حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله - صحيح مسلم

صحيح مسلم | كتاب الحج باب فضل المدينة، ودعاء النبي .<br> (حديث رقم: 3327 )


3327- عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب.
فيها أسنان الإبل.
وأشياء من الجراحات.
وفيها قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور.
فمن أحدث فيها حدثا.
أو آوى محدثا.
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وذمة المسلمين واحدة.
يسعى بها أدناهم.
ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه.
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا".
وانتهى حديث أبي بكر وزهير عند قوله "يسعى بها أدناهم" ولم يذكرا ما بعده.
وليس في حديثهما: معلقة في قراب سيفه.
وحدثني علي بن حجر السعدي.
أخبرنا علي بن مسهر.
ح وحدثني أبو سعيد الأشج.
حدثنا وكيع.
جميعا عن الأعمش، بهذا الإسناد، نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية إلى آخره.
وزاد في الحديث "فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل" وليس في حديثهما "من ادعى إلى غير أبيه" وليس في رواية وكيع، ذكر يوم القيامة.
وحدثني عبد الله بن عمر القواريري ومحمد بن أبي بكر المقدمي.
قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي.
حدثنا سفيان عن الأعمش، بهذا الإسناد، نحو حديث ابن مسهر ووكيع.
إلا قوله "من تولى غير مواليه" وذكر اللعنة له.

أخرجه مسلم


(في قراب سيفه) القراب هو الغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده.
(فقد كذب) قال النووي: هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم: إن عليا أوصى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة.
وإنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم.
وهذه دعاوي باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها.
ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا.
(فيها أسنان الإبل) أي في تلك الصحيفة بيان أسنان الإبل التي تعطى دية.
(المدينة حرم ما بين عير إلى ثور) هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في: ٨٥ - كتاب الفرائض، ٢١ - باب إثم من تبرأ من مواليه.
فهو من الأحاديث المتفق عليها بين الشيخين.
ورواته لا يمكن أن يتطرق الوهن أو الشك إلى روايتهم.
والحديث قاله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وسمعه منه أهل المدينة، ومنهم الإمام علي بن أبي طالب.
وقد حرص عليه أيما حرص، فكتبه في صحيفته المشهورة المعلقة في قراب سيفه.
ومع كل هذا فقد ظهر بين المتقدمين من يدعى مصعبا الزبيري، فألقى بها كلمة طاعنة في متن الحديث، حيث قال: ليس في المدينة عير ولا ثور.
يا عجبا! لهذه الجرأة.
وتبعه أبو عبيد فقال: ما بين عير وثور، هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلا عندهم يقال له ثور.
وإنما ثور بمكة.
وأقول أنا: وجود جبل بمكة اسمه ثور لا ينفى وجود جبل بالمدينة، بهذا الاسم، اللهم! إلا الجهل الذي يسمونه علما.
ولقد روى الإمام البخاري، في صحيحه، في ٦٥ - كتاب التفسير، ٣٨ سورة ص، ٣ باب وما أنا من المتكلفين: عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود.
قال: يا أيها الناس! من علم شيئا فليقل به.
ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم.
فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم.
وقد أخذ العلماء قول مصعب وأبي عبيد حجة بدون تمحيص ولا تحقيق: يقولون أقوالا ولا يعلمونها .
ولوقيل: هاتوا حققوا.
لم يحققوا ثم تناولوا الحديث بالتخريج والتأويل، مما دل على اضطراب ذهن ليس له مثيل.
ووقع بسبب هذا القول، في الخطأ الشنيع، ثلاثة من كبار المؤلفين: أولهم أبو عبيد البكري، المتوفي عام ٤٨٧ هـ، في كتابه معجم من استعجم.
والثاني ابن الأثير، المتوفي عام ٦٠٦ هـ، في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر.
والثالث ياقوت الحموي، المتوفي عام ٦٢٦ هـ، في كتابه معجم البلدان.
• قال في معجم ما استعجم: وذكر أبو عبيد (هو القاسم بن سلام، بتشديد اللام، كما حرر ذلك ابن خلكان في الوفيات، وكما جاء في نزهة الألبا في طبقات الأدبا لابن الأنباري، إذ قال: وقد رثاه عبد الله بن طاهر بقوله: يا طالب العلم قد أودى ابن سلام .
وكان فارس علم غير محجام لا بالتخفيف كما نص عليه صاحب التاج وتبعه الأستاذ مصطفى السقا في تعليقه على هذا) هذا الحديث.
وقال: عير وثور جبلان بالمدينة.
قال: وهذا حديث أهل العراق.
وأهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور.
وإنما ثور بمكة.
فيرى أن الحديث إنما أصله "ما بين عير إلى أحد"!!! • وقال ابن الأثير.
وفيه أنه حرم المدينة ما بين عير إلى ثور.
هما جبلان.
أما عير فجبل معروف بالمدينة.
وأما ثور فالمعروف أنه بمكة، وفيه الغار الذي بات به النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر.
وفي رواية قليلة: ما بين عير وأحد.
وأحد بالمدينة، فيكون ثور غلطا من الراوي، وإن كان هو الأشهر في الرواية والأكثر.
وقيل إن عيرا جبل بمكة، ويكون المراد أنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة، أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة، على حذف المضاف، ووصف المصدر بالمحذوف.
• وقال ياقوت: وفي حديث المدينة إنه صلى الله عليه وسلم حرم ما بين عير إلى ثور .
قال أبو عبيد: أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور.
وإنما ثور بمكة.
فيرى أهل الحديث أنه حرم ما بين عير إلى أحد.
وقال غيره: إلى بمعنى مع.
كأنه جعل المدينة مضافة إلى مكة في التحريم، وقد ترك بعض الرواة موضع ثور بياضا ليبين الوهم.
وضرب آخرون عليه.
وقال بعض الرواة: من عير إلى كدى.
وفي رواية ابن سلام: من عير إلى أحد.
والأول أشهر وأشد.
وكل هذا التخريج، وإن شئت فقل التخريف، والتأويل لا ينحط الإنسان إليه إلا بخذلان من الله.
وما توفيقي إلا بالله.
ورضي الله سبحانه وتعالى عن أستاذ الدنيا في علم الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال في كتابه، قاموس السنة المحيط، فتح الباري، في ٢٩ - كتاب فضائل المدينة، ١ - باب حرم المدينة، ما نصه: "وقال المحب الطبري" في الأحكام: بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري، أن حذاء أحد، عن يساره، جانحا إلى ورائه، جبل صغير يقال له: ثور.
وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل أسمه ثور.
وتواردوا على ذلك.
فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح.
وأن عدم علم أكابر العلماء به، لعدم شهرته، وعدم بحثهم عنه.
قال: وهذه فائدة جليلة.
انتهى.
ثم قال الحافظ: وقرأت بخط شيخ شيوخنا الحلبي في شرحه: حكى لنا شيخنا أبو محمد عبد السلام ابن مزروع البصري أنه خرج رسولا إلى العراق.
فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل.
وكان يذكر له الأماكن والجبال.
قال: فلما وصلنا إلى أحد، إذا بقربه جبل صغير.
فسألته عنه؟ فقال: هذا يسمى ثورا.
قال: فعلمت صحة الرواية.
(قلت) وكان هذا مبدأ سؤاله عن ذلك.
وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي، نزيل المدينة، في مختصره لأخبار المدينة، أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم؛ إن خلف أحد، من جهة الشمال، جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير، يسمى ثورا.
قال: وقد تحققته بالمشاهدة.
ا هـ.
من الفتح.
وقال الفيروز أبادي، في القاموس المحيط، الذي هو أكثر كتب اللغة تداولا بين الأيدي: (ثور) جبل بالمدينة.
ومنه الحديث الصحيح.
المدينة حرم ما بين عير إلى ثور.
وأما قول أبي عبيد بن سلام، وغيره من الأكابر الأعلام: إن هذا تصحف.
والصواب: إلى أحد، لأن ثورا إنما هو بمكة - فغير جيد.
لما أخبرني الشجاع البعلي، الشيخ الزاهد، عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد، جانحا إلى ورائه، جبلا صغيرا يقال له: ثور.
وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض.
فكل أخبرني أن اسمه ثور.
ولما كتب إلى الشيخ عفيف الدين المطري، عن والده الحافظ الثقة، قال: إن خلف أحد، عن شماليه، جبلا صغيرا مدورا يعرفه أهل المدينة، خلفا عن سلف.
وقد أيد العلماء المعاصرون ما أورده الحافظ في الفتح والمجد في القاموس، وأكدوه تمام التأكيد.
فقد ذكر العلامة الجليل، والمؤرخ المحقق النبيل، الدكتور محمد حسين هيكل، في كتابه "في منزل الوحي" ص ٥٨١ عند ذكر الحديث "إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة".
قال حفظه الله: وجبلا المدينة المقصودان هما عير وأحد.
أو عير وثور الواقع وراء أحد، ليدخل أحد في الحرم.
ولابتا المدينة هما الحرتان واقم الوبرة.
أولاهما في شرق المدينة والثانية في غربها.
والجبلان: عير في جنوبها، وثور في شمالها.
وهذه هي حدود المدينة الأربعة.
ونشر أمام الصفحة ٥١٢ خريطة أثرية تقريبية للمدينة المنورة.
وهنا في رأس الخريطة من جهة الشمال، وراء جبل أحد، يقع جبل ثور.
وقد أرشدني حفظه الله إلى كتاب" آثار المدينة المنورة، لمؤلفه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري.
الذي اتصل به منذ نزل المدينة.
وقد ذكر له فضله، وشكره أجمل شكر على إرشاده ومعاونته ص ٤٤٠.
وهذا الكتاب مطبوع عام ١٣٥٣ هـ - ١٩٣٥ م.
وقد نشر به الخريطة الأثرية التقريبية للمدينة المنورة، وهي خريطة مطابقة تمام المطابقة للخريطة المنشورة في كتاب "في منزل الوحي" وكأن إحداهما صورة من الأخرى.
وقد قال صاحب هذا الكتاب ص ١٣٩ تحت عنوان: (عير وثور) اسما جبلي من جبال المدينة، أولهما عظيم شامخ يقع بجنوب المدينة على مسافة ساعتين عنها تقريبا.
وثانيهما أحمر صغير يقع شمال أحد.
ويحدان حرم المدينة جنوبا وشمالا.
فليرمج ما بالنهاية وما بمعجم البلدان من هذا الجهل المظلم الفاضح وليوضع بدله هذا العلم النير الواضح.
أما معجم ما استعجم فقد تولى تصحيحه ما ارتطم به صاحبه من الخطأ محققه الأستاذ مصطفى السقا فنقل ما جاء في الزبيدي شارح القاموس.
ولكنه لم يفصل بين قول المجد وقول الشارح.
وقد أمدني حضرة السيد صاحب "الأعلام" بكتاب اسمه (كتاب عمدة الأخبار في مدينة المختار) للمحقق العلامة الشيخ أحمد بن عبد الحميد.
نشره السيد أسعد طرابزوني الحسيني.
جاء فيه ص ٢٤٩ ما يأتي.
"ثور جبل صغير جدا وراء أحد.
وقال بعض الحفاظ: أن خلف أحد من شماله جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا يعرفه أهل المدينة.
قلت: وأنا منهم إن شاء الله.
ورأيته وعاينته، وليس الخبر كالعيان".
ثم نقل ما قاله أبو عبيد، وما تأوله المتأولون.
ثم قال: وقد قال العلامة مجد الدين الفيروز أبادي: لا أدري كيف وقعت المسارعة من هؤلاء الأعلام إلى أثبات وهم في الحديث الصحيح المتفق على صحته، بمجرد دعوى أن أهل المدينة لا يعرفون جبلا يسمى ثورا".
وللصديق الرجل العظيم المؤرخ المحقق السيد خير الدين الزركلي شكري الجزيل من خالص قلبي على اهتمامه بهذا الموضوع وجليل عنايته به ثم إمدادي بهذا الكتاب وكتاب آثار المدينة المنورة.
وانظر: ج ١ ص ٦٦ من وفاء الوفا.
وبعد كل هذا التحقيق الدقيق يجيء صديقنا الأستاذ العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر فلا يلتفت إلى شيء من هذا، بل يمضي في شرحه للحديث ٦١٥ من المسند بنقل ما جاء في النهاية لابن الأثير، حرفا بحرف.
ثم يشير إلى ماجاء في معجم البلدان.
فينبغي ترميج هذا السخف أيضا.
وفوق كل ذي علم عليم.
(وذمة المسلمين واحدة) المراد بالذمة هنا الأمان.
معناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح.
فإذا أمنه أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم.
(يسعي بها أدناهم) أي يتولاها ويلي أمرها أدني المسلمين مرتبة.
(ومن ادعى إلى غير أبيه) هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى ولا ء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك، مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق.
(فمن اخفر مسلما) معناه من نقض أمان مسلم، فتعرض لكافر أمنه مسلم.
قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده، وخفرته إذا أمنته.

