حديث الرسول ﷺ English الإجازة تواصل معنا
الحديث النبوي

إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه - صحيح البخاري

صحيح البخاري | كتاب الإيمان باب: الدين يسر (حديث رقم: 39 )


39- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»

أخرجه البخاري


(يسر) ذو يسر.
(يشاد الدين) يكلف نفسه من العبادة فوق طاقته والمشادة المغالبة.
(إلا غلبه) رده إلى اليسر والاعتدال.
(فسددوا) الزموا السداد وهو التوسط في الأعمال.
(قاربوا) اقتربوا من فعل الأكمل إن لم تسطيعوه.
(واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة كأول النهار وبعد الزوال وآخر الليل]

شرح حديث (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)

فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْد السَّلَام بْن مُطَهِّر ) ‏ ‏أَيْ : اِبْن حُسَام الْبَصْرِيّ , وَكُنْيَته أَبُو ظَفَر بِالْمُعْجَمَةِ وَالْفَاء الْمَفْتُوحَتَيْنِ ‏ ‏قَوْله : ( حَدَّثَنَا عُمَر بْن عَلِيّ ) ‏ ‏هُوَ الْمُقَدِّمِيّ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْقَاف وَالدَّال الْمُشَدَّدَة , وَهُوَ بَصْرِيّ ثِقَة ; لَكِنَّهُ مُدَلِّس شَدِيد التَّدْلِيس , وَصَفَهُ بِذَلِكَ اِبْن سَعْد وَغَيْره.
وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ أَفْرَاد الْبُخَارِيّ عَنْ مُسْلِم , وَصَحَّحَهُ - وَإِنْ كَانَ مِنْ رِوَايَة مُدَلِّس بِالْعَنْعَنَةِ - لِتَصْرِيحِهِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ طَرِيق أُخْرَى , فَقَدْ رَوَاهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ طَرِيق أَحْمَد بْن الْمِقْدَام أَحَد شُيُوخ الْبُخَارِيّ عَنْ عُمَر بْن عَلِيّ الْمَذْكُور قَالَ " سَمِعْت مَعْن بْن مُحَمَّد " فَذَكَرَهُ , وَهُوَ مِنْ أَفْرَاد مَعْن بْن مُحَمَّد , وَهُوَ مَدَنِيّ ثِقَة قَلِيل الْحَدِيث , لَكِنْ تَابَعَهُ عَلَى شِقّه الثَّانِي اِبْن أَبِي ذِئْب عَنْ سَعِيد أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الرِّقَاق بِمَعْنَاهُ وَلَفْظه " سَدِّدُوا وَقَرِّبُوا " وَزَادَ فِي آخِره " وَالْقَصْد الْقَصْد تَبْلُغُوا " وَلَمْ يَذْكُر شِقّه الْأَوَّل , وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى بَعْض شَوَاهِده وَمِنْهَا حَدِيث عُرْوَة الْفُقَيْمِيّ بِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْقَاف عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ دِين اللَّه يُسْر " , وَمِنْهَا حَدِيث بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا , فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادّ هَذَا الدِّين يَغْلِبهُ " رَوَاهُمَا أَحْمَد وَإِسْنَاد كُلّ مِنْهُمَا حَسَن.
‏ ‏قَوْله : ( وَلَنْ يُشَادّ الدِّين إِلَّا غَلَبَهُ ) ‏ ‏هَكَذَا فِي رِوَايَتنَا بِإِضْمَارِ الْفَاعِل , وَثَبَتَ فِي رِوَايَة اِبْن السَّكَن وَفِي بَعْض الرِّوَايَات عَنْ الْأَصِيلِيّ بِلَفْظِ " وَلَنْ يُشَادّ الدِّين أَحَد إِلَّا غَلَبَهُ " , وَكَذَا هُوَ فِي طُرُق هَذَا الْحَدِيث عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبِي نُعَيْم وَابْن حِبَّان وَغَيْرهمْ , وَالدِّين مَنْصُوب عَلَى الْمَفْعُولِيَّة وَكَذَا فِي رِوَايَتنَا أَيْضًا , وَأَضْمَرَ الْفَاعِل لِلْعِلْمِ بِهِ , وَحَكَى صَاحِب الْمَطَالِع أَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات بِرَفْعِ الدِّين عَلَى أَنَّ يُشَادّ مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَعَارَضَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات بِالنَّصْبِ , وَيُجْمَع بَيْن كَلَامَيْهِمَا بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَات الْمَغَارِبَة وَالْمَشَارِقَة , وَيُؤَيِّد النَّصْب لَفْظ حَدِيث بُرَيْدَةَ عِنْد أَحْمَد " إِنَّهُ مَنْ شَادَّ هَذَا الدِّين يَغْلِبهُ " ذَكَرَهُ فِي حَدِيث آخَر يَصْلُح أَنْ يَكُون هُوَ سَبَب حَدِيث الْبَاب.
وَالْمُشَادَّة بِالتَّشْدِيدِ الْمُغَالَبَة , يُقَال شَادَّهُ يُشَادّهُ مُشَادَّة إِذَا قَاوَاهُ , وَالْمَعْنَى لَا يَتَعَمَّق أَحَد فِي الْأَعْمَال الدِّينِيَّة وَيَتْرُك الرِّفْق إِلَّا عَجَزَ وَانْقَطَعَ فَيُغْلَب.
