حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الوصية باب الوصية في الثلث لا تتعدى (حديث رقم: 1458 )


1458- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع.
من وجع اشتد بي.
فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى.
وأنا ذو مال.
ولا يرثني إلا ابنة لي.
أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا»، فقلت: فالشطر؟ قال: «لا»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.
وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت.
حتى ما تجعل في في امرأتك» قال، فقلت: يا رسول الله أأخلف بعد أصحابي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تخلف، فتعمل عملا صالحا، إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم.
لكن البائس سعد بن خولة.
يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة»

أخرجه مالك في الموطأ


أخرجه الشيخان

شرح حديث (الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُ سَعْدٍ : " جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ " سُنَّةٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى وَهِيَ مِنْ الْقُرَبِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنْ نَتَّبِعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرْضَى وَنُفْشِيَ السَّلَامَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى " دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إخْبَارِ الْعَلِيلِ بِشِدَّةِ حَالِهِ إِذَا تَسَبَّبَ بِذَلِكَ إِلَى النَّظَرِ فِي دِينِهِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا تَسَبَّبَ بِذَلِكَ إِلَى مُعَانَاةِ أَلَمِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ يَرْجُو بَرَكَةَ دُعَائِهِ وَيُخْبِرَ بِذَلِكَ مَنْ يُعْلَمُ إشْفَاقُهُ , وَقَدْ رَوَى الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وَهُوَ يُوعَكُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تُوعَكُ وَعْكًا قَالَ : أَجَلِ إنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ , وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : وَارَأْسَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم : بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أُوصِيَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهِ وَأَعْهَدُ , وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّشَكِّي وَالتَّسَخُّطِ وَذَلِكَ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ , أَوْ مُؤَثِّرٌ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي هَذَا اللَّفْظُ , وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى يَسِيرِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي كَثِيرِهِ وَاسْتَكْثَرَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَالِ لِلِابْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَتْ جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعُدُّ الْمَالَ لِلنِّسَاءِ , وَإِنَّمَا كَانَتْ تَعُدُّهُ لِلرِّجَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَكْثَرَ نِصْفَ مَالِهِ لَهَا وَرَأَى أَنَّهُ إِذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ يَكْفِيهَا نِصْفُ مَا يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ : وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي يُرِيدُ مِنْ النِّسَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي أَنْ يُبَتِّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ الْمِقْدَارَ فِي وُجُوهِ بِرٍّ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم عَنْ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ عَنْ الشَّطْرِ وَأَبَاحَ لَهُ الثُّلُثَ وَوَصَفَهُ بِالْكَثْرَةِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَحِمُهُ اللَّهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ كَثِيرٌ مَا أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ مَالِهِ , وَذَلِكَ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ , أَوْ كَبِيرٌ فَحُمِلَ قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ عَلَى اسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالنَّدْبُ إِلَى التَّقْصِيرِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالرُّبْعِ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِالْخُمْسِ , وَقَالَ : رَضِيت فِي وَصِيَّتِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَبِيهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ لِقَوْلِهِ إنَّك إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ فِي مَالِ الْمَرِيضِ بِمَنْعِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ لَهُ مَنْ يَعْقِلُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ يَرِثُهُ بَنُوهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ جَازَ وَيَكُونُ ذَلِكَ تَنْفِيذًا مِنْهُمْ لِفِعْلِ الْمُوصِي وَلَمْ يَكُنْ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ لِلْمُوصَى لَهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ : إنَّهَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوا فَقَدْ تَرَكُوا مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ لِفِعْلِ الْمَيِّتِ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِيَ وَبِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الثُّلُثِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ رَدَّهُ الْوَرَثَةُ رَدَّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَيْسَ لَهُمْ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ الثُّلُثِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُقُوقَهُمْ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُقُوقُهُمْ ; لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثَيْ الْمَالِ بِمَرَضِ الْمُوصِي , وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُهُمْ بِالثُّلُثِ الْبَاقِي بِمَوْتِ مَوْرُوثِهِمْ دُونَ وَصِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُجْرِيه فِي وَجْهِهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيَدْفَعْ إِلَيْهِ , وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهِ وَلَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِ الْبِرِّ فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ سَاغَ لِمَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ أَوْصَى لَهُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ , قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ الْمَيِّتِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصِي قَدْ زَالَ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ إِلَى وَارِثٍ مُعَيَّنٍ , أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دَفَعَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَمَّنْ صَارَ إِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ أَوْصَى نَصْرَانِيٌّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُدْفَعُ إِلَى أَسَاقِفَتِهِمْ ثُلُثُ مَالِهِ وَثُلُثَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَإِنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ فِي تَرِكَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ النَّاظِرِ فِي الْكَنِيسَةِ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَذَا إِذَا أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ دُونَ إذْنِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) فَإِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي عَلَى إِبْتَالِ الصَّدَقَةِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ فِي الثُّلُثِ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرٌ وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبْتِلَ مِنْ مَالِهِ إِلَّا ثُلُثَهُ بِصَدَقَةٍ , أَوْ عِتْقٍ , أَوْ هِبَةٍ , أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ مَوْقُوفَةٌ مُرَاعَاةً , فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ وَإِلَّا رَدَّ إِلَى الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَبْضُ الْهِبَةِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ , وَشَدَّدَ أَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا بَلْ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ إِذَا قُبِضَتْ الْهِبَةُ , أَوْ الصَّدَقَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ سَعْدِ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم : لَا , ثُمَّ قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ , وَهَذَا بَيِّنٌ فِي رَدِّ مَا ادَّعَوْهُ , وَدَلِيلٌ ثَانٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الَّذِي أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَدَّ أَرْبَعَةً.