3103- عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت، حدثه قال: " بعث إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال: إن عمر بن الخطاب قد أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قال أبو بكر لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت فيه الذي رأى "، قال زيد: " قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فتتبع القرآن "، قال: «فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك»، قال: " قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر وعمر حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدرهما: صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف - يعني الحجارة الرقاق وصدور الرجال، فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} ": «هذا حديث حسن صحيح»
صحيح
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)
قَوْلُهُ : ( بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ) أَيْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَجُلًا.
قَالَ الْحَافِظُ : لَمْ أَقِفْ عَلَى اِسْمِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ ( مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ , أَيْ عَقِبَ قَتْلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ , وَالْيَمَامَةُ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ : اِسْمُ مَدِينَةٍ بِالْيَمَنِ , وَكَانَ مَقْتَلُهُمْ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ , وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ هُنَا مَنْ قُتِلَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْوَقْعَةِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ , وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ اِدَّعَى النُّبُوَّةَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِارْتِدَادِ كَثِيرٍ مِنْ الْعَرَبِ , فَجَهَّزَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَحَارَبُوهُ أَشَدَّ مُحَارَبَةٍ , إِلَى أَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَقَتَلَهُ , وَقُتِلَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ , قِيلَ سَبْعُمِائَةٍ , وَقِيلَ أَكْثَرُ ( فَإِذَا عُمَرُ ) كَلِمَةُ إِذَالِلْمُفَاجَأَةِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبَى بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( قَدْ اِسْتَحَرَّ ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ , ثُمَّ رَاءٍ ثَقِيلَةٍ : أَيْ اِشْتَدَّ وَكَثُرَ وَهُوَ اِسْتَفْعَلَ مِنْ الْحَرِّ ; لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ غَالِبًا يُضَافُ إِلَى الْحَرِّ , كَمَا أَنَّ الْمَحْبُوبَ يُضَافُ إِلَى الْبَرْدِ يَقُولُونَ : أَسْخَنَ اللَّهُ عَيْنَهُ , وَأَقَرَّ عَيْنَهُ ( وَإِنِّي لَأَخْشَى ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُؤَكَّدَةِ بِلَامِ التَّأْكِيدِ , أَيْ لَأَخَافُ ( أَنْ يَسْتَحِرَّ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ( فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا ) أَيْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْقِتَالُ مَعَ الْكُفَّارِ ( فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَسْتَحِرَّ.
قَالَ الْحَافِظُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ , لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمْ جَمَعَهُ لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ جَمَعَهُ ( كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ لَمَّا كَانَ تَرَقُّبُهُ مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ , فَلَمَّا اِنْقَضَى نُزُولُهُ بِوَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ وَفَاءً لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ , زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا , فَكَانَ اِبْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَاللَّهُ عَنْهُ بِمَشُورَةِ عُمَرَ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَقُولُ : أَعْظَمُ النَّاسِ فِي الْمَصَاحِفِ أَجْرًا , أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ , عَلَى أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ " الْحَدِيثَ.
فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ كُتِبَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا مُرَتَّبِ السُّوَرِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ سِيرِينَ , قَالَ قَالَ عَلِيٌّ : لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَيْت أَنْ آخُذَ عَلَى رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمْعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَجَمَعَهُ , فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حِفْظُهُ فِي صَدْرِهِ.
قَالَ وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَتَّى جَمَعْته بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ.
قَالَ الْحَافِظُ : وَرِوَايَةُ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ , يَعْنِي الَّتِي تَقَدَّمَتْ آنِفًا , أَصَحُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَوَقَعَ عِنْدَ اِبْنِ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بَيَانُ السَّبَبِ فِي إِشَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ.
فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ : أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ , فَقِيلَ : كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ , فَقَالَ إِنَّالِلَّهِ , وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ , فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ , وَهَذَا مُنْقَطِعٌ , فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ , أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ , فَنُسِبَ الْجَمْعُ إِلَيْهِ لِذَلِكَ ( قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّك شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُك قَدْ كُنْت تَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ ) كَرَّ لَهُ أَرْبَعَ صِفَاتٍ مُقْتَضِيَةٍ خُصُوصِيَّتَهُ بِذَلِكَ : كَوْنُهُ شَابًّا , فَيَكُونُ أَنْشَطَ لِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ.
وَكَوْنُهُ عَاقِلًا , فَيَكُونُ أَوْعَى لَهُ.
وَكَوْنه لَا يُتَّهَمُ , فَتَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ.
وَكَوْنُهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ , فَيَكُونُ أَكْثَرَ مُمَارَسَةً لَهُ , وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي اِجْتَمَعَتْ لَهُ قَدْ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ لَكِنْ مُفَرَّقَةً ( فَوَاَللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ , كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.
قَالَ الْحَافِظُ : كَأَنَّهُ جَمَعَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَأَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْآمِرُ وَحْدَهُ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ذَلِكَ لِمَا خَشِيَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي إِحْصَاءِ مَا أُمِرَ بِجَمْعِهِ , لَكِنْ اللَّهُ تَعَالَى يَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ ( فَتَتَبَّعْت الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ ) حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ , أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عِنْدِي وَعِنْدَ غَيْرِي ( مِنْ الرِّقَاعِ ) جَمْعُ رُقْعَةٍ , وَقَدْ تَكُونُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ كَاغَدٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ : وَقِطَعِ الْأَدِيمِ ( وَالْعُسُبِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ جَمْعُ عَسِيبٍ وَهُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ , كَانُوا يَكْشِطُونَ الْخُوصَ وَيَكْتُبُونَ فِي الظَّرْفِ الْعَرِيضِ , وَقِيلَ الْعَسِيبُ طَرَفُ الْجَرِيدَةِ الْعَرِيضُ , وَقِيلَ الْعَسِيبُ طَرَفُ الْجَرِيدَةِ الْعَرِيضُ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ الْخُوصُ , وَاَلَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْخُوصُ هُوَ السَّعَفُ ( وَاللِّخَافِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ فَاءٌ : وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ الرِّقَاقُ وَاحِدَتُهَا لَخْفَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَعِنْدَ اِبْنِ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى اِبْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ : قَامَ عُمَرُ فَقَالَ : مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ بِهِ وَكَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ , قَالَ وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى , أَنَّ زَيْدًا كَانَ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا , مَعَ كَوْنِ زَيْدٍ كَانَ يَحْفَظُهُ , وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ.
