حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب اللباس باب ما جاء في الخضاب (حديث رقم: 1753 )


1753- عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم»: هذا حديث حسن صحيح وأبو الأسود الديلي: اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ ) ‏ ‏بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ‏ ‏( بِهِ ) ‏ ‏الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ‏ ‏( الشَّيْبُ ) ‏ ‏نَائِبُ الْفَاعِلِ ‏ ‏( الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ ) ‏ ‏بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ إِنَّ وَالْكَتَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْكَتَمُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أَسْوَدُ , وَقِيلَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَادَ اِسْتِعْمَالُ الْكَتَمِ مُفْرَدًا عَنْ الْحِنَّاءِ , فَإِنَّ الْحِنَّاءَ إِذَا خُضِبَ بِهِ مَعَ الْكَتَمِ جَاءَ أَسْوَدَ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ السَّوَادِ.
وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الْكَتَمِ عَلَى التَّخْيِيرِ , وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اِخْتِلَافِهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعَ.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ : اِخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ , وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا , وَقَوْلُهُ " بَحْتًا " بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَيْ صِرْفًا , هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا.
وَالْكَتَمُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ يُخْرِجُ الصِّبْغَ أَسْوَدَ يَمِيلُ إِلَى الْحُمْرَةِ , وَصِبْغُ الْحِنَّاءِ أَحْمَرُ فَالصِّبْغُ بِهِمَا مَعًا يَخْرُجُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ إِلَخْ ) ‏ ‏قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ الْبَصْرِيُّ اِسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ , وَيُقَال عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ , وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا , وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُخَضْرَمٌ اِنْتَهَى.
فَائِدَةٌ : ‏ ‏قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَسْأَلَةُ اِسْتِثْنَاءِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْأَوْلَى كَرَاهَتُهُ.
وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ , وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاخْتَارَهُ اِبْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْخِضَابِ لَهُ , وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ : " يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ " , بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَلْ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ.
وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ : جَنِّبُوهُ السَّوَادَ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ شَيْبُ رَأْسِهِ مُسْتَبْشَعًا وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ اِنْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ , نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ عَنْ اِبْنِ شِهَابٍ قَالَ : كُنَّا نَخْضِبُ بِالسَّوَادِ إِذَا كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَغَضَ الْوَجْهُ وَالْأَسْنَانُ تَرَكْنَاهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ : " مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " , وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ.
وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي التَّدَاوِي اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
‏ ‏قُلْتُ : مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ اِسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا : حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غَيِّرُوا الشَّيْبَ " بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ " إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ " قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ أَبِي عَاصِمٍ : قَوْلُهُ : " فَخَالِفُوهُمْ " إِبَاحَةٌ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرُوا الشَّيْبَ بِكُلِّ مَا شَاءَ الْمُغَيِّرُ لَهُ إِذْ لَمْ يَتَضَمَّنْ قَوْلُهُ : " خَالِفُوهُمْ " أَنْ اُصْبُغُوا بِكَذَا وَكَذَا دُونَ كَذَا وَكَذَا اِنْتَهَى.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ : أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ الثَّغَامَةِ فَأَمَرَ أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ : غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ , فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا.
‏ ‏وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِيهِمَا بِغَيْرِ السَّوَادِ , فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَزَادَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ التَّغْيِيرُ بِغَيْرِ السَّوَادِ.
‏ ‏وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرًا , وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اِبْنَ جُرَيْجٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اِسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ مَخْلُوطًا بِالْكَتَمِ وَهُوَ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَلْطَ يَخْتَلِفُ , فَإِنْ غَلَبَ الْكَتَمُ اِسْوَدَّ , وَكَذَا إِنْ اِسْتَوَيَا , وَإِنْ غَلَبَ الْحِنَّاءُ اِحْمَرَّ , وَالْمُرَادُ بِالْخَلْطِ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَانَ الْحِنَّاءُ غَالِبًا عَلَى الْكَتَمِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ , ‏ ‏وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِصُورَةٍ دُونَ صُورَةٍ , وَوَجْهُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِيمَا ذُكِرَ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ صُهَيْبٍ رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَهْ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّيْرَفِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّاسِبِيُّ حَدَّثَنَا دَفَّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَحْسَنَ مَا اِخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ , وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ ".
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ : هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ.
وَذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ.
‏ ‏وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ضَعِيفَانِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ , وَثَانِيهِمَا أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ " وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ زِيَادِ بْنِ صَيْفِيٍّ " عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ , قَالَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ : بِأَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمِ وَوَثَّقَهُ اِبْنُ حِبَّانَ , قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ : قَالَ أَبُو حَاتِمِ : ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ , فَتَضْعِيفُ أَبِي حَاتِمِ وَقَوْلُهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ غَيْرُ قَادِحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ , وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ اِنْتَهَى.
فَتَوْثِيقُ اِبْنِ حِبَّانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ , وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ مُفَسَّرٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ.
وَذَكَرَهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ : لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اِشْتَرَطَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ مِنْ بَقَاءِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ مَرَّةً.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ , وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَقَامِهَا.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا : إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ وَهُوَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ فَلْيُعْلِمْهَا أَنَّهُ يَخْضِبُ " , رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ.
قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ.
‏ ‏وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوَّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّ جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ قَدْ اِخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ.
فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا وَفِي الْقَامُوسِ قَنَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا كَقَنَأَهَا اِنْتَهَى.