شرح حديث (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله)

شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)

‏ ‏قَوْله : ( خَطَبَنَا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب - رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَاب اللَّه وَهَذِهِ الصَّحِيفَة فَقَدْ كَذَبَ ) ‏ ‏هَذَا تَصْرِيح مِنْ عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ - بِإِبْطَالِ مَا تَزْعُمهُ الرَّافِضَة وَالشِّيعَة , وَيَخْتَرِعُونَهُ مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ - أَوْصَى إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة مِنْ أَسْرَار الْعِلْم , وَقَوَاعِد الدِّين , وَكُنُوز الشَّرِيعَة , وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ أَهْل الْبَيْت بِمَا لَمْ يُطْلِع عَلَيْهِ غَيْرهمْ , وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَة , وَاخْتِرَاعَات فَاسِدَة , لَا أَصْل لَهَا , وَيَكْفِي فِي إِبْطَالهَا قَوْل عَلِيّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - هَذَا , وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى جَوَاز كِتَابَة الْعِلْم , وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه قَرِيبًا.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَدِينَة حَرَم مَا بَيْن عَيْر إِلَى ثَوْر ) ‏ ‏أَمَّا ( عَيْر ) فَبِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْمُثَنَّاة تَحْت وَهُوَ جَبَل مَعْرُوف , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَالَ مُصْعَب بْن الزُّبَيْر وَغَيْره : لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ عَيْر وَلَا ثَوْر , قَالُوا : وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة , قَالَ : وَقَالَ الزُّبَيْر : عَيْر جَبَل بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَة , قَالَ الْقَاضِي : أَكْثَر الرُّوَاة فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ ذَكَرُوا عَيْرًا.
وَأَمَّا ( ثَوْر ) فَمِنْهُمْ مَنْ كَنَّى عَنْهُ بِكَذَا , وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ مَكَانه بَيَاضًا ; لِأَنَّهُمْ اِعْتَقَدُوا ذِكْر ثَوْر هُنَا خَطَأ , قَالَ الْمَازِرِيّ : قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : ثَوْر هُنَا وَهْمٌ مِنْ الرَّاوِي , وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة , قَالَ : وَالصَّحِيح إِلَى أُحُد , قَالَ الْقَاضِي : وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَصْل الْحَدِيث مِنْ عَيْر إِلَى أُحُد.
هَذَا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي , وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْر الْحَازِمِيّ الْحَافِظ وَغَيْره مِنْ الْأَئِمَّة أَنَّ أَصْله : مِنْ عَيْر إِلَى أُحُد.
‏ ‏قُلْت : وَيُحْتَمَل أَنَّ ثَوْرًا كَانَ اِسْمًا لِجَبَلٍ هُنَاكَ , إِمَّا أُحُد وَإِمَّا غَيْره , فَخَفِيَ اِسْمه.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ( مَا بَيْن عَيْر إِلَى ثَوْر ) أَوْ إِلَى أُحُد عَلَى مَا سَبَقَ , وَفِي رِوَايَة أَنَس السَّابِقَة ( اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّم مَا بَيْن جَبَلَيْهَا ) وَفِي الرِّوَايَات السَّابِقَة ( مَا بَيْن لَابَتَيْهَا ) وَالْمُرَاد بِاللَّابَتَيْنِ الْحَرَّتَانِ كَمَا سَبَقَ , وَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا مُتَّفِقَة ( فَمَا بَيْن لَابَتَيْهَا ) بَيَان لِحَدِّ حَرَمهَا مِنْ جِهَتَيْ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب , وَمَا ( بَيْن جَبَلَيْهَا ) بَيَان لِحَدِّهِ مِنْ جِهَة الْجَنُوب وَالشَّمَال.
وَاَللَّه أَعْلَم.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَذِمَّة الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَة يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ) ‏ ‏الْمُرَاد بِالذِّمَّةِ هُنَا الْأَمَان , مَعْنَاهُ أَنَّ أَمَان الْمُسْلِمِينَ لِلْكَافِرِ صَحِيح , فَإِذَا أَمَّنَهُ بِهِ أَحَد الْمُسْلِمِينَ حَرُمَ عَلَى غَيْره التَّعَرُّض لَهُ مَا دَامَ فِي أَمَان الْمُسْلِم , وَلِلْأَمَانِ شُرُوط مَعْرُوفَة.
‏ ‏وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ) ‏ ‏فِيهِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ : أَنَّ أَمَان الْمَرْأَة وَالْعَبْد صَحِيح لِأَنَّهُمَا أَدْنَى مِنْ الذُّكُور الْأَحْرَار.
‏ ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَنْ اِدَّعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ أَوْ اِنْتَمَى إِلَى غَيْر مَوَالِيه فَعَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ ) ‏ ‏هَذَا صَرِيح فِي غِلَظ تَحْرِيم اِنْتِمَاء الْإِنْسَان إِلَى غَيْر أَبِيهِ , أَوْ اِنْتِمَاء الْعَتِيق إِلَى وَلَاء غَيْر مَوَالِيه ; لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْر النِّعْمَة وَتَضْيِيع حُقُوق الْإِرْث وَالْوَلَاء وَالْعَقْل وَغَيْر ذَلِكَ , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَة الرَّحِم وَالْعُقُوق.


