3318-
عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، قال: سمعت ابن عباس يقول: لم أزل حريصا أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: ٤] حتى حج عمر، وحججت معه، فصببت عليه من الإداوة فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: ٤] فقال لي: واعجبا لك يا ابن عباس قال الزهري: وكره والله ما سأله عنه ولم يكتمه: فقال: هي عائشة، وحفصة، قال: ثم أنشأ يحدثني الحديث فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر من ذلك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل.
قال: قلت في نفسي: قد خابت من فعلت ذلك منهن وخسرت قال: وكان منزلي بالعوالي في بني أمية، وكان لي جار من الأنصار، كنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وأنزل يوما فآتيه بمثل ذلك.
قال: فكنا نحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا.
قال: فجاءني يوما عشاء فضرب علي الباب، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم.
قلت: أجاءت غسان قال: أعظم من ذلك، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه.
قال: قلت في نفسي: خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا كائنا، قال: فلما صليت الصبح شددت علي ثيابي، ثم انطلقت حتى دخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، هو ذا معتزل في هذه المشربة قال: فانطلقت فأتيت غلاما أسود، فقلت: استأذن لعمر، قال: فدخل ثم خرج إلي، قال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا.
قال: فانطلقت إلى المسجد، فإذا حول المنبر نفر يبكون، فجلست إليهم، ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج إلي، قال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا، قال: فانطلقت إلى المسجد أيضا فجلست، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فلم يقل شيئا.
قال: فوليت منطلقا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل فقد أذن لك، قال: فدخلت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم متكئ على رمل حصير، فرأيت أثره في جنبه فقلت: يا رسول الله، أطلقت نساءك؟ قال: «لا».
قلت: الله أكبر، لقد رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبت يوما على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت ذلك، فقالت: ما تنكر؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، قال: فقلت لحفصة: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل، فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت، أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت صاحبتك أوسم منك، وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فتبسم أخرى، فقلت: يا رسول الله، أستأنس؟ قال: «نعم».
قال: فرفعت رأسي فما رأيت في البيت إلا أهبة ثلاثة.
قال: فقلت يا رسول الله، ادع الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدونه، فاستوى جالسا، فقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا».
قال: وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرا، فعاتبه الله في ذلك وجعل له كفارة اليمين قال الزهري، فأخبرني عروة، عن عائشة، قالت: فلما مضت تسع وعشرون دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بي قال: «يا عائشة، إني ذاكر لك شيئا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك» قالت: ثم قرأ هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك} [الأحزاب: ٢٨] الآية.
قالت: علم والله أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
قال معمر، فأخبرني أيوب، أن عائشة، قالت له: يا رسول الله، لا تخبر أزواجك أني اخترتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثني الله مبلغا ولم يبعثني متعنتا».
«هذا حديث حسن صحيح غريب قد روي من غير وجه عن ابن عباس»
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: أبو العلا محمد عبد الرحمن المباركفورى (المتوفى: 1353هـ)
قَوْلُهُ : ( لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ ) أَيْ عَلَى أَنْ أَسْأَلَهُ , وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مَكَثْت سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ ( اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ ) أَيْ فِي حَقِّهِمَا ( { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ } ) خِطَابًا لِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي مُعَاتَبَتِهِمَا وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ : ( { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } ) أَيْ مَالَتْ عَنْ الْوَاجِبِ فِي مُخَالَصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُبِّ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكْرَهُهُ وَوُجِدَ مِنْكُمَا مَا يُوجِبُ التَّوْبَةَ , وَهُوَ أَنَّهُمَا أَحَبَّتَا مَا كَرِهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( حَتَّى حَجَّ عُمَرُ ) أَيْ خَرَجَ حَاجًّا , وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ : حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْت مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْت وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ ( وَاعَجَبًا لَك ) قَالَ الْحَافِظُ : يَجُوزُ فِي عَجَبًا التَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ.
