حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب الأشربة باب الحد في الخمر (حديث رقم: 1538 )


1538- عن ثور بن زيد الديلي، أن عمر بن الخطاب، استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين.
فإنه إذا شرب سكر.
وإذا سكر هذى، وإذا هذى، افترى.
أو كما قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين

أخرجه مالك في الموطأ


الحديث مرسل ولكنه من صحاح المراسيل

شرح حديث (نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ وَجَوَابُ عَلِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَشَارَ فِي قَدْرِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا بِقَوْلٍ يُعْلَمُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَضْرِبُ مِقْدَارًا قَدَّرَتْهُ الصَّحَابَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا مِنْ رَجُلٍ أَقَمْت عَلَيْهِ حَدًّا فَمَاتَ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ فِيهِ وَدَيْتُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمْ يُبَيِّنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّهُ بِقَوْلٍ يَحْصُرُهُ وَيَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فِيهِ وَالنَّقْصَ مِنْهُ فَحَدُّوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ وَرَوَى أَنَسٌ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَقَاسَهُ عَلَى الْمُفْتَرِي وَاسْتَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ حَدَّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَرْبَعُونَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَصٌّ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْدِيدٍ وَكَانَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَصٌّ عَلَى تَحْدِيدٍ وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ النَّصِّ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ بَاقٍ حُكْمُهُ وَيَذْهَبُ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأُمَّةِ ثُمَّ أَجْمَعُوا وَاتَّفَقُوا أَنَّ الْحَدَّ ثَمَانُونَ وَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْلَمْ لِأَحَدٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَدٌّ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَكُنْ أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ كَحَدِّ الْفِرْيَةِ وَالزِّنَى.
.
‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَجَلَدَ عُمَرُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَهَا حَدٌّ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ جَلَدَ فِي الزِّنَى مِائَةً وَفِي الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ إنَّمَا جَلَدَ الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ جَوَابُ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سُؤَالِ عُمَرَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فَأَجَابَهُ بِثَمَانِينَ وَقَاسَهُ عَلَى حَدِّ الْفِرْيَةِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهَا حَدٌّ كُلُّهَا وَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ : أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِهِمَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ ضَرَبَ الثَّمَانِينَ كُلَّهَا حَدًّا وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ قُدَامَةَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وَزَادَهُ ثَلَاثِينَ وَقَالَ لَهُ هَذَا تَأْوِيلٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ ) وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الضَّرْبِ وَصِفَةِ مَا يُضْرَبُ بِهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُضَافُ إِلَى الْحَدِّ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَكْرَارِ الْحَدِّ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الشَّهَادَةِ ) أَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَدُّ.
فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ إمَّا بِمُعَايَنَةِ ذَلِكَ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِشَمِّ رَائِحَةِ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ قَاءَ خَمْرًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقِيئُهَا حَتَّى يَشْرَبَهَا وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا جُلِدَ الْحَدَّ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا قَدْ شَهِدَا أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا لِأَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مُسْكِرٍ وَعِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَعَلَى أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا لِأَنَّ كُلَّ خَمْرٍ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى فَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الضَّرْبِ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ.
) رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ضَرْبَ الْحَدِّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ وَلَكِنْ رَجُلٌ وَسَطٌ مِنْ الرِّجَالِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا بَيْنَ اثْنَيْنِ لَيْسَ بِالْخَفِيفِ وَلَا الْمُوجِعِ وَقَالَ مَالِكٌ : كُنْت أَسْمَعُ أَنَّهُ يَخْتَارُ لَهُ الْعِدْلُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَيَكُونُ الْمَحْدُودُ قَاعِدًا لَا يُرْبَطُ وَلَا يُمَدُّ وَتُحَلُّ لَهُ يَدَاهُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ : وَيُجَرَّدُ الرَّجُلُ لِلضَّرْبِ وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ جَسَدَهَا وَلَا يَقِيهَا الضَّرْبَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ وَلَا يُقَامُ حَدُّ الْخَمْرِ إِلَّا بِالسَّوْطِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ ضُرِبَ بِالدُّرَّةِ عَلَى ظَهْرِهِ أَجْزَأَهُ وَمَا هُوَ بِالْبَيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُقَامُ إِلَّا بِالسَّوْطِ أَصْلُ ذَلِكَ حَدُّ الزِّنَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُضَافُ إِلَى الْحَدِّ ) هَلْ يُضَافُ إِلَيْهِ حَلْقُ الرَّأْسِ أَمْ لَا ؟ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يُحْلَقُ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ فِي الْخَمْرِ وَلَا الْقَذْفِ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ تَمْثِيلٌ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ كَمَا لَا يَلْزَمُ حَلْقُ لِحْيَتِهِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّمْثِيلِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَالصَّحَابَةَ بَعْدَهُ قَدْ حَدُّوا فِي الْخَمْرِ وَالْفِرْيَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْمَحْدُودِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَهَلْ يُطَافُ بِشَارِبِ الْخَمْرِ ؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لَا يُطَافُ بِهِ وَلَا يُسْجَنُ إِلَّا الْمُدْمِنُ الْمُعْتَادُ الْمَشْهُورُ بِالْفِسْقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُطَافَ بِهِ وَيُفْضَحَ وَمِثْلُ ذَلِكَ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ مِنْ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُفْضَحَ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رَدْعًا لَهُ وَإِذْلَالًا لَهُ فَمَا هُوَ فِيهِ وَإِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِحَالِهِ فَلَا يَغْتَرُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالتَّصَاوُنِ فِي نِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ وَأَمَّا السِّجْنُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمُدْمِنِ الْخَمْرِ الْمَشْهُورِ بِالْفِسْقِ أَنْ يُلْزَمَ السِّجْنَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْعُتْبِيَّةِ : مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحُدُودِ مَا كَانَ فَلْيُخْلَ سَبِيلُهُ وَلَا يُسْجَنُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ فِي إلْزَامِهِ السِّجْنَ مَنْعًا لَهُ مِمَّا لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ بِالْحَدِّ وَكَفًّا لِأَذَاهُ عَنْ النَّاسِ لِأَنَّ فِي إعْلَانِهِ بِالْمَعَاصِي أَذًى لِلنَّاسِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحَدَّ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الزِّنَا فَأَمَّا السِّجْنُ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِإِدْمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْإِعْلَانِ بِالْفِسْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَكَرُّرِ الْحَدِّ ) فَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْ الرَّجُلِ شُرْبُ الْخَمْرِ لَزِمَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَإِنْ شَرِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحُدُودِ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَنْ زَنَى مِرَارًا فَإِنَّمَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ ثُمَّ إِنْ زَنَى بَعْدَ ذَلِكَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَدَّ زَجْرٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ لِيَمْتَنِعَ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَوَانِعُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْقَعَهَا بَعْدَ الْحَدِّ لَزِمَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ثَانِيَةً سَوَاءٌ وَاقَعَ بَعْدَ الْحَدِّ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ مِنْ الزَّجْرِ عَلَى مَا أَتَى مِنْهُ بَعْدَ الْحَدِّ إِلَى مِثْلِ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْهُ فِيمَا أَتَاهُ قَبْلَ الْحَدِّ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي سَبَبُهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ كَحَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنْ كَانَ الْحَدَّانِ بِسَبَبِهَا مِنْ جِنْسٍ مِثْلِ حَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ أَوْ حَدِّ الزِّنَى فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْحَدَّيْنِ سَوَاءً أَوْ مُخْتَلِفًا فَإِنْ تَسَاوَيَا كَحَدِّ الْخَمْرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَسَوَاءٌ اجْتَمَعَا أَوْ افْتَرَقَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا حَدَّانِ عَدَدُهُمَا وَجِنْسُهُمَا وَاحِدٌ فَوَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُمَا وَاحِدًا وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَدَدُهُمَا يَخْتَلِفُ مِثْلُ أَنْ يَزْنِيَ وَيَقْذِفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ : يُجْزِئُ أَكْثَرُهُمَا عَنْ أَقَلِّهِمَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لَا يُجْزِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِمَا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ هَذَيْنِ حَدَّانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَوَجَبَ أَنْ يَتَدَاخَلَا أَصْلُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَدَدُهُمَا وَاحِدًا وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَيْنِ حَدَّانِ يَخْتَلِفُ عَدَدُهُمَا فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ ) وَذَلِكَ كَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا ابْنَ وَهْبٍ فَإِنَّ أَبَا زَيْدٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَدَوِيُّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ الْكِتَابَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ وَيَجْهَلُ مِثْلَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَيُعْذَرُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ : وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَشَا وَلَا أَحَدٌ يَجْهَلُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ تَأَوَّلَ فِي الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعِلْمِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَسْكَرَ مِنْهُ وَقَدْ جَالَسَ مَالِكٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَرَى شُرْبَ النَّبِيذِ مُبَاحًا فَمَا أَقَامَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْحَدَّ وَلَا دَعَا إِلَيْهِ مَعَ إقْرَارِهِمْ بِشُرْبِهِ وَتَظَاهُرِهِمْ وَمُنَاظَرَتِهِمْ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : مَا وَرَدَ عَلَيْنَا مَشْرِقِيٌّ مِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَمَا إنَّهُ آخِرُ مَا فَارَقَنِي عَلَى أَنْ لَا يُشْرَبَ النَّبِيذُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَتْ مُنَاظَرَتُهُ لَهُ فِيهِ وَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَاوِدُ شُرْبَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُسْقِطْ عَنْهُ تَوْبَتُهُ الْحَدَّ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَوْبَتَهُ تُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ.


