245- عن ابن عباس، عن خالته ميمونة قالت: «وضعت للنبى صلى الله عليه وسلم غسلا يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثا، ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده»
إسناده صحيح.
الأعمش: هو سليمان بن مهران، وسالم: هو ابن أبي الجعد، وكريب: هو ان أبي مسلم مولى ابن عباس.
وأخرجه البخاري (249)، ومسلم (317)، والترمذي (103)، والنسائي في "الكبرى" (246)، وابن ماجه (467) و (573) من طرق عن الأعمش، بهذا الإسناد.
ولم يذكروا قول إبراهيم في آخره.
وهو في "مسند أحمد" (26856) و (26856) وعنده قول إبراهيم النخعي، وصحيح ابن حبان" (1190).
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 362: وفيه جواز نفض اليدين من ماء الغسل وكذا الوضوء، وأما حديث: "لا تنفضوا أيديكم في الوضوء، فإنها مراوح الشيطان"أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" 203/ 1 وابن أبي حاتم في "العلل" من حديث أبي هريرة، قال أبو حاتم: هذا حديث منكر، والبختري -وهو ابن عبيد الطائي ضعيف الحديث وأبوه مجهول، وقال ابن حبان عن البختري: روى عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب لا يحل الاحتجاج به إذا انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات مع عدم تقدم عدالته ثم هو معارض بحديث الباب الصحيح.
عون المعبود على شرح سنن أبي داود: أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي
( غُسْلًا ) : بِضَمِّ الْغَيْن وَسُكُون السِّين هُوَ الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ كَالْأَكْلِ لِمَا يُؤْكَل وَكَذَلِكَ الْغُسُول بِضَمِّ الْغَيْن وَالْمُغْتَسَل يُقَال لِمَاءِ الْغُسْل.
قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } وَالْغُسْل بِالضَّمِّ اِسْم أَيْضًا مِنْ غَسَلْته غُسْلًا وَبِالْفَتْحِ مَصْدَر , وَالْغِسْل بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَل بِهِ الرَّأْس مِنْ خِطْمِيّ وَسِدْر وَنَحْوهمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَهْل اللُّغَة ( فَأَكْفَأَ ) : أَيْ أَمَالَ ( مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ) : الشَّكّ مِنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي عَوَانَة عَنْ الْأَعْمَش فَغَسَلَهَا مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالَ سُلَيْمَان لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَة أَمْ لَا ( ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْض ) : فِيهِ دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب مَسْح الْيَد بِالتُّرَابِ مِنْ الْحَائِط أَوْ الْأَرْض ( ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ) : قَالَ الْحَافِظ : فِيهِ دَلِيل عَلَى مَشْرُوعِيَّة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي غُسْل الْجَنَابَة , وَتَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّة لِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفِعْل الْمُجَرَّد لَا يَدُلّ عَلَى الْوُجُوب إِلَّا إِذَا كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوب , وَلَيْسَ الْأَمْر هُنَا كَذَلِكَ قَالَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد.
قُلْت : قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْغُسْل وَالْوُضُوء هَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَوْ سُنَّتَانِ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ : اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , فَقَالَ طَائِفَة مِنْهُمْ : إِذَا تَرَكَهُمَا فِي الْوُضُوء حَتَّى صَلَّى أَعَادَ , وَرَأَوْا ذَلِكَ فِي الْوُضُوء وَالْجَنَابَة سَوَاء , وَبِهِ يَقُول اِبْن أَبِي لَيْلَى وَعَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
وَقَالَ أَحْمَد : الِاسْتِنْشَاق أَوْكَد مِنْ الْمَضْمَضَة , وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم يُعِيد فِي الْجَنَابَة وَلَا يُعِيد فِي الْوُضُوء , وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة , وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا يُعِيد فِي الْوُضُوء وَلَا فِي الْجَنَابَة لِأَنَّهُمَا سُنَّة مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَجِب الْإِعَادَة مِنْ تَرْكهمَا فِي الْوُضُوء وَلَا فِي الْجَنَابَة , وَهُوَ قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ.
اِنْتَهَى.
قُلْت : إِنَّ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي الْوُضُوء لَا يَشُكّ شَاكّ فِي وُجُوبهمَا , لِأَنَّ أَدِلَّة الْوُجُوب قَدْ تَكَاثَرَتْ.
