حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

قال رسول الله ﷺ الولد للفراش وللعاهر الحجر - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الأقضية باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه (حديث رقم: 1421 )


1421- عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص، أن ابن وليدة زمعة مني.
فاقبضه إليك، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد، وقال: ابن أخي قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي.
ولد على فراشه، فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله.
ابن أخي.
قد كان عهد إلي فيه.
وقال عبد بن زمعة: أخي.
وابن وليدة أبي.
ولد على فراشه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ثم قال لسودة بنت زمعة: «احتجبي منه»، لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص قالت: فما رآها حتى لقي الله عز وجل

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (قال رسول الله ﷺ الولد للفراش وللعاهر الحجر)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهَا : إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْك عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ : أَحَدُهَا : الِاسْتِبْضَاعُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يُعْجِبُهُ نَجَابَةُ الرَّجُلِ وَنُبْلُهُ وَتَقَدُّمُهُ فَيَأْمُرُ مَنْ تَكُونُ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ أَنْ تُبِيحَ نَفْسَهَا لَهُ فَإِذَا حَمَلَتْ مِنْهُ رَجَعَ هُوَ إِلَى وَطْئِهَا حِرْصًا عَلَى نَجَابَةِ الْوَلَدِ.
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَا زَوْجَ لَهَا يَغْشَاهَا الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلٌ دَعَتْهُمْ وَقَالَتْ لِأَحَدِهِمْ هَذَا مِنْك فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ.
وَالثَّالِثُ : الْبَغَايَا كُنَّ يَجْعَلْنَ الرَّايَاتِ عَلَى مَوَاضِعِهِنَّ فَمَنْ رَأَى تِلْكَ الرَّايَةَ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْضِعُ بَغْيٍ فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا حَمْلُهَا قَالَتْ لِبَعْضِهِمْ : هُوَ مِنْك , فَيَلْحَقُ بِهِ.
وَالرَّابِعُ : النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ الثَّلَاثَةَ الْأَنْوَاعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَثْبَتَ النِّكَاحَ فَلَعَلَّ مَا قَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ : ابْنُ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ مِنِّي إنَّمَا أَرَادَ اسْتِلْحَاقَهُ مِنْ أَحَدِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ فَلَمَّا أَرَادَ عُتْبَةُ اسْتِلْحَاقَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَمْ يُقِمْ لَهُ بَيِّنَةً مِنْ إقْرَارِهَا لَمْ يَلْحَقْ بِهِ , وَأَمَّا مَنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ وَلَا نِكَاحَهَا أَوْ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مِلْكَ أَمَةٍ بِنِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً يَلْحَقُ ذَلِكَ بِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا لَا يَلْحَقُ بِهِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ لَهُ عَلَى أُمِّهِ نِكَاحٌ أَوْ مِلْكٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ , وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّل أَنَّ الْأَسْبَابَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ وَأَكْثَرُهَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِإِقْرَارِ الْأَبِ بِالْوَطْءِ أَوْ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ مَانِعٌ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِلْحَاقُ إِذَا كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ مِنْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ الدَّعَاوِي لَكَثُرَ تَعَرُّضُ الدَّعَاوِي فِي ذَلِكَ وَفَسَدَتْ الْأَنْسَابُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ مَلَكَ أُمَّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ [ ] فَإِنْ ادَّعَاهُمْ مَعَ بَقَائِهِمْ فِي مِلْكِهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ يَلْحَقُونَ بِهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بِيَدِهِ أَمَةٌ لَهَا وَلَدٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ فَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ لَحِقَ بِهِ وَتَكُونُ الْأَمَةُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ مُسْتَلْحِقِهِ فَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَمْنَعْ الدَّيْنُ الِاسْتِلْحَاقَ ; لِأَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مَعْنًى يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ مَعَ عَدَمِ الدَّيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ مَعَ الدَّيْنِ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ظُهُورِ الْحَمْلِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ بَاعَهُ مَعَ أُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَى وَهُوَ مُعْدَمٌ أَنَّهُ ابْنُهُ [ ] مِنْهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ رَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ وَفِيهَا وَيُرَدُّ إِلَيْهِ وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ دَيْنًا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي أُمِّهِ وَيُرَدُّ إِلَيْهِ الْوَلَدُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ تَصْدُقُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي أُمِّهِ كَحَالَةِ السِّرِّ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَهُ بِالثَّمَنِ تُهْمَةٌ فِي إرَادَتِهِ اسْتِرْجَاعَ الْأَمَةِ دُونَ ثَمَنٍ وَاسْتِلْحَاقُهُ الْوَلَدَ لَا يَقْتَضِي ارْتِجَاعَهُ الْأُمَّ , أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَسْتَلْحِقُهُ الْمُلَاعِنُ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ارْتِجَاعَ أُمِّهِ ; لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْوَلَدِ عَرَا مِنْ التُّهْمَةِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ نَفْيِ مَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ النَّسَبِ فَكَيْفَ بِمَا يُتَيَقَّنُ انْتِفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا وَقَدْ بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ [ ] فَإِنَّهُمَا يُرَدَّانِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فِيهَا بِصَبَابَةٍ إلَيْهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ الْعَدَمِ وَالصَّبَابَةِ بِهَا , قَالَ أَصْبَغُ : لَا يُتَّهَمُ فِي غِنَاهُ سَوَاءٌ بَاعَهَا بِالْوَلَدِ أَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ لِمَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَلَفَهُ بِهَا تُهْمَةٌ يَمْنَعُهُ رَدَّهَا فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَصَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِلْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ لِحَقِّ النَّسَبِ مَعَ تَعَرِّيه مِنْ التُّهْمَةِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّهُ إِذَا صَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِلْوَلَدِ لِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ يَضْمَنُ ذَلِكَ كَوْنُ الْأُمِّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا تُهْمَةَ مَعَ الْغَنِيِّ ; لِأَنَّهُ يَرُدُّ عِوَضَهَا , وَلَوْ قِيلَ فِي هَذَا يَرُدُّ الْأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الِاسْتِلْحَاقِ لِمَا بَعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا مَا لَمْ يُعْتِقْهُمَا الْمُبْتَاعُ فَإِنْ أَعْتَقَهُمَا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ الْبَائِعُ [ ] فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ فِيهِمَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْوَلَدِ وَحْدَهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ ثَابِتٌ فَلَا يُرَدُّ بِالِاسْتِلْحَاقِ كَمَا لَا يُرَدُّ نَسَبٌ ثَابِتٌ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ ; لِأَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِهِ فَالنَّسَبُ يُبْطِلُ الْوَلَاءَ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الْوَلَاءُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يُبْطِلْ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَمَةِ فَإِنَّ عِتْقَهَا يَثْبُتُ لِلْمُبْتَاعِ وَيَرْجِعُ بِالْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَهَا بِثَمَنِهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَلَا يُقْبَلَانِ عَلَى نَقْلِ الْوَلَاءِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُشْتَرِي وَلَدًا فَإِنْ ادَّعَاهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَدَ لَهُ وَقَدْ ضَعُفَتْ دَعْوَى الْبَائِعِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ بِبَيْعِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَدَّعِهِ مَنْ هُوَ أَقْوَى دَعْوَى مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ تَكْذِيبُ دَعْوَاهُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إنَّمَا ادَّعَى هَذَا الْوَلَدَ مِنْ جِهَةِ زِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمِثْلُ هَذَا كَانَ يَلْحَقُ بِهِ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَبٌ هُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَفِي مَسْأَلَةِ وَلَدِ زَمَعَةَ قَدْ كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الزِّنَا وَهُوَ ادِّعَاءُ الْفِرَاشِ لَهُ فَإِنَّ أَمَةَ زَمَعَةَ ادَّعَى ابْنُ زَمَعَةَ لَهَا الْفِرَاشَ وَمَعْنَاهُ وَطْءُ أَبِيهِ لَهَا ; لِأَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ عِنْدَنَا فِرَاشًا بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا أُلْحِقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَمَاتَ قَبْلَ وَضْعِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ عُتْبَةُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مُجَرَّدَ دَعْوَى سَعْدِ أَخِيهِ لَهُ وَلَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْعَمِّ ابْنَ أَخٍ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَاقَ صَاحِبَهُ لِمُنَازَعَتِهِ لَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي دَعْوَاهُمَا فَأَدْلَى سَعْدُ بِحُجَّتِهِ فَقَالَ : ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَلَمْ يَدَّعِ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا ادَّعَى أَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِ فِيهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ ; لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ صِدْقُ سَعْدٍ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَدْلَى بِحُجَّتِهِ أَيْضًا فَقَالَ : أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ , فَادَّعَاهُ أَخًا وَلَمْ يَدَّعِ بَيِّنَةً عَلَى اسْتِلْحَاقِ أَبِيهِ لَهُ وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كَمَا احْتَجَّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ , فَلَمَّا اسْتَوْعَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ فَقَالَ : هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ زَمَعَةَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْهُ إِلَيْهِ وَلَا قَالَ : هُوَ ابْنٌ لِزَمْعَةَ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى عَبْدِ بْنِ زَمَعَةَ ; لِأَنَّهُ ابْنُ أَمَةِ أَبِيهِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِهِ أَخًا لَقَضَى لَهُ بِهِ عَبْدًا وَلَكِنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَأُخُوَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا تَدَّعِيهِ فِيمَا يَخُصُّك وَلَا يَصْلُحُ اسْتِلْحَاقُ الرَّجُلِ أَخًا قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَنْ اسْتَلْحَقَ أَخًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُوَارِثْهُ وَلَا يُسْتَلْحَقُ الْأَخُ.
وَفِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ فِيمَنْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ مُقِرًّا بِوَطْءِ جَارِيَةٍ فَهَلَكَ عَنْهَا أَبُوهُ وَهِيَ حَامِلٌ قَالَ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ وَلَا يَرِثُ مَعَهُ فِي حَظِّهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ لِلْوَرَثَةِ , وَلَوْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ أَقَرَّ بِوَلَدٍ مِنْ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَرِثَ مَعَهُ فِي حَظِّهِ خَاصَّةً مَا لَمْ يَكُنْ سَفِيهًا مَوْلَى عَلَيْهِ قَالَ عِيسَى وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِحَمْلِ جَارِيَةٍ فَالْوَلَدُ عَبْدٌ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَرِثُ شَيْئًا مِنْ حَظِّهِ وَلَا حَظِّ غَيْرِهِ وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِنْ حُرَّةٍ فَهُوَ حُرٌّ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي حَظِّهِ , وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ انْفَرَدَ بِمِيرَاثِ أَبِيهِ ; لِأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَسَوْدَةُ أُخْتُهُ مُسْلِمَةٌ فَلَمْ يَرِثْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَهُ وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى عَبْدٍ إذْ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ أَخُوهُ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِمِيرَاثِ أَبِيهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ ; لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَلْحَقُ الْأَبَ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِ عَبْدٍ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إِذَا كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ أَنَّهُ مِلْكُك لَكِنَّك قَدْ أَقْرَرْت لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِقَوْلِك فِي ذَلِكَ فِيمَا يَخُصُّك , وَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ : إنَّهُ لَك بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَك مَنْعُهُ فَإِذَا أَقْرَرْت بِهِ لِغَيْرِك فَأَنْتَ وَذَاكَ , وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ لَك أَنَّهُ بِيَدِك لَا أَنَّك تَمْلِكُهُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُك وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ لَك عَبْدٌ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ إِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ هُوَ لَك أَخٌ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِهِ لِزَمْعَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْجَدُّ فَهَلْ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ الْأَبِ قَالَ سَحْنُونٌ وَمَا عَلِمْت بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْتَلْحِقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ , وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْأَخِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ النَّسَبَ يَلْحَقُ بِهِ فَجَازَ اسْتِلْحَاقُهُ لَهُ كَالْأَبِ فَالْجَدُّ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِلْحَاقِهِ وَالْأَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهِ وَسَائِرُ الْأَقَارِبِ مُتَّفَقٌ عَلَى نَفْيِ اسْتِلْحَاقِهِمْ فَلَا يُسْتَلْحَقُ عَمٌّ وَلَا ابْنُ عَمٍّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْقَرَابَةِ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْحِقُ إِلَّا الْأَبُ فَمَنْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ فِي مِيرَاثِ مَنْ قَدْ تُوُفِّيَ مِمَّنْ يُوجِبُ لَهُمَا ذَلِكَ الْإِقْرَارُ مِيرَاثَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَيُقِرُّ ذَلِكَ الْوَلَدُ بِآخَرَ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَعَهُ أَبَاهُ فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا تَرَكَ مِنْ الْمَالِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ , وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَالِثٍ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِمَّا بِيَدِهِ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَدْفَعُ الْآخَرُ إِلَيْهِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ عَدْلًا فَيَحْلِفَ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَأْخُذُ مِمَّا بِيَدِ الْآخَرِ حِصَّتَهُ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ , وَلَوْ أَقَرَّا لَهُ جَمِيعًا بِأَنَّهُ أَخٌ لَهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ لَثَبَتَ نَسَبُهُ بِشَهَادَتِهِمَا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأُخُوَّةِ فَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيُقَالُ لَهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا يُقْضَى عَلَى الْمَيِّتِ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا لَحْقَ بِهِ إِلَّا بِشَهَادَةٍ كَامِلَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ قَالَ : فُلَانٌ أَخِي أَوْ عَمِّي أَوْ ابْنُ عَمِّي أَوْ وَارِثِي فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ يُخَالِفُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَسَبٌ فَمَاتَ الْمُقِرُّ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَرِثُهُ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ ثُمَّ قَالَ لَا مِيرَاثَ لَهُ ; لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمَعَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي إضَافَتَهُ إِلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَقَدْ قُلْنَا أَنَّ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ أَنْ يُضِيفَهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَاهُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ تَوَارُثٌ عَلَى وَجْهٍ مَا وَهُوَ مَا فَضَلَ عَنْ مِيرَاثِ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي لِسَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَهْلُ الْعِرَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِمَنْ أَحَبَّ فَلِذَلِكَ جَوَّزُوا إقْرَارَهُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْقَرَابَةِ وَأَصْحَابُنَا لَا يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ لَهُ الثُّلُثَ فَقَطْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ غَيْرُ بَيِّنٍ ; لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَارِثِ لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ طَرِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ وَلَيْسَ طَرِيقُهُ بِالْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَانِعٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ ثُمَّ يَمُوتُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَالِهِ بِدَيْنِهِ ذَلِكَ , وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ لَأَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ فِي مَرَضِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ طَرِيقُهُ طَرِيقَ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرَ ابْنِ سَحْنُونٍ وَأَشْهَبَ يَجْعَلُونَ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ , وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ سَحْنُونًا وَسَائِرَ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ : مَنْ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَخٍ قَاسَمَهُ مَالَ أَبِيهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ نَسَبٌ , وَلَوْ كَانَ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لَمَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ الْفِرَاشُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هِيَ الْأَمَةُ ; لِأَنَّهَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ بِالْوَطْءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ : وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ مَا يُفْتَرَشُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَطْءَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عَلَى شَيْءٍ يُفْتَرَشُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَقَدْ اتَّخَذَ لَهَا فِرَاشًا , وَأَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إِلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَهُوَ سَيِّدُ الْأَمَةِ الَّتِي جَعَلَ لَهَا فِرَاشًا وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ , وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ : مَعْنَى الْفِرَاشِ الزَّوْجُ وَمَا قَالُوهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمِثْلِ مَا يُولَدُ مِنْهُ بَعْدَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ عَامٌّ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَثْبُتُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَثَبَتَتْ بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ أَصْلُ ذَلِكَ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فَمَعْنَاهُ إِذَا ادَّعَى وَلَدُ صَاحِبِ الْفِرَاشِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ , وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَفِي الْمَدَنِيَّةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى سَأَلَ ابْنَ كِنَانَةَ عَنْ قَوْمٍ أَسْلَمُوا بِجَمَاعَتِهِمْ وَتَحَمَّلُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَادَّعَى بَعْضُهُمْ وَلَدَ زِنْيَةٍ أَيَلْحَقُ بِهِ قَالَ نَعَمْ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ الْوَلَدُ أَوْ مِنْ أَمَةٍ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَعَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ زَوْجُ الْحُرَّةِ فَيَكُونَ أَوْلَى بِهِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ الْعَاهِرُ هُوَ الزَّانِي , وَقَالَ عِيسَى : سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ الْعَهَرُ فِي أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ظَاهِرًا وَهُوَ الزِّنَا , وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ الزِّنَا مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَهُوَ آثِمٌ وَمَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ مُتَّخِذَةً خِدْنًا فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَأَنْزَلَ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَانَ مَنْ عَهَرَ بِأَمَةٍ يَمْلِكُهَا غَيْرُهُ أَوْ حُرَّةٍ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ فَاَلَّذِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ أَحَقُّ بِهِ وَقَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجَرِ لِلْعَاهِرِ عَلَى مَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يَسْتَحِقُّ بِفِعْلِهِ الرَّجْمَ لَا الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَمُ زَانِيَ الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْرُجْ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِأَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَمَّا قَصَدَ أَنْ يُثْبِتَ الزِّنَا وَالْعَهَارَةَ أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَشَدِّ أَحْكَامِهِ فِي الدُّنْيَا ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حُكْمُهُ جَلْدُ مِائَةٍ أَوْ جَلْدُ خَمْسِينَ وَعَلَى حَسَبِ مَا تَتَنَوَّعُ إِلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا غَيْرُ طَرْدِهِ بِالْحِجَارَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ عَبْدٌ بِالْأُخُوَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ أَخًا لِسَوْدَةَ وَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ وَلَا تَوَارُثٌ وَلَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُخُوَّةِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا , وَذَلِكَ لَوْ تُوُفِّيَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا فَأَقَرَّ الِابْنُ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ لَأَخَذَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ حِصَّةِ الِابْنِ الْمُقِرِّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِمَّا بِيَدِ الْأُخْتِ شَيْئًا وَلَا كَانَ لَهَا بِذَلِكَ أَخًا وَلَا ذَا مَحْرَمٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهَا حِينَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهَا فَعَلَى هَذَا جَرَى حُكْمُ سَوْدَةَ مَعَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخُوهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِلزِّنَا حُكْمًا تَحْرُمُ بِهِ رُؤْيَةُ الْمُسْتَلْحِقِ لِأُخْتِهِ سَوْدَةَ فَقَالَ لَهَا احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَنَعَهَا مِنْ أَخِيهَا فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَخِيهَا فِي غَيْرِ الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ مِنْ زِنَا فِي الْبَاطِنِ إذْ كَانَ شَبِيهًا بِعُتْبَةَ فَجَعَلَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَرَاهَا بِحُكْمِ الزِّنَى وَجَعَلَهُ أَخًا لَهَا بِحُكْمِ الْفِرَاشِ قَالُوا وَمَا حَرَّمَهُ الْحَلَالُ فَالزِّنَى أَشَدُّ تَحْرِيمًا لَهُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ الْحَلَالَ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ فِي الْأُخُوَّةِ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُؤَيِّدَهُ الزِّنَا أَكْثَرُ وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي إبْطَالِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رُؤْيَةُ ابْنِ زَمَعَةَ لِسَوْدَةَ مُبَاحٌ فِي الْحُكْمِ , وَلَكِنَّهُ كَرِهَهُ وَأَمَرَ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ اخْتِيَارًا.
قَالَ أَصْحَابُهُ : لَمَّا كَانَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ رُؤْيَةِ أَخِيهَا وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَاحًا لَمَا نَهَاهَا عَنْهُ وَأَمَرَهَا بِقَطْعِ رَحِمِهِ , وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ , وَقَالَ لَهَا : هُوَ عَمُّك فَلْيَلِجْ عَلَيْك مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ غَيْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَغْيَرُ مِنَّا , وَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَتْ : أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ , فَقَالَ اُنْظُرْنَ مِنْ إخْوَانِكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَمَرَهَا أَنْ يَلِجَ عَلَيْهَا عَمُّهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالشَّبَهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَنْسَابِ , وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ بِالْحُكْمِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَكُونُ إِذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْفِرَاشِ الْوَلَدَ وَصَاحِبُ زِنَى لَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عُتْبَةَ دَعْوَى أَخِيهِ سَعْدٍ وَلَا يَلْزَمُ زَمَعَةَ دَعْوَى ابْنِهِ عَبْدٍ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِسَوْدَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ وَهَذَا أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ نَحْوُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عَائِشَةَ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ تَأَوُّلٌ مِنْهَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا سَعْدٌ وَقَالَ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ نَظَرَ إِلَى شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا رَآهُ مَعْنَى مُوجِبًا لِمَا ادَّعَاهُ وَقَدْ يَتَشَابَهُ النَّاسُ وَلَا تَنْتَقِلُ بِذَلِكَ أَنْسَابُهُمْ عَمَّا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الِانْتِسَابِ إِلَى نَسَبٍ مَعْرُوفٍ أَوْ الْجَهَالَةُ بِالنَّسَبِ وَالْعَدَمُ لِمَنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ الِاعْتِبَارُ بِالشَّبَهِ فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ وَاجِبٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَاحْتَجَّ فِيمَا ادَّعَاهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُ : وَهُوَ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْته وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَضِيَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ وَهَذَا أَيْضًا عِنْدِي حُجَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالشَّبَهِ بَلْ أَمْضَى الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ مِنْ حُكْمِ اللِّعَانِ الثَّابِتِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ أَكَّدَ مَعْنَى احْتِجَابِ سَوْدَةَ مِنْهُ فَأَمَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ فَلَا كَمَا لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ التَّشَابُهَ إِلَى عُتْبَةَ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ عَائِشَةُ عَلَى وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَتَقْوِيَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ بِهِ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَسْبَابِ الْمُثْبِتَةِ لِلنَّسَبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مِنْ عِلْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ الْقَافَةُ , وَلَوْ كَانَ كُلُّ شَبَهٍ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لَمَا اخْتَصَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْقَافَةُ وَلَوَجَبَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ وَلَا يَقْصُرَ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ الِاسْتِدْلَالِ , وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنَّ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِالذَّرَائِعِ لِمَا تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ حَكَمَ بِالنَّسَبِ لِعَبْدٍ وَرَاعَى التَّحْرِيمَ فِي جَنَبَةِ سَوْدَةَ فَمَنَعَهُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا وَهَذَا بَعِيدٌ ; لِأَنَّ هَذَا أَوْلَى لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الذَّرَائِعِ , وَقَدْ فَسَّرْنَا مَعْنَى الذَّرَائِعِ فِي الْبُيُوعِ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ لَوْ صَحَّ مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ , وَهُوَ وَجْهٌ قَدْ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا : إِنَّ ذَلِكَ كَالْأَمَةِ تَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَمَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا أَبْيَنُ.
وَلَوْ حَكَمَ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ زَمَعَةَ لَحَكَمَ بِإِبَاحَةِ دُخُولِهِ عَلَى سَوْدَةَ , أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي وَلَدَهُ وَيُلَاعِنُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ وَيَحْرُمُ بِذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى بَنَاتِهِ ثُمَّ يَسْتَلْحِقُهُ فَيُلْحَقُ بِهِ وَيُبَاحُ بِذَلِكَ الدُّخُولُ عَلَى بَنَاتِهِ ؟.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتِهَاءً إِلَى حَدِّهِ وَامْتِنَاعًا مِمَّا مَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً , وَلَوْ مَاتَتْ سَوْدَةُ لَمْ يَرِثْهَا لِمَا حَكَمَ بِهِ فِي أَمْرِهِمَا إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ.


حديث الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏قَالَ ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ ‏ ‏كَانَ ‏ ‏عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ‏ ‏عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ ‏ ‏سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ‏ ‏أَنَّ ابْنَ ‏ ‏وَلِيدَةِ ‏ ‏زَمْعَةَ ‏ ‏مِنِّي فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ ‏ ‏سَعْدٌ ‏ ‏وَقَالَ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ ‏ ‏عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ ‏ ‏فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ‏ ‏فَتَسَاوَقَا ‏ ‏إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏سَعْدٌ ‏ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ وَقَالَ ‏ ‏عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ ‏ ‏أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏هُوَ لَكَ يَا ‏ ‏عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏الْوَلَدُ ‏ ‏لِلْفِرَاشِ ‏ ‏وَلِلْعَاهِرِ ‏ ‏الْحَجَرُ ‏ ‏ثُمَّ قَالَ ‏ ‏لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ‏ ‏احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ ‏ ‏بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ‏ ‏قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

امرأة هلك عنها زوجها فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم تز...

عن عبد الله بن أبي أمية أن امرأة هلك عنها زوجها، فاعتدت أربعة أشهر وعشرا، ثم تزوجت حين حلت، فمكثت عند زوجها أربعة أشهر ونصف شهر، ثم ولدت ولدا تاما، فج...

قال عمر للغلام وال أيهما شئت

عن سليمان بن يسار، أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام، فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا عمر بن الخطاب قائفا فنظر إلي...

ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلوهن

عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال: «ما بال رجال يطئون ولائدهم، ثم يعزلوهن.<br> لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها، إلا...

لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد أ...

عن صفية بنت أبي عبيد، أنها أخبرته أن عمر بن الخطاب قال: «ما بال رجال يطئون ولائدهم.<br> ثم يدعوهن يخرجن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا...

من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق

عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق» قال مالك: " والعرق الظالم: كل ما احتفر أو...

من أحيا أرضا ميتة فهي له

عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» قال مالك: «وعلى ذلك الأمر عندنا»

في سيل مهزور ومذينب يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعل...

عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه بلغه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في سيل مهزور ومذينب يمسك حتى الكعبين، ثم يرسل الأعلى عل...

لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ»

رسول الله ﷺ قال لا يمنع نقع بئر

عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع نقع بئر»