حديث نرى أن تجلده ثمانين

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ‏ ‏اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ ‏ ‏فَقَالَ لَهُ ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏ ‏نَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ ‏ ‏هَذَى ‏ ‏وَإِذَا هَذَى ‏ ‏افْتَرَى ‏ ‏أَوْ كَمَا قَالَ فَجَلَدَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

أحاديث أخرى من موطأ الإمام مالك

إذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلا...

عن سليمان بن يسار، أن هبار بن الأسود، جاء يوم النحر، وعمر بن الخطاب ينحر هديه.<br> فقال: يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة.<br> كنا نرى أن هذا اليوم يوم ع...

ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل ثم يشتري با...

عن أبي الزناد، أنه سمع سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، «ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل، ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب»

قضى في امرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك...

عن ابن شهاب، أن عبد الملك بن مروان: «قضى في امرأة أصيبت مستكرهة، بصداقها على من فعل ذلك بها»

علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له

عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار، فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، قال: - وكان سهل رجلا أ...

قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فإذا وقعت الح...

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قضى بالشفعة، فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه»

سأل عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل

عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان، أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت، عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقال زيد: يغتسل.<br> فقال له مح...

إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ول...

عن رافع بن إسحق، مولى لآل الشفاء، وكان يقال له: مولى أبي طلحة أنه سمع أبا أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمصر يقول: والله ما أدر...

برئت مني وبرئت منك إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة

عن مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته: «برئت مني وبرئت منك، إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة»

بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيه

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة...