1441-
عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: ما لي بيدي لم أعطه أحدا، وإن مات هو، قال: «هو لابني قد كنت أعطيته إياه.
من نحل نحلة، فلم يحزها الذي نحلها، حتى يكون إن مات لورثته، فهي باطل»
المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)
( ش ) : قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نِحَلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ إخْرَاجَ الْعَطِيَّةِ مِنْ يَدِ الْأَبِ النَّاحِلِ هُوَ الْوَاجِبُ , أَوْ الْأَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ بَالِغًا مَالِكًا لِأَمْرِ نَفْسِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّ مِنْ الْعَطَايَا مَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِخْرَاجِ الْأَبِ الْعَطِيَّةَ مِنْ يَدِهِ إِلَى يَدِ مَنْ يَحُوزُهَا لَهُ وَمِنْهَا مَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْأَبِ إِلَّا أَنَّ إخْرَاجَهَا عَنْ يَدِ الْأَبِ إِلَى يَدِ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَأَبْيَنُ فِي صِحَّةِ الْحِيَازَةِ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَطَايَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَيَّنُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ فَأَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَإِنَّهَا إِنْ بَقِيَتْ بِيَدِ الْوَاهِبِ غَيْرِ مَخْتُومٍ عَلَيْهَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إِنْ مَاتَ الْأَبُ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ فَالْعَطِيَّةُ بَاطِلَةٌ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ , وَإِنْ طَبَعَ عَلَيْهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا إِلَى غَيْرِهِ وَيُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مَعْرُوفَةِ الْعَيْنِ وَلَا مُتَعَيِّنَةٍ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَفَ أَعْيَانُهَا إِذَا أُفْرِدَتْ مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ إِذَا وَهَبَهُ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ دَنَانِيرِهِ.
( فَرْعٌ ) وَأَمَّا إِذَا خَتَمَ عَلَيْهَا وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَبْطُلُ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَإِنْ خَتَمَ عَلَيْهَا الشُّهُودُ وَالْأَبُ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْعَطِيَّةَ مَاضِيَةٌ وَبِهِ أَخَذَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمَدَنِيُّونَ قَالَ مُطَرِّفٌ إِذَا خَتَمَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ , وَإِنْ لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهَا الشُّهُودُ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا حِيَازَةٌ مَعَ بَقَائِهَا بِيَدِ الْمُعْطِي كَاَلَّتِي لَمْ يَخْتِمْ عَلَيْهَا , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا تَمَيَّزَتْ بِالْخَتْمِ عَلَيْهَا صَحَّتْ الْحِيَازَةُ فِيهَا.
( فَرْعٌ ) فَأَمَّا إِذَا وَهَبَهُ دَنَانِيرَ فَوَضَعَهَا عَلَى يَدِ رَجُلٍ يَحُوزُهَا لَهُ فَحَدَثَ لِلرَّجُلِ سَفَرٌ وَمَاتَ فَقَبَضَهَا الْأَبُ فَمَاتَ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا مَاضِيَةٌ ; لِأَنَّهَا حِيزَتْ مُدَّةً فَلَا يُبَالِي قَبَضَهَا الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ , أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا كَالدَّارِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ فَيَحُوزُهَا عَنْهُ سَنَةً وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَجَعَلَهَا لَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ تَسَلَّفَهَا فَمَاتَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنًا ثُمَّ قَبَضَهُ الْأَبُ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ ; لِأَنَّهُ عَلَّلَ إمْضَاءَ الْهِبَةِ بِأَنَّهَا حِيزَتْ مُدَّةً , وَشَبَّهُ ذَلِكَ بِالدَّارِ تُحَازُ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ إِلَى سُكْنَاهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاهِبَ لَوْ تَسَلَّفَهَا بَعْدَ أَنْ حِيزَتْ عَنْهُ نَفَذَتْ الْهِبَةُ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْقَبْضِ فِي مَسْأَلَةِ السَّفَرِ وَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ لِعُذْرِ السُّكْنَى جَائِزٌ وَلَمْ يَذْكُرْ انْتِفَاعَ الْأَبِ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ قَبْضَ الْأَبِ لِلدَّيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَسَلُّفَهُ لَهُ وَلَا انْتِفَاعَهُ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ مَسْأَلَةَ السَّفَرِ بِمَنْ حِيزَتْ عَنْهُ الدَّارُ سَنَةً اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ حِيزَتْ عَنْهُ لَا تَبْطُلُ الْحِيَازَةُ وَاقْتَضَى ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ قَبْضَ الْأَبِ لَهَا بَعْدَ حِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ , وَإِنَّمَا يُبْطِلُهَا انْتِفَاعُ الْأَبِ بِهَا وَسَلَفُهُ إيَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْحِيَازَةَ قَدْ وُجِدَتْ فِيهَا فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَقَبَضَهُ الْأَبُ وَمَاتَ وَهُوَ بِيَدِهِ , وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّتِهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حِيَازَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فِيهَا ضَعْفٌ , وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ عَنْهُ , وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ حِيَازَةُ النَّائِبِ عَنْهُ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَتَعَيَّنُ بِقَبْضِهِ , وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَإِذَا اسْتَرْجَعَهَا الْأَبُ مِنْ يَدِهِ وَصَرَفَهَا فِي مَنْفَعَتِهِ بَطَلَتْ الْهِبَةُ , وَلَوْ تَسَلَّفَهَا مِنْ الْكَبِيرِ بَعْدَ أَنْ تَتِمَّ حِيَازَتُهَا لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ , أَوْ حَبَسَ عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ فَجَعَلَ مَنْ يَحُوزُ لَهُمْ فَحَازَ ذَلِكَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَوُجِدَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ , قَالَ مُطَرِّفٌ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ أَنَّهُ رَدَّ حِيَازَتَهَا إِلَيْهِ , قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِي مَنْ كَانَ يَحُوزُهَا سَفَهٌ فَإِنَّهُ يَحُوزُ ذَلِكَ إِذَا أَشْهَدَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فِي أَنَّ قَبْضَهَا لِلْحِفْظِ لِلِابْنِ , وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِشْهَادَ ضَرُورَةَ الْأَخْذِ لَهَا مِنْ الْحَائِزِ بِسَفَهِهِ وَتَتَّفِقُ أَقْوَالُهُمْ عَلَى أَنَّ لِحِيَازَةِ الْأَجْنَبِيِّ تَأْثِيرًا فِي صِحَّةِ الْحِيَازَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَمَا يُكَالُ , أَوْ يُوزَنُ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ مَنْ قَبَضَ لِابْنِهِ الصَّغِيرَ مَا فِي يَدِهِ وَحَازَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ إِذَا كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَلَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّعَامِ وَسَائِرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إِلَّا أَنْ يَضَعَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ لَمْ تَصِحَّ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَدْ يُتْلِفُ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ , أَوْ يَتْلَفُ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفُ عَيْنُهُ فَلَا يُعْلَمُ إِنْ كَانَ مَا وُجِدَ هُوَ الَّذِي كَانَ وَهَبَهُ , أَوْ غَيْرُهُ.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَهَا الْأَبُ إِذَا وَضَعَهَا فِي شَيْءٍ وَخَتَمَ عَلَيْهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَمَيَّزُ وَيُمْكِنُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ وَمَا يَتَمَيَّزُ عَيْنُهُ , وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِي حِيَازَةِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ ظَاهِرٌ , وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمِصْرِيِّينَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَكِيلٍ , أَوْ مَوْزُونٍ , أَوْ مَعْدُودٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الدَّنَانِيرَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِدَارٍ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى بَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ الصَّدَقَةُ جَائِزَةٌ وَالثَّمَنُ لِلْوَلَدِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا مَاتَ فِي دَارِ الْمُشْتَرِي وَسَوَاءٌ بَاعَهَا بِاسْمِ الْوَلَدِ , أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ بَاعَهَا لِنَفْسِهِ اسْتِرْجَاعًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ عَثَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ رَدَّ الْبَيْعَ وَرَجَعَتْ الدَّارُ لِلْوَلَدِ , وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَنَفَذَ الْبَيْعُ وَسَوَاءٌ مَاتَ فِيهَا , أَوْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي , وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ الصَّدَقَةِ ثُمَّ بَاعَهَا فَسَوَاءٌ بَاعَهَا لِنَفْسِهِ اسْتِرْجَاعًا , أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ لِلْوَلَدِ , مَاتَ الْأَبُ أَوْ لَمْ يَمُتْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ , وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْأَبُ شَيْئًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا وَأَشْهَدَ عَلَى احْتِيَازِهَا لِابْنِهِ ثُمَّ بَاعَهَا بِاسْمِ الِاسْتِرْجَاعِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي بَاعَ بَعْدَ أَنْ أَخْلَاهَا مِنْ سُكْنَاهُ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِحَوَانِيتَ وَمَسَاكِنَ لَهَا غَلَّاتٌ فَلَمْ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يُكْرِيهَا لِلِابْنِ بِاسْمِهِ , أَوْ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ لِلِابْنِ , وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَاهَا وَلَمْ يَقُلْ أَكْرَيْتُ لِابْنِي , وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ يَحُوزُهُ لِابْنِهِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا ثَبَتَ الْكِرَاءُ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَعَابَهُ وَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً , وَقَالَ هَذَا خِلَافُ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمِائَةِ شَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إِنْ لَمْ يُسَمِّ الْغَنَمَ , أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تُعْرَفُ بِأَعْيَانِهَا وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ كَمَا يُسَمِّي أَهْلُ مِصْرِ الْخَيْلَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ : وَقَدْ كَانَ يَقُولُ إِذَا ذَكَرَ عِدَّة مِنْ غَنَمِهِ , أَوْ خَيْلِهِ وَتَرَكَ ذَلِكَ شَرِكَةً فَهُوَ جَائِزٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ , زَادَ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ , قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَبِهَذَا أَخَذَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْعَيْنَ وَالْمَسْكَنَ وَالْمَلْبُوسَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ يُرِيدُ إِذَا لَبِسَهُ أَوْ سَكَنَهُ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَيِّنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ حِيَازَتُهَا لِابْنِهِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِوَلَدِهِ كَالرَّهْنِ الْمُشَاعِ لَوْ بَقِيَ بِيَدِ الرَّاهِنِ لَمْ تَصِحَّ الْحِيَازَةُ فِيهِ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ يَصِحُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَطِيَّةِ وَالرَّهْنِ أَنَّهُ يَحُوزُ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ الْعَطِيَّةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ لَهُ مَا وَهَبَ لَهُ إِيَّاهُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ , أَوْ وَهَبَهُ نِصْفَ غَنَمِهِ , أَوْ نِصْفَ عَبِيدِهِ , أَوْ دَارَهُ مُشَاعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْإِبْطَالُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِجُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَكَ بَاقِيهَا لِنَفْسِهِ , أَوْ جَعَلَ الْبَاقِيَ لِلسَّبِيلِ فَحَازَ ذَلِكَ الْأَبُ حَتَّى