قَالَ اِبْنُ مَالِكٍ " وَا " فِي قَوْلِهِ وَاعَجَبًا إِنْ كَانَ مُنَوَّنًا فَهُوَ اِسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَمِثْلُهُ وَاهًا وَوَيْ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ عَجَبًا جِيءَ تَعَجُّبًا وَتَوْكِيدًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَالْأَصْلُ فِيهِ وَاعَجَبِي فَأُبْدِلَتْ الْكَسْرَةُ فَتْحَةً فَصَارَتْ الْيَاءُ أَلِفًا كَقَوْلِهِمْ يَا أَسَفَا وَيَا حَسْرَتَا وَفِيهِ شَاهِدٌ لِجَوَازِ اِسْتِعْمَالِ " وَا " فِي مُنَادًى غَيْرِ مَنْدُوبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَهُوَ مَذْهَبٌ صَحِيحٌ.
قَالَ وَتَعَجَّبَ عُمَرُ مِنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَعَ شُهْرَتِهِ بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرُ مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِ عُمَرَ وَتَقْدِيمِهِ فِي الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ وَمَعَ مَا كَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ مَشْهُورًا بِهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَمُدَاخَلَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ , وَتَعَجَّبَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ فَنُونِ التَّفْسِيرِ حَتَّى مَعْرِفَةِ الْمُبْهَمِ ( قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَرِهَ وَاَللَّهِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ ) قَالَ الْحَافِظُ : اِسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ مَا فَهِمَهُ الزُّهْرِيُّ وَلَا بُعْدَ فِيهِ ( هِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي النِّكَاحِ هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ( ثُمَّ أَنْشَأَ ) أَيْ شَرَعَ عُمَرُ ( يُحَدِّثُنِي الْحَدِيثَ ) أَيْ الْقِصَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا ( مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ ( نَغْلِبُ النِّسَاءَ ) أَيْ نَحْكُمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَحْكُمْنَ عَلَيْنَا بِخِلَافِ الْأَنْصَارِ فَكَانُوا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ ( فَطَفِقَ ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ أَيْ جَعَلَ وَأَخَذَ ( يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ الْحَافِظُ.
أَيْ مِنْ سِيرَتِهِنَّ وَطَرِيقَتِهِنَّ ( فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي ) مِنْ الْمُرَاجَعَةِ أَيْ تُرَادِدُنِي فِي الْقَوْلِ وَتُنَاظِرُنِي فِيهِ ( فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ ذَلِكَ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : قَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَك ( وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ ( قَدْ خَابَتْ ) مِنْ الْخَيْبَةِ وَهِيَ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ ( وَكَانَ مَنْزِلِي بِالْعَوَالِي ) جَمْعُ عَالِيَةٍ وَهِيَ قُرًى بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَكَانَتْ مَنَازِلَ الْأَوْسِ ( فِي بَنِي أُمَيَّةَ ) أَيْ نَاحِيَةَ بَنِي أُمَيَّةَ سُمِّيَتْ الْبُقْعَةُ بِاسْمِ مَنْ نَزَلَهَا ( وَكَانَ لِي جَارٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ) اِسْمُهُ أَوْسُ بْنُ خَوْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ أَوْ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عِنْدَ اِبْنِ سَعْدٍ وَالثَّانِي اِسْتَنْبَطَهُ اِبْنُ بَشْكُوَالَ مِنْ الْمُوَاخَاةِ بَيْنَهُمَا , وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مُقَدَّمٌ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ( كُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ ) أَيْ مِنْ الْعَوَالِي أَيْ كُنَّا نَجْعَلُهُ نَوْبًا ( فَيَنْزِلُ ) أَيْ جَارِي الْأَنْصَارِيُّ ( وَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ ) أَيْ مِنْ الْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ سَعْدٍ : لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ وَلَا يَسْمَعُ عُمَرُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ ( فَكُنَّا نُحَدِّثُ ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ ( أَنَّ غَسَّانَ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ غَيْرِ مُنْصَرِفٍ أَيْ قَبِيلَةَ غَسَّانَ وَمَلِكُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شَمِرٍ وَهُمْ كَانُوا