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْحَجْرِ يَلْحَقُ الْمَرِيضَ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْحَجْرِ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ فِي الْأَكْلِ وَالْكِسْوَةِ وَالتَّدَاوِي وَالْعِلَاجِ وَشِرَاءِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَيُمْنَعُ مِنْ السَّرَفِ وَمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ يَسْتَفِيدُهُ أَوْ وَرَثَتُهُ فَكَانَ فِي مَعْنَى إضَاعَتِهِ , وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِقْدَارِهِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يُمْنَعُ الْمَرِيضُ مِنْ الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ , أَوْ ضَرَرٌ بِالْوَرَثَةِ , قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَهِبَتُهُ لِلثَّوَابِ كَبَيْعِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِذَا بَاعَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ فَوَضَعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ قَدْرَ ثُلُثِهِ جَازَ , وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ مِنْهَا قَدْرَ الثُّلُثِ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي سِلْعَةٍ ثُمَّ أَقَالَ مِنْهَا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَهُوَ جَائِزٌ , وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مُحَابَاةٌ خُيِّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا لَهُ بِثُلُثِ مَا عَلَيْهِ وَمِثْلَهُ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ , وَقَالَ عِيسَى : يَمْضِي لَهُ مِنْهُ مَا لَا مُحَابَاةَ فِيهِ ثُمَّ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ فِي بَاقِيه فَإِمَّا سَلَّمُوهُ , وَإِمَّا قَطَعُوهُ بِثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فِي بَاقِي الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَعُودُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ مُحَابَاتَهُ فِي ثُلُثِهِ , وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ ; لِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَصَدَ إِلَى بَيَانِ مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَبَعْضَهُمْ قَصْد إِلَى صِفَةِ تَنَاوُلِ الْأَمْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) فَإِنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ أَنَا أَدْفَعُ بَقِيَّةَ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَآخُذُهُ فَقَدْ قَالَ عِيسَى وَأَصْبَغُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ عِيسَى وَلَا لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُلْزِمُوهُ ذَلِكَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَخْذَ بَقِيَّةِ الثَّمَنِ مِنْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا يَوْمَ يَمُوتُ الْبَائِعُ , قَالَهُ أَصْبَغُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ وَارِثٍ , أَوْ غَيْرِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ فَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِيمَةُ , أَوْ نَقَصَتْ فَإِنَّمَا طَرَأَ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَإِنْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ وَرِقًا بِذَهَبٍ فَحَابَى فِي ذَلِكَ , أَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَفِيهِ مُحَابَاةٌ , أَوْ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ , قَالَهُ أَصْبَغُ قِيلَ : قَدْ قَالَ قَائِلٌ : إنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّأْخِيرِ , قَالَ : لَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا حَلَالًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْخِيرَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْفَسْخِ فَهُوَ جَائِزٌ حَتَّى يَرُدَّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ نَحَلَ ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ فَتَزَوَّجَ الِابْنُ لِذَلِكَ وَدَخَلَ , أَوْ زَوَّجَهُ هُوَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ إِلَى الْوَرَثَةِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَتَتْبَعُهُ الزَّوْجَةُ بِالْمَهْرِ مِنْ الْمَوَّازِيَّةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا هِبَةٌ فِي الْمَرَضِ فَلَا تَفُوتُ بِالْقَبْضِ وَإِنَّمَا لَهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ إنَّك إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِسَعْدٍ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لِغَيْرِهِ دُونَهُ , وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ بَقَاءَ وَرَثَتِهِ فِي غِنًى عَنْ النَّاسِ أَطْيَبُ لِنَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ , وَهَذَا الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ فَمَا مِنْ أَحَدٍ فِي الْأَغْلَبِ إِلَّا يُرِيدُ الْخَيْرَ وَالْخَصْبَ لِذُرِّيَّتِهِ وَرُبَّمَا آثَرَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ , وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إِلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَأَكْثَرُ لِأَجْرِهِ أَمَّا ; لِأَنَّ حُكْمَ الْبَنَاتِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْبَنِينَ وَإِمَّا ; لِأَنَّ صِلَةَ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ صِلَةِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُ وَأَعْظَمُ لِأَجْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمِ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ وَقَوْلُهُ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَقَدَّمَ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ ذَا الْقُرْبَى وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِمَّا ; لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ قَدْ تَعَلَّقَ بِثُلُثَيْ مَالِهِ تَعَلُّقًا مَنَعَ الْقَلِيلَ مِنْهُ فَخُيِّرَ لَهُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَنْ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى إتْلَافِهِ فَتَبْقَى الْوَرَثَةُ بَعْدَهُ فُقَرَاءَ عَالَةً , وَإِنَّمَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ لِمَنْ تَرَكَ غِنًى دُونَ مَنْ لَا يَتْرُكُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغِنَى فِيهِ خَيْرٌ , وَلَوْ كَانَ الْغِنَى شَرًّا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ أَنْ لَا يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : " وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرَتْ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك " يَقْتَضِي أَنَّ النَّفَقَةَ إِذَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَالتَّعَفُّفُ وَالتَّسَتُّرُ وَأَدَاءُ الْحَقِّ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْأَهْلِ وَعَوْنُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْخَيْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ الَّتِي يُؤْجَرُ بِهَا الْمُنْفِقُ وَإِنْ كَانَ مَا يُطْعِمُهُ امْرَأَتَهُ , وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْحَالِ أَنَّ إنْفَاقَ الْإِنْسَانِ عَلَى أَهْلِهِ لَا يُهْمِلُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ وَلَا يَسْعَى إِلَّا لَهُ مَعَ كَوْنِ الْكَثِيرِ مِنْهُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَمَا يُنْفِقُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا يُؤْجَرُ فِيهِ إِذَا قَصَدَ بِذَلِكَ التَّقَوِّيَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي " يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُخَلَّفَ بِمَكَّةَ بَعْدَ انْصِرَافِ أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إشْفَاقًا مِنْ بَقَائِهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَمَنْعِ الْمَرَضِ لَهُ عَنْ الرَّحِيلِ مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إلَيْهَا , وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ الْفَتْحِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ لِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَبْلَ الْفَتْحِ يُرِيدُ لَا تُفْتَتَحُ الْهِجْرَةُ بَعْدَ الْفَتْحِ , وَأَمَّا مَنْ هَاجَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ لَازِمٌ لَهُ إِلَى أَنْ يُتَوَفَّى يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا بَعْدَ الصَّدْرِ فَعَلَى هَذَا مَنْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْهِجْرَةِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ , وَقَدْ مَنَعَ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم حَيْثُ أَقَامَ وَالنُّصْرَةُ لَهُ وَالْحِمَايَةُ , وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَبْلَ الْفَتْحِ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْحُكْمُ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم : " إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً " يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّك إِنْ خُلِّفْت فَعَمِلْت عَمَلًا صَالِحًا ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ هَاهُنَا : " إنَّك لَنْ تُخَلَّفَ " وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُخَلَّفَ بِمَعْنَى أَنْ يُنْسَأَ فِي أَجْلِك فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا , وَالثَّانِي : أَنْ يُخَلَّفَ بِمَكَّةَ التَّخَلُّفَ الَّذِي أَشْفَقَ هُوَ مِنْهُ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ بَقَاءَهُ بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا لِضَرُورَةِ الْمَرَضِ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ هِجْرَتِهِ بَلْ مَا عَمِلَ فِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَكْتُوبَةٌ لَهُ يَزِيدُ فِي دَرَجَاتِهِ وَيَرْجِعُ مِيزَانُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَإِنَّمَا يُحْبَطُ مِنْ فَضْلِ الْهِجْرَةِ الْبَقَاءُ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ دُونَ ضَرُورَةٍ إِلَى الْمَوْتِ فِيهَا عَلَى قَوْلِ قَوْمٍ , فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِيهِ إخْبَارٌ لِسَعْدٍ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّهُ يَزْدَادُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ دَرَجَةً وَرِفْعَةً عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِلَى أَنَّ مَنْ مَرِضَ بِمَكَّةَ وَهُوَ عَلَى حُكْمِ الْهِجْرَةِ , وَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَكَانَ عَمَلُهُ بِمَكَّةَ لَا يُبْلِغُهُ دَرَجَةَ الْمُهَاجِرِينَ فَكَيْف أَنْ يَزْدَادَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : " لَعَلَّك أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ " التَّخَلُّفُ هَاهُنَا الْإِبْقَاءُ بَعْدَ مَنْ يَمُوتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم وَأَصْحَابِهِ , وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنَّ سَعْدًا مَرَّ عَلَى الْعِرَاقِ فَأُتِيَ بِقَوْمٍ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَسَجَعُوا سَجْعَ الْكُهَّانِ فَاسْتَتَابَهُمْ فَأَتَى بَعْضُهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَضَرَّ أُولَئِكَ وَتَابَ بَعْضُهُمْ فَانْتَفَعُوا بِهِ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إِلَى بَقَائِهِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إِلَى وَقْتِ وُلِّيَ أَمْرَ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا وَقَادَ الْجُيُوشَ فَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ اسْتَحَقَّ النَّفْعَ وَاسْتَضَرَّ بِهِ مَنْ اسْتَحَقَّ الضَّرَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَمْلِكُ أَنْ يَنْفَعَ وَيَضُرَّ.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدُّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الْبَقَاءَ مَعَ الِاخْتِيَارِ بِمَكَّةَ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْهِجْرَةِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ عَلَى الْعَقِبِ وَمُخَالَفَةِ مَا ابْتَدَأَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ تَوْفِيقَهُمْ وَعَوْنَهُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ الْمَدِينَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ مِنْ إمْضَاءِ الْهِجْرَةِ لَهُمْ وَتَصْحِيحُهَا فِي جَنْبَتِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم خَلَّفَ رَجُلًا عَلَى سَعْدٍ , وَقَالَ لَهُ إِنْ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنُهُ بِهَا.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ الْبَائِسُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ أَثَرُ الْبُؤْسِ مِنْ شِدَّةِ الْفَقْرِ وَقَوْلُهُ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم إِنْ مَاتَ بِمَكَّةَ ذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ حَتَّى مَاتَ فَكَرِهَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ذَلِكَ وَرَثَى لَهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ شَهِدَ بِدَارٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَكَّةَ وَمَاتَ بِهَا وَرَوَى ابْنُ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ , وَقَالَ الطَّبَرِيُّ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ , وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ , وَهَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أَنَّهُ رَثَى لَهُ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ , وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لِمَوْتِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ تَأْثِيرًا فِي هِجْرَتِهِ وَثَلْمًا لَهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ اخْتَارَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَنْ مَاتَ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَتَعَلُّقُ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ عَلَى أَنَّهُ قَلَّ مَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَلَعَلَّهُ قَدْ أُجِيبَتْ فِيهِمْ دَعْوَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ.