مَاتَ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْعُتْبِيَّةِ مَا كَانَ لِلِابْنِ فَهُوَ نَافِذٌ وَيَبْطُلُ مَا كَانَ لِلسَّبِيلِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَرَوَاهُ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَبْطُلَ كُلُّهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا وَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ وَلَا لِلسَّبِيلِ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَبْضَهُ لِابْنِهِ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُفْرَدِ الْمُتَمَيِّزِ وَيَبْطُلُ مَا لِابْنِ السَّبِيلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحُوزُ لَهُمْ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ قَبْضَهُ الْجُزْءَ الْمُشَاعَ لِابْنِهِ وَبَاقِيهِ لَهُ , أَوْ رَاجِعٌ إِلَيْهِ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ مَا يَقْبِضُهُ لِابْنِهِ مِمَّا أَبْقَاهُ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا لَوْ وَهَبَهُ عِدَّةً مِنْ جُمْلَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إشْهَادُهُ بِالْحِيَازَةِ لِابْنِهِ حِيَازَةً , وَقَدْ رَأَيْت مَعْنَاهُ لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُوزَ لِلصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ مَا وَهَبَهُ إِلَّا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ , أَوْ السُّلْطَانُ , أَوْ مَنْ يَلِيهِ فَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمٍّ , أَوْ أَخٍ , أَوْ جَدٍّ , أَوْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَحُوزُ لَهُ مَا وَهَبَهُ يَتِيمًا كَانَ , أَوْ ذَا أَبٍ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ حَوْزَ الْأُمِّ عَلَى الْيَتِيمِ الصَّغِيرِ حِيَازَةٌ فِيمَا وَهَبَتْهُ لَهُ , أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ , وَكَذَلِكَ مَنْ وَلِيَ صَبِيًّا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ , أَوْ مِنْ قَرِيبٍ فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ هُوَ , أَوْ غَيْرُهُ , وَإِنْ كَانُوا إنَّمَا ابْتَدَءُوا وِلَايَتَهُ مِنْ يَوْمِ الصَّدَقَةِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ , وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَأَصْبَغُ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى يَتِيمٍ لَهُ , أَوْ صَغِيرٍ فِي حِجْرِهِ هَلْ يَحُوزُ لَهُ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا الْأَبُ , أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ , أَوْ الْأُمِّ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً وَالْأَجْدَادُ كَالْأَبِ فِي عَدَمِهِ وَالْجَدَّاتُ كَالْأُمِّ إِذَا كَانَ فِي حِجْرٍ آخَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ , وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ يَلِيهِ , وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَا يَلِي الْمَالَ بِنَفْسِهِ وَلَا قَدَّمَهُ مَنْ يَلِيه بِنَفْسِهِ فَلَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَتْ لَهُ وِلَايَةٌ وَنَظَرٌ فَصَحَّتْ حِيَازَتُهُ لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُوصِي عَلَى وَلَدِهِ وَلَا كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ خَبَرُهُ إِلَى السُّلْطَانِ فَيَلِيه أَوْ يُوَلِّي عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ وَلِيُّهُ غَيْرَهُ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ , أَوْ الْقَرَابَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيِّ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَلِيَهُ وَيَحُوزَ لَهُ كَالْأَبِ إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ مُقَدَّمٌ عَلَى بَعْضٍ لِقُوَّةِ سَبَبِهِ.
( فَرْعٌ ) إِذَا قُلْنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَحُوزُ عَلَى يَتِيمِهِ مَا أَعْطَاهُ فَقَدْ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ إنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَ مُفْرَدَ النَّظَرِ فَإِنْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلْيُخْرِجْهَا إِلَى شَرِيكِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ حِيَازَتَهُ تَامَّةٌ.
