حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا (حديث رقم: 147 )


147- عن أبي هريرة هريرة؛ قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
معنا أبو بكر وعمر، في نفر.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا.
فأبطأ علينا.
وخشينا أن يقتطع دوننا.
وفزعنا فقمنا.
فكنت أول من فزع.
فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار.
فدرت به أجد له بابا.
فلم أجد.
فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والربيع الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب.
فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال" أبو هريرة؟ " فقلت: نعم.
يا رسول الله.
قال" ما شأنك؟ " قلت: كنت بين أظهرنا.
فقمت فأبطأت علينا.
فخشينا أن تقطع دوننا.
ففزعنا.
فكنت أول من فزع.
فأتيت هذا الحائط.
فاحتفزت كما يحتفز الثعلب.
وهؤلاء الناس ورائي.
فقال: "يا أبا هريرة! " (وأعطاني نعليه).
قال: "اذهب بنعلي هاتين.
فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله.
مستيقنا بها قلبه.
فبشره بالجنة" فكان أول من لقيت عمر.
فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة! فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعثني بهما.
من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشرته بالجنة.
فضرب عمر بيده بين ثديي.
فخررت لاستي.
فقال: ارجع يا أبا هريرة.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأجهشت بكاء.
وركبني عمر.
فإذا هو على أثرى.
فقال لي رسول الله عليه وسلم: "ما لك يا أبا هريرة؟ " قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به.
فضرب بين ثديي ضربة.
خررت لاستي.
قال: ارجع.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟ " قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي.
أبعثت أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشره بالجنة؟ قال "نعم" قال: فلا تفعل.
فإني أخشى أن يتكل الناس عليها.
فخلهم يعملون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فخلهم".

أخرجه مسلم


(كنا قعودا حول رسول الله عليه وسلم) قال أهل اللغة.
يقال: قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله أي على جوانبه.
(أظهرنا) قال أهل اللغة: يقال: نحن بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم، أي بينكم.
(وخشينا أن يقتطع دوننا) أي يصاب بمكروه من عدو.
(وفزعنا) الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشيء والاهتمام به.
وبمعنى الإغاثة.
فتصح هذه المعاني الثلاثة.
أي ذعرنا لاحتباس النبي صلى الله عليه وسلم.
(حائطا) أي بستانا.
وسمى بذلك لأنه حائط لا سقف له.
(الجدول) النهر الصغير.
(فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) معناه تضاممت ليسعني المدخل.
(أبو هريرة) معناه: أنت أبو هريرة؟ (لأستي) هو اسم من أسماء الدبر.
والمستحب في مثل هذا، الكناية عن قبيح الأسماء، واستعمال المجاز والألفاظ التي تحصل الغرض، ولا يكون في صورتها ما يستحيا من التصريح بحقيقة لفظه.
(فأجهشت) قال أهل اللغة: يقال: جهشت جهشا وجهوشا.
وأجهاشا.
قال القاضي عياض، رحمه الله: هو أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء، ولما يبك بعد.
(بكاء) منصوب على المفعول له.
(وركبني عمر) فمعناه تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة.
(بأبي أنت وأمي) معناه أنت مفدي، أو أفديك بأبي وأمي.