وَفِي الْمُنْجِدِ قَنَأَ قُنُوءًا الشَّيْءُ اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ اللِّحْيَةُ مِنْ الْخِضَابِ اِسْوَدَّتْ قَنَأَ - قَنْأً وَقَنَّأَ تَقْنِئَةً وَتَقْنَيَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا بِالْخِضَابِ قَنَأَ الشَّيْءَ حَمَّرَهُ شَدِيدًا اِنْتَهَى.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : " حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا " اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا , فَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْقَافِ مَعَ النُّونِ : مَرَرْت بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُهُ قَانِئَةٌ , وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُهَا , أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَوْلُهُ : حَتَّى قَنَأَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ وَالْهَمْزَةِ , أَيْ اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ : أَيْ حَتَّى اِشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا حَتَّى ضَرَبَتْ إِلَى السَّوَادِ اِنْتَهَى.
وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ الْعَرْفَجِ مِنْ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ , ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ.
قَالَ الْجَوْزِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ : الضَّرَمُ لَهَبُ النَّارِ شُبِّهَتْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْضِبُهَا بِالْحِنَّاءِ.
وَقَالَ فِي مَادَّةِ ( ع ر ف ) الْعَرْفَجُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ صَغِيرٌ سَرِيعُ الِاشْتِعَالِ بِالنَّارِ وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ.
‏ ‏وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ : قَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ , ذَكَرَ ذَلِكَ اِبْنُ جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو مَسْلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَأَيُّوبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَحَكَاهُ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ مُحَارَبِ بْنِ دِثَارٍ وَيَزِيدَ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ وَغَيْلَانِ بْنِ جَامِعٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْتُ : وَكَانَ مِمَّنْ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَافِظُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَلَهُمَا رِسَالَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فِي جَوَازِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ , وَابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَقَالَ : إِنَّمَا شَعْرُك بِمَنْزِلَةِ ثَوْبِك فَاصْبُغْهُ بِأَيِّ لَوْنٍ شِئْت وَأَحَبُّهُ إِلَيْنَا أَحْلَكُهُ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ خَضْبَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ بِالسَّوَادِ يَنْفِيه الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ , وَأَمَّا عَدَمُ نَقْلِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَنْفِيه , وَبَعْضُهَا لَا بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ فَتَفَكَّرْ.
‏ ‏وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ قَالَ : أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ : " وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " مُدْرَجٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ إِلَى قَوْلِهِ : غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَحَسْبُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ قَوْلُهُ : " وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " وَقَدْ سَأَلَ زُهَيْرٌ أَبَا الزُّبَيْرِ : هَلْ قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ ؟ فَأَنْكَرَ وَقَالَ : لَا فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ مِثْلُ الثَّغَامَةِ , قَالَ حَسَنٌ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ : غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ , قَالَ حَسَنٌ قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ : قَالَ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ ؟ قَالَ : لَا اِنْتَهَى وَزُهَيْرٌ هَذَا هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُكَنَّى بِأَبِي خَيْثَمَةَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ , وَحَسَنٌ هَذَا هُوَ حَسَنُ بْنُ مُوسَى أَحَدُ الثِّقَاتِ.
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ اِبْنُ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُمَا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ : " وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ " كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا , وَزِيَادَةُ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزُّبَيْرِ لَا فِي جَوَابِ سُؤَالِ زُهَيْرٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ , وَكَمْ مِنْ مُحَدِّثٍ قَالَ قَدْ نَسِيَ حَدِيثَهُ بَعْدَمَا أَحْدَثَهُ , وَخَضْبُ اِبْنِ جُرَيْجٍ بِالسَّوَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مُدْرَجَةً كَمَا لَا يَخْفَى.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يُرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ , فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ.
‏ ‏وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ : ‏ ‏الْأَوَّلُ : أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي المخارق : أَبَا أُمَيَّةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
‏ ‏وَقَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا لَيْسَ هُوَ اِبْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ أَبَا أُمَيَّةَ بَلْ هُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ.
قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ : أَخْطَأَ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّمَا فِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الثِّقَةُ الْمُخَرَّجُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ : ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا هُوَ اِبْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ بِسَبَبِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ اِحْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا اِنْتَهَى.
‏ ‏وَالثَّانِي : أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ بَلْ عَلَى مَعْصِيَةٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ أَبِي عَاصِمٍ , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ وَقَدْ عَرَفْت وُجُودَ طَائِفَةٍ قَدْ خَضَبُوا بِالسَّوَادِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , فَظَهَرَ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ , إِذَا لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَائِدَةٌ , فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
‏ ‏وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَضْبِ بِالسَّوَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَضْبُ بِهِ لِغَرَضِ التَّلْبِيسِ وَالْخِدَاعِ لَا مُطْلَقًا , جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ السَّوَادَ ".
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ اِبْنَ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ اِبْنِ لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ اِنْتَهَى , ثُمَّ هُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِالْعَنْعَنَةِ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا : " مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " , أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا : " الصُّفْرَةُ خِضَابُ الْمُؤْمِنِ وَالْحُمْرَةُ خِضَابُ الْمُسْلِمِ وَالسَّوَادُ خِضَابُ الْكَافِرِ " , أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ.
‏ ‏وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ : " مَنْ غَيَّرَ الْبَيَاضَ بِالسَّوَادِ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ " , ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ.
‏ ‏وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَمَا عَرَفْت : وَأَمَّا الثَّانِي : فَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ : إِنَّهُ مُنْكَرٌ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ : فَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَاللِّسَانِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ الْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا , فَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِيهَا.
وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ بِوَجْهَيْنِ فَقَالَ : فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنْ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَالْكَتَمُ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ , فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ.
فَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْحِنَّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ الْكَتَمَ وَالْحِنَّاءَ يَجْعَلُ الشَّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فَإِنَّهَا تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ : الْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ كَخِصَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابُ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ , فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ إِلَخْ.
‏ ‏قُلْتُ : الْجَوَابُ الْأَوَّلُ هُوَ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ عِنْدِي , وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ , وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْمَخْلُوطِ بِالْحُمْرَةِ.
هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