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا تَوَضَّأْت فَمَضْمِضْ " وَقَالَ عَمْرو بْن عَبْسَة يَا نَبِيّ اللَّه حَدِّثْنِي عَنْ الْوُضُوء فَأَعْلَمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ فِي تَعْلِيمه لَهُ الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق , فَمَنْ تَرَكَهُمَا لَا يَكُون مُتَوَضِّئًا , وَلَمْ يَحْكِ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُمَا قَطّ وَلَوْ بِمَرَّةٍ , بَلْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الَّتِي تَبْلُغ دَرَجَة التَّوَاتُر مُوَاظَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا , فَأَمْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْمُوَاظَبَة عَلَيْهِمَا يَدُلّ بِدَلَالَةٍ وَاضِحَة عَلَى وُجُوبهمَا.
وَأَمَّا وُجُوبهمَا فِي الْغُسْل فَهُوَ أَيْضًا ثَابِت بِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصَّعِيد الطَّيِّب طَهُور وَإِنْ لَمْ تَجِد الْمَاء إِلَى عَشْر سِنِينَ , فَإِذَا وَجَدْت الْمَاء فَأَمِسَّهُ جِلْدك أَوْ قَالَ بَشَرَتك " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَدِيث حَسَن صَحِيح وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِم.
فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمِسَّهُ بَشَرَتك " وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْر وَظَاهِره الْوُجُوب وَمَوْضِع الْمَضْمَضَة هُوَ الْفَم وَاللِّسَان وَمَوْضِع الِاسْتِنْشَاق كِلَاهُمَا مِنْ ظَاهِر الْجِلْد فَيَجِب إِيصَال الْمَاء إِلَيْهِمَا وَبَيَّنَتْهُ الرِّوَايَات الْأُخْرَى أَنَّهُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاق وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
( ثُمَّ تَنَحَّى ) : أَيْ تَبَاعَدَ وَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانه ( نَاحِيَة ) : أُخْرَى ( فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ) : وَفِيهِ التَّصْرِيح بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْل إِلَى آخِر الْغُسْل.
وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب بِثَلَاثَةِ أَنْوَاع.
النَّوْع الْأَوَّل مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْر غَسْل الرِّجْلَيْنِ أَصْلًا بَلْ اِقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى قَوْله : ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأ لِلصَّلَاةِ.
كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طَرِيق مَالِك عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة.
النَّوْع الثَّانِي مَا فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَمْ يَغْسِل الرِّجْلَيْنِ قَبْل إِكْمَال الْغُسْل , بَلْ أَخَّرَهُ إِلَى أَنْ فَرَغَ مِنْهُ , كَمَا فِي رِوَايَة مَيْمُونَة.
أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ كُرَيْب عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ مَيْمُونَة.
النَّوْع الثَّالِث مَا فِيهِ غَسْل الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ , مَرَّة قَبْل إِتْمَام الْغَسْل فِي الْوُضُوء وَمَرَّة بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْغَسْل كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَة يَبْدَأ فَيَغْسِل يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيَغْسِل فَرْجه ثُمَّ يَتَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَأْخُذ الْمَاء فَيُدْخِل أَصَابِعه فِي أُصُول الشَّعْر ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جَسَده ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر : تُحْمَل الرِّوَايَات عَنْ عَائِشَة , عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهَا : وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَيْ أَكْثَره , وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ , أَوْ يُحْمَل عَلَى ظَاهِره , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْلهَا فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة.
ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ أَيْ أَعَادَ غَسْلهمَا لِاسْتِيعَابِ الْغُسْل بَعْد أَنْ كَانَ غَسَلَهُمَا فِي الْوُضُوء.
قَالَ : وَحَدِيث مَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش مُخَالِف لِظَاهِرِ رِوَايَة عَائِشَة مِنْ طَرِيق مَالِك عَنْ هِشَام وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنهمَا إِمَّا بِحَمْلِ رِوَايَة عَائِشَة عَلَى الْمَجَاز كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَة أُخْرَى وَبِحَسَبِ اِخْتِلَاف هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اِخْتَلَفَ نَظَر الْعُلَمَاء , فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِسْتِحْبَاب تَأْخِير غَسْل الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْل , وَعَنْ مَالِك إِنْ كَانَ الْمَكَان غَيْر نَظِيف , فَالْمُسْتَحَبّ تَأْخِيرهمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيم , وَعِنْد الشَّافِعِيَّة فِي الْأَفْضَل قَوْلَانِ أَصَحّهمَا وَأَشْهَرهمَا وَمُخْتَارهمَا أَنَّهُ يُكْمِل وُضُوءَهُ.
قَالَ : لِأَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات عَنْ عَائِشَة وَمَيْمُونَة كَذَلِكَ اِنْتَهَى.
كَذَا قَالَ.
وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات عَنْهُمَا التَّصْرِيح بِذَلِكَ , بَلْ هِيَ إِمَّا مُحْتَمَلَة , كَرِوَايَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ , أَوْ ظَاهِرَة فِي تَأْخِيرهمَا كَحَدِيثِ مَيْمُونَة مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش وَرَاوِيهَا مُقَدَّم فِي الْحِفْظ وَالْفِقْه عَلَى جَمِيع مَنْ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَش.
وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة لِبَيَانِ الْجَوَاز مُتَعَقَّب , فَإِنَّ فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش مَا يَدُلّ عَلَى الْمُوَاظَبَة , وَلَفْظه : كَانَ إِذَا اِغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَة يَبْدَأ فَيَغْسِل يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيَغْسِل فَرْجه.
فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِي آخِره : ثُمَّ يَتَنَحَّى فَيَغْسِل رِجْلَيْهِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْحِكْمَة فِي تَأْخِير غَسْل الرِّجْلَيْنِ لِيَحْصُل الِافْتِتَاح وَالِاخْتِتَام بِأَعْضَاءِ الْوُضُوء.
اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ.
قُلْت : قَالَ الشَّارِح غَسْل الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَبْل إِتْمَام الْغُسْل فِي الْوُضُوء وَبَعْد الْفَرَاغ أَوْ اِقْتِصَاره عَلَى أَحَدهمَا كُلّ ذَلِكَ ثَابِت , وَاَلَّذِي نَخْتَارهُ هُوَ غَسْلهمَا مَرَّتَيْنِ , وَاَللَّه أَعْلَم.
( فَنَاوَلْته الْمِنْدِيل ) : بِكَسْرِ الْمِيم مَا يُحْمَل فِي الْيَد لِإِزَالَةِ الْوَسَخ وَمَسْح الدَّرَن وَتَنْشِيف الْعَرَق وَغَيْرهمَا مِنْ الْخِدْمَة , وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ : فَنَاوَلْته ثَوْبًا أَيْ لِيُنَشِّف بِهِ مَاء الْجَسَد ( فَلَمْ يَأْخُذهُ ) : الْمِنْدِيل.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي التَّنْشِيف بَعْد الْوُضُوء وَالْغُسْل , فَكَرِهَهُ بَعْضهمْ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَاب وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَة حَال يَتَطَرَّق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال , فَيَجُوز أَنْ يَكُون عَدَم الْأَخْذ لِأَمْرٍ آخَر لَا يَتَعَلَّق بِكُرْهِهِ التَّنْشِيف , بَلْ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّق بِالْخِرْقَةِ , أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَعْجِلًا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِحَدِيثِ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْسَح وَجْهه بِالْمِنْدِيلِ بَعْد الْوُضُوء , وَلَا أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر وَلَا عَلِيّ وَلَا اِبْن مَسْعُود " أَخْرَجَهُ اِبْن شَاهِين فِي النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ , وَفِيهِ سَعِيد بْن مَيْسَرَة الْبَصْرِيّ.
قَالَ الْبُخَارِيّ : مُنْكَر الْحَدِيث , وَقَالَ اِبْن حِبَّان : يَرْوِي الْمَوْضُوعَات , وَإِنْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ نَهْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَغَايَة مَا فِيهِ أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَرَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَنْ عَدَم رُؤْيَته وَهُوَ غَيْر مُسْتَلْزِم لِلنَّهْيِ.
وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى جَوَاز ذَلِكَ بَعْد الْوُضُوء وَالْغُسْل , وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَلْمَان الْفَارِسِيّ " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَقَلَبَ جُبَّة صُوف كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهه " أَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَإِسْنَاده حَسَن.
فَهَذَا الْحَدِيث يَصْلُح أَنْ يُتَمَسَّك بِهِ فِي جَوَاز التَّنْشِيف بِانْضِمَامِ رِوَايَات أُخْرَى جَاءَتْ فِي هَذَا الْبَاب , وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَن بْن عَلِيّ وَأَنَس وَعُثْمَان وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِك.
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ.
( وَجَعَلَ يَنْفُض الْمَاء ) : أَيْ يُحَرِّك وَيَدْفَع الْمَاء ( عَنْ جَسَده ) : وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَة الْمُتَقَاطِر مِنْ أَعْضَاء الْمُتَطَهِّر خِلَافًا لِمَنْ غَلَا مِنْ الْحَنَفِيَّة فَقَالَ بِنَجَاسَتِهِ , وَقَالَ : بَعْض النَّفْض هَاهُنَا مَحْمُول عَلَى تَحْرِيك الْيَدَيْنِ فِي الْمَشْي وَهُوَ تَأْوِيل مَرْدُود.
وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَنْ نَفْض الْأَيْدِي فَهُوَ ضَعِيف ( فَذَكَرْت ذَلِكَ ) : أَيْ حُكْم التَّنْشِيف وَوَجْه رَدّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِإِبْرَاهِيم ) : إِبْرَاهِيم هَذَا هُوَ النَّخَعِيُّ , وَالْقَائِل لَهُ هُوَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش كَمَا فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَة فِي هَذَا الْحَدِيث.