قَالَ اِبْن الْمُنِير : فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة , فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاس قَبْلنَا أَنَّ كُلّ مُتَنَطِّع فِي الدِّين يَنْقَطِع , وَلَيْسَ الْمُرَاد مَنْع طَلَب الْأَكْمَل فِي الْعِبَادَة فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُور الْمَحْمُودَة , بَلْ مَنْع الْإِفْرَاط الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَلَال , أَوْ الْمُبَالَغَة فِي التَّطَوُّع الْمُفْضِي إِلَى تَرْك الْأَفْضَل , أَوْ إِخْرَاج الْفَرْض عَنْ وَقْته كَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه وَيُغَالِب النَّوْم إِلَى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فِي آخِر اللَّيْل فَنَامَ عَنْ صَلَاة الصُّبْح فِي الْجَمَاعَة , أَوْ إِلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْت الْمُخْتَار , أَوْ إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْس فَخَرَجَ وَقْت الْفَرِيضَة , وَفِي حَدِيث مِحْجَن بْن الْأَدْرَع عِنْد أَحْمَد " إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْر بِالْمُغَالَبَةِ , وَخَيْر دِينكُمْ الْيَسَرَة " وَقَدْ يُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْإِشَارَة إِلَى الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّة , فَإِنَّ الْأَخْذ بِالْعَزِيمَةِ فِي مَوْضِع الرُّخْصَة تَنَطُّع , كَمَنْ يَتْرُك التَّيَمُّم عِنْد الْعَجْز عَنْ اِسْتِعْمَال الْمَاء فَيُفْضِي بِهِ اِسْتِعْمَاله إِلَى حُصُول الضَّرَر.
‏ ‏قَوْله : ( فَسَدِّدُوا ) ‏ ‏أَيْ : اِلْزَمُوا السَّدَاد وَهُوَ الصَّوَاب مِنْ غَيْر إِفْرَاط وَلَا تَفْرِيط , قَالَ أَهْل اللُّغَة : السَّدَاد التَّوَسُّط فِي الْعَمَل.
‏ ‏قَوْله : ( وَقَارِبُوا ) ‏ ‏أَيْ : إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذ بِالْأَكْمَلِ فَاعْمَلُوا بِمَا يُقَرِّب مِنْهُ.
‏ ‏قَوْله : ( وَأَبْشِرُوا ) ‏ ‏أَيْ : بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَل الدَّائِم وَإِنْ قَلَّ , وَالْمُرَاد تَبْشِير مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعَمَل بِالْأَكْمَلِ بِأَنَّ الْعَجْز إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَنِيعه لَا يَسْتَلْزِم نَقْص أَجْره , وَأَبْهَمَ الْمُبَشَّر بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَفْخِيمًا.
‏ ‏قَوْله : ( وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ ) ‏ ‏أَيْ : اِسْتَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَة الْعِبَادَة بِإِيقَاعِهَا فِي الْأَوْقَات الْمُنَشِّطَة.
وَالْغَدْوَة بِالْفَتْحِ سَيْر أَوَّل النَّهَار , وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : مَا بَيْن صَلَاة الْغَدَاة وَطُلُوع الشَّمْس.
وَالرَّوْحَة بِالْفَتْحِ السَّيْر بَعْد الزَّوَال.
وَالدُّلْجَة بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْحه وَإِسْكَان اللَّام سَيْر آخِر اللَّيْل , وَقِيلَ سَيْر اللَّيْل كُلّه , وَلِهَذَا عَبَّرَ فِيهِ بِالتَّبْعِيضِ ; وَلِأَنَّ عَمَل اللَّيْل أَشَقّ مِنْ عَمَل النَّهَار.
وَهَذِهِ الْأَوْقَات أَطْيَب أَوْقَات الْمُسَافِر , وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ مُسَافِرًا إِلَى مَقْصِد فَنَبَّهَهُ عَلَى أَوْقَات نَشَاطه ; لِأَنَّ الْمُسَافِر إِذَا سَافَرَ اللَّيْل وَالنَّهَار جَمِيعًا عَجَزَ وَانْقَطَعَ , وَإِذَا تَحَرَّى السَّيْر فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الْمُنَشِّطَة أَمْكَنَتْهُ الْمُدَاوَمَة مِنْ غَيْر مَشَقَّة.
وَحُسْن هَذِهِ الِاسْتِعَارَة أَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَة دَار نُقْلَة إِلَى الْآخِرَة , وَأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَات بِخُصُوصِهَا أَرْوَح مَا يَكُون فِيهَا الْبَدَن لِلْعِبَادَةِ.
وَقَوْله فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي ذِئْب " الْقَصْد الْقَصْد " بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى الْإِغْرَاء , وَالْقَصْد الْأَخْذ بِالْأَمْرِ الْأَوْسَط.
‏ ‏وَمُنَاسَبَة إِيرَاد الْمُصَنِّف لِهَذَا الْحَدِيث عَقِب الْأَحَادِيث الَّتِي قَبْله ظَاهِرَة مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَضَمَّنَتْ التَّرْغِيب فِي الْقِيَام وَالصِّيَام وَالْجِهَاد , فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّن أَنَّ الْأَوْلَى لِلْعَامِلِ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُجْهِد نَفْسه بِحَيْثُ يَعْجِز وَيَنْقَطِع , بَلْ يَعْمَل بِتَلَطُّفٍ وَتَدْرِيج لِيَدُومَ عَمَله وَلَا يَنْقَطِع.
ثُمَّ عَادَ إِلَى سِيَاق الْأَحَادِيث الدَّالَّة عَلَى أَنَّ الْأَعْمَال الصَّالِحَة مَعْدُودَة مِنْ الْإِيمَان فَقَالَ : بَاب الصَّلَاة مِنْ الْإِيمَان.


