حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله - سنن الترمذي

سنن الترمذي | أبواب تفسير القرآن باب: ومن سورة الأنعام (حديث رقم: 3068 )


3068- عن مسروق، قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} [الأنعام: ١٠٣] {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب} [الشورى: ٥١] وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، أليس يقول الله: {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: ١٣] {ولقد رآه بالأفق المبين} [التكوير: ٢٣] قالت: أنا والله أول من سأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما ذاك جبريل، ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض»، ومن زعم أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه، فقد أعظم الفرية على الله، يقول الله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: ٦٧]، ومن زعم أنه يعلم ما في غد، فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}: " هذا حديث حسن صحيح، ومسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة وهو: مسروق بن عبد الرحمن، وكذا كان اسمه في الديوان "

أخرجه الترمذي


صحيح

شرح حديث (من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله)

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)

‏ ‏قَوْلُهُ : ( فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ ) ‏ ‏هُوَ كُنْيَةُ مَسْرُوقٍ ‏ ‏( ثَلَاثٌ ) ‏ ‏أَيْ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ ‏ ‏( فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ ) ‏ ‏بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ , أَيْ الْكَذِبَ , يُقَالُ فَرَى الشَّيْءَ يَفْرِيه فَرِيًّا , وَافْتَرَاهُ يَفْتَرِيه اِفْتِرَاءً : إِذَا اِخْتَلَقَهُ , وَجَمْعُ الْفِرْيَةِ فِرًى ‏ ‏( مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ ) ‏ ‏أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ‏ ‏( فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ ) ‏ ‏هَذَا هُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
‏ ‏قَالَ الْحَافِظُ : قَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ , فَهَبَّتْ عَائِشَةُ وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى إِنْكَارِهَا وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ , وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهَا وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ.
وَأَخْرَجَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِثْبَاتَهَا وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِذَا ذَكَرَ لَهُ إِنْكَارَ عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ اِبْنِ عَبَّاسٍ , وَجَزَمَ بِهِ كَعْبُ الْأَخْبَارِ وَالزُّهْرِيُّ وَصَاحِبُهُ مَعْمَرٌ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَالِبُ أَتْبَاعِهِ ثُمَّ اِخْتَلَفُوا.
هَلْ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ ؟ وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْقَوْلَيْنِ.
‏ ‏قَالَ الْحَافِظُ : جَاءَتْ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ , فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ , عِكْرِمَةَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخِلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْكَلَامُ لِمُوسَى , وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ.
وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ : إِنَّ اللَّهَ اِصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخِلَّةِ الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ اِبْنُ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ اِبْنَ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى اِبْنِ عَبَّاسٍ : هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ , وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : رَآهُ بِقَلْبِهِ.
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَيْضًا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمْ يَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِهِ.
‏ ‏هَذَا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ إِثْبَاتِ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَنَفْيِ عَائِشَةَ بِأَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَإِثْبَاتُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ , ثُمَّ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْفُؤَادِ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لَا مُجَرَّدُ حُصُولِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَالِمًا بِاَللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ مُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يُخْلَقُ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ , وَالرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ عَقْلًا وَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِخَلْقِهَا فِي الْعَيْنِ.
‏ ‏اِبْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ " , وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ : " رَأَيْت نُورًا " , وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْهُ قَالَ : رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مُرَادُ أَبِي ذَرٍّ بِذِكْرِهِ النُّورَ , أَيْ أَنَّ النُّورَ حَالَ بَيْنَ رُؤْيَتِهِ لَهُ بِبَصَرِهِ وَقَدْ رَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَوْلَ الْوَقْفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَزَاهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ.
وَغَايَةُ مَا اِسْتَدَلَّ بِهِ لِلطَّائِفَتَيْنِ ظَوَاهِرُ مُتَعَارِضَةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ , قَالَ : وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ فَلَا يُكْتَفَى فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ , وَجَنَحَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِلَى تَرْجِيحِ الْإِثْبَاتِ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ , وَحَمَلَ مَا وَرَدَ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ : مَرَّةً بِقَلْبِهِ , وَفِيمَا أَوْرَدْته مِنْ ذَلِكَ مُقْنِعٌ , وَمِمَّنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ , فَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ.
‏ ‏لِأَحْمَدَ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ , فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُدْفَعُ قَوْلُهَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْت رَبِّي قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْبَرُ مِنْ قَوْلِهَا.
وَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ : مَرَّةً رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ , وَقَالَ مَرَّةً بِفُؤَادِهِ , وَحَكَى عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ , وَهَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْحَاكِي فَإِنَّ نُصُوصَهُ مَوْجُودَةٌ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
وَاَللَّهُ يَقُولُ : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفَى أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ , وَعَدَمُ الْإِدْرَاكِ يَقْتَضِي نَفْيَ الرُّؤْيَةِ , وَأَجَابَ مُثْبِتُو الرُّؤْيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِدْرَاكِ الْإِحَاطَةُ وَهُمْ يَقُولُونَ بِهَذَا أَيْضًا وَعَدَمُ الْإِحَاطَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : لَمْ تَنْفِ عَائِشَةُ الرُّؤْيَةَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا فِيهِ حَدِيثٌ لَذَكَرَتْهُ وَإِنَّمَا اِعْتَمَدَتْ الِاسْتِنْبَاطَ عَلَى مَا ذَكَرَتْ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ , وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ , وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ حُجَّةً اِتِّفَاقًا.
‏ ‏الْحَافِظُ : جَزْمُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَنْفِ الرُّؤْيَةَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ عَجِيبٌ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّذِي شَرَحَهُ الشَّيْخُ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ , قَالَ مَسْرُوقٌ : وَكُنْت مُتَّكِئًا فَجَلَسْت فَقُلْت : أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } فَقَالَتْ : أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ ".
وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ , فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ رَأَيْت رَبَّك ؟ فَقَالَ : " لَا إِنَّمَا رَأَيْت جِبْرِيلَ مُنْهَبِطًا ‏ ‏{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } ‏ ‏تَمَامُ الْآيَةِ : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَصَرَ تَكْلِيمَهُ لِغَيْرِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : وَهِيَ الْوَحْيُ بِأَنْ يُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ مَا يَشَاءُ أَوْ يُكَلِّمَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَهُ عَنْهُ فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ اِنْتِفَاءَ الرُّؤْيَةِ عَنْهُ حَالَةَ التَّكَلُّمِ , وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا وَغَايَةُ مَا يَقْتَضِي نَفْيُ تَكْلِيمِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ.
فَيَجُوزُ أَنَّ التَّكْلِيمَ لَمْ يَقَعْ حَالَةَ الرُّؤْيَةِ ‏ ‏( أَنْظِرِينِي ) ‏ ‏مِنْ الْإِنْظَارِ , أَيْ أَمْهِلِينِي ‏ ‏( لَا تُعْجِلِينِي ) ‏ ‏أَيْ لَا تَسْبِقِينِي.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : أَعْجَلَهُ سَبَقَهُ كَاسْتَعْجَلَهُ وَعَجَّلَهُ ‏ ‏{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } , { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ } ‏ ‏ظَنَّ مَسْرُوقٌ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي قَوْلِهِ { وَلَقَدْ رَآهُ } فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَاعْتَرَضَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏( قَالَ ) ‏ ‏أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏( إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ ) ‏ ‏أَيْ هَذَا الْمَرْئِيُّ هُوَ جِبْرِيلُ لَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ‏ ‏( غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ ) ‏ ‏أَيْ مَرَّةً فِي الْأَرْضِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى , وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ‏ ‏( سَادًّا ) ‏ ‏بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَالِئًا ‏ ‏( عُظْمُ خَلْقِهِ ) ‏ ‏بِالرَّفْعِ فَاعِلُ سَادًّا وَالْعُظْمُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الظَّاءِ , وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ : وَهُوَ ضِدُّ الصِّغَرِ ‏ ‏( وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَخْ ) ‏ ‏هَذَا هُوَ الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ ‏ ‏( وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَخْ ) ‏ ‏هَذَا هُوَ الثَّالِثُ مِنْ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ.
‏ ‏قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) ‏ ‏وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ ‏