بِالشَّامِ ( تُنْعِلُ الْخَيْلَ ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ الْإِنْعَالِ يُقَالُ نُعِلْت وَانْتَعَلَتْ إِذَا لَبِسَتْ النَّعْلَ وَأَنْعَلْت الْخَيْلَ إِذَا أَلْبَسْتهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اِسْتِعْدَادِهِمْ لِلْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ( قَالَ ) أَيْ عُمَرُ ( فَجَاءَنِي ) أَيْ جَارِي ( فَضَرَبَ عَلَى الْبَابِ ) أَيْ ضَرْبًا شَدِيدًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ( قَالَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمَرَ لِكَوْنِ حَفْصَةَ بِنْتَه ( طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ) إِنَّمَا وَقَعَ الْجُرْمُ بِالطَّلَاقِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ بِالِاعْتِزَالِ فَظَنَّ الطَّلَاقَ ( قَدْ كُنْت أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا ) لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُنَّ قَدْ تُفْضِي إِلَى الْغَضَبِ الْمُفْضِي إِلَى الْفُرْقَةِ ( شَدَدْت عَلَيَّ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ( ثِيَابِي ) فِيهِ اِسْتِحْبَابُ التَّجَمُّلِ بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ لِقَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالْكِبَارِ اِحْتِرَامًا لَهُمْ ( فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ الْغُرْفَةُ ( قَالَ فَانْطَلَقْت ) أَيْ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِ حَفْصَةَ ( فَأَتَيْت غُلَامًا أَسْوَدَ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ : فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ اِسْمُ هَذَا الْغُلَامُ رَبَاحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ سَمَّاهُ سِمَاكٌ فِي رِوَايَتِهِ ( ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ ) أَيْ مِنْ شَغْلِ قَلْبِهِ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ اِعْتِزَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ.
وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَضَبٍ مِنْهُ وَلِاحْتِمَالِ صِحَّةِ مَا أُشِيعَ مِنْ تَطْلِيقِ نِسَائِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِنَّ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ , فَتَنْقَطِعُ الْوَصْلَةُ بَيْنَهُمَا وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى ( مُتَّكِئ عَلَى رِمْلِ حَصِيرٍ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ.
قَالَ الْحَافِظُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ تُضَمُّ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّسْجُ تَقُولُ رَمَلْت الْحَصِيرَ وَأَرْمَلْته إِذَا نَسَجْته وَحَصِيرٌ مَرْمُولٌ أَيْ مَنْسُوجٌ.
وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ سَرِيرَهُ كَانَ مَرْمُولًا بِمَا يُرْمَلُ بِهِ الْحَصِيرُ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ عَلَى حَصِيرٍ وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي جَنْبِهِ.
وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ حَصِيرًا تَغْلِيبًا ( قُلْت اللَّهُ أَكْبَرُ ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَمَّا ظَنَّ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ الِاعْتِزَالَ طَلَاقٌ أَوْ نَاشِئٌ عَنْ طَلَاقٍ فَأَخْبَرَ عُمَرَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ جَازِمًا بِهِ , فَلَمَّا اِسْتَفْسَرَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ حَقِيقَةً كَبَّرَ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ اِنْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَبَّرَ اللَّهَ حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ( وَجَدْنَا قَوْمًا ) أَيْ الْأَنْصَارَ ( فَقُلْت لِحَفْصَةَ ) بَدَأَ بِهَا لِمَكَانَتِهَا مِنْهُ ( قَالَتْ ) أَيْ حَفْصَةُ ( نَعَمْ ) أَيْ نُرَاجِعُهُ ( لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَيْ لَا تُرَادِدِيهِ فِي الْكَلَامِ وَلَا تَرُدِّي عَلَيْهِ قَوْلُهُ : ( وَسَلِينِي مَا بَدَا لَك ) ي مَا ظَهَرَ لَك ( وَلَا يَغُرَّنَّك ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالنُّونِ ( أَنْ كَانَتْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ( صَاحِبَتُك ) أَيْ ضَرَّتُك ( أَوْسَمَ ) مِنْ الْوَسَامَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالْجَمَالُ أَيْ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ.
