حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا ذلك - موطأ الإمام مالك

موطأ الإمام مالك | كتاب العقول باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله (حديث رقم: 1582 )


1582- عن ابن شهاب، أنه قال: «مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد، إلا أن يشاءوا ذلك»(1) 2528- عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
(2)

أخرجه مالك في الموطأ

شرح حديث (العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا ذلك)

المنتقى شرح الموطإ: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفى: 474هـ)

( ش ) : قَوْلُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْءٌ , وَذَلِكَ أَنَّ جِنَايَاتِ الْعَمْدِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الْيَدِ وَفَقْءِ الْعَيْنِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَمْدَهُ , وَالضَّرْبُ الثَّانِي لَا قِصَاصَ فِيهِ , وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَاقِلَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا لِلدِّيَةِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمْدِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةِ مِنْ الْجِنَايَةِ.
‏ ‏( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَة الْعَاقِلَةِ وَصِفَةِ تَحَمُّلِهَا لِلدِّيَةِ ) فَأَمَّا الْعَاقِلَةُ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْقَبَائِلُ فَلَا تَعْقِلُ قَبِيلَةٌ مَعَ قَبِيلَةٍ مَا دَامَ فِي قَبِيلَةِ الْجَانِي مَنْ يَحْمِلُ الْجِنَايَةَ , وَالدِّيوَانُ فَإِنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ يَعْقِلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ , وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الدِّيوَانِ مِنْ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ , وَالْآفَاقُ فَلَا يَعْقِلُ شَامِيٌّ مَعَ مِصْرِىٍّ , وَلَا شَامِيٌّ مَعَ عِرَاقِيٍّ , وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْجَانِي مِمَّنْ يَعْقِلُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ أُفُقِهِ , قَالَ سَحْنُونٌ وَيُضَمُّ أَهْلُ إفْرِيقِيَّةِ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ طَرَابُلْسَ إِلَى طَنْجَةَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَاخْتُلِفَ فِي الْبَدْوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ فِي دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَعَيْنٌ , وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَجَوَّزَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ , وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدِّيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى جِنْسٍ وَاحِدٍ , وَلِذَلِكَ جُعِلَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ الذَّهَبُ , وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ الْوَرِقُ , وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ الْإِبِلُ , وَلَوْ جَازَ تَبْعِيضُهَا لَكَانَ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ مَا عِنْدَهُ , وَلَرُجِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْقِيمَةِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ , وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الْقَبِيلِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ مَعَ تَبَاعُدِهِمْ فَبِأَنْ يُضَافَ إِلَى أَهْلِ الْحَاضِرَةِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مَنْ هُوَ مِنْ عَصَبَةِ الْجَانِي وَإِخْوَتِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى , وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي تَبْعِيضِ أَصْنَافِ الدِّيَةِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ , وَهَذَا كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ لَكَانَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ عَلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ وَقَوْمُهُ قَالَ فِي النَّوَادِرِ , وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى فَخِذِ الْجَانِي إِنْ اسْتَطَاعُوا ذَلِكَ , وَإِلَّا ضُمَّ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى يَحْمِلُوا ذَلِكَ , وَهِيَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ مَعَ الْيَسَارِ فَأَمَّا الْمُعْدِمُ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُعْدِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَلَا عَلَى مِدْيَانٍ ; لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّحَمُّلِ وَالْعَوْنِ عَلَى مَا لَزِمَ مِنْ الْغُرْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْيَسَارِ وَالْإِمْكَانِ فَأَمَّا الْمِدْيَانُ وَالْمُعْدِمُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُعْطِيَ كَالزَّكَاةِ تُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ , وَتُعْطَى الْفُقَرَاءَ لَمَّا كَانَ طَرِيقُهَا الْمُوَاسَاةَ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيَعْقِلُ السَّفِيهُ مَعَ الْعَاقِلَةِ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ , وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ تُوضَعُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ , وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَيَعْقِلُ وَيُعْقَلُ عَنْهُ , وَأَمَّا الْجِزْيَةُ فَحُكْمٌ يَخْتَصُّ بِمَنْ أُخِذَ مِنْهُ لَا يُؤَدَّى عَنْ غَيْرِهِ فَيُؤَدَّى هُوَ مِنْهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَالْوَلِيُّ الْمُعْتِقُ يَعْقِلُ عَنْ الْمُعْتَقِ ; لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ , وَأَمَّا الْوَلِيُّ مِنْ أَسْفَلُ فَهُوَ يَعْقِلُ عَنْ مُعْتَقِهِ وَعَنْ قَوْمِهِ , وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَعْقِلْ مَوْلَى الْقَاتِلِ مِنْ أَسْفَلُ , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَعْقِلُ قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِهِ , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَوْلًى يَعْقِلُ جِنَايَةَ مَوَالِيهِ كَالْمُنَعَّمِ بِالْعِتْقِ , وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْصِيبٌ يُوَرَّثُ بِجِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعَاقِلَةِ كَالْعَبْدِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَيُؤَدِّي الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ , وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ , وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنَّمَا تُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَالْعَوْنِ لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ , وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَعَاقِلَتَهُ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِ دِيَتَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الْعَاقِلَةِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْبَغُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ التَّعْصِيبِ وَالنُّصْرَةِ , وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَغَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا مَدْخَلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمَرْأَةِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا كَانَتْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْعَاقِلَةِ تُنْقَلُ كَالْبَلَدِ وَالسِّنِّ وَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ وَقْتَ الِاعْتِبَارِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَأَمَّا الصِّفَاتُ فَتُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْجَانِي