40-
عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال أخواله من الأنصار، وأنه « صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم» فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك.
قال زهير: حدثنا أبو إسحاق، عن البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}
أخرجه مسلم في الصلاة باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة رقم 525
(قبل) نحو.
(يعجبه) يحب ويرغب.
(قبل البيت) جهة الكعبة.
(أول صلاة صلاها) أي إلى الكعبة بعد تحويل القبلة.
(رجل) هو عباد بن بشر رضي الله عنه وقيل غيره.
(أشهد بالله) أحلف بالله.
(فداروا كما هم) أي لم يقطعوا الصلاة بل داروا على ما هم عليه وأتموا صلاتهم.
(وأهل الكتاب) والنصارى كذلك.
(ولى وجهه قبل البيت) توجه نحوه.
(أنكروا ذلك) لم يعجبهم وطعنوا فيه
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَمْرو بْن خَالِد ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَسُكُون الْمِيم , وَهُوَ أَبُو الْحَسَن الْحَرَّانِيّ نَزِيل مِصْر أَحَد الثِّقَات الْأَثْبَات.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ عَنْ عَبْدُوس كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي زَيْد الْمَرْوَزِيّ , وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ عَنْ الْكُشْمِيهَنِيّ " عُمَر بْن خَالِد " بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الْمِيم , وَهُوَ تَصْحِيف نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُدَمَاء أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ , وَلَيْسَ فِي شُيُوخ الْبُخَارِيّ مَنْ اِسْمه عُمَر بْن خَالِد وَلَا فِي جَمِيع رِجَاله بَلْ وَلَا فِي أَحَد مِنْ رِجَال الْكُتُب السِّتَّة.
قَوْله : ( حَدَّثَنَا زُهَيْر ) هُوَ اِبْن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيّ نَزِيل الْجَزِيرَة وَبِهَا سَمِعَ مِنْهُ عَمْرو بْن خَالِد قَوْله : ( حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق ) هُوَ السُّبَيْعِيّ وَسَمَاع زُهَيْر مِنْهُ - فِيمَا قَالَ أَحْمَد - بَعْد أَنْ بَدَأَ تَغَيُّره , لَكِنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عِنْد الْمُصَنِّف إِسْرَائِيل بْن يُونُس حَفِيده وَغَيْره.
قَوْله : ( عَنْ الْبَرَاء ) هُوَ اِبْن عَازِب الْأَنْصَارِيّ , صَحَابِيّ اِبْن صَحَابِيّ.
وَلِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِير مِنْ طَرِيق الثَّوْرِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاق " سَمِعْت الْبَرَاء " فَأُمِنَ مَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيس أَبِي إِسْحَاق.
قَوْله ( أَوَّل ) بِالنَّصْبِ أَيْ فِي أَوَّل زَمَن قُدُومه , وَمَا مَصْدَرِيَّة.
قَوْله : ( أَوْ قَالَ أَخْوَاله ) الشَّكّ مِنْ أَبِي إِسْحَاق , وَفِي إِطْلَاق أَجْدَاده أَوْ أَخْوَاله مَجَاز ; لِأَنَّ الْأَنْصَار أَقَارِبه مِنْ جِهَة الْأُمُومَة , لِأَنَّ أُمّ جَدّه عَبْد الْمُطَّلِب بْن هَاشِم مِنْهُمْ , وَهِيَ سَلْمَى بِنْت عَمْرو أَحَد بَنِي عَدِيّ بْن النَّجَّار.
وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتهمْ بَنِي مَالِك بْن النَّجَّار , فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَاز ثَانٍ.
قَوْله : ( قِبَل بَيْت الْمَقْدِس ) بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْح الْمُوَحَّدَة , أَيْ إِلَى جِهَة بَيْت الْمَقْدِس.
قَوْله : ( سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر ) كَذَا وَقَعَ الشَّكّ فِي رِوَايَة زُهَيْر هَذِهِ هُنَا , وَفِي الصَّلَاة أَيْضًا عَنْ أَبِي نُعَيْم عَنْهُ , وَكَذَا فِي رِوَايَة الثَّوْرِيّ عِنْده , وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عِنْد الْمُصَنِّف وَعِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضًا.