( بَابٌ فِي الَّذِينَ يُحَازُ عَلَيْهِمْ ) وَاَلَّذِي يُحَازُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّغِيرُ وَالْبِكْرُ الْبَالِغَةُ وَالسَّفِيهُ وَاسْمُ الْيَتِيمِ يَنْطَلِقُ عَلَى جَمِيعِهِمْ , وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ شُيُوخُنَا وَقَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْعَطَّارِ , وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابِ السِّرَاجِ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنَّ حَدَّ الصِّغَرِ يُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ قَالَهُ مُحَمَّدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَابْتُلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَجَعَلَ تَعَالَى إينَاسَ الرُّشْدِ شَرْطًا فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يُخَافُ عَلَيْهِ إفْسَادُ الْمَالِ وَتَأْثِيرُ الرُّشْدِ فِي حِفْظِ الْمَالِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الْبُلُوغِ فَإِذَا رَوْعِي الْبُلُوغُ فَبِأَنْ يُرَاعَى الرُّشْدُ أَوْلَى وَأَحْرَى.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّغِيرِ فِي الْحَجْرِ مَا لَمْ تُعَنِّسْ فَإِنْ عَنَّسَتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِكْرِ يَحُوزُ لَهَا أَبُوهَا , وَإِنْ عَنَّسَتْ وَقَالَ أَيْضًا : إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَنَّسَتْ وَرَضِيَتْ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا بِكْرٌ ذَاتُ أَبٍ فَلَزِمَهَا حَجْرُهُ كَاَلَّتِي لَمْ تُعَنِّسْ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بَالِغَةٌ رَشِيدَةٌ خَبِيرَةٌ بِمَصَالِحِهَا فَزَالَ عَنْهَا الْحَجْرُ كَالثَّيِّبِ.
( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يَحُوزُ لَهَا مَا لَمْ تَبْلُغْ التَّعْنِيسَ الْكَثِيرَ فَإِذَا بَلَغَتْ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ فَهَذِهِ تَحُوزُ لِنَفْسِهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا إِلَّا أَنْ تَحُوزَ لِنَفْسِهَا وَهِيَ كَاَلَّتِي تَلِي مَالَهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا إِلَّا بِرِضَاهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ أَفْسَخْهُ , وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ حِيَازَتُهُ عَلَيْهَا , وَإِنْ رَضِيَ حَالَهَا وَجَاوَزَتْ الثَّلَاثِينَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا لَمْ تُعَنِّسْ جِدًّا فَتَبْلُغُ السِّتِّينَ وَنَحْوَهَا فَهَذِهِ إِنْ لَمْ تَحُزْ لِنَفْسِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّعْنِيسِ الْكَثِيرُ وَهُوَ بُلُوغُ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ , وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي التَّعْنِيسِ الْأَوَّلِ بِسِنِّ الثَّلَاثِينَ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الزِّيَادَةَ الْقَرِيبَةَ ; لِأَنَّ هَذِهِ لَمْ تَبْرُزْ بَعْدُ الْبُرُوزَ التَّامَّ , وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْقَاسِمِ : إِذَا عَنَّسَتْ فِي بَيْتِ وَالِدِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ هِبَتَهَا وَلَا عِتْقَهَا وَلَمْ يُحَدَّ , وَقَالَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا , وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ : الَّتِي بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً إِذَا رَضِيَ حَالَهَا جَازَ فِعْلُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ : وَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ وَلَا وَلِيَّ مِنْ السُّلْطَان فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالتَّحْدِيدِ إِلَّا الَّتِي بَلَغَتْ السِّتِّينَ ; لِأَنَّهَا نِهَايَةُ التَّعْنِيسِ وَابْتِدَاءُ الشَّيْخُوخَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا السَّفِيهُ فَهُوَ الَّذِي لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِحِفْظِ مَالِهِ , وَوَجْهُ إصْلَاحِهِ وَهَلْ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِسْقٌ فِي دِينِهِ أَمْ لَا قَالَ أَشْهَبُ لَا يُنْظَرُ إِلَى سَفَهِهِ فِي دِينِهِ إِذَا كَانَ لَا يُخْدَعُ فِي مَالِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْمُولَى عَلَيْهِ لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِهِ بِالرُّشْدِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ , وَهَذَا عِنْدَنَا فِي إزَالَةِ الْحَجْرِ عَنْهُ وَأَمَّا فِي رَدِّهِ إِلَى الْحَجْرِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ فِسْقُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ مَعْنًى لَا يُرَاعَى فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُرَاعَ فِي حِفْظِهِ كَحِفْظِ الْقُرْآنِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الدِّينِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَبِهِ يُعْلَمُ إصْلَاحُهُ لِلْمَالِ.
