حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

أنها رقية اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب الطب باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ (حديث رقم: 2063 )


2063- عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم، فسألناهم القرى فلم يقرونا، فلدغ سيدهم فأتونا فقالوا: هل فيكم من يرقي من العقرب؟ قلت: نعم أنا، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما، قالوا: فإنا نعطيكم ثلاثين شاة، فقبلنا فقرأت عليه: الحمد لله سبع مرات، فبرأ وقبضنا الغنم، قال: فعرض في أنفسنا منها شيء فقلنا: لا تعجلوا حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما قدمنا عليه ذكرت له الذي صنعت، قال: «وما علمت أنها رقية؟ اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم»: هذا حديث حسن صحيح وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة ورخص الشافعي للمعلم أن يأخذ على تعليم القرآن أجرا، ويرى له أن يشترط على ذلك، واحتج بهذا الحديث وروى شعبة، وأبو عوانة، وهشام، وغير واحد، عن أبي بشر هذا الحديث، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (أنها رقية اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ ) ‏ ‏كُنْيَتُهُ أَبُو بِشْرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ , بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتَانِيَّةِ , ثِقَةٌ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ فِي حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ.
وَفِي مُجَاهِدٍ : مِنْ الْخَامِسَةِ ‏ ‏( عَنْ أَبِي نَضِرَةَ ) ‏ ‏هُوَ الْعَبْدِيُّ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بَعَثَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا أَبُو سَعِيدٍ , وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ لَيْلًا , فَأَفَادَتْ عَدَدَ السَّرِيَّةِ وَوَقْتَ النُّزُولِ.
كَمَا أَفَادَتْ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَعْيِينَ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ ‏ ‏( فَسَأَلْنَاهُمْ الْقِرَى ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورًا الضِّيَافَةَ ‏ ‏( فَلَمْ يَقْرُونَا ) ‏ ‏أَيْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : قَرَى الضَّيْفَ قرى بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَضَافَهُ كَاقْتَرَاهُ ‏ ‏( فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ ) ‏ ‏بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ , وَاللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ , وَهُوَ اللَّسْعُ وَزْنًا وَمَعْنًى , وَأَمَّا اللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْإِحْرَاقُ الْخَفِيفُ , وَاللَّدْغُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ ضَرْبُ ذَاتِ الْحُمَّةِ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا , وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْرَبِ.
وَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ تَعْيِينَ الْعَقْرَبِ.
‏ ‏فَإِنْ قُلْت : عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ أَنَّهُ مُصَابٌ فِي عَقْلِهِ أَوْ لَدِيغٌ.
‏ ‏قُلْت : هَذَا شَكٌّ مِنْ هُشَيْمٍ , وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ لَدِيغٌ وَلَمْ يَشُكُّوا , خُصُوصًا تَصْرِيحُ الْأَعْمَشِ بِالْعَقْرَبِ.
‏ ‏فَإِنْ قُلْت : جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ.
فَقَالُوا إِنَّك جِئْت مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ , وَفِي لَفْظٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ يَعْنِي عِلَاقَةَ بْنَ صَحَّارٍ : أَنَّهُ رَقَى مَجْنُونًا مُوثَقًا بِالْحَدِيدِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرَأَ , فَأَعْطَوْنِي مِائَتَيْ شَاةً.
فَأَخْبَرْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " خُذْهُمَا وَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَكَلْت بِرُقْيَةِ حَقٍّ.
" ‏ ‏قُلْت : هُمَا قَضِيَّتَانِ لِأَنَّ الرَّاقِيَ هُنَاكَ أَبُو سَعِيدٍ وَهُنَا عِلَاقَةُ بْنُ صَحَّارٍ وَبَيْنَهُمَا اِخْتِلَافٌ كَثِيرٌ " فَأَتَوْنَا " أَيْ فَجَاءُونَا " فَقَالُوا هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ ؟ " قَالَ فِي الْقَامُوسِ : رَقَاهُ رَقْيًا وَرَقِيًّا نَفَثَ فِي عُوذَتِهِ , وَقَالَ فِيهِ الْعُوذَةُ الرُّقْيَةُ كَالْمَعَاذَةِ وَالتَّعْوِيذِ اِنْتَهَى.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : فَلُدِمَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا : يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ ‏ ‏( فَقَرَأْت عَلَيْهِ الْحَمْدَ سَبْعَ مَرَّاتٍ ) ‏ ‏وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ الْحَافِظُ : يَتْفُلُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ نَفَخَ مَعَهُ قَلِيلُ بُزَاقٍ.
قَالَ اِبْنُ أَبِي حَمْزَةَ مَحَلُّ التَّفْلِ فِي الرُّقْيَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِتَحْصِيلِ بَرَكَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَوَارِحِ الَّتِي يَمُرُّ عَلَيْهَا الرِّيقُ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ فِي الرِّيقِ الَّذِي يُتْفِلُهُ ‏ ‏( فَبَرَأَ ) ‏ ‏.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ , فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قُلْبَةٌ ‏ ‏( وَمَا عَلِمْت أَنَّهَا رُقْيَةٌ ) ‏ ‏: أَيْ كَيْفَ عَلِمْت.
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : وَمَا يُدْرِيَك أَنَّهَا رُقْيَةٌ ‏ ‏( وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ ) ‏ ‏أَيْ اِجْعَلُوا لِي مِنْهُ نَصِيبًا , وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْنِيسِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ بِشَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ , أَوْ مِمَّا يُشَابِهُهَا , وَلَا يَجُوزُ بِأَلْفَاظٍ مِمَّا لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا , مِنْ الْأَلْفَاظِ الْغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.
‏ ‏قَالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ : إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِبَعْضِ الْكَلَامِ خَوَاصَّ وَمَنَافِعَ , فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ بِالْفَاتِحَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ مِثْلُهَا لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعِ مَعَانِي الْكِتَابِ , فَقَدْ اِشْتَمَلَتْ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَمَجَامِعِهَا , وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ وَذِكْرِ التَّوْحِيدِ , وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ بِهِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ , وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نُهَى عَنْهُ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ , وَلِتَضَمُّنِهَا ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَقِسْمَتَهُمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَخَالٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ , مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْمَعَادِ وَالتَّوْبَةِ , وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِ الْقَلْبِ , وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ , وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ , اِنْتَهَى مُلَخَّصًا.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ‏ ‏( وَرَخَّصَ الشَّافِعِيُّ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْرًا ) ‏ ‏, وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ , وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ فِي الرُّقْيَةِ , قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ : قَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا الْحَنَفِيَّةَ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : وَقَدْ أَجَازَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَيَرَى أَيْ يَعْتَقِدُ الشَّافِعِيُّ ‏ ‏( لَهُ ) ‏ ‏أَيْ يَجُوزُ لِلْمُعَلِّمِ ‏ ‏( أَنْ يَشْتَرِطَ ) ‏ ‏أَيْ أَخْذَ الْأُجْرَةِ ‏ ‏( عَلَى ذَلِكَ ) ‏ ‏أَيْ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ ‏ ‏وَقَوْلُهُ : ( وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ) ‏ ‏الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَاضِحٌ , وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ حَيْثُ قَالَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْأَجْرِ فِي الرُّقَى يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ اِنْتَهَى.
لَمْ يَذْكُرْ الْقُرْطُبِيُّ سَنَدَ الْمَنْعِ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ صَحِيحٌ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ".
وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : " اِذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ ".
‏ ‏وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ الْحَافِظُ : اِسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ , وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَمَنَعُوهُ فِي التَّعْلِيمِ وَأَجَازُوهُ فِي الرُّقَى كَالدَّوَاءِ , قَالُوا لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ وَالْأَجْرُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الرُّقَى , إِلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِيهَا لِهَذَا الْخَبَرِ , وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَجْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الثَّوَابِ , وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ , وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلنَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِالْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ , بَلْ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ , لِتُوَافِقَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَحَدِيثَيْ الْبَابِ ( يَعْنِي حَدِيثَ اِبْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ آنِفًا , وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ ) وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ أَيْضًا لَيْسَ فِيهَا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
‏ ‏وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : اِسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ , وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْرِ هُنَا الثَّوَابُ , وَيُرَدُّ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَأْبَى ذَلِكَ , وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِالْمَنْعِ وَقَائِعُ أَعْيَانٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِتُوَافِقَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَحَدِيثَيْ الْبَابِ وَبِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ مَا فِي الصَّحِيحِ , وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ أَنَّهَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ إِمَّا بِحَمْلِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَلَى الثَّوَابِ كَمَا سَلَفَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ , أَوْ الْمُرَادُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ , أَوْ يُحْمَلُ الْأَجْرُ هُنَا عَلَى عُمُومِهِ فَيَشْمَلُ الْأَجْرَ عَلَى الرُّقْيَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ , وَيَخُصُّ أَخْذَهَا عَلَى التَّعْلِيمِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَجُوزُ مَا عَدَاهُ , وَهَذَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الْجَمْعِ فَيَنْبَغِي الْمَصِيرُ إِلَيْهِ اِنْتَهَى.
‏ ‏قُلْت : الرِّوَايَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ضِعَافٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ , وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهَا بِمَجْمُوعِهَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ , فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَصَحُّ مِنْهَا وَأَقْوَى , ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ , كَمَا قَالَ الْحَافِظُ , فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ مِنْ وُجُوهِ الْجَمْعِ.
هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


حديث وما علمت أنها رقية اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم هذا حديث حسن صحيح وأبو

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏هَنَّادٌ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَبُو مُعَاوِيَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْأَعْمَشِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي نَضْرَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏فِي ‏ ‏سَرِيَّةٍ ‏ ‏فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ فَسَأَلْنَاهُمْ ‏ ‏الْقِرَى ‏ ‏فَلَمْ ‏ ‏يَقْرُونَا ‏ ‏فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَأَتَوْنَا فَقَالُوا هَلْ فِيكُمْ مَنْ ‏ ‏يَرْقِي ‏ ‏مِنْ الْعَقْرَبِ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا وَلَكِنْ لَا ‏ ‏أَرْقِيهِ ‏ ‏حَتَّى تُعْطُونَا غَنَمًا قَالَ فَأَنَا أُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً فَقَبِلْنَا فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ ‏ ‏الْحَمْدُ لِلَّهِ ‏ ‏سَبْعَ مَرَّاتٍ ‏ ‏فَبَرَأَ ‏ ‏وَقَبَضْنَا الْغَنَمَ قَالَ فَعَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا تَعْجَلُوا حَتَّى تَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَيْهِ ذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي صَنَعْتُ قَالَ ‏ ‏وَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا ‏ ‏رُقْيَةٌ ‏ ‏اقْبِضُوا الْغَنَمَ وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ ‏ ‏بِسَهْمٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ ‏ ‏وَأَبُو نَضْرَةَ ‏ ‏اسْمُهُ ‏ ‏الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قُطَعَةَ ‏ ‏وَرَخَّصَ ‏ ‏الشَّافِعِيُّ ‏ ‏لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْرًا وَيَرَى لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ‏ ‏وَجَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ ‏ ‏هُوَ ‏ ‏جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ ‏ ‏وَهُوَ ‏ ‏أَبُو بِشْرٍ ‏ ‏وَرَوَى ‏ ‏شُعْبَةُ ‏ ‏وَأَبُو عَوَانَةَ ‏ ‏وَغَيْرُ وَاحِدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏هَذَا الْحَدِيثَ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

جعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة الكتاب فبرأ

حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا أبو بشر قال سمعت أبا المتوكل يحدث عن أبي سعيد أن ناسا من أصحاب النبي صلى...

يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وت...

عن أبي خزامة، عن أبيه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله ش...

العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»: وفي الباب عن سعيد بن زيد،...

الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين

عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين»: هذا حديث حسن صحيح

جعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرأت

عن قتادة، قال: حدثت أن أبا هريرة قال: «أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرأت»

الشونيز دواء من كل داء إلا السام

عن قتادة، قال: حدثت أن أبا هريرة قال: «الشونيز دواء من كل داء إلا السام» قال قتادة: يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة فيجعلهن في خرقة فينقعه فيستعط به كل يو...

نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن

عن أبي مسعود الأنصاري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن»: هذا حديث حسن صحيح

من تعلق شيئا وكل إليه

عن عيسى، أخيه قال: دخلت على عبد الله بن عكيم أبي معبد الجهني، أعوده وبه حمرة، فقلنا: ألا تعلق شيئا؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وس...