حديث لا فقلت فالشطر قال لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا ‏ ‏تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏لَا فَقُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ ‏ ‏عَالَةً ‏ ‏يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً ‏ ‏تَبْتَغِي ‏ ‏بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى ‏ ‏أَعْقَابِهِمْ ‏ ‏لَكِنْ الْبَائِسُ ‏ ‏سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ‏ ‏يَرْثِي ‏ ‏لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَنْ مَاتَ ‏ ‏بِمَكَّةَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غدا فأنا أدلك...

عن هشام بن عروة عن أبيه، أن مخنثا كان عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.<br> فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: يا...

جاء عمر قباء فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد فأخ...

عن يحيى بن سعيد، أنه قال: سمعت القاسم بن محمد، يقول: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فجاء عمر قباء فوجد ا...

إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله

عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء، كتب إلى سلمان الفارسي، أن هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان: «إن الأرض لا تقدس أحدا.<br> وإنما يقدس الإنسان عمله.<...

من كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم...

عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني، عن أبيه، أن رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل.<br> فيغلي بها.<br> ثم يسرع السير فيسبق الحاج.<br> فأفلس...

من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحله فأعلن ذل...

عن سعيد بن المسيب، أن عثمان بن عفان، قال: «من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحله فأعلن ذلك له.<br> وأشهد عليها.<br> فهي جائزة.<br> وإن وليها أبوه»

من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد

عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شركا له في عبد.<br> فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة العدل.<br> فأعطى شركاء...

أسهم رسول الله ﷺ بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد

عن الحسن بن أبي الحسن البصري، وعن محمد بن سيرين، أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عبيدا له ستة عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه...

أسهم على أيهم يخرج سهم الميت فيعتقون فوقع السهم عل...

عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن رجلا في إمارة أبان بن عثمان، أعتق رقيقا له كلهم جميعا ولم يكن له مال غيرهم.<br> «فأمر أبان بن عثمان، بتلك الرقيق فقسمت...

مضت السنة أن العبد إذا أعتق تبعه ماله

عن ابن شهاب، أنه سمعه يقول: مضت السنة أن العبد إذا أعتق تبعه ماله