شرح حديث (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنِي أَبُو كَثِير ) ‏ ‏هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاسْمه يَزِيد بِالزَّايِ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أُذَيْنَة.
وَيُقَال : اِبْن غُفَيْلَةَ بِضَمِّ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَبِالْفَاءِ.
وَيُقَال : اِبْن عَبْد اللَّه بْن أُذَيْنَة.
قَالَ أَبُو عَوَانَة الْإِسْفَرَايِينِيّ فِي مُسْنَده : غُفَيْلَةُ أَصَحّ مِنْ أُذَيْنَة.
‏ ‏قَوْله : ( كُنَّا قُعُودًا حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي نَفَر ) ‏ ‏قَالَ أَهْل اللُّغَة يُقَال قَعَدْنَا حَوْله وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَحَوَالَهُ بِفَتْحِ الْحَاء وَاللَّام فِي جَمِيعهمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبه.
قَالُوا : وَلَا يُقَال : حَوَالِيه بِكَسْرِ اللَّام.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله ( وَمَعَنَا أَبُو بَكْر وَعُمَر ) فَهُوَ مِنْ فَصِيح الْكَلَام وَحُسْن الْإِخْبَار فَإِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْإِخْبَار عَنْ جَمَاعَة فَاسْتَكْثَرُوا أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعهمْ بِأَسْمَائِهِمْ , ذَكَرُوا أَشْرَافهمْ أَوْ بَعْض أَشْرَافهمْ , ثُمَّ قَالُوا : وَغَيْرهمْ.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله ( مَعَنَا ) بِفَتْحِ الْعَيْن هَذِهِ اللُّغَة الْمَشْهُورَة.
وَيَجُوز تَسْكِينهَا فِي لُغَة حَكَاهَا صَاحِب الْمُحْكَم وَالْجَوْهَرِيّ وَغَيْرهمَا وَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ.
قَالَ صَاحِب الْمُحْكَم : ( مَعَ ) اِسْم مَعْنَاهُ الصُّحْبَة وَكَذَلِكَ ( مَعْ ) بِإِسْكَانِ الْعَيْن.
غَيْر أَنَّ الْمُحَرَّكَة تَكُون اِسْمًا وَحَرْفًا , وَالسَّاكِنَة لَا تَكُون إِلَّا حَرْفًا.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ : قَالَ الْكِسَائِيُّ : رَبِيعَة وَغَنَم يُسَكِّنُونَ فَيَقُولُونَ مَعْكُمْ وَمَعْنَا فَإِذَا جَاءَتْ الْأَلِف وَاللَّام أَوْ أَلِف الْوَصْل اِخْتَلَفُوا فَبَعْضهمْ يَفْتَح الْعَيْن وَبَعْضهمْ يَكْسِرهَا فَيَقُولُونَ مَعَ الْقَوْم وَمَعَ اِبْنك , وَبَعْضهمْ يَقُول مَعِ الْقَوْم وَمَعِ اِبْنك.
أَمَّا مَنْ فَتَحَ فَبَنَاهُ عَلَى قَوْلك كُنَّا مَعًا وَنَحْنُ مَعًا.
فَلَمَّا جَعَلَهَا حَرْفًا وَأَخْرَجَهَا عَنْ الِاسْم حَذَفَ الْأَلِف وَتَرَكَ الْعَيْن عَلَى فَتْحَتهَا.
وَهَذِهِ لُغَة عَامَّة الْعَرَب.
وَأَمَّا مَنْ سَكَّنَ ثُمَّ كَسَرَ عِنْد أَلِف الْوَصْل فَأَخْرَجَهُ مَخْرَج الْأَدَوَات مِثْل ( هَلْ ) وَ ( بَلْ ) فَقَالَ : مَعِ الْقَوْم , كَقَوْلِك هَلِ الْقَوْم ؟ وَبَلِ الْقَوْم.
وَهَذِهِ الْأَحْرُف الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي ( مَعَ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْضِعهَا فَلَا ضَرَر فِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْن أَظْهُرِنَا ) ‏ ‏وَقَالَ بَعْده : ( كُنْت بَيْن أَظْهُرنَا ) , هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَظْهُرنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : وَوَقَعَ الثَّانِي فِي بَعْض الْأُصُول ظَهْرَيْنَا وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَالَ أَهْل اللُّغَة يُقَال : نَحْنُ بَيْن أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانَيْكُمْ بِفَتْحِ النُّون أَيْ بَيْنكُمْ.
‏ ‏قَوْله : ( وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَع دُونَنَا ) ‏ ‏أَيْ يُصَاب بِمَكْرُوهِ مِنْ عَدُوّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ.
‏ ‏قَوْله : ( وَفَزِعْنَا وَقُمْنَا فَكُنْت أَوَّل مَنْ فَزِعَ ) ‏ ‏قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه الْفَزَع يَكُون بِمَعْنَى الرَّوْع , وَبِمَعْنَى الْهُبُوب لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَام بِهِ , وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَة.
قَالَ : فَتَصِحّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة أَيْ ذُعِرنَا لِاحْتِبَاسِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا.
أَلَا تَرَاهُ كَيْف قَالَ : وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَع دُوننَا ؟ وَيَدُلّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَوْله : فَكُنْت أَوَّل مَنْ فَزِعَ.
‏ ‏قَوْله : ( حَتَّى أَتَيْت حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ ) ‏ ‏أَيْ بُسْتَانًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَائِط لَا سَقْف لَهُ.
‏ ‏قَوْله : ( فَإِذَا رَبِيع يَدْخُل فِي جَوْف حَائِط مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَل ) ‏ ‏أَمَّا ( الرَّبِيع ) فَبِفَتْحِ الرَّاء عَلَى لَفْظ الرَّبِيع الْفَصْل الْمَعْرُوف.
وَ ( الْجَدْوَل ) بِفَتْحِ الْجِيم وَهُوَ النَّهَر الصَّغِير.
وَجَمْع الرَّبِيع أَرْبِعَاء كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاء.
وَقَوْله ( بِئْر خَارِجَة ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ فِي بِئْر وَفِي خَارِجَة عَلَى أَنَّ خَارِجَة صِفَة لِبِئْرٍ.
وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح عَنْ الْأَصْل الَّذِي هُوَ بِخَطِّ الْحَافِظ أَبِي عَامِر الْعَبْدَرِيِّ , وَالْأَصْل الْمَأْخُوذ عَنْ الْجُلُودِيِّ.
وَذَكَرَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : أَحَدهَا هَذَا.
وَالثَّانِي مِنْ بِئْرٍ خَارِجُهُ بِتَنْوِينِ بِئْر وَبِهَاءٍ فِي آخِر خَارِجه مَضْمُومَة وَهِيَ هَاء ضَمِير الْحَائِط أَيْ الْبِئْر فِي مَوْضِع خَارِجٍ عَنْ الْحَائِط.
وَالثَّالِث مِنْ بِئْرِ خَارِجَةَ بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إِلَى خَارِجَة آخِرُهُ تَاء التَّأْنِيث وَهُوَ اِسْم رَجُل.
وَالْوَجْه الْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور الظَّاهِر.
وَخَالَفَ هَذَا صَاحِب التَّحْرِير فَقَالَ : الصَّحِيح هُوَ الْوَجْه الثَّالِث.
قَالَ : وَالْأَوَّل تَصْحِيف.
قَالَ : وَالْبِئْر يَعْنُونَ بِهَا الْبُسْتَان.
قَالَ : وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَيُسَمُّونَ الْبَسَاتِينَ بِالْآبَارِ الَّتِي فِيهَا يَقُولُونَ : بِئْر أَرِيس , وَبِئْر بُضَاعَةَ , وَبِئْر حَاء وَكُلّهَا بَسَاتِين.
هَذَا كَلَام صَاحِب التَّحْرِير وَأَكْثَره أَوْ كُلّه لَا يُوَافَق عَلَيْهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَالْبِئْر مُؤَنَّثَة مَهْمُوزَة يَجُوز تَخْفِيف هَمْزَتهَا وَهِيَ مُشْتَقَّة مِنْ بَأرْت أَيْ حَفَرْت وَجَمْعهَا فِي الْقِلَّة أَبْؤُر وَأَبْآر بِهَمْزَةِ بَعْد الْبَاء فِيهِمَا.
وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقْلِب الْهَمْزَة فِي أَبْآر وَيَنْقُل فَيَقُول آبَار.
وَجَمْعهَا فِي الْكَثْرَة بِئَار بِكَسْرِ الْبَاء بَعْدهَا هَمْزَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( فَاحْتَفَزْت كَمَا يَحْتَفِز الثَّعْلَب ) ‏ ‏هَذَا قَدْ رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ رُوِيَ بِالزَّايِ , وَرُوِيَ بِالرَّاءِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : رَوَاهُ عَامَّة شُيُوخنَا بِالرَّاءِ عَنْ الْعَبْدَرِيِّ وَغَيْره.
قَالَ : وَسَمِعْنَا عَنْ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي اللَّيْث الشَّاشِيّ عَنْ عَبْد الْغَافِر الْفَارِسِيِّ عَنْ الْجُلُودِيِّ بِالزَّايِ.
وَهُوَ الصَّوَاب.
وَمَعْنَاهُ تَضَامَمْت لِيَسَعَنِي الْمَدْخَل.
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو : إِنَّهُ بِالزَّايِ فِي الْأَصْل الَّذِي بِخَطِّ أَبِي عَامِر الْعَبْدَرِيِّ , وَفِي الْأَصْل الْمَأْخُوذ عَنْ الْجُلُودِيِّ وَإِنَّهَا رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّ رِوَايَة الزَّاي أَقْرَب مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى , وَيَدُلّ عَلَيْهِ تَشْبِيهه بِفِعْلِ الثَّعْلَب وَهُوَ تَضَامُّهُ فِي الْمَضَايِق.
وَأَمَّا صَاحِب التَّحْرِير فَأَنْكَرَ الزَّاي وَخَطَّأَ رُوَاتهَا وَاخْتَارَ الرَّاء وَلَيْسَ اِخْتِيَاره بِمُخْتَارٍ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( فَدَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَبُو هُرَيْرَة فَقُلْت : نَعَمْ ) ‏ ‏مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَة.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَة وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ , وَقَالَ : اِذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ ) ‏ ‏فِي هَذَا الْكَلَام فَائِدَة لَطِيفَة فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَة قَالَ , وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَام وَحُصُول الْفَصْل بِقَوْلِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَة وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَهَذَا حَسَن وَهُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى.
قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْوَاحِدِيُّ : قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ } تَكْرِير لِلْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَام.
قَالَ وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ } أَعَادَ { أَنَّكُمْ } لِطُولِ الْكَلَام.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ النَّعْلَيْنِ فَلِتَكُونَ عَلَامَة ظَاهِرَة مَعْلُومَة عِنْدهمْ يَعْرِفُونَ بِهَا أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُون أَوْقَع فِي نُفُوسهمْ لِمَا يُخْبِرهُمْ بِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا يُنْكَر كَوْن مِثْل هَذَا يُفِيد تَأْكِيدًا وَإِنْ كَانَ خَبَره مَقْبُولًا مِنْ غَيْر هَذَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ لَقِيَتْ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِط يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبه فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ) ‏ ‏مَعْنَاهُ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة.
وَإِلَّا فَأَبُو هُرَيْرَة لَا يَعْلَم اِسْتِيقَان قُلُوبهمْ.
وَفِي هَذَا دَلَالَة ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ أَنَّهُ لَا يَنْفَع اِعْتِقَاد التَّوْحِيد دُون النُّطْق , وَلَا النُّطْق دُون الِاعْتِقَاد.
بَلْ لَا بُدّ مِنْ الْجَمْع بَيْنهمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحه فِي أَوَّل الْبَاب.
وَذِكْر الْقَلْب هُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَنَفْيِ تَوَهُّم الْمَجَاز.
إِلَّا فَالِاسْتِيقَان لَا يَكُون إِلَّا بِالْقَلْبِ.
‏ ‏قَوْله : ( فَقَالَ : مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَة ؟ فَقُلْت : هَاتَيْنِ نَعْلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا ) ‏ ‏هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول.
( فَقُلْت : هَاتَيْنِ نَعْلَا ) بِنَصْبِ هَاتَيْنِ وَرَفْعِ نَعْلَا وَهُوَ صَحِيح مَعْنَاهُ فَقُلْت يَعْنِي هَاتَيْنِ هُمَا نَعْلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَنَصَبَ هَاتَيْنِ بِإِضْمَارِ يَعْنِي وَحَذَفَ هُمَا الَّتِي هِيَ الْمُبْتَدَأ لِلْعِلْمِ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْله : ( بَعَثَنِي بِهِمَا ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ( بِهِمَا ) عَلَى التَّثْنِيَة وَهُوَ ظَاهِر.
وَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا ( بِهَا ) مِنْ غَيْر مِيم.
وَهُوَ صَحِيح أَيْضًا.
وَيَكُون الضَّمِير عَائِدًا إِلَى الْعَلَامَة ; فَإِنَّ النَّعْلَيْنِ كَانَتَا عَلَامَة.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( فَضَرَبَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن ثَدْيَيَّ فَخَرَرْت لِاسْتِي , فَقَالَ اِرْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَة ) ‏ ‏أَمَّا قَوْله ( ثَدْيَيَّ ) فَتَثْنِيَة ثَدْي بِفَتْحِ الثَّاء وَهُوَ مُذَكَّر وَقَدْ يُؤَنَّث فِي لُغَة قَلِيلَة.
وَاخْتَلَفُوا فِي اِخْتِصَاصه بِالْمَرْأَةِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَكُون لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَة.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هُوَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّة فَيَكُون إِطْلَاقه فِي الرَّجُل مَجَازًا وَاسْتِعَارَة.
وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقه فِي الْأَحَادِيث لِلرَّجُلِ وَسَأَزِيدُهُ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي بَاب غِلَظ تَحْرِيم قَتْل الْإِنْسَان نَفْسه.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله : ( لِاسْتِي ) فَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الدُّبُر وَالْمُسْتَحَبّ فِي مِثْل هَذَا الْكِنَايَة عَنْ قَبِيح الْأَسْمَاء وَاسْتِعْمَال الْمَجَاز وَالْأَلْفَاظ الَّتِي تُحَصِّل الْغَرَض وَلَا يَكُون فِي صُورَتهَا مَا يُسْتَحَيَا مِنْ التَّصْرِيح بِحَقِيقَةِ لَفْظِهِ.