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا حَالُهَا فِي الْحِيَازَةِ حَالُ الْحُرَّةِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَطَّارِ : وَيَحُوزُ السَّيِّدُ لِأُمِّ وَلَدِهِ مَا حَبَسَهُ عَلَيْهَا لِمَا فِي كِتَابِ الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَحُوزُ عَطِيَّتَهُ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ.
يُرِيدُ أَنَّ قَضَاءَ السَّيِّدِ يَجُوزُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي مَالِهَا فَكَانَتْ مِمَّنْ يَحُوزُ عَلَيْهَا.
.
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَالِي يَعْنِي لَمْ أُعْطِ أَحَدًا يُرِيدُ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ وَرَثَةَ الِابْنِ , وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْت أَعْطَيْته إِيَّاهُ فَوَعَظَ عُمَرُ وَنَهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِفَاعِلِهِ وَأَنَّهُ إِذَا أَعْطَى ابْنَهُ عَطِيَّةً ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا وَيَقُولُ هَذَا مَالِي وَرُبَّمَا حَجَرَ الْإِعْطَاءَ وَأَخْفَى وَثِيقَةَ الْعَطِيَّةِ وَلَا يَحِلُّ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ عَطَاءً لَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ ثُمَّ يُدْرِكَ الْمَوْتُ الْأَبَ فَيُعَرِّيَهُ عَنْ بَعْضِ وَرَثَتِهِ وَيَقُولَ قَدْ كُنْت وَهَبْته لِابْنِي وَهُوَ لَمْ يَبْتِلْ تِلْكَ الْهِبَةَ ثُمَّ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ نُحِلَ نِحْلَةً فَلَمْ يحزها الَّذِي نُحِّلَهَا حَتَّى تَكُونَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ الْمَنْحُولُ كَبِيرًا يَحُوزُ لِنَفْسِهِ , وَأَمَّا لِصَغِيرٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ يَحُوزُ لَهُ غَيْرُهُ , وَقَدْ يَحُوزُ لِلْكَبِيرِ غَيْرُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب أَنْ يَحُوزَ لِنَفْسِهِ , أَوْ يَحُوزَ لَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْكِيلٍ , أَوْ وَجْهٍ سَائِغٍ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْحَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نُحْلًا ثُمَّ يُمْسِكُونَهَا فَإِنْ مَاتَ ابْنُ أَحَدِهِمْ قَالَ مَا لِي بِيَدِي لَمْ أُعْطِهِ أَحَدًا وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ هُوَ لِابْنِي قَدْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ مَنْ نَحَلَ نِحْلَةً فَلَمْ يَحُزْهَا الَّذِي نُحِلَهَا حَتَّى يَكُونَ إِنْ مَاتَ لِوَرَثَتِهِ فَهِيَ بَاطِلٌ
عن أبي غطفان بن طريف المري، أن عمر بن الخطاب قال: «من وهب هبة لصلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب،...
عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أعمر عمرى له، ولعقبه، فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدا، لأ...
عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي، يسأل القاسم بن محمد، عن العمرى وما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم بن محمد: «ما أدركت الناس إلا وهم على ش...
عن نافع، أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها، قال: «وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب، ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد، قبض عبد الله بن عمر ا...
عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها س...
عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن أباه أخبره: أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا، فذكرها لعمر بن الخطاب، فقال له عمر: «عر...
عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟ فقال له عبد الله بن عمر: «عرفها»، قال: قد فعلت؟ قال: «زد»، ق...
عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، «فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات»، فقال له ثابت:...
عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال وهو مسند ظهره إلى الكعبة: «من أخذ ضالة فهو ضال»