وَحَقِّ الْعَاقِلَةِ , وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ كَانَ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَوْمَ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَلِيءِ بِقَدْرِهِ , وَعَلَى الْمُعْسِرِ بِقَدْرِهِ , وَلَا يَعْتَبِرُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْجُرْحِ , وَلَا يَوْمَ الْمَوْتِ , وَلَا يَوْمَ يُحْكَمُ بِالدِّيَةِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَوْمَ يَلْزَمُ ذِمَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ الدِّيَةِ , وَأَمَّا مَنْ كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ صَغِيرًا فَبَلَغَ أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَعَلَّقَتْ بِغَيْرِهِ فَلَا تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) فَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ بَعْدَ تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ أَصْبَغُ تَرْجِعُ عَلَى سَائِرِ الْعَاقِلَةِ , وَرَوَاهُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ , وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ , وَقَالَ إِذَا قُسِّمَتْ صَارَتْ كَدَيْنٍ ثَابِتٍ , وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ , وَقَالَ هُوَ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَتُجْبَرُ الْعَاقِلَةُ عَلَى أَدَاءِ الدِّيَةِ قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ بِالْتِزَامِ , وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ ابْتِدَاءٌ ظَاهِرٌ , وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ , ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنَّهُ أَيْضًا حَقٌّ يَنْتَقِلُ بِالشَّرْعِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَقَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ لِعَدَدِ مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ الْعَاقِلَةِ , وَلَا لِعَدَدِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ , وَلَيْسَ الْمُكْثِرُ كَالْمُقِلِّ , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِإِقْلَالِهِ يُرِيدُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ حَالَ الْعَدَمِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ , وَمَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَيْضًا لَا تَسْتَوِي أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ الْمَالُ الْوَاسِعُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ , وَمِنْهُمْ مَنْ مَالُهُ لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا لَا يُجْحِفُ بِهِ , وَإِنَّمَا يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى التَّخْفِيفِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَانَ يُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دِيوَانٍ مِنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَطَائِهِ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
‏ ‏( الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَمْدِ وَتَمْيِيزِهِ مِنْ الْخَطَإِ ) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْعَمْدُ أَنْ يَعْمِدَ لِلْقَتْلِ فِيمَا يَرَى النَّاسُ , وَقَالَ فِي الْكِتَابَيْنِ وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ عَمَدَ إِلَى ضَرْبِ رَجُلٍ بِعَصًا أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَذَلِكَ لَوْ طَرَحَهُ فِي نَهْرٍ , وَلَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ , وَقَالَ مَالِكٌ وَالْعَمْدُ فِي كُلِّ مَا يَعْمِدُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ ضَرْبَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ أَوْ رَمْيَةِ بُنْدُقَةٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ ضَرْبٍ بِقَضِيبٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ الضَّرْبَ لَمْ يُصَدَّقْ , وَكُلُّ مَا عَمَدَ بِهِ إِلَى اللَّعِبِ مِنْ رَمْيَةٍ أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ أَوْ اُضْطُرَّ غَافِلًا فَلَا قَوَدَ فِيهِ , وَلَا يُتَّهَمُ بِمَا يُتَّهَمُ بِهِ الْمُتَغَاضِبُ لِظُهُورِ الْمُلَاعَبَةِ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ , وَلَوْ تَنَاقَلُوا فِي الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَهُوَ مِنْ الْخَطَإِ إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ النَّاقِلُ قَتْلَ الْمَنْقُولِ بِأَنْ يُغَطِّسَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ أَشَارَ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَمَاتَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إِنْ تَمَادَى بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ فَطَلَبَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ , وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنْ طَلَبَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى سَقَطَ فَلْيُقْسِمْ وُلَاتُهُ أَنَّهُ مَاتَ خَوْفًا مِنْهُ وَيَقْتُلُونَهُ , وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ السَّقْطَةِ , وَهِيَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ , وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِهِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ فَلَمْ تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ , وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الطَّالِبِ الْقِصَاصُ , وَلَمْ يَذْكُرْ قَسَامَةً قَالَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ فَإِنْ كَانَتْ إشَارَةً فَقَطْ فَمَاتَ فَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْمَوْتُ غَالِبًا , وَلَمْ يَصِلْ مِنْهُ إِلَى الْقَتِيلِ مَا يَرَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ.
‏ ‏( مَسْأَلَةُ ) وَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَظَنَّهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا قِصَاصَ فِيهِ , وَقَدْ مَضَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي مُسْلِمٍ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَظُنُّونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَوَدَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلَمْ يُقَدْ بِهِ.
‏ ‏( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِ فَمَرَّةً أَثْبَتَهُ , وَمَرَّةً نَفَاهُ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا إِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ بَاطِلٌ إنَّمَا هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ , وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ بِإِثْبَاتِ شَبَهٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ , وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ , وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ , وَجْهُ نَفْيِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً , ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَذَكَرَ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ , وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُمَا , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْخَطَأَ مَعْقُولٌ , وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ , وَالْعَمْدُ مَعْقُولٌ , وَهُوَ مَا كَانَ بِقَصْدِ الْفَاعِلِ , وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قِسْمٌ ثَالِثٌ , وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِمَا ضِدَّيْنِ , وَوَجْهُ إثْبَاتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ أَلَا إِنَّ قَتِيلَ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا خَلِفَةً فَأَثْبَتَ شِبْهَ الْعَمْدِ , وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادِ بْنِ جُدْعَانَ , وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الْقَاسِمِ , وَابْنُ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ , وَلَمْ يَلْقَ الْقَاسِمُ ابْنَ عُمَرَ , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ مَا أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الْعَمْدِ وَشَبَهًا مِنْ الْخَطَإِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ حُكْمِ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّحْدِيدِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى الضَّرْبِ , وَشِبْهَ الْخَطَإِ أَنْ يَضْرِبَهُ بِهِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمٌ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ , وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ مَا كَانَ بَعْصًا أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَفِيهِ الْقَوَدُ , وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ إثْمُ قَاتِلِ النَّفْسِ , وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً , وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَأَمَّا مَالِكٌ , وَبَاقِي أَصْحَابِهِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَلَا يَرَوْنَ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ إِلَّا فِي مِثْلِ مَا صَنَعَ الْمُدْلِجِيُّ , وَيَرَوْنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَوَدَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ حَبِيبٍ مَا كَانَ عَلَى ثَائِرَةِ هَذَا الْمَعْرُوفِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا قَوَدَ فِيهِ كَانَ لِثَائِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَلَى أَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ غَيْرَ مَا حَكَمَ بِهِ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ ; لِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ بِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ , وَيَرْوُونَهُ عَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قُصِدَ فِيهِ الضَّرْبُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ , وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ شِبْهُ الْخَطَإِ مِنْ جِهَةِ الْآلَةِ الَّتِي ضُرِبَ بِهَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا , وَشِبْهُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ قَصَدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ فَإِنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ لِقَصْدِهِ الضَّرْبِ , وَشِبْهُ الْخَطَإِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا , وَالثَّانِي أَنَّهُ قَصَدَ اللَّعِبَ دُونَ غَضَبٍ وَلَا خَنْقٍ يَقْتَضِي قَصْدَ الْقَتْلِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ أَوْجَبَ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُثْلَةَ , وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ إِنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ هِيَ شِبْهُ الْعَمْدِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا فِي مِثْلِ فِعْلِ الْمُدْلِجِيِّ ثَلَاثَةُ أَسْنَانٍ , وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ قَتْلَ الْأَبِ لِابْنِهِ حَدًّا هُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ فَلَا خِلَافَ فِي إثْبَاتِهِ فِي الْعَمْدِ , وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ , وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي أَنَّ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ رِوَايَتَيْنِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ , وَإِنَّمَا تَكُونُ الرِّوَايَتَانِ فِي التَّسْمِيَةِ وَالتَّغْلِيظِ دُونَ غَيْرِ ذَلِكَ , وَيُلْحِقُ بِذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ عَلَى الْأَبِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الزَّوْجِ يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ بِحَبْلٍ أَوْ سَوْطٍ فَيُصِيبُهَا مِنْهُ ذَهَابُ عَيْنٍ أَوْ غَيْرُهُ فَفِيهِ الْعَقْلُ دُونَ الْقَوَدِ.
وَكَذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى الْأَدَبِ مِثْلُ الْمُعَلِّمِ أَوْ الصَّانِعِ أَوْ الْقَرَابَةِ يُؤَدِّبُونَ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بِسِلَاحٍ وَشِبْهِهِ , وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ بِأَثَرِ تَغْلِيظِ الدِّيَةِ عَلَى الْأَبِ فَقَالَ لَيْسَ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَسَائِرُ الْقَرَابَةِ كَالْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ إِلَّا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ كَالْمُعَلِّمِ , وَذِي الصَّنَائِعِ مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ وَشِبْهِهِ فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فِيمَا يُؤَدِّبُ بِهِ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً فَيَكُونُ هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا قُصِدَ بِهِ الضَّرْبُ بِآلَةٍ لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْآلَةِ فَإِنَّمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا التَّغْلِيظُ وَالْأُخْرَى نَفْيُ التَّغْلِيظِ , وَلَا قَوَدَ فِيهِ جُمْلَةً , وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا عَلَى وَجْهِ الْحَنَقِ وَالْغَضَبِ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ فَهَذَا فِي كَوْنِهِ شِبْهَ الْعَمْدِ رِوَايَتَانِ , وَيَرْجِعُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ أَوْ نَفْيِهِ وَتَغْلِيظِ الدِّيَةِ , وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ بِمَا لَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا مَنْ لَهُ الْأَدَبُ مِنْ الْقَرَابَةِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ فَهَذَا يَتَعَلَّقُ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ مِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ بِتَغْلِيظِ الدِّيَةِ خَاصَّةً , وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ , وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يُوجَدَ الْقَتْلُ مِنْ الْأَبِ بِمَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ غَالِبًا عَلَى وَجْهٍ فِيهِ الْحَذْفُ وَالرَّمْيُ أَوْ الضَّرْبُ الَّذِي لَا يَتَيَقَّنُ بِهِ قَصْدَهُ الْقَتْلَ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ.
‏ ‏( فَرْعٌ ) , وَتَغْلِيظُ الدِّيَةِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ , وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ , وَالثَّانِي أَنْ يَعْفُوَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ , وَيَطْلُبَ بَاقِيهِمْ حِصَّتَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ فَهَذَا تُغَلَّظُ فِيهِ الدِّيَةُ فَتَكُونُ أَرْبَاعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَغْلِيظُ شِبْهِ الْعَمْدِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ أَثْلَاثًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَهَذَا فِي الْإِبِلِ , وَالتَّغْلِيظُ فِي الْعَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُزَادَ عَلَى الدِّيَةِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ , وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ قِيمَةُ الْإِبِلِ مُثَلَّثَةً مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ دِيَةِ الْعَيْنِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.