حديث المدينة حرم ما بين عير إلى ثور

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏و حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ‏ ‏وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ‏ ‏وَأَبُو كُرَيْبٍ ‏ ‏جَمِيعًا ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي مُعَاوِيَةَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو كُرَيْبٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو مُعَاوِيَةَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏الْأَعْمَشُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏خَطَبَنَا ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏ ‏فَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ قَالَ وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي ‏ ‏قِرَابِ ‏ ‏سَيْفِهِ فَقَدْ كَذَبَ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ وَأَشْيَاءُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏ ‏الْمَدِينَةُ ‏ ‏حَرَمٌ مَا بَيْنَ ‏ ‏عَيْرٍ ‏ ‏إِلَى ‏ ‏ثَوْرٍ ‏ ‏فَمَنْ ‏ ‏أَحْدَثَ ‏ ‏فِيهَا ‏ ‏حَدَثًا ‏ ‏أَوْ ‏ ‏آوَى ‏ ‏مُحْدِثًا ‏ ‏فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏ ‏صَرْفًا ‏ ‏وَلَا ‏ ‏عَدْلًا ‏ ‏وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ ‏ ‏يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَمَنْ ‏ ‏ادَّعَى ‏ ‏إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ ‏ ‏مَوَالِيهِ ‏ ‏فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏ ‏صَرْفًا ‏ ‏وَلَا ‏ ‏عَدْلًا ‏ ‏وَانْتَهَى حَدِيثُ ‏ ‏أَبِي بَكْرٍ ‏ ‏وَزُهَيْرٍ ‏ ‏عِنْدَ قَوْلِهِ ‏ ‏يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا مُعَلَّقَةٌ فِي ‏ ‏قِرَابِ ‏ ‏سَيْفِهِ ‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ‏ ‏ح ‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏وَكِيعٌ ‏ ‏جَمِيعًا ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏بِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏ ‏نَحْوَ حَدِيثِ ‏ ‏أَبِي كُرَيْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي مُعَاوِيَةَ ‏ ‏إِلَى آخِرِهِ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ فَمَنْ ‏ ‏أَخْفَرَ ‏ ‏مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏ ‏صَرْفٌ ‏ ‏وَلَا ‏ ‏عَدْلٌ ‏ ‏وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا مَنْ ‏ ‏ادَّعَى ‏ ‏إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ‏ ‏وَكِيعٍ ‏ ‏ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏ ‏و حَدَّثَنِي ‏ ‏عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ‏ ‏وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ ‏ ‏قَالَا حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سُفْيَانُ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏بِهَذَا الْإِسْنَادِ ‏ ‏نَحْوَ حَدِيثِ ‏ ‏ابْنِ مُسْهِرٍ ‏ ‏وَوَكِيعٍ ‏ ‏إِلَّا قَوْلَهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ ‏ ‏مَوَالِيهِ ‏ ‏وَذِكْرَ اللَّعْنَةِ لَهُ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح مسلم

المدينة حرم لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يو...

حديث أبي هريرة لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعر...

عن أبي هريرة، أنه كان يقول: لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين لابتيها حرام»

وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثني عشر...

عن أبي هريرة، قال: «حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة»، قال أبو هريرة: «فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها»، وجعل اثني عشر...

كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي ﷺ

عن أبي هريرة، أنه قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم بارك لن...

دعاء النبي ﷺ أذا  يؤتى بأول الثمر

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثمر، فيقول: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدنا، وفي صاعنا بركة مع بركة»، ث...

لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا تخبط...

عن يحيى بن أبي إسحاق، أنه حدث عن أبي سعيد، مولى المهري، أنه أصابهم بالمدينة جهد وشدة، وأنه أتى أبا سعيد الخدري، فقال له: إني كثير العيال، وقد أصابتنا...

اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا واجعل مع البركة بركت...

عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، واجعل مع البركة بركتين»،حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا شيبان...

لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو...

عن أبي سعيد، مولى المهري، أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على ج...

إني حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة

عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، أن عبد الرحمن، حدثه، عن أبيه أبي سعيد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إني حرمت ما بين لابتي ال...