1386- عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: «أكل الجيش أسلفه، مثل ما أسلفكما»؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: «ابنا أمير المؤمنين، فأسلفكما، أديا المال وربحه»، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، هذا لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه؟ فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال "
إسناده صحيح
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفَكُمَاهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا , وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَهُمَا بِالسَّلَفِ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا الْمَالَ , وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ السَّلَفِ ; لِأَنَّهُ لِمَحْضِ الرِّفْقِ فَإِذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ دَخَلَ الْفَسَادُ فَإِذَا أَسْلَفَ رَجُلٌ رَجُلًا مَالًا لِيَدْفَعَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَقَصَدَ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمُتَسَلِّفِ خَاصَّةً فَهُوَ جَائِزٌ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ , فَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ إِلَيْهِ حَيْثُ لَقِيَهُ بِبِلَادِ السَّلَفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُؤَمَّرُ فِيهَا أُجْبِرَ الْمُسَلِّفُ عَلَى قَبْضِهِ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمُسَلَّفِ بِهِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ دَفَعَهُ خَاصَّةً فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَجِّلَهُ لَزِمَ الْمُسَلِّفَ قَبْضُهُ كَالْأَجَلِ.
( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ أَرَادَ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَتَهُ بِالسَّلَفِ بِأَنْ يَقْصِدَ إحْرَازَ مَالِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ إِلَى بَلَدِ الْقَضَاءِ كَالسَّفَاتِجِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ , وَرَوَى أَبُو الْفَرْجِ جَوَازَ السَّفَاتِجِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُسَلِّفُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ , وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهَا إِذَا قَصَدَ الْمُسَلِّفُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا.
( مَسْأَلَةٌ ) وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ أَبٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّفَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِيُحْرِزَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي , وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ , وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مِنْ الِارْتِفَاقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي مَالٍ يَلِي عَلَيْهِ كَالسَّلَفِ بِزِيَادَةٍ.
( فَرْعٌ ) فَإِنْ وَقَعَ السَّلَفُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فُسِخَ فِي الْأَجَلِ وَالْبَلَدِ وَأُجْبِرَ الْمُتَسَلِّفُ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَالِ وَأُجْبِرَ الْمُسَلِّفُ عَلَى قَبْضِهِ وَبَطَلَ الْأَجَلُ بِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالْبَيْعِ بِأَجَلٍ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُعَجَّلًا.
.
( فَصْلٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِعْلَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فَعَلَ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ الْمُفَوِّضَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَسْلَفَهُ وَأَسْلَفَهُمَا إِيَّاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ فِي الْأَقْضِيَةِ وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ , وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى , وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لِأَبِي مُوسَى النَّظَرُ فِي الْمَالِ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِذَا أَسْلَفَهُ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ الْمُفَوَّضُ إِلَيْهِ تَعَقُّبُ فِعْلِهِ فَتَعَقَّبَهُ وَرَدَّهُ إِلَى الْقِرَاضِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالَا لَا تَعَقُّبَ مِنْهُ لِأَفْعَالِ أَبِي مُوسَى وَنَظَرَ فِي تَصْحِيحِ أَفْعَالِهِ وَتَبْيِينَ لِمَوْضِعِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى عُمَرَ أَنَّ أَبَا مُوسَى لَمْ يُسَلِّفْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَيْشِ مِثْلَ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِابْنَيْهِ مَوْضِعَ الْمُحَابَاةِ فِي مَوْضِعِ فِعْلِ أَبِي مُوسَى فَلَمَّا قَالَا لَا أَقَرَّا بِالْمُحَابَاةِ فَقَالَ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا يُرِيدُ أَنَّ تَخْصِيصَهُمَا بِالسَّلَفِ دُونَ غَيْرِهِمَا إنَّمَا كَانَ لِمَوْضِعِهِمَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَهَذَا مِمَّا كَانَ يَتَوَرَّعُ مِنْهُ عُمَرُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ بِمَنْفَعَةٍ مِنْ مَالِ اللَّهِ لِمَكَانِهِ مِنْهُ , وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُبَالِغُ فِي التَّوَقِّي مِنْ هَذَا , وَلِذَلِكَ قَسَمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَقَلَّ مِمَّا قَسَمَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَكَانَ يُعْطِي حَفْصَةَ ابْنَتَهُ مِمَّا يَصْلُحُ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ مَنْ يُعْطِي , فَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ فَفِي حِصَّتِهَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ نَقْضٌ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى وَتَغْيِيرٌ لِسَلَفِهِ بِرَدِّ رِبْحِ الْمَالِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى أَصْلِهِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ , وَإِنَّمَا كَرِهَ تَفْضِيلَ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ , وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا قَوْلُنَا إِنَّ أَبَا مُوسَى اسْتَسْلَفَ الْمَالَ وَأَسْلَفَهُمَا إِيَّاهُ لِمُجَرَّدِ مَنْفَعَتِهِمَا وَأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْوَدِيعَةِ , وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا إنَّهُ بِيَدِهِ لِوَجْهِ التَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِنَّ لِعُمَرَ تَعَقُّبَ ذَلِكَ وَالتَّكَلُّمَ فِيهِ وَالنَّظَرَ فِي ذَلِكَ لَهُمَا وَلِلْمُسْلِمِينَ بِوَجْهِ الصَّوَابِ , وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي الْمُبْضِعِ مَعَهُ الْمَالُ يَبْتَاعُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَيَتَسَلَّفُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا ابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ يَضْمَنَهُ رَأْسُ الْمَالِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْمَالَ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي عَرْضِهِ وَابْتِيَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَكَانَ أَحَقَّ بِمَا ابْتَاعَهُ بِهِ , وَهَذَا إِذَا ظَفِرَ بِالْأَمْرِ قَبْلَ بَيْعِ مَا ابْتَاعَهُ , فَإِنْ فَاتَ مَا ابْتَاعَهُ بِهِ فَإِنَّ رِبْحَهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَخَسَارَتَهُ عَلَى الْمُبْضَعِ مَعَهُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ بِرًّا بِأَبِيهِ وَانْقِيَادًا لَهُ وَاتِّبَاعًا لِمُرَادِهِ , وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَرَاجَعَهُ طَلَبًا لِحَقِّهِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا مَالٌ قَدْ ضَمِنَاهُ وَلَوْ دَخَلَهُ نَقْصٌ لَجَبَرْنَاهُ , وَقَوْلُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ إعْرَاضٌ عَنْ حُجَّتِهِ ; لِأَنَّ الْمُبْضِعَ مَعَهُ يَضْمَنُ الْبِضَاعَةَ إِذَا اشْتَرَى بِهَا لِنَفْسِهِ , وَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ جَبَرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ رِبْحَهَا لِرَبِّ الْمَالِ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ الرَّجُلِ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا عَلَى وَجْهِ مَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ عُمَرُ لَمْ يَسْأَلْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ وَمَا عُرِفَ مِنْ حَالِ عُمَرَ وَاسْتِشَارَتِهِ أَهْلَ الْعِلْمِ , وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْحُكْمَ بِالْفَتْوَى إِذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ اسْتِشَارَتُهُ وَجَرَتْ بِذَلِكَ عَادَتُهُ , وَالْقِرَاضُ الَّذِي أَشَارَ بِهِ أَحَدُ نَوْعَيْ الشِّرْكَةِ يَكُونُ فِيهِمَا الْمَالُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ , وَالْعَمَلُ مِنْ الثَّانِي , وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشِّرْكَةِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَهُوَ جَائِزٌ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي الْجُمْلَةِ , وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ أَنْوَاعِهِ , وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَالٍ يَزْكُو بِالْعَمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهِ بِبَعْضِ النَّمَاءِ الْخَارِجِ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَزْكُو إِلَّا بِالْعَمَلِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ التِّجَارَةَ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنْمِيَةِ مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا مِمَّنْ يُنَمِّيهَا فَلَوْلَا الْمُضَارَبَةُ لَبَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا فَلِذَلِكَ أُبِيحَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِرَاضِ ; لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ مِنْ مِثْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ إِلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي التَّنْمِيَةِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ جَعَلْته قِرَاضًا عَلَى سَبِيلِ التَّصْوِيبِ لِمَا رَآهُ هَذَا الْمُشِيرُ , وَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا , وَإِنَّمَا كَانَ إظْهَارًا لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَرَاهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ مِنْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِيهِ.
.
( فَصْلٌ ) وَإِنَّمَا جَوَّزَ عُمَرُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ عَمِلَا فِي الْمَالِ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ وَعَلَى وَجْهٍ يُعْتَقَدُ أَنَّ فِيهِ الصِّحَّةَ دُونَ أَنْ يُبْطِلَا فِيهِ مَقْصُودًا لِمَنْ يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْطَلَ عَلَيْهِمَا عَمَلُهُمَا فَرَدَّهُمَا إِلَى قِرَاضِ مِثْلِهِمَا وَكَانَ قِرَاضُ مِثْلِهِمَا النِّصْفَ فَأَخَذَ عُمَرُ النِّصْفَ مِنْ الرِّبْحِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ النِّصْفَ الثَّانِيَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْتُ ثُمَّ قَالَ بَلَى هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسْلِفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَكُمَا فَقَالَا وَدِدْنَا ذَلِكَ فَفَعَلَ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ قَالَ أَكُلُّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا قَالَا لَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَدِّيَاهُ فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَقَالَ عُمَرُ قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ وَأَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نِصْفَ رِبْحِ الْمَالِ
عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن عفان: «أعطاه مالا قراضا يعمل فيه على أن الربح بينهما»
عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليهود خيبر يوم افتتح خيبر: «أقركم فيها، ما أقركم الله عز وجل على أن الثمر بيننا وبينكم»، قال:...
عن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه، وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم،...
عن رافع بن خديج، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن كراء المزارع» قال حنظلة: فسألت رافع بن خديج بالذهب والورق، فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس ب...
عن ابن شهاب، أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن " كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به "
عن ابن شهاب، أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع، فقال: «لا بأس بها بالذهب والورق» قال ابن شهاب: فقلت له: أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع ب...
عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان «يكري أرضه بالذهب والورق»
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة، فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه»
عن أبي بكر بن حزم، أن عثمان بن عفان قال: «إذا وقعت الحدود في الأرض، فلا شفعة فيها، ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل» قال مالك: «وعلى هذا الأمر عندنا»