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : أَوْضَأُ مِنْ الْوِضَاءِ وَهُوَ الْحُسْنُ ( وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَةَ تَفْعَلُ مَا نَهَيْتُك عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فَلَا تَغْتَرِّي أَنْتِ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَلَّا تَكُونِي عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يَكُونُ لَك مِنْ الْإِدْلَالِ مِثْلُ الَّذِي لَهَا ( فَتَبَسَّمَ ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أُخْرَى ) أَيْ تَبَسُّمَةً أُخْرَى ( فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْنِسُ ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَنْبَسِطُ فِي الْحَدِيثِ وَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ بِنْتَه كَانَتْ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فَخَشِيَ أَنْ يَلْحَقَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْتَبَةِ فَبَقِيَ كَالْمُنْقَبِضِ عَنْ الِابْتِدَاءِ بِالْحَدِيثِ حَتَّى اِسْتَأْذَنَ فِيهِ ( إِلَّا أُهُبَةً ثَلَاثَةً ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمْعُ إِهَابٍ وَهُوَ الْجِلْدُ وَقِيلَ إِنَّمَا يُقَالُ لِلْجِلْدِ إِهَابٌ قَبْلَ الدَّبْغِ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا ( فَقَالَ أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا اِبْنَ الْخَطَّابِ ) يَعْنِي أَنْتَ فِي شَكٍّ فِي أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا.
( أُولَئِكَ ) أَيْ فَارِسُ وَالرُّومُ ( عُجِّلَتْ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ التَّعْجِيلِ ( قَالَ ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَكَانَ أَقْسَمَ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا فَعَاتَبَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ لَهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي النِّكَاحِ فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً , وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ , فَقَوْلُهُ فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ , فَلِذَلِكَ عَطَفَهُ بِالْفَاءِ , وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَيْ اِعْتِزَالُهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إِفْشَاءِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَجَاءَتْ فَوَجَدَتْهَا مَعَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَفْعَلُ هَذَا مَعِي دُونَ نِسَائِك ؟ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي أَحَدًا هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ , فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ.
وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ اِبْنَةِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنَّ أَيَّتَهمَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَأَكَلْت مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ مَغَافِيرَ.
فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ اِبْنَةِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْت لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا.
فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ حَلِفِهِ.
قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ : قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي قِصَّةِ الْعَسَلِ لَا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ الْمَرْوِيَّةِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ , وَلَمْ تَأْتِ قِصَّةُ مَارِيَةَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ.
قَالَ النَّسَائِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْعَسَلِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ غَايَةٌ اِنْتَهَى.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي سَبَبِ اِعْتِزَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَةَ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَك بِبِشَارَةٍ , إِنَّ أَبَاك يَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مُتّ , فَذَهَبَتْ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَارِيَةَ فَحَرَّمَهَا , ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَ أَمَرْتُك أَنْ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتهَا فَعَاتَبَهَا وَلَمْ يُعَاتِبْهَا عَلَى أَمْرِ الْخِلَافَةِ.
فَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ } وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِتَمَامِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ ثُمَّ قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ مُوجِبُهُ مِنْهُنَّ.
قَالَ : وَالرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ لِاخْتِصَاصِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَلِ فَإِنَّهُ اِجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ جَمِيعُهَا اِجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمِّهَا.
وَيُؤَيِّدُهُ شُمُولُ الْحَلِفِ لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ اِنْتَهَى.
وَقَوْلُهُ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَيُرْوَي حَتَّى عَاتَبَهُ وَهَذِهِ هِيَ الْأَظْهَرُ وَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : ( { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك } ) ( فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ) أَيْ لَيْلَةً ( دَخَلَ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِعَ كَذَا قِيلَ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبُدَاءَةُ بِعَائِشَةَ لِكَوْنِهِ اِتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَهَا قَالَهُ الْحَافِظُ ( قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَك شَيْئًا فَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك إِلَخْ ) سَبَقَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ ( وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا ) يُقَالُ تَعَنَّتَهُ أَيْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْأَذَى وَطَلَبِ زَلَّتَهُ وَمَشَقَّتَهُ.
