حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الأقضية باب القضاء في المياه (حديث رقم: 1430 )


1430- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْوَاضِحَةِ مَعْنَى ذَلِكَ فِي آبَارِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي فِي الْفَلَوَاتِ ; لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ فَضْلُ الْمَاءِ لَمْ يُرْعَ ذَلِكَ الْكَلَأُ الَّذِي بِذَلِكَ الْوَادِي لِعَدَمِ الْمَاءِ فَصَارَ مَنْعًا لِلْكَلَأِ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ إِنَّ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ يَنْزِلُهَا لِلرَّعْيِ لَا لِلْعِمَارَةِ فَهُمْ وَالنَّاسُ فِي الرَّعْيِ سَوَاءٌ وَلَكِنْ يبدئون بِمَائِهِمْ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ بِئْرَ الْمَاشِيَةِ هِيَ مَا حَفَرَهُ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى مَا عَهِدَهُ مِمَّا يَحْفِرُهُ الرَّجُلُ لِمَاشِيَتِهِ فِي الْبَرَارِي وَفَيَافِي الْقِفَارِ فَهَذِهِ الْبِئْرُ إِذَا حُفِرَتْ فَإِنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُحْفَرَ لِشُرْبِ مَاشِيَتِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهَا وَيُسَيِّحَهُ لِلنَّاسِ , فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ مِنْ مَائِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ مَا حُفِرَ مِنْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ , وَإِنْ حُفِرَتْ فِي قُرْبٍ , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يُرِيدُ قُرْبَ الْمَنَازِلِ إِذَا كَانَ إنَّمَا اُحْتُفِرَ لِلصَّدَقَةِ , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبَيْعَ أَصْلِهَا وَأَهْلُهَا أَحَقُّ بِمَائِهَا , فَإِذَا فَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ فَالنَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ قَالُوا , وَأَمَّا مَنْ احْتَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضِهِ لِبَيْعِ مَائِهَا , أَوْ لِسَقْيِ مَاشِيَتِهِ وَلَمْ يَحْتَفِرْهَا لِلصَّدَقَةِ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا فَتَقَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا احْتَفَرَهُ فِي أَرْضِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَى الْمِلْكِ وَإِبَاحَةِ الْبَيْعِ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهَا لِلصَّدَقَةِ وَمَا اُحْتُفِرَ فِي غَيْرِ أَرْضِهِ لِلْمَاشِيَةِ , أَوْ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَلَمْ يَحْفِرْهَا لِإِحْيَاءِ زَرْعٍ , أَوْ غَرْسٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَفَرَهَا لِيَكُونَ الْمُقَدَّمُ فِي مَنْفَعَتِهَا وَلِلنَّاسِ فَضْلُهَا ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْفِرُهَا بِحَيْثُ لَا يُبَاعُ مَاؤُهَا وَلَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إِلَّا بِبَذْلِهَا فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَمَلُهَا دُونَ شَرْطٍ إِلَى الْمُعْتَادِ مِنْ حَالِهَا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ وَبِهَذَا الْحُكْمُ يُحْكَمُ لَهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ بَيَّنَ وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّمْلِيكَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ وَبِهَذَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهِيَةُ عِنْدِي وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا فَإِنْ كَانَ بِالْبُعْدِ وَحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ فَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ وَحَيْثُ يَخْشَى الِاسْتِضْرَارَ نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَهَذَا حُكْمُ الْآبَارِ فَأَمَّا فِي الْمَوَاجِلِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَا عُمِلَ مِنْهَا فِي الصَّحَارِي وَالْفَيَافِي كمواجل طَرِيقِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْتَفَرُ لِلْمَاشِيَةِ , وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي جِبَابِ الْبَادِيَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَاشِيَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ مَائِهَا لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ , قِيلَ لَهُ : فَالْجِبَابُ الَّتِي تُجْعَلُ لِمَاءِ السَّمَاءِ قَالَ ذَلِكَ أَبْعَدُ , وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَنْ حَفَرَ جُبًّا فَلَهُ مَنْعُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَلَيْسَ كَالْبِئْرِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى رَعْيِ الْكَلَأِ بِالْمَاءِ فَأَشْبَهَ الْبِئْرَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَوَاجِلَ لَيْسَتْ مِمَّا يُتَّخَذُ غَالِبًا لِلْمَوَاشِي لِمَا فِيهَا مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْمُؤَنِ وَغَالِبُ عَمَلِهَا لِلتَّمْلِيكِ إِلَّا مَنْ أَعْلَنَ بِالصَّدَقَةِ إِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا تُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُبَاعُ مَاؤُهَا فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُورَثُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُبَاعُ , وَإِنْ احْتَاجَ وَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يُورَثُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَرَثَةُ مُحْتَفِرِهَا أَحَقَّ بِمَائِهَا , وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ : " إنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَصَاحِبُهَا الَّذِي احْتَفَرَهَا أَوْ وَرَثَتُهُ أَحَقُّ بِحَاجَتِهِمْ مِنْ مَائِهَا " قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا , وَرِوَايَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ قَالَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ : لَا تَقَعُ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الْمَوَارِيثُ بِمَعْنَى الْمِلْكِ وَلَا حَظَّ فِيهِ لِزَوْجِهِ وَلَا زَوْجٍ مِنْ بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ , قَالَ : وَمَنْ اسْتَغْنَى مِنْهُمْ عَنْ حَظِّهِ مِنْ الشُّرْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ حَظَّهُ أَحَدًا وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِئْرِ أَوْلَى مِنْهُ , وَمَنْ غَابَ وَأَوْصَى بِثُلُثِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ : إِنَّ الْبِئْرَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ يَعْنِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ الْعَطِيَّةِ كَالْهِبَةِ , قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُبَاعُ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فَضْلُهَا لِغَيْرِهِ فَقَدْ اشْتَرَى مِنْ مَائِهَا مَا يَرْوِيه وَذَلِكَ مَجْهُولٌ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ فَظَاهِرُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ ; لِأَنَّهُ قَالَ : إنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَوَاجِلِ الطَّرِيقِ , وَإِنَّمَا كَانَ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَهِيَ كَالْآبَارِ الَّتِي تُحْفَرُ لِلْمَاشِيَةِ , وَقَالَ فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا أَرَى بَيْعَ ذَلِكَ حَرَامًا , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَجْمُوعَةِ التَّحْرِيمُ ; لِأَنَّهُ قَالَ : وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ , وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ , وَأَمَّا بِئْرُ الْمَاشِيَةِ فَمَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْكَلَإِ الْمُبَاحِ , وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلنَّاسِ مَا فَضَلَ , وَعَلَّلَ ذَلِكَ لِأَشْهَبَ بِأَنَّ مَا يَشْتَرِيه مَجْهُولٌ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ ; لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِيهِ حَوَائِجَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ , وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَعَلَى ذَلِكَ مُنِعَ مِنْ أَنْ يُورَثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ أَشْهَبُ لَجَازَ أَنْ تُورَثَ وَتُوهَبَ ; لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضَىِ اللَّهُ عَنْهُوَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا تَنْصَرِفُ الْكَرَاهِيَةُ إِلَى أَنْ يَحْفِرَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الِانْفِرَادِ بِهِ , وَأَمَّا إِذَا حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ لِفَضِيلَةٍ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ مَنْعِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَى مَنْعِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ وَمَنْعِ هِبَتِهِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) وَمَنْ يَبْدَأُ بِالشُّرْبِ [ ] قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ سُنَّةٌ مِنْ تَقْدِيمِ ذِي الْمَالِ الْكَثِيرِ لَوْ قُدِّمَ عَلَى قَوْمٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ حَمَلُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا اسْتَهَمُوا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ لِسَنَةٍ اسْتَمَرَّتْ لَهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ أُسْهِمَ بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّهُ السَّبِيلُ إِلَى تَقْدِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلِأَهْلِ الْبِئْرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَوَاجِلُ حَاجَتُهُمْ مِنْ الْمَاءِ لَا يُشْرِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى أَنْ يُمْنَعَ فَضْلُ الْمَاءِ , وَأَمَّا قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْهُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَنْعٌ فَكَانَ لَهُمْ بِحَقِّ الْيَدِ وَاجِبًا , وَأَمَّا مَا فَضَلَ مِنْهُ فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ , وَقَدْ كَانَ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ احْتَفَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَشْرَبُ بِهَذِهِ الْآبَارِ الْمُحْدَثَةِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّ بِئْرٍ كَانَتْ مِنْ آبَارِ الصَّدَقَةِ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَبِئْرِ السُّقْيَا أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ مَنَعَهُمْ أَهْلُ الْمَاءِ بَعْدَ رَيِّهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ دِيَةُ قُرَاهُمْ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَلَوْ مَنَعُوهُمْ حَتَّى مَاتَ الْمُسَافِرُونَ عَطَشًا كَانَتْ لَهُمْ دِيَاتُهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ أَهْلِ الْمَاءِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ مَعَ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ مِنْ الْإِمَامِ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ السَّبِيلِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَسْقِيَ دَوَابَّهُ مِنْ فَضْلِ مَاءِ الْآبَارِ وَالْمَوَاجِلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ , وَقَدْ اضْطَرَّتْ دَوَابُّهُمْ إِلَيْهِ وَالْمَسَافَةُ إِلَى مَاءٍ آخَرَ بَعِيدَةٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ أُسْوَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْمِيَاهِ غَوْثٌ أَقْرَبُ مِنْ غَوْثِ السَّفَرِ فَيَكُونُ السَّفَرُ أَوْلَى بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ , وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْآبَارِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ابْنُ السَّبِيلِ أَوْلَى مَنْ شَرِبَ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ لِاضْطِرَارِهِ إِلَى ذَلِكَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ مِثْلُ تِلْكَ الضَّرُورَةِ لِقُرْبِ غَوْثِهِمْ وَمَحَارِمِ بِئْرِهِمْ وَهُمْ مُقِيمُونَ وَالسَّفْرُ رَاحِلُونَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي لِأَهْلِهِ بَيْعُهُ كَالْبِئْرِ يَحْتَفِرُهَا الرَّجُلُ فِي دَارِهِ وَأَرْضِهِ لِيَبِيعَ مَاءَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْ مَائِهَا إِلَّا بِالثَّمَنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ السَّبِيلِ لَا ثَمَنَ مَعَهُ , وَإِنْ مُنِعَ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَبْلُغَ الْمَاءَ فَلَا يُمْنَعُ فَإِنْ مُنِعَ جَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) , وَأَمَّا مَا يَحْدُثُ فِي الْمِيَاهِ مِنْ الْحِيتَانِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِرْكَةِ وَالْغَدْرِ وَالْبُحَيْرَةِ فِيهَا الْحِيتَانُ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَبِيعَهَا أَهْلُهَا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعُوا تَصَيُّدَهَا وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا كَانَ فِي مِلْكِهِمْ , أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِمْ كَالْكَلَأِ , وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ , أَوْ غَدِيرٌ فِيهَا سَمَكٌ فَإِنْ كَانَ طَرَحَ فِيهَا سَمَكًا فَتَوَالَدَتْ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ مَعَ الطِّينِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَصِيدُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ بِهِ الصَّيَّادُونَ , وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَحْنُونٌ : لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَرَاعِيَ أَرْضِهِ وَحِيتَانَ غَدِيرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْزِهِ وَذَلِكَ سَوَاءٌ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ , وَفِي حَوْزِهِ فَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا كَانَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْخُلْجِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ فَلَيْسَ لِمَنْ دَنَا إِلَيْهِ بِسُكْنَاهُ وَحَقِّهِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ طَارِئًا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَتَسَبَّبَ بِهِ إِلَى مَنْعِ الْكَلَأِ الْمُبَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِهِ مِنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالْمَانِعُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ يَقْصِد غَالِبًا الِانْفِرَادَ بِالْكَلَأِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَى هَذَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي الذَّرَائِعِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ مَنْ قَصَدَ الْكَلَأَ وَمَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْكَلَأُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ وَضَرْبٌ فِي الْعِمَارَةِ قَالَ مُطَرِّفٌ : فَمَا كَانَ فِي فَيَافِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ غَيْرَهُ , وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لَيُمْنَعَ بِذَلِكَ الْكَلَأُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْفَيَافِي وَالْقِفَارِ فَتَقَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْمِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَأِ , وَلَوْ جَازَتْ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَنْعِ لَمَا احْتَاجَ الْمَانِعُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ فَضْلَ الْمَاءِ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَنْعِ الْكَلَأِ , وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَأَنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَنْعِ الْكَلَأِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ بِهِ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْمَنْعَ مِنْ الْكَلَأِ عَلَى الْإِطْلَاقِ , وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَمَى الْبَقِيعَ لِخَيْلِهِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَمَى الرَّبَذَةَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى سَرِفًا والربذة فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إِلَى ذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْخَيْلُ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا أَنَّهَا لَبِلَادُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهَا إِلَّا لِمَا كَانَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَيَافِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ مِنْ حُقُوقِ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمْنَعُوا مِنْهَا إِلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ , وَأَمَّا مَنْعُهُمْ إيَّاهَا مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ , وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِمَرْعًى لِطُولِ مُقَامِهِ بِهِ , أَوْ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَإِسْلَامِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ : مَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ مِنْ أَرْضِ الْأَعْرَابِ وَفَيَافِيهمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ رَعْيِ مَاشِيَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالنَّاسِ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِيهَا , وَلَهُمْ مَنْعُهُمْ مِنْهَا , وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ بِئْرِ مَاشِيَتِهِمْ هُمْ مُبْدِئُونَ بِمَائِهَا وَبِرَعْيِ كَلَئِهَا وَلَهُمْ مَنْعُ فَضْلِهَا , وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي بِئْرِ الْمَاشِيَةِ يَمُوتُ صَاحِبُهَا أَنَّهَا لِوَرَثَتِهِ لَا حَقَّ فِيهَا لِزَوْجٍ وَلَا زَوْجَةٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَمْعَانَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إحْيَاءِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يَنْزِلُ بِهِمْ قَوْمٌ يُرِيدُونَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ لَهُمْ مِيلٌ فِي مِيلٍ لِمَرْعَى غَنَمِهِمْ وَلِقَاحِهِمْ وَمَرَابِطِ خَيْلِهِمْ وَمَخْرَجِ نِسَائِهِمْ , وَكَانَ سَحْنُونٌ يُعْجِبُهُ حَدِيثُ ابْنِ سَمْعَانَ هَذَا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ مِائَتَا ذِرَاعٍ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ الْمَرْأَةُ وَلَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ , وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ أَوْ يَمْلِكُونَ الِانْتِفَاعَ بِهِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : إِذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً لِحَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهَا حَقُّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهَا وَمِلْكُهُمْ كَالْعُمْرِيِّ وَهُوَ بِخِلَافِ حَقِّ مَنْ شَرَى , أَوْ أَحْيَا , أَوْ وَرِثَ , أَوْ وَهَبَ لَهُ , وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَيْسَ مِلْكُهُمْ لَهَا بِالتَّامِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فَهَذِهِ الْأَحْمِيَةُ إنَّمَا كَانَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَرَاضِي بِالْبَقِيعِ قَدْرَ مِيلٍ فِي سِتَّةِ أَمْيَالٍ مَا بَيْنَ مِيلٍ إِلَى مِيلَيْنِ وَاسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى حِمَايَةِ الرَّبَذَةِ قرطة بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ مَا حَمَى مِنْهَا قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ فِي مِثْلِهَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ سَلَامَةَ وَحَمَى بِسَرِفٍ نَحْوًا مِمَّا حَمَى بِالرَّبَذَةِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ هنبا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْقُرَى وَمَوَاضِعِ الْعِمَارَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَمَسَارِح الْقُرَى , أَوْ لِمُعَيَّنٍ كَأَرْضِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مِنْ مَسَارِحِ الْقُرَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهَا , أَوْ مَنَعَ ذَلِكَ فَمَنْ جَوَّزَ قِسْمَتَهَا أَجْرَاهَا مَجْرَى الْمِلْكِ الْمُعَيَّنِ , وَمَنْ مَنَعَ اقْتِسَامَهَا أَجْرَاهَا مَجْرَى مَسَارِحِ الْفَيَافِي لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ أَهْلَهَا الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَيْهَا أَحَقُّ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ , وَأَمَّا الْقُرَى وَالْأَرَضُونَ الَّتِي عَرَفَهَا أَهْلُهَا فَلَهُمْ مَنْعُ كَلَئِهَا عِنْدَ مَالِكٍ إِنْ احْتَاجُوا إِلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُحْظَرًا عَلَيْهِ , أَوْ غَيْرَ مُحْظَرٍ عَلَيْهِ أَمَّا مَا كَانَ مُحْظَرًا عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْمَدَنِيَّةِ لَهُ مَنْعُهُ وَبَيْعُهُ وَمَا لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ لِمَاشِيَتِهِ وَدَابَّتِهِ , وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا الْعُشْبُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إِنْ كَانَ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيُخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ وَلَهُ بَيْعُ مَرَاعِي أَرْضِهِ سَنَةً بَعْدَ أَنْ يَطِيبَ وَيَبْلُغَ أَنْ يَرْعَى وَلَا يَبِيعُهُ عَامَيْنِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ : سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَأَلْت مُطَرِّفًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ , وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلَهُ مَنْعُ كَلَئِهَا إِنْ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيُخَلَّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ , وَمِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ خِصْبِ أَرْضِهِ عَامَهُ ذَلِكَ إِذَا بَلَغَ أَنْ يَرْعَى فَأَيُّ خِصْبٍ يُبِيحُهُ لِلنَّاسِ وَأَيُّ خِصْبِ يَبِيعُهُ , فَقَالَ : الْخِصْبُ الَّذِي يَبِيعُهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ مَاءٌ مَرَجَهُ وَحَمَاهُ , وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَلَا لَهُ بَيْعُهُ إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْ خِصْبِ فَدَادِينِهِ وَفُحُوصِ أَرْضِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَأَلْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ عَنْ ذَلِكَ فَسَاوَى بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ , وَقَالَ : هُوَ أَحَقُّ بِخِصْبِ أَرْضِهِ الْبَيْضَاءِ كُلِّهَا الَّتِي يَزْدَرِعُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ حِمًى وَلَا مَرَجٌ إِنْ شَاءَ بَاعَ , وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ , أَوْ رَعَى , وَإِنَّمَا لَا يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا مَنْعُهُ إِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رِعَايَتِهِ خِصْبُ الْقَنَاءِ مِنْ مَنْزِلِهِ , قَالَ أَصْبَغُ وَرَأَيْت أَشْهَبَ يُنْكِرُ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ خِصْبِ أَرْضِهِ , وَكَانَ لَا يُجِيزُ بَيْعَ الْكَلَأِ بِحَالٍ , وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ وَحِمَاهُ وَمَرْجِهِ , وَإِنَّمَا الْكَلَأُ كَالْمَاءِ الَّذِي يُجْرِيه اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ وَلَا يُبَاعُ وَهُوَ لِمَنْ أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ لَهُ أَنْ يَحْمِيَهُ لِمَنَافِعِهِ , فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِمَّنْ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا يَبِيعُهُ إِلَّا أَنْ يَجْتَزَّهُ وَيَحْتَمِلَهُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ فِي بَيْعِهِ , وَلَوْ كَانَ هَذَا لِمَنْ هُوَ فِي أَرْضِهِ كَانَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ.
وَفَرَّقَ عِيسَى بَيْنَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ يَلْحَقُهُ الْمَضَرَّةُ بِرَعْيِ عُشْبِهِ وَالتَّوَصُّلِ إِلَيْهِ بِإِفْسَادِ حِظَارِهِ , وَلِذَلِكَ قَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فِيهَا عُشْبٌ لَهُ وَحَوَالَيْهَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ لَهُ يَضُرُّ بِهِ الدُّخُولُ إِلَى رَعْيِهَا مِنْ مَزَارِعِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ ذَلِكَ , وَهَذَا إنَّمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الرَّعْيِ لَا مِنْ الِاحْتِشَاشِ , وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّمَا هُوَ ; لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْحَظْرِ عَلَيْهِ كَمَا يَتَمَلَّكُهُ بِالِاحْتِشَاشِ لِكَوْنِهِ فِي مِلْكِهِ وَيَدِهِ , وَفَرَّقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بَيْنَ مَرَاعِي أَرْضِهِ وَبَيْنَ عُشْبِ مَزَارِعِهِ أَنَّ مَرَاعِي أَرْضِهِ لِذَلِكَ اُتُّخِذَتْ , وَأَمَّا عُشْبُ مَزَارِعِهِ فَلَمْ تُتَّخَذْ لِذَلِكَ , وَإِنَّمَا اُتُّخِذَتْ عِنْدَهُ لِلزَّرْعِ , وَأَمَّا الْعُشْبُ فَعَلَى حُكْمِ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي مَنْعِ الْعُشْبِ جُمْلَةً أَنَّ أَصْلَهُ الْإِبَاحَةُ كَالْمِيَاهِ الَّتِي هِيَ فِي أَصْلٍ مُبَاحٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْكَلَأِ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ أَنَّ الْكَلَأَ فِي الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَيْسَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ فَصَارَتْ كَظِلَالِ الثِّمَارِ الَّتِي لَيْسَ لِأَرْبَابِ الثِّمَارِ مَنْعُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.


حديث لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الزِّنَادِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْرَجِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

رسول الله ﷺ قال لا يمنع نقع بئر

عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع نقع بئر»

لا ضرر ولا ضرار

عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار»

لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره» ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين...

لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخ...

عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني...

قال كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فأراد...

عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف، فأراد عبد الرحمن بن عوف أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أ...

أيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قس...

عن ثور بن زيد الديلي، أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية، فهي على قسم الجاهلية، وأيما دار أو أرض أدر...

أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المو...

عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه.<br> فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، و...

أمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم

عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، «فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم»،...

إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي

عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعن محمد بن النعمان بن بشير، أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير، أنه قال: إن أباه بشيرا أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه و...