2200- أخبرني ابن طاوس، عن أبيه، أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وثلاثا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: «نعم»
رجال ثقات رجال الشيخين.
ابن جريج - وهو عبد الملك بن عبد العزيز - صرح في هذه الرواية بالإخبار فانتفت شبهة تدليسه.
عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، وابن طاووس: هو عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني.
وهو عند عبد الرزاق في "مصنفه" (11337)، ومن طريقه أخرجه مسلم (1472).
وأخرجه مسلم (1472)، والنسائي في "الكبرى" (5569) من طريقين عن ابن جريج، به.
وأخرجه مسلم (1472) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس.
وهو في "مسند أحمد" (2875).
وقد أعل حديث ابن عباس هذا الحافظ ابن رجب الحنلي في "مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة" ونقله عنه يوسف بن عبد الهادي في كتابه "سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث" فقال: فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان: أحدهما: مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، وهو يرجع إلى الكلام في إسناد الحديث ولشذوذه وانفراد طاووس به, فإنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث مخالفا للأكثرين هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأنه يكون شاذا أو منكرا إذ لم يرو معناه من وجه يصح، وهذه طريقة المتقدمين كالإمام أحمد ويحيى القطان، ويحيى بن معين، ومتى أجمع علماء الأمة على اطراح العمل بحديث، وجب اطراحه وترك العمل به.
ثم قال ابن رجب: وقد صح عن ابن عباس - وهو راوي الحديث - أنه أفتى بخلاف هذا الحديث ولزوم الثلاثة المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره الموفق ابن قدامة في "المغني" وهذه أيضا علة في الحديث بانفرادها، فكيف وقد انضم إليها علة الشذوذ والإنكار.
وانظر في هذه المسألة "الاستذكار" 17/ 7 - 18.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس أَتَعْلَمُ إِلَخْ ) : وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الطَّلَاق عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَة عُمَر طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة , فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : إِنَّ النَّاس قَدْ اِسْتَعْجَلُوا فِي أَمْر كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاة فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْله أَنَاة بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ مُهْلَة وَبَقِيَّة اِسْتِمْتَاع لِانْتِظَارِ الْمُرَاجَعَة قَالَهُ النَّوَوِيّ.
وَهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح يَدُلّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاق الثَّلَاث إِذَا أُوقِعَتْ مَجْمُوعَة وَقَعَتْ وَاحِدَة قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح : وَهُوَ مَنْقُول عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَالزُّبَيْر , نَقَلَ ذَلِكَ اِبْن مُغِيث فِي كِتَاب الْوَثَائِق لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بْن وَضَّاح , وَنَقَلَ الْغَنْوِيّ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ مَشَايِخ قُرْطُبَة كَمُحَمَّدِ بْن تَقِيّ بْن مَخْلَد وَمُحَمَّد بْنِ عَبْد السَّلَام الْخُشَنِيِّ وَغَيْرهمَا , وَنَقَلَهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس , كَعَطَاءٍ وَطَاوُس وَعَمْرو بْن دِينَار , وَيَتَعَجَّب مِنْ اِبْن التِّين حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ لُزُوم الثَّلَاث لَا اِخْتِلَاف فِيهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي التَّحْرِيم مَعَ ثُبُوت الِاخْتِلَاف كَمَا تَرَى اِنْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظ اِبْن الْقَيِّم فِي إِعْلَام الْمُوَقِّعِينَ : وَهَذَا خَلِيفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة كُلّهمْ مَعَهُ فِي عَصْره وَثَلَاث سِنِينَ مِنْ عَصْر عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَب , فَلَوْ عَدَّهُمْ الْعَادّ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الثَّلَاث وَاحِدَة إِمَّا بِفَتْوَى وَإِمَّا بِإِقْرَارٍ عَلَيْهَا , وَلَوْ فُرِضَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْفَتْوَى بِهِ بَلْ كَانُوا مَا بَيْن مُفْتٍ وَمُقِرّ بِفُتْيَا وَسَاكِت غَيْر مُنْكِر , وَهَذَا حَال كُلّ صَحَابِيّ مِنْ عَهْد الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِلَى ثَلَاث سِنِينَ مِنْ خِلَافَة عُمَر وَهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْأَلْف قَطْعًا كَمَا ذَكَرَ يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ اِبْن إِسْحَاق وَكُلّ صَحَابِيّ مِنْ لَدُنْ خِلَافَة الصِّدِّيق إِلَى ثَلَاث سِنِينَ مِنْ خِلَافَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا كَانَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاث وَاحِدَة فَتْوَى أَوْ إِقْرَار أَوْ سُكُوت وَلِهَذَا اِدَّعَى بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاع قَدِيم , وَلَمْ تَجْتَمِع الْأُمَّة وَلِلَّهِ الْحَمْد عَلَى خِلَافه بَلْ لَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مَنْ يُفْتِي بِهِ قَرْنًا بَعْد قَرْن وَإِلَى يَوْمنَا هَذَا فَأَفْتَى بِهِ حَبْر الْأُمَّة عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَأَفْتَى أَيْضًا بِالثَّلَاثِ أَفْتَى بِهَذَا وَهَذَا , وَأَفْتَى بِأَنَّهَا وَاحِدَة الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف حَكَاهُ عَنْهُمَا اِبْن وَضَّاح , وَعَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود رِوَايَتَانِ كَمَا عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَأَفْتَى بِهِ عِكْرِمَة وَأَفْتَى بِهِ طَاوُس.
