الثَّمَرَةِ ; لِأَنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ وَمَأْبُورُ الثَّمَرَةِ لِلْبَائِعِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَمْ تُفَارِقْ الْأَصْلَ حُكْمًا بِالْيُبْسِ وَلَا فِعْلًا بِالْجَدِّ فَكَانَتْ تَبَعًا لِلْأَصْلِ فِيمَا يُسْتَحَقُّ بِمَعْنًى مَاضٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الثَّمَرَةَ فِيهَا الشُّفْعَةُ مَا دَامَتْ فِي حَالِ النَّمَاءِ فَثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الشُّفْعَةِ تَبَعًا وَأَصْلًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ ( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ فِي الشُّفْعَةِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ يَأْخُذُ الْأَصْلَ وَالثَّمَرَةَ بِالثَّمَنِ وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي وَسَقَى وَعَالَجَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِيهَا يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ بِقِيمَتِهَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَهُ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْكِتَابَيْنِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ إِلَّا الثَّمَنُ ; لِأَنَّ الْمُنْفِقَ أَنْفَقَ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ إِلَّا بِمَالِهِ عَيْنُ قَائِمَةٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلشَّفِيعِ الْغَلَّةُ كَانَ لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَمَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الثَّمَنُ وَلَزِمَ إمْضَاؤُهَا لِلشَّفِيعِ كَانَ عِوَضُهَا قِيمَتَهَا ; لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا قَدْ تَكُونُ أَمْثَالَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَقَدْ تَقِلُّ فَكَانَتْ الْقِيمَةُ أَعْدَلَ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا احْتَجَّ بِهِ وَبِمَاذَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِذَا فَاتَتْ بِالْجَدِّ , أَوْ الْيُبْسِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ لِلثَّمَرَةِ وَلَا حِصَّةَ لِلثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَنِ يَوْمَ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَأْبُورَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ فَإِنْ يَبِسَتْ , أَوْ جُدَّتْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى الْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ فَمَا كَانَ لِلْأَصْلِ فَهُوَ يَأْخُذُ بِهِ الشَّفِيعُ الْأَصْلَ وَمَا كَانَ لِلثَّمَرَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَرَةِ.
.
( فَصْلٌ ) , وَإِنْ اشْتَرَاهَا مُزْهِيَةً فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ الْأُصُولِ دُونَ الثَّمَرَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهَا الشُّفْعَةُ ; لِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَثَبَتَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ إِذَا انْضَافَتْ فِي الْبَيْعِ إِلَى مَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَيَجِيءُ قَوْلُ أَشْهَبَ عَلَى رِوَايَةِ نَفْيِ الشُّفْعَةِ فِي الثَّمَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( فَرْعٌ ) وَحَتَّى مَتَى يَتْبَعُ الْأَصْلَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ الثَّمَرَةُ لِلشَّفِيعِ مَا لَمْ تَيْبَسْ أَوْ تُجَدْ فَإِنْ جُدَّتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ حُطَّ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ مَرَّةً يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ وُجِدَتْ , أَوْ يَبِسَتْ فَلَهُ مِثْلُهَا إِنْ عَرَفَ كَيْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ كَيْلَهَا وَكَانَ جَذَّهَا صَغِيرَةً لَمْ تَطِبْ فَلَا يَأْخُذُ فِيهَا ثَمَنًا وَالثَّمَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأُصُولِ إِذَا كَانَتْ يَوْمَ الشِّرَاءِ مُزْهِيَةً أَوْ مَأْبُورَةً وَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ بِالْجَدِّ , أَوْ الْيُبْسِ وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الثَّمَرَةِ الْمَأْبُورَةِ إِذَا لَمْ يَقُمْ الشَّفِيعُ حَتَّى زَايَلَتْ الْأَرْضَ فَلَا تُحْسَبُ , وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَنَّهَا تُبَاعُ مِنْ النَّخْلِ بِالطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ إذْ لَا حِصَّةَ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ بَلْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ , وَلَكِنَّهَا تَبَعٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ لَهُمَا فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الشُّفْعَةُ فِي الثَّمَرَةِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ لَهُمَا وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْمٍ بَيْنَهُمْ ثَمَرَةٌ , ثُمَّ كَانَ الْأَصْلُ لَهُمْ , أَوْ مُسَاقَاةٌ فِي