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه عَنْ عَمَّار بْن رَجَاء وَغَيْره عَنْ أَبِي نُعَيْم فَقَالَ " سِتَّة عَشَر " مِنْ غَيْر شَكّ , وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة أَبِي الْأَحْوَص , وَلِلنَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَة زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة وَشَرِيك , وَلِأَبِي عَوَانَة أَيْضًا مِنْ رِوَايَة عَمَّار بْن رُزَيْق - بِتَقْدِيمِ الرَّاء مُصَغَّرًا - كُلّهمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاق , وَكَذَا لِأَحْمَد بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَلِلْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن عَوْف " سَبْعَة عَشَر " وَكَذَا لِلطَّبَرَانِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَالْجَمْع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ سَهْل بِأَنْ يَكُون مَنْ جَزَمَ بِسِتَّةَ عَشَر لَفَّقَ مِنْ شَهْر الْقُدُوم وَشَهْر التَّحْوِيل شَهْرًا وَأَلْغَى الزَّائِد , وَمَنْ جَزَمَ بِسَبْعَةَ عَشَر عَدَّهُمَا مَعًا , وَمَنْ شَكَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُوم كَانَ فِي شَهْر رَبِيع الْأَوَّل بِلَا خِلَاف , وَكَانَ التَّحْوِيل فِي نِصْف شَهْر رَجَب مِنْ السَّنَة الثَّانِيَة عَلَى الصَّحِيح , وَبِهِ جَزَمَ الْجُمْهُور , وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ اِبْن حِبَّان " سَبْعَة عَشَر شَهْرًا وَثَلَاثَة أَيَّام " وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْقُدُوم كَانَ فِي ثَانِي عَشَر شَهْر رَبِيع الْأَوَّل.
وَشَذَّتْ أَقْوَال أُخْرَى.
فَفِي اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش عَنْ أَبِي إِسْحَاق فِي هَذَا الْحَدِيث " ثَمَانِيَة عَشَر شَهْرًا " وَأَبُو بَكْر سَيِّئ الْحِفْظ وَقَدْ اِضْطَرَبَ فِيهِ , فَعِنْد اِبْن جَرِير مِنْ طَرِيقه فِي رِوَايَة سَبْعَة عَشَر وَفِي رِوَايَة سِتَّة عَشَر , وَخَرَّجَهُ بَعْضهمْ عَلَى قَوْل مُحَمَّد بْن حَبِيب أَنَّ التَّحْوِيل كَانَ فِي نِصْف شَعْبَان , وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَأَقَرَّهُ , مَعَ كَوْنه رَجَّحَ فِي شَرْحه لِمُسْلِمٍ رِوَايَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا لِكَوْنِهَا مَجْزُومًا بِهَا عِنْد مُسْلِم , وَلَا يَسْتَقِيم أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي شَعْبَان إِلَّا إِنْ أَلْغَى شَهْرَيْ الْقُدُوم وَالتَّحْوِيل , وَقَدْ جَزَمَ مُوسَى بْن عُقْبَة بِأَنَّ التَّحْوِيل كَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة.
وَمِنْ الشُّذُوذ أَيْضًا رِوَايَة ثَلَاثَة عَشَر شَهْرًا وَرِوَايَة تِسْعَة أَشْهُر أَوْ عَشَرَة أَشْهُر وَرِوَايَة شَهْرَيْنِ وَرِوَايَة سَنَتَيْنِ , وَهَذِهِ الْأَخِيرَة يُمْكِن حَمْلهَا عَلَى الصَّوَاب.
وَأَسَانِيد الْجَمِيع ضَعِيفَة , وَالِاعْتِمَاد عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل , فَجُمْلَة مَا حَكَاهُ تِسْع رِوَايَات.
قَوْله : ( وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّل ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مَفْعُول صَلَّى , وَالْعَصْر كَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِيَّة , وَأَعْرَبَهُ اِبْن مَالِك بِالرَّفْعِ , وَفِي الْكَلَام مُقَدَّر لَمْ يُذْكَر لِوُضُوحِهِ , أَيْ : أَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا مُتَوَجِّهًا إِلَى الْكَعْبَة صَلَاة الْعَصْر.
وَعِنْد اِبْن سَعْد : حُوِّلَتْ الْقِبْلَة فِي صَلَاة الظُّهْر أَوْ الْعَصْر - عَلَى التَّرَدُّد - وَسَاقَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث عُمَارَة بْن أَوْس قَالَ : صَلَّيْنَا إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيّ.
وَالتَّحْقِيق أَنَّ أَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا فِي بَنِي سَلِمَة لَمَّا مَاتَ بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور الظُّهْر , وَأَوَّل صَلَاة صَلَّاهَا بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيّ الْعَصْر , وَأَمَّا الصُّبْح فَهُوَ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر بِأَهْلِ قُبَاء , وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة أَوْ رَجَب أَوْ شَعْبَان ؟ أَقْوَال.