وَأَمَّا تَابِعُو التَّابِعِينَ فَأَفْتَى بِهِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَكَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره عَنْهُ , وَأَفْتَى بِهِ خِلَاس بْن عَمْرو وَالْحَارِث الْعُكْلِيّ.
وَأَمَّا أَتْبَاع تَابِعِي التَّابِعِينَ فَأَفْتَى بِهِ دَاوُد بْن عَلِيّ وَأَكْثَر أَصْحَابه , حَكَاهُ عَنْهُمْ اِبْن الْمُغَلِّس وَابْن حَزْم وَغَيْرهمَا وَأَفْتَى بِهِ بَعْض أَصْحَاب مَالِك , حَكَاهُ التِّلِمْسَانِيّ فِي شَرْح التَّفْرِيع لِابْنِ حَلَّاب قَوْلًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّة , وَأَفْتَى بِهِ بَعْض الْحَنَفِيَّة حَكَاهُ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن مُقَاتِل , وَأَفْتَى بِهِ بَعْض أَصْحَاب أَحْمَد , حَكَاهُ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة عَنْهُ قَالَ وَكَانَ الْجَدّ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانَا اِنْتَهَى كَلَامه.
وَذَهَبَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَجُمْهُور الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الثَّلَاث تَقَع ثَلَاثًا , وَحَدِيث اِبْن عَبَّاس الصَّحِيح الصَّرِيح فِي عَدَم وُقُوع الثَّلَاث حُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَأُجِيبَ مَنْ قَبْلهمْ عَنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِأَجْوِبَةٍ لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهَا عَنْ التَّكَلُّف وَالتَّعَسُّف وَمَحَلّ بَسْطهَا وَالْكَشْف عَمَّا فِيهَا هُوَ غَايَة الْمَقْصُود.
وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ الثَّلَاث وَاحِدَة حَدِيث آخَر صَحِيح وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا سَعْد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُد بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : طَلَّقَ رُكَانَة بْن عَبْد يَزِيد أَخُو بَنِي الْمُطَّلِب اِمْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَجْلِس وَاحِد فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا , قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ طَلَّقْتهَا ؟ قَالَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا , قَالَ فَقَالَ فِي مَجْلِس وَاحِد ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ فَإِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَة فَارْجِعْهَا إِنْ شِئْت.
قَالَ فَرَاجَعَهَا.
فَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَرَى إِنَّمَا الطَّلَاق عِنْد كُلّ طُهْر.
قَالَ اِبْن الْقَيِّم فِي إِعْلَام الْمُوَقِّعِينَ : وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَام هَذَا الْإِسْنَاد وَحَسَّنَهُ.
قَالَ الْحَافِظ فِي فَتْح الْبَارِي : الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَأَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق.
وَهَذَا الْحَدِيث نَصّ فِي الْمَسْأَلَة لَا يَقْبَل التَّأْوِيل الَّذِي فِي غَيْره مِنْ الرِّوَايَات.
وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاء أَحَدهَا أَنَّ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَشَيْخه مُخْتَلَف فِيهِمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ اِحْتَجُّوا فِي عِدَّة مِنْ الْأَحْكَام بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَاد كَحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْن الرَّبِيع زَيْنَب اِبْنَته بِالنِّكَاحِ الْأَوَّل , وَلَيْسَ كُلّ مُخْتَلَف فِيهِ مَرْدُود.
الثَّانِي مُعَارَضَته بِفَتْوَى اِبْن عَبَّاس بِوُقُوعِ الثَّلَاث كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَة مُجَاهِد وَغَيْره فَلَا يُظَنّ بِابْنِ عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ عِنْده هَذَا الْحُكْم عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ ظَهَرَ لَهُ , وَرَاوِي الْخَبَر أَخْبَر مِنْ غَيْره بِمَا رَوَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَار بِرِوَايَةِ الرَّاوِي لَا بِرَأْيِهِ لِمَا يَطْرُق رَأْيه مِنْ اِحْتِمَال النِّسْيَان وَغَيْر ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَوْنه تَمَسَّكَ بِمُرَجِّحٍ فَلَمْ يَنْحَصِر فِي الْمَرْفُوع لِاحْتِمَالِ التَّمَسُّك بِتَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيد أَوْ تَأْوِيل , وَلَيْسَ قَوْل مُجْتَهِد حُجَّة عَلَى مُجْتَهِد آخَر.
الثَّالِث أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَجَّحَ أَنَّ رُكَانَة إِنَّمَا طَلَّقَ اِمْرَأَته أَلْبَتَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيق آلِ بَيْت رُكَانَة وَهُوَ تَعْلِيل قَوِيّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُون بَعْض رُوَاته حَمَلَ أَلْبَتَّةَ عَلَى الثَّلَاث فَقَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَبِهَذِهِ النُّكْتَة يَقِف الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس الرَّابِع أَنَّهُ مَذْهَب شَاذّ فَلَا يُعْمَل بِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَالزُّبَيْر مِثْله , نَقَلَ ذَلِكَ اِبْن مُغِيث فِي كِتَاب الْوَثَائِق لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاح وَنَقَلَ الْغَنَوِيّ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَة مِنْ مَشَايِخ قُرْطُبَة كَمُحَمَّدِ بْن تَقِيّ بْن مَخْلَد وَمُحَمَّد بْنِ عَبْد السَّلَام الْخُشَنِيِّ وَغَيْرهمَا , وَنَقَلَهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس عَطَاء وَطَاوُس وَعَمْرو بْن دِينَار اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ.
قُلْت : قَدْ أَجَابَ الْحَافِظ عَنْ الْجَوَاب الْأَوَّل وَالثَّانِي وَالرَّابِع وَلَمْ يُجِبْ عَنْ الثَّالِث بَلْ قَوَّاهُ وَجَوَابه ظَاهِر مِنْ كَلَام اِبْن الْقَيِّم فِي الْإِغَاثَة حَيْثُ قَالَ : إِنَّ أَبَا دَاوُدَ إِنَّمَا رَجَّحَ حَدِيث أَلْبَتَّةَ عَلَى حَدِيث اِبْن جُرَيْجٍ لِأَنَّهُ رَوَى حَدِيث اِبْن جُرَيْجٍ مِنْ طَرِيق فِيهَا مَجْهُول وَلَمْ يَرْوِ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق أَنَّ رُكَانَة طَلَّقَ اِمْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَجْلِس وَاحِد , فَلِذَا رَجَّحَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيث أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّض لِهَذَا الْحَدِيث وَلَا رَوَاهُ فِي سُنَنه , وَلَا رَيْب أَنَّهُ أَصَحّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ.
وَحَدِيث اِبْن جُرَيْجٍ شَاهِد لَهُ وَعَاضِد , فَإِذَا اِنْضَمَّ حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء إِلَى حَدِيث اِبْن إِسْحَاق وَإِلَى حَدِيث اِبْن جُرَيْجٍ مَعَ اِخْتِلَاف مَخَارِجهَا وَتَعَدُّد طُرُقهَا أَفَادَ الْعِلْم بِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ أَلْبَتَّةَ بِلَا شَكّ.
وَلَا يُمْكِن مَنْ شَمَّ رَوَائِح الْحَدِيث وَلَوْ عَلَى بُعْد أَنْ يَرْتَاب فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ يُقَدِّم الْحَدِيث الضَّعِيف الَّذِي ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّة وَرُوَاته مَجَاهِيل عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث اِنْتَهَى كَلَام اِبْن الْقَيِّم.
فَإِنْ قُلْت : قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس أَنَّ الصَّحَابَة كُلّهمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الثَّلَاث وَاحِدَة فَكَيْفَ خَالَفَهُمْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَيْثُ أَمْضَاهَا عَلَيْهِمْ.
قُلْت : لَمْ يُخَالِف عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِجْمَاع مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ رَأَى إِلْزَامهمْ بِالثَّلَاثِ عُقُوبَة لَهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ حَرَام وَتَتَابَعُوا فِيهِ , وَلَا رَيْب أَنَّ هَذَا سَائِغ لِلْأُمَّةِ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاس مَا ضَيَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا فِيهِ رُخْصَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَتَسْهِيله وَرُخْصَته , بَلْ اِخْتَارُوا الشِّدَّة وَالْعُسْر , فَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَكَمَال نَظَره لِلْأُمَّةِ وَتَأْدِيبه لَهُمْ , وَلَكِنَّ الْعُقُوبَة تَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَة وَالْأَشْخَاص وَالتَّمَكُّن مِنْ الْعِلْم بِتَحْرِيمِ الْفِعْل الْمُعَاقَب عَلَيْهِ وَخَفَائِهِ , وَأَمِير الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ إِنَّ هَذَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ رَأْي رَآهُ مَصْلَحَة لِلْأُمَّةِ يَكُفّهُمْ بِهَا التَّسَارُع إِلَى إِيقَاع الثَّلَاث , وَلِهَذَا قَالَ فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ , وَفِي لَفْظ آخَر فَأَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ أَفَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا رَأْي مِنْهُ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا إِخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمَّا عَلِمَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَنَاة وَالرُّخْصَة نِعْمَة مِنْ اللَّه عَلَى الْمُطَلِّق وَرَحْمَة بِهِ وَإِحْسَان إِلَيْهِ وَأَنَّهُ قَابَلَهَا بِضِدِّهَا وَلَمْ يَقْبَل رُخْصَة اللَّه وَمَا جَعَلَهُ لَهُ مِنْ الْأَنَاة عَاقَبَهُ بِأَنْ حَالَ بَيْنه وَبَيْنهَا وَأَلْزَمَهُ مَا اِلْتَزَمَهُ مِنْ الشِّدَّة وَالِاسْتِعْجَال , وَهَذَا مُوَافِق لِقَوَاعِد الشَّرِيعَة بَلْ هُوَ مُوَافِق لِحِكْمَةِ اللَّه فِي خَلْقه قَدَرًا وَشَرْعًا , فَإِنَّ النَّاس إِذَا تَعَدَّوْا حُدُوده وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدهَا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ مَا جَعَلَهُ لِمَنْ اِتَّقَاهُ مِنْ الْمَخْرَج.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ.
مَنْ قَالَ مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ الْمُطَلِّق ثَلَاثًا إِنَّك لَوْ اِتَّقَيْت اللَّه لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا كَمَا قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس , فَهَذَا نَظَر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَة لَا أَنَّهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ غَيَّرَ أَحْكَام اللَّه وَجَعَلَ حَلَالهَا حَرَامًا.
فَهَذَا غَايَة التَّوْفِيق بَيْن النُّصُوص وَفِعْل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ كَذَا فِي زَادَ الْمَعَاد.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتْ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَعَمْ
عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إ...
سمعت كعب بن مالك، فساق قصته في تبوك، قال: حتى " إذا مضت أربعون من الخمسين، إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي، فقال: «إن رسول الله صلى الله عل...
عن عائشة قالت: «خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا»
عن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب: هل تعلم أحدا قال بقول الحسن في «أمرك بيدك»، قال: لا، إلا شيئا حدثناه قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي...
عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة، أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: والله ما أردت إلا واحدة،...
عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده: أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت، قال: واحدة، قال: «آلله؟»،...
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به، أو تعمل به، وبما حدثت به أنفسها»
عن أبي تميمة الهجيمي، أن رجلا قال لامرأته: يا أخية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أختك هي؟»، فكره ذلك ونهى عنه
عن أبي تميمة، عن رجل، من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، سمع رجلا يقول لامرأته: يا أخية «فنهاه»