حديث إنما ذاك جبريل ما رأيته في الصورة التي خلق فيها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الشَّعْبِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَسْرُوقٍ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏فَقَالَتْ ‏ ‏يَا ‏ ‏أَبَا عَائِشَةَ ‏ ‏ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ ‏ ‏الْفِرْيَةَ ‏ ‏مَنْ زَعَمَ أَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏ ‏رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ ‏ ‏الْفِرْيَةَ ‏ ‏عَلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَقُولُ ‏ { ‏لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ‏} { ‏وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ‏} ‏وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ يَا ‏ ‏أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ‏ ‏أَنْظِرِينِي ‏ ‏وَلَا تُعْجِلِينِي أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ‏ { ‏وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ‏} { ‏وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ‏} ‏قَالَتْ أَنَا وَاللَّهِ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّمَا ذَاكَ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏مَا رَأَيْتُهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ‏ ‏مُحَمَّدًا ‏ ‏كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ أَعْظَمَ ‏ ‏الْفِرْيَةَ ‏ ‏عَلَى اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ ‏ { ‏يَا أَيُّهَا الرَّسُولَ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ‏} ‏وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ أَعْظَمَ ‏ ‏الْفِرْيَةَ ‏ ‏عَلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَقُولُ ‏ { ‏قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ‏} ‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏ ‏وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ ‏ ‏يُكْنَى ‏ ‏أَبَا عَائِشَةَ وَهُوَ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏وَكَذَا كَانَ اسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث سنن الترمذي

أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله

عن عبد الله بن عباس، قال: " أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: {فكلوا مما ذكر ا...

من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد ﷺ

عن عبد الله، قال: " من سره أن ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام:...

طلوع الشمس من مغربها

عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل {أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: ١٥٨] قال: «طلوع الشمس من مغربها»: «هذا حديث غريب ورواه بع...

ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من...

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث إذا خرجن {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل} [الأنعام: ١٥٨]، الآية: الدجال، والدابة وطلوع...

إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتب...

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل وقوله الحق: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثاله...

أمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال...

عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم: " قرأ هذه الآية {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} [الأعراف: ١٤٣] " قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنمل...

إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فأخرج منه ذرية

عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب، سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف: ١٧٢] وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالو...

سقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم الق...

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عي...

لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد

عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث، فعاش، وكان ذلك...