قَوْله : ( فَخَرَجَ رَجُل ) هُوَ عَبَّاد بْن بِشْر بْن قَيْظِيّ كَمَا رَوَاهُ اِبْن مَنْدَهْ مِنْ حَدِيث طَوِيلَة بِنْت أَسْلَم , وَقِيلَ هُوَ عَبَّاد بْن نَهِيك بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْهَاء , وَأَهْل الْمَسْجِد الَّذِينَ مَرَّ بِهِمْ قِيلَ هُمْ مِنْ بَنِي سَلِمَة , وَقِيلَ هُوَ عَبَّاد بْن بِشْر الَّذِي أَخْبَرَ أَهْل قُبَاء فِي صَلَاة الصُّبْح كَمَا سَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الصَّلَاة , وَنَذْكُر هُنَاكَ تَقْرِير الْجَمْع بَيْن هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرهمَا مَعَ التَّنْبِيه عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ الْفَوَائِد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( أَشْهَد بِاَللَّهِ ) أَيْ أَحْلِف , قَالَ الْجَوْهَرِيّ : يُقَال أَشْهَد بِكَذَا أَيْ : أَحْلِف بِهِ.
قَوْله : ( قِبَل مَكَّة ) أَيْ : قِبَل الْبَيْت الَّذِي فِي مَكَّة , وَلِهَذَا قَالَ " فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَل الْبَيْت " , و " مَا " مَوْصُولَة وَالْكَاف لِلْمُبَادَرَةِ , وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لِلْمُقَارَنَةِ , وَهُمْ مُبْتَدَأ وَخَبَره مَحْذُوف.
قَوْله : ( قَدْ أَعْجَبَهُمْ ) أَيْ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
( وَأَهْل الْكِتَاب ) هُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْيَهُود , مِنْ عَطْف الْعَامّ عَلَى الْخَاصّ.
وَقِيلَ الْمُرَاد النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ النَّصَارَى لَا يُصَلُّونَ لِبَيْتِ الْمَقْدِس فَكَيْف يُعْجِبهُمْ ؟ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ : كَانَ إِعْجَابهمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّة لِلْيَهُودِ.
قُلْت : وَفِيهِ بُعْد لِأَنَّهُمْ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلْيَهُودِ.
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالنَّصْبِ , وَالْوَاو بِمَعْنَى مَعَ أَيْ : يُصَلِّي مَعَ أَهْل الْكِتَاب إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاته إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَهُوَ بِمَكَّة , فَرَوَى اِبْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش الْمَذْكُورَة " صَلَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس ثَمَانِيَة عَشَر شَهْرًا , وَصُرِفَتْ الْقِبْلَة إِلَى الْكَعْبَة بَعْد دُخُول الْمَدِينَة بِشَهْرَيْنِ " وَظَاهِره أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس مَحْضًا , وَحَكَى الزُّهْرِيّ خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ يَجْعَل الْكَعْبَة خَلْف ظَهْره أَوْ يَجْعَلهَا بَيْنه وَبَيْن بَيْت الْمَقْدِس ؟ قُلْت : وَعَلَى الْأَوَّل فَكَانَ يَجْعَل الْمِيزَاب خَلْفه , وَعَلَى الثَّانِي كَانَ يُصَلِّي بَيْن الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ.
وَزَعَمَ نَاس أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة بِمَكَّة , فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة اِسْتَقْبَلَ بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ نُسِخَ.
وَحَمَلَ اِبْن عَبْد الْبَرّ هَذَا عَلَى الْقَوْل الثَّانِي.
وَيُؤَيِّد حَمْله عَلَى ظَاهِره إِمَامَة جِبْرِيل , فَفِي بَعْض طُرُقه أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْد بَاب الْبَيْت.
قَوْله : ( أَنْكَرُوا ذَلِكَ ) يَعْنِي الْيَهُود , فَنَزَلَتْ ( سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس ) الْآيَة.
وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّف بِذَلِكَ فِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق إِسْرَائِيل.
قَوْله ( قَالَ زُهَيْر ) يَعْنِي اِبْن مُعَاوِيَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور بِحَذْفِ أَدَاة الْعَطْف كَعَادَتِهِ , وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُعَلَّق , وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّف فِي التَّفْسِير مَعَ جُمْلَة الْحَدِيث عَنْ أَبِي نُعَيْم عَنْ زُهَيْر سِيَاقًا وَاحِدًا.