أَيْدِيهِمْ , أَوْ حَبْسًا عَلَيْهِمْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ أَيْضًا إِذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ دُونَ الثَّمَرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ الشُّفْعَةُ فِيهَا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي ثُبُوتِهَا وَنَفْيِهَا فِي الثَّمَرَةِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي أَيْدِيهِمْ بِمِلْكٍ , أَوْ حَبْسٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ , أَوْ مُبْتَدَأَ الشِّرَاءِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الثَّمَرَةَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْأَصْلِ فَإِذَا زَايَلَتْ الْأَصْلَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَإِذَا زَايَلَتْهُ فِي الْمِلْكِ , أَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً فَبِأَنْ لَا يَجِبَ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَيْنَ وَالْبِئْرَ لَمَّا وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِلْأَرْضِ إِذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ , أَوْ زَايَلَتْهُ فِي الْمِلْكِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الثَّمَرَةِ وَهِيَ مِمَّا يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ مَا دَامَتْ فِي الْأَصْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَا دُونَ الِاعْتِبَارِ بِأَصْلِهَا كَالْأَرَضِينَ وَالْأَشْجَارِ وَبِذَلِكَ خَالَفَتْ الْعَيْنَ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَسِمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الشُّفْعَةُ فِي الْعِنَبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمَقَاثِي عِنْدِي فِيهَا الشُّفْعَةُ ; لِأَنَّهَا ثَمَرَةٌ وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ كَالشَّجَرِ وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ نَبْتٌ لَا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ ثَابِتٍ أَصْلُ ذَلِكَ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ حَتَّى يَيْبَسَ.
.
( فَصْلٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَإِنْ جَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ الزَّرْعُ فِيهَا أَخَذَهَا فَزَرَعَهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا شَيْءَ لِلشَّفِيعِ مِنْ الزَّرْعِ وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِي الْأَرْضِ , وَإِنْ كَانَ فِي إبَّانِ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ نَبَتَ أَوَّلًا أَخَذَ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ فَإِنْ أَخَذَ الْأَرْضَ بِزَرْعِهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْبُتْ فَلَهُ أَخْذُهَا بِالثَّمَنِ وَبَقِيَّةُ الزَّرْعِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ بِمَا أَنْفَقَ لَمْ أَعِبْهُ بَلْ هُوَ أَقْيَسُ وَاسْتُحْسِنَ الْأَوَّلُ قَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ يَأْخُذُهَا بِالثَّمَنِ وَبَقِيَّةِ مَا أَنْفَقَ مِنْ الْبَذْرِ وَالْعِلَاجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ بِالثَّمَنِ وَالنَّفَقَةِ كَمَنْ اشْتَرَى نَخْلًا لَمْ يُؤَبَّرْ فَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ بَعْدَ الْإِبَارِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَجَاءَ الشَّفِيعُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ الزَّرْعُ فَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ جُمْلَةً وَعَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ , وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ , وَذَلِكَ إِذَا أَجْرَى الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَجْرَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْبُتَ الزَّرْعُ وَذَلِكَ إِذَا أَجْرَى الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مَجْرَى ذَلِكَ الْبَيْعِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا جَاءَ الشَّفِيعُ وَقَدْ نَبَتَ الزَّرْعُ فَلَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِلشَّفِيعِ إِذَا قَامَ وَالزَّرْعُ أَخْضَرُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ بَلْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ قَوْلَ أَشْهَبَ فِي الزَّرْعِ وَقَالَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شُفْعَةَ فِي الزَّرْعِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا ثَمَرَةٌ مُتَغَذِّيَةٌ بِالْأَصْلِ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تَيْبَسْ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ وَلَا هُوَ مِنْ آلَاتِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ كَالثِّيَابِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا يَكُونُ لِلْحَائِطِ مِنْ الْبِئْرِ , أَوْ الْعَيْنِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ فِيهِ ; لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا ثَابِتًا وَمَنْفَعَةً مَقْصُودَةً عَلَى الْأَرْضِ فَكَانَ لَهَا حُكْمُهَا فِي الشُّفْعَةِ إِذَا كَانَ بَيْعًا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا يُبَاعُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ آلَةِ الْحَائِطِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ ; لِأَنَّ فِيهِ صَلَاحَ الْحَائِطِ وَعِمَارَتَهُ كَالْبِئْرِ وَالْعَيْنِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ بَنَى جَمَاعَةٌ فِي الْأَرْضِ عَارِيَةً فَبَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ النَّقْضِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ رَبُّ الدَّارِ مَبْدَأٌ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ مَنْقُوضًا , أَوْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَبَى فَلِشَرِيكِهِ أَخْذُ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ قَالَ أَشْهَبُ لَا شُفْعَةَ فِي ذَلِكَ لِإِشْرَاكِهِ إذْ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِي الْعَرْصَةِ وَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ بَاعَ جَمِيعُهُمْ , أَوْ أَحَدُهُمْ ; لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ وَيُؤَدِّيَ قِيمَتَهُ , أَوْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ فَلَا يَدْرِي الْمُبْتَاعُ مَا اشْتَرَى وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْحَبْسِ يَبْنِي فِيهِ جَمَاعَةٌ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ بَيْعَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْبِنَاءِ اُسْتُحْسِنَ أَنْ يَكُونَ لِإِخْوَتِهِ الشُّفْعَةُ.
( الشُّفْعَةُ فِي الْكِرَاءِ ) ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الشُّفْعَةُ فِي الْكِرَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ فَأَخَذَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بِقَوْلِهِ لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالْمُغِيرَةُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخَذَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ بِقَوْلِهِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَذَلِكَ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ سَوَاءٌ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِحُّ فِيهَا الْقِسْمَةُ بِالْحُدُودِ فَلَمْ تَثْبُتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالثِّيَابِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَنْفَصِلُ وَلَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْأَصْلِ الَّذِي يُقْسَمُ بِالْحُدُودِ فَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَالثَّمَرَةِ النَّامِيَةِ وَبِمِثْلِ هَذَا احْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ ; لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الشُّفْعَةَ فِيهَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي مَالٍ بَعْدَ قِسْمَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ بِإِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ دُونَ الْمُحَاذِي وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ وَالْحُدُودُ وَاقِعَةٌ بَيْنَ الْمُتَجَاوِرَيْنِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مُتَمَيِّزَ الْحَقِّ عَنْ مِلْكِ الْمُجَاوِرِ فَلَمْ تَثْبُتْ لَهُ شُفْعَةٌ كَالْجَارِ الْمُحَاذِي وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ
عن أبي بكر بن حزم، أن عثمان بن عفان قال: «إذا وقعت الحدود في الأرض، فلا شفعة فيها، ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل» قال مالك: «وعلى هذا الأمر عندنا»
عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر.<br> وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بع...
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب: اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي، فقضى له.<br> فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق.<br> فضربه ع...
عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بخير الشهداء.<br> الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها، أو يخبر بشهادته قبل أن يسأله...
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق، فقال: لقد جئتك لأمر، ما له رأس، ولا ذنب، فقال عمر: «ما هو»؟ قال: شهادات...
عن سليمان بن يسار وغيره، أنهم سئلوا: عن رجل جلد الحد أتجوز شهادته؟ فقالوا: نعم، «إذا ظهرت منه التوبة»(1) 2109- وحدثني مالك، أنه سمع ابن شهاب يسأل عن ذ...
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قضى باليمين مع الشاهد»
عن أبي الزناد، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب - وهو عامل على الكوفة، أن: «اقض باليمين مع الشاهد»
عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن، أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو " يقضي بين الناس، فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقا: نظر، فإن كانت بينهما مخالطة أو...