قَالَ الْحَافِظُ : هَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعَائِشَةَ وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ اِنْتَهَى.
قُلْت : حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي آخِرِهِ : " وَأَسْأَلُك أَنْ لَا تُخْبِرَ اِمْرَأَةً مِنْ نِسَائِك بِاَلَّذِي قُلْت قَالَ لَا تَسْأَلُنِي اِمْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا" قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ قَال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } حَتَّى حَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْتُ مَعَهُ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ } فَقَالَ لِي وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَرِهَ وَاللَّهِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ فَقَالَ هِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ قَالَ ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنِي الْحَدِيثَ فَقَالَ كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضَّبْتُ عَلَى امْرَأَتِي يَوْمًا فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَخَسِرَتْ قَالَ وَكَانَ مَنْزِلِي بِالْعَوَالِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانَ لِي جَارٌ مِنْ الْأَنْصَارِ كُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْزِلُ يَوْمًا فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَأَنْزِلُ يَوْمًا فَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ وَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا قَالَ فَجَاءَنِي يَوْمًا عِشَاءً فَضَرَبَ عَلَى الْبَابِ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ قُلْتُ أَجَاءَتْ غَسَّانُ قَالَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ قَالَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا قَالَ فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَا أَدْرِي هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرَبَةِ قَالَ فَانْطَلَقْتُ فَأَتَيْتُ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ قَالَ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ قَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا حَوْلَ الْمِنْبَرِ نَفَرٌ يَبْكُونَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ أَيْضًا فَجَلَسْتُ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ فَقُلْتُ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ فَوَلَّيْتُ مُنْطَلِقًا فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ ادْخُلْ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ قَدْ رَأَيْتُ أَثَرَهُ فِي جَنْبَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ قَالَ لَا قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَانَا الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ فَقُلْتُ قَدْ خَابَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَتْ أَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلَا يَغُرَّنَّكِ إِنْ كَانَتْ صَاحِبَتُكِ أَوْسَمَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَتَبَسَّمَ أُخْرَى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْنِسُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَمَا رَأَيْتُ فِي الْبَيْتِ إِلَّا أُهُبَةً ثَلَاثَةً قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَهُ فَاسْتَوَى جَالِسًا فَقَالَ أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قَالَ وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا فَعَاتَبَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ لَهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِي قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئًا فَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ } الْآيَةَ قَالَتْ عَلِمَ وَاللَّهِ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ فَقُلْتُ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُخْبِرْ أَزْوَاجَكَ أَنِّي اخْتَرْتُكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا بَعَثَنِي اللَّهُ مُبَلِّغًا وَلَمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
حدثنا عبد الواحد بن سليم، قال: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت: يا أبا محمد إن ناسا عندنا يقولون في القدر، فقال عطاء: لقيت الوليد بن عبادة بن الص...
عن العباس بن عبد المطلب قال: زعم أنه كان جالسا في البطحاء في عصابة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيهم، إذ مرت عليهم سحابة فنظروا إليها، فقال رسو...
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الرازي وهو الدشتكي، أن أباه، أخبره، أن أباه أخبره قال: رأيت رجلا ببخارى على بغلة، وعليه عمامة سوداء، يقول: «كسانيه...
عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {كالمهل} [الكهف: ٢٩] قال: «كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه»: «هذا حديث غريب لا نعر...
عن ابن عباس قال: «ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم،» انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، و...
عن ابن عباس قال: قول الجن لقومهم: {لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} [الجن: ١٩] قال: " لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون بصلاته ويسجدون بسجوده،...
عن ابن عباس قال: " كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوه فيكون باطلا، فلما...
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: " بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي، فإذ...
عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفا، ثم يهوي به كذلك أبدا».<br> هذا حديث غريب إنما نعرفه...