قَوْله : ( أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَة ) أَيْ : قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس قَبْل أَنْ تُحَوَّل ( رِجَال وَقُتِلُوا ) ذِكْر الْقَتْل لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي رِوَايَة زُهَيْر , وَبَاقِي الرِّوَايَات إِنَّمَا فِيهَا ذِكْر الْمَوْت فَقَطْ , وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِم صَحِيحًا عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَاَلَّذِينَ مَاتُوا بَعْد فَرْض الصَّلَاة وَقَبْل تَحْوِيل الْقِبْلَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَة أَنْفُس , فَبِمَكَّة مِنْ قُرَيْش : عَبْد اللَّه بْن شِهَاب وَالْمُطَّلِب بْن أَزْهَر الزُّهْرِيَّانِ وَالسَّكْرَان بْن عَمْرو الْعَامِرِيّ.
وَبِأَرْضِ الْحَبَشَة مِنْهُمْ : حَطَّاب - بِالْمُهْمَلَةِ - اِبْن الْحَارِث الْجُمَحِيُّ وَعَمْرو بْن أُمَيَّة الْأَسَدِيُّ وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث السَّهْمِيّ وَعُرْوَة بْن عَبْد الْعُزَّى وَعَدِيّ بْن نَضْلَة الْعَدَوِيَّانِ.
وَمِنْ الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ : الْبَرَاء بْن مَعْرُور بِمُهْمَلَاتٍ وَأَسْعَد بْنُ زُرَارَة.
فَهَؤُلَاءِ الْعَشَرَة مُتَّفَق عَلَيْهِمْ.
وَمَاتَ فِي الْمُدَّة أَيْضًا إِيَاس بْن مُعَاذ الْأَشْهَلِيّ ; لَكِنَّهُ مُخْتَلَف فِي إِسْلَامه.
وَلَمْ أَجِد فِي شَيْء مِنْ الْأَخْبَار أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُتِلَ قَبْل تَحْوِيل الْقِبْلَة , لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم الذِّكْر عَدَم الْوُقُوع , فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة مَحْفُوظَة فَتُحْمَل عَلَى أَنَّ بَعْض الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يَشْتَهِر قُتِلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّة فِي غَيْر الْجِهَاد , وَلَمْ يُضْبَط اِسْمه لِقِلَّةِ الِاعْتِنَاء بِالتَّارِيخِ إِذْ ذَاكَ.
ثُمَّ وَجَدْت فِي الْمَغَازِي ذِكْر رَجُل اُخْتُلِفَ فِي إِسْلَامه وَهُوَ سُوَيْد بْن الصَّامِت , فَقَدْ ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل أَنْ تَلْقَاهُ الْأَنْصَار فِي الْعَقَبَة , فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقَوْل حَسَن.
وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَة فَقُتِلَ بِهَا فِي وَقْعَة بُعَاث - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَإِهْمَال الْعَيْن وَآخِره مُثَلَّثَة - وَكَانَتْ قَبْل الْهِجْرَة , قَالَ فَكَانَ قَوْمه يَقُولُونَ : لَقَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِم , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هُوَ الْمُرَاد.
وَذَكَرَ لِي بَعْض الْفُضَلَاء أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُرَاد مَنْ قُتِلَ بِمَكَّة مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ كَأَبَوَيْ عَمَّار.
قُلْت : يَحْتَاج إِلَى ثُبُوت أَنَّ قَتْلهمَا بَعْد الْإِسْرَاء.
( تَنْبِيه ) : فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد : الرَّدّ عَلَى الْمُرْجِئَة فِي إِنْكَارهمْ تَسْمِيَة أَعْمَال الدِّين إِيمَانًا.
وَفِيهِ أَنَّ تَمَنِّي تَغْيِير بَعْض الْأَحْكَام جَائِز إِذَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ.
وَفِيهِ بَيَان شَرَف الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَامَته عَلَى رَبّه لِإِعْطَائِهِ لَهُ مَا أَحَبَّ مِنْ غَيْر تَصْرِيح بِالسُّؤَالِ.
وَفِيهِ بَيَان مَا كَانَ فِي الصَّحَابَة مِنْ الْحِرْص عَلَى دِينهمْ وَالشَّفَقَة عَلَى إِخْوَانهمْ , وَقَدْ وَقَعَ لَهُمْ نَظِير هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر كَمَا صَحَّ مِنْ حَدِيث الْبَرَاء أَيْضًا فَنَزَلَ ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا - إِلَى قَوْله - وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ ).
وَقَوْله تَعَالَى ( إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) , وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَا الْمَعْنَى عَقَّبَ الْمُصَنِّف هَذَا الْبَاب بِقَوْلِهِ : " بَاب حُسْن