أَخْرَجَهُ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَالْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُسْتَخْرَجه عَلَى صَحِيح الْبُخَارِيّ ( فَقَالَ ) : إِبْرَاهِيم ( يَكْرَهُونَ الْعَادَة ) : أَيْ يَكْرَهُونَ التَّنْشِيف بِالْمَاءِ لِمَنْ يَتَّخِذهُ عَادَة لَا لِمَنْ يَفْعَلهُ أَحْيَانًا.
فِي رِوَايَة أَحْمَد : لَا بَأْس بِالْمِنْدِيلِ وَإِنَّمَا رَدَّهُ مَخَافَة أَنْ يَصِير عَادَة ( يَكْرَهُونَهُ ) : أَيْ التَّنْشِيف ( لِلْعَادَةِ ) : فَقَطْ وَلَيْسَ كَرَاهَة فِي أَصْل الْفِعْل ( فَقَالَ ) : عَبْد اللَّه ( هَكَذَا هُوَ ) : أَيْ حَدِيث مَيْمُونَة الَّذِي فِيهِ نَاوَلَتْهُ الْمِنْدِيل فَلَمْ يَأْخُذهُ هَكَذَا فِي حِفْظِي وَجْه رَدّه وَلَا مُذَاكَرَة الْأَعْمَش مَعَ شَيْخه إِبْرَاهِيم ( لَكِنْ وَجَدْته ) : أَيْ تَوْجِيه إِبْرَاهِيم وَمُذَاكَرَة الْأَعْمَش مَعَهُ ( فِي كِتَابِي هَكَذَا ) : وَيَحْتَمِل عَكْس ذَلِكَ , أَيْ حَدِيث مَيْمُونَة , هَكَذَا فِي حِفْظِي مَعَ مُذَاكَرَة الْأَعْمَش مَعَ شَيْخه إِبْرَاهِيم وَإِنَّا نَحْفَظهَا , لَكِنْ وَجَدْت حَدِيث مَيْمُونَة فِي كِتَابِي هَكَذَا بِغَيْرِ قِصَّة إِبْرَاهِيم وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْر لِمُذَاكَرَتِهِمَا.
وَهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي قَرَّرَهُ شَيْخنَا الْعَلَّامَة مَتَّعَنَا اللَّه بِطُولِ بَقَائِهِ وَقْت الدَّرْس.
قَالَ اِبْن رَسْلَان : قَالَ أَصْحَاب الْحَدِيث : إِذَا وَجَدَ الْحَافِظ الْحَدِيث فِي كِتَابه خِلَاف مَا يَحْفَظهُ , فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ مِنْ كِتَابه فَلْيَرْجِعْ إِلَى كِتَابه , وَإِنْ حَفِظَهُ مِنْ فَم الْمُحَدِّث , أَوْ مِنْ الْقِرَاءَة عَلَى الْمُحَدِّث وَهُوَ غَيْر شَاكّ فِي حِفْظه فَلْيَعْتَمِدْ عَلَى حِفْظه , وَالْأَحْسَن أَنْ يَجْمَع بَيْنهمَا كَمَا فَعَلَ عَبْد اللَّه بْن دَاوُدَ , فَيَقُول : فِي حِفْظِي كَذَا , وَفِي كِتَابِي كَذَا , وَكَذَا فَعَلَ شُعْبَة وَغَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ , وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمْ قِصَّة إِبْرَاهِيم.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَتْ وَضَعْتُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّبِيِّ غُسْلًا يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى فَغَسَلَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ صَبَّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَغَسَلَهَا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَةً فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ الْمِنْدِيلَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ عَنْ جَسَدِهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِالْمِنْدِيلِ بَأْسًا وَلَكِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِلْعَادَةِ فَقَالَ هَكَذَا هُوَ وَلَكِنْ وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي هَكَذَا
عن شعبة قال: " إن ابن عباس كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه - فنسي مرة كم أفرغ، فسألني كم أفرغت؟ فقلت ل...
عن عبد الله بن عمر قال: «كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جع...
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر»
عن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل بها كذا وكذا من النار»
عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءا بعد الغسل»
عن أم سلمة، أن امرأة من المسلمين - وقال زهير أنها قالت: يا رسول الله، إني امرأة - أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: «إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثا»...
عن عائشة قالت: «كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات - هكذا تعني بكفيها جميعا - فتصب على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق، والأخرى...
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنا نغتسل وعلينا الضماد، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات»
عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة، أن ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «أما الرجل فلينشر رأسه...