وَعِنْدَ اِبْنِ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ وَلِزَيْدٍ : اُقْعُدَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ , فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ , وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ اِنْقِطَاعِهِ , وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظُ وَالْكِتَابُ , وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ كُتِبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ الْمُرَادُأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ , وَكَانَ غَرَضُهُمْ أَنْ لَا يُكْتَبَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ مَا كُتِبَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْحِفْظِ ( وَصُدُورِ الرِّجَالِ ) أَيْ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ , أَيْ حَيْثُ لَا أَجِدُ ذَلِكَ مَكْتُوبًا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ , أَيْ اُكْتُبْهُ مِنْ الْمَكْتُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ ( فَوَجَدْت آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٌ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : حَتَّى وَجَدْت آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ.
قَالَ الْحَافِظُ : وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ , أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ فَقَالَ فِيهِ : خُزَيْمَةَ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ.
وَكَذَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ , عَنْ اِبْنِ شِهَابٍ , وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ أَصَحُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ , وَأَنَّ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ آخِرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ غَيْرُ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَحْزَابِ.
فَالْأَوَّلُ اِخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ : فَمَنْ قَائِلٌ مَعَ خُزَيْمَةَ , وَمَنْ قَائِلٌ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ , وَمَنْ شَاكٌّ فِيهِيَقُولُ خُزَيْمَةُ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ.
وَالْأَرْجَحُ أَنَّ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ آخِرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ أَبُو خُزَيْمَةَ بِالْكُنْيَةِ , وَاَلَّذِي وُجِدَ مَعَهُ الْآيَةُ مِنْ الْأَحْزَابِ خُزَيْمَةُ وَأَبُو خُزَيْمَةَ , قِيلَ هُوَ اِبْنُ أَوْسِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَصْرَمَ , مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اِسْمِهِ , وَقِيلَ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَمَّا خُزَيْمَةُ فَهُوَ اِبْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ , كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ اِنْتَهَى { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } : أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا قُرَشِيًّا مِثْلَكُمْ تَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَحَسَبَهُ , وَأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَا مِنْ الْعَجَمِ وَلَا مِنْ الْجِنِّ وَلَا مِنْ الْمَلَكِ.
وَالْخِطَابُ لِلْعَرَبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ : هِيَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } : مَا مَصْدَرِيَّةٌ , وَالْعَنَتُ : التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ.
وَالْمَعْنَى شَدِيدٌ وَشَاقٌّ عَلَيْهِ عَنَتُكُمْ وَمَشَقَّتُكُمْ وَلِقَاؤُكُمْ الْمَكْرُوهَ { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } : أَيْ عَلَى إِيمَانِكُمْ وَهِدَايَتِكُمْ { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } : أَيْ شَدِيدُ الرَّحْمَةِ { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أَيْ أَعْرَضُوا عَنْ الْإِيمَانِ بِك { فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } : أَيْ يَكْفِينِي وَيَنْصُرُنِي { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أَيْ الْمُتَفَرِّدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ , وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ كَالدَّلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا { عَلَيْهِ تَوَكَّلْت } : أَيْ بِهِ وَثَّقْت لَا بِغَيْرِهِ { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } وَصَفَهُ بِالْعِظَمِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ , قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْجَرِّ عَلَىأَنَّهُ صِفَةُ الْعَرْشِ , وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِرَبُّ , وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ اِبْنِ كَثِيرٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ : وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ , لِأَنَّ جَعْلَ الْعَظِيمِ صِفَةً لِلرَّبِّ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ صِفَةً لِلْعَرْشِ , قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَرْشُ عَرْشًا لِارْتِفَاعِهِ.
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ فَقَالَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ وَإِنِّي لَأَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ وَرَأَيْتُ فِيهِ الَّذِي رَأَى قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ قَالَ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَهُمَا صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْعُسُبِ وَاللِّخَافِ يَعْنِي الْحِجَارَةَ وَصُدُورِ الرِّجَالِ فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٌ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
عن أنس، أن حذيفة قدم على عثمان بن عفان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن، فقال لعثمان بن عفا...
عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: ٢٦] قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: إن لكم عند...
عن عطاء بن يسار، عن رجل، من أهل مصر قال: سألت أبا الدرداء، عن هذه الآية {لهم البشرى في الحياة الدنيا} [يونس: ٦٤] قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول...
عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} [يونس: ٩٠] " فقال جبريل: يا مح...
عن ابن عباس، ذكر أحدهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " أن جبريل جعل يدس في في فرعون الطين خشية أن يقول: لا إله إلا الله، فيرحمه الله «، أو» خش...
عن وكيع بن حدس، عن عمه أبي رزين، قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: «كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على ال...
عن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تبارك وتعالى يملي - وربما قال: يمهل - للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "، ثم قرأ: {وكذلك أخذ...
عن عمر بن الخطاب، قال: لما نزلت هذه الآية {فمنهم شقي وسعيد} [هود: ١٠٥] سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله، فعلى ما نعمل؟ على شيء قد...
عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت،...