حديث إن أحسن ما غير به الشيب الحناء والكتم هذا حديث حسن صحيح وأبو الأسود الديلي

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ ‏ ‏أَخْبَرَنَا ‏ ‏ابْنُ الْمُبَارَكِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَجْلَحِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الْأَسْوَدِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي ذَرٍّ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ ‏ ‏وَالْكَتَمُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏ ‏وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ ‏ ‏اسْمُهُ ‏ ‏ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

كان رسول الله ﷺ ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن ا...

عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، إذا مشى يتكفأ» وفي البا...

كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد

عن عائشة قالت: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفرة»: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد...

نهى رسول الله ﷺ عن الترجل إلا غبا

عن عبد الله بن مغفل قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا» حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، عن الحسن بهذا الإسن...

اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر

عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر»، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل بها...

نهى عن لبستين الصماء وأن يحتبي الرجل بثوبه ليس عل...

عن أبي هريرة، " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين: الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوبه ليس على فرجه منه شيء ": وفي الباب عن علي، وابن عمر، وعائشة،...

لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة

عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة» قال نافع: «الوشم في اللثة»: هذا حديث حسن صحيح وفي البا...

نهانا رسول الله ﷺ عن ركوب المياثر

عن البراء بن عازب قال: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركوب المياثر» وفي الباب عن علي، ومعاوية وحديث البراء حديث حسن صحيح وقد روى شعبة، عن أشعث...

كان فراش النبي ﷺ الذي ينام عليه أدم

عن عائشة قالت: إنما «كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدم، حشوه ليف»: هذا حديث حسن صحيح.<br> وفي الباب عن حفصة، وجابر

كان أحب الثياب إلى النبي ﷺ القميص

عن أم سلمة قالت: «كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم القميص»: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به، وهو مروزي وروى...