حديث مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا ذلك

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ شِهَابٍ ‏ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ ‏مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ ‏ ‏الْعَاقِلَةَ ‏ ‏لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ ‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ‏ ‏مِثْلَ ذَلِكَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث موطأ الإمام مالك

كتب إلي رسول الله ﷺ أن أورث امرأة أشيم الضبابي من...

عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب، نشد الناس بمنى: من كان عنده علم من الدية أن يخبرني، فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: «كتب إلي رسول الله صلى الله عليه...

إن رسول الله ﷺ قال ليس لقاتل شيء

عن عمرو بن شعيب، أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة، حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فنزي في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له،...

كنا أهل ثمه ورمه حتى إذا استوى على عممه غلبنا حق ا...

عن عروة بن الزبير، " أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة بن الجلاح، كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة، وكان عند أخواله، فأخذه أحيحة فقتله، فقال أخواله: كنا...

جرح العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الرك...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» قال مالك: «وتفسير الجبار أنه لا دية...

قال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا

عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب قتل نفرا، خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال عمر: «لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا»

حفصة زوج النبي ﷺ قتلت جارية لها سحرتها

عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنه بلغه أن حفصة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، «فأمرت بها فقتلت»

أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا

عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة، أن عبد الملك بن مروان، «أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا»

قال هو إذا كالأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم

عن سليمان بن يسار، أن سائبة أعتقه بعض الحجاج، فقتل ابن رجل من بني عائذ، فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب، يطلب دية ابنه، فقال عمر: «لا دية ل...

قال رسول الله ﷺ إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا...

عن سهل بن أبي حثمة، أنه أخبره رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وط...