وَبِهَذَا الْأَدَب جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز وَالسُّنَن كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضكُمْ إِلَى بَعْضٍ } { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ } { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيح الِاسْم لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَة وَهِيَ إِزَالَة اللَّبْس أَوْ الِاشْتِرَاك أَوْ نَفْيِ الْمَجَاز أَوْ نَحْو ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنِكْتَهَا " وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَدْبَرَ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط " وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " الْحَدَث فُسَاء أَوْ ضُرَاط " وَنَظَائِر ذَلِكَ كَثِيرَة , وَاسْتِعْمَال أَبِي هُرَيْرَة هُنَا لَفْظ الِاسْت مِنْ هَذَا الْقَبِيل.
وَاَللَّه أَعْلَم وَأَمَّا دَفْع عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَهُ فَلَمْ يَقْصِد بِهِ سُقُوطه وَإِيذَاؤُهُ بَلْ قَصَد رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ , وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْره لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْره.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه : وَلَيْسَ فِعْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُرَاجَعَته النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِيمَا بَعَثَ بِهِ أَبَا هُرَيْرَة غَيْر تَطْيِيب قُلُوب الْأُمَّة وَبُشْرَاهُمْ , فَرَأَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ كَتْم هَذَا أَصْلَحَ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا , وَأَنَّهُ أَعْوَد عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّل هَذِهِ الْبُشْرَى.
فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّبَهُ فِيهِ.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
‏ ‏وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِمَام وَالْكَبِير مُطْلَقًا إِذَا رَأَى شَيْئًا وَرَأَى بَعْض أَتْبَاعه خِلَافه أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ أَنْ يَعْرِضهُ عَلَى الْمَتْبُوع لِيَنْظُر فِيهِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ التَّابِع هُوَ الصَّوَاب رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا بَيَّنَ لِلتَّابِعِ جَوَاب الشُّبْهَة الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( فَأَجْهَشْت بُكَاء وَرَكِبَنِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي ) ‏ ‏أَمَّا قَوْله : ( أَجْهَشْت ) فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالشِّين الْمُعْجَمَة , وَالْهَمْزَة وَالْهَاء مَفْتُوحَتَانِ.
هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول الَّتِي رَأَيْنَاهَا.
وَرَأَيْت فِي كِتَاب الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : فَجَهَشْت بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُمَا صَحِيحَانِ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة.
يُقَال : جَهْشًا وَجُهُوشًا وَأَجْهَشْت إِجْهَاشًا.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : وَهُوَ أَنْ يَفْزَع الْإِنْسَان إِلَى غَيْره وَهُوَ مُتَغَيِّر الْوَجْه مُتَهَيِّئٌ لِلْبُكَاءِ , وَلَمَّا يَبْكِ بَعْد.
قَالَ الطَّبَرِيُّ : هُوَ الْفَزَع وَالِاسْتِغَاثَة.
وَقَالَ أَبُو زَيْد : جَهَشْت لِلْبُكَاءِ وَالْحُزْن وَالشَّوْق.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله : بُكَاء فَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَفْعُول لَهُ.
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة ( لِلْبُكَاءِ ) , وَالْبُكَاء يُمَدّ وَيُقْصَر لُغَتَانِ.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله ( وَرَكِبَنِي عُمَر ) فَمَعْنَاهُ تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَال بِلَا مُهْلَة.
‏ ‏وَأَمَّا قَوْله ( عَلَى أَثَرِي ) فَفِيهِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الثَّاء وَبِفَتْحِهِمَا.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله : ( بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ) ‏ ‏مَعْنَاهُ أَنْتَ مُفَدًّى أَوْ أَفْدِيك بِأَبِي وَأُمِّي.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة هَذَا مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاء الْكَلَام مِنْهُ جُمَل.
فَفِيهِ جُلُوس الْعَالِم لِأَصْحَابِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَفْتِينَ وَغَيْرهمْ يُعَلِّمهُمْ وَيُفِيدهُمْ وَيُفْتِيهِمْ.
وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذِكْر جَمَاعَة كَثِيرَة فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْر بَعْضهمْ ذَكَر أَشْرَافهمْ أَوْ بَعْض أَشْرَافهمْ ثُمَّ قَالَ : وَغَيْرهمْ.
وَفِيهِ بَيَان مَا كَانَتْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَام بِحُقُوقِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامه وَالشَّفَقَة عَلَيْهِ وَالِانْزِعَاج الْبَالِغ لِمَا يُطْرِقهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
‏ ‏وَفِيهِ اِهْتِمَام الْأَتْبَاع بِحُقُوقِ مَتْبُوعهمْ وَالِاعْتِنَاء بِتَحْصِيلِ مَصَالِحه وَدَفْع الْمَفَاسِد عَنْهُ.
وَفِيهِ جَوَاز دُخُول الْإِنْسَان مِلْك غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه إِذَا عَلِمَ بِرِضَا ذَلِكَ لِمَوَدَّةٍ بَيْنهمَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ.
فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دَخَلَ الْحَائِط وَأَقَرَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا غَيْر مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْض بَلْ يَجُوز لَهُ الِانْتِفَاع بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْل طَعَامه وَالْحَمْل مِنْ طَعَامه إِلَى بَيْته وَرُكُوب دَابَّته وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّف الَّذِي يُعْلَم أَنَّهُ لَا يَشُقّ عَلَى صَاحِبه.
هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الْعُلَمَاء رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ , وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابنَا.
قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَز الطَّعَام وَأَشْبَاهه إِلَى الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَأَشْبَاههمَا.
وَفِي ثُبُوت الْإِجْمَاع فِي حَقّ مَنْ يُقْطَع بِطِيبِ قَلْب صَاحِبه بِذَلِكَ نَظَر.
وَلَعَلَّ هَذَا يَكُون فِي الدَّرَاهِم الْكَثِيرَة الَّتِي يُشَكُّ أَوْ قَدْ يُشَكُّ فِي رِضَاهُ بِهَا فَإِنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَشَكَّكَ لَا يَجُوز التَّصَرُّف مُطْلَقًا فِيمَا تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِهِ.
ثُمَّ دَلِيل الْجَوَاز فِي الْبَاب الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَفِعْل وَقَوْل أَعْيَان الْأُمَّة.
‏ ‏فَالْكِتَاب قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ } إِلَى قَوْله تَعَالَى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } وَالسُّنَّة هَذَا الْحَدِيث , وَأَحَادِيث كَثِيرَة مَعْرُوفَة بِنَحْوِهِ.
وَأَفْعَال السَّلَف وَأَقْوَالهمْ فِي هَذَا أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى.
وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
‏ ‏وَفِيهِ إِرْسَال الْإِمَام وَالْمَتْبُوع إِلَى أَتْبَاعه بِعَلَامَةٍ يَعْرِفُونَهَا لِيَزْدَادُوا بِهَا طُمَأْنِينَة.
‏ ‏وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ أَنَّ الْإِيمَان الْمُنْجِي مِنْ الْخُلُود فِي النَّار لَا بُدّ فِيهِ مِنْ الِاعْتِقَاد وَالنُّطْق.
‏ ‏وَفِيهِ جَوَاز إِمْسَاك بَعْض الْعُلُوم الَّتِي لَا حَاجَة إِلَيْهَا لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ خَوْف الْمَفْسَدَة.
‏ ‏وَفِيهِ إِشَارَة بَعْض الْأَتْبَاع عَلَى الْمَتْبُوع بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَة , وَمُوَافَقَة الْمَتْبُوع لَهُ إِذَا رَآهُ مَصْلَحَة , وَرُجُوعه عَمَّا أَمَرَ بِهِ بِسَبَبِهِ.
‏ ‏وَفِيهِ جَوَاز قَوْل الرَّجُل لِلْآخَرِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْض السَّلَف.
وَقَالَ : لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ.
وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى جَوَازه سَوَاء كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا.
وَفِيهِ غَيْر ذَلِكَ.
وَاَللَّه أَعْلَم.


حديث أبو هريرة فقلت نعم

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبُو كَثِيرٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَعَنَا ‏ ‏أَبُو بَكْرٍ ‏ ‏وَعُمَرُ ‏ ‏فِي نَفَرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا وَخَشِينَا أَنْ ‏ ‏يُقْتَطَعَ ‏ ‏دُونَنَا ‏ ‏وَفَزِعْنَا ‏ ‏فَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ فَخَرَجْتُ ‏ ‏أَبْتَغِي رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَتَّى أَتَيْتُ ‏ ‏حَائِطًا ‏ ‏لِلْأَنْصَارِ ‏ ‏لِبَنِي النَّجَّارِ ‏ ‏فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا فَلَمْ أَجِدْ فَإِذَا ‏ ‏رَبِيعٌ ‏ ‏يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ ‏ ‏الْجَدْوَلُ ‏ ‏فَاحْتَفَزْتُ ‏ ‏كَمَا ‏ ‏يَحْتَفِزُ ‏ ‏الثَّعْلَبُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ ‏ ‏فَقُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكَ قُلْتُ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا فَفَزِعْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مِنْ فَزِعَ فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ ‏ ‏فَاحْتَفَزْتُ ‏ ‏كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي فَقَالَ يَا ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ قَالَ اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ ‏ ‏أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏فَقَالَ مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏فَقُلْتُ هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ فَضَرَبَ ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ‏ ‏فَخَرَرْتُ ‏ ‏لِاسْتِي ‏ ‏فَقَالَ ارْجِعْ يَا ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فَأَجْهَشْتُ ‏ ‏بُكَاءً ‏ ‏وَرَكِبَنِي ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مَا لَكَ يَا ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏قُلْتُ لَقِيتُ ‏ ‏عُمَرَ ‏ ‏فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً ‏ ‏خَرَرْتُ ‏ ‏لِاسْتِي ‏ ‏قَالَ ارْجِعْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ يَا ‏ ‏عُمَرُ ‏ ‏مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبَعَثْتَ ‏ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏ ‏بِنَعْلَيْكَ مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي ‏ ‏أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏فَخَلِّهِمْ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح مسلم

ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و...

عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال" يا معاذ! " قال لبيك رسول الله وسعديك.<br> قال: "ي...

لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيد...

عن عتبان بن مالك؛ قال: قدمت المدينة.<br> فلقيت عتبان.<br> فقلت: حديث بلغني عنك.<br> قال: أصابني في بصري بعض الشيء.<br> فبعثت إلى رسول الله صلى الله ع...

ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وب...

عن العباس بن عبد المطلب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا»

الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان»

أفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن...

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن ا...

الحياء من الإيمان

عن سالم، عن أبيه، سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعظ أخاه في الحياء، فقال: «الحياء من الإيمان»حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن...

الحياء لا يأتي إلا بخير

عن عمران بن حصين، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، فقال بشير بن كعب: إنه مكتوب في الحكمة: أن منه وقارا، ومنه سكين...

الحياء خير كله

عن أبا قتادة حدث، قال: كنا عند عمران بن حصين في رهط، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران، يومئذ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء خير كله» ق...

قل آمنت بالله فاستقم

عن سفيان بن عبد الله الثقفي، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفي حديث أبي أسامة غيرك - قال: " قل: آمنت بالله، فا...