حديث إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة

الحديث بالسند الكامل مع التشكيل

‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ ‏ ‏قَالَ حَدَّثَنَا ‏ ‏عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ ‏ ‏يُشَادَّ ‏ ‏الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا ‏ ‏غَلَبَهُ ‏ ‏فَسَدِّدُوا ‏ ‏وَقَارِبُوا ‏ ‏وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا ‏ ‏بِالْغَدْوَةِ ‏ ‏وَالرَّوْحَةِ ‏ ‏وَشَيْءٍ مِنْ ‏ ‏الدُّلْجَةِ ‏

كتب الحديث النبوي الشريف

المزيد من أحاديث صحيح البخاري

سبب نزول آية وما كان الله ليضيع إيمانكم

عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال أخواله من الأنصار، وأنه « صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا...

كل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ض...

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحسن أحدكم إسلامه: فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، وكل سيئة يعملها ت...

عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا

عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟» قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل ال...

يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن...

عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي...

اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم...

عن عمر بن الخطاب، أن رجلا، من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.<br> قال: أي...

سأل عن الإسلام فقال رسول الله ﷺ خمس صلوات في اليوم...

عن طلحة بن عبيد الله، يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن ا...

من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اتبع جنازة مسلم، إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقي...

سباب المسلم فسوق وقتاله كفر

عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»

التمسوا ليلة القدر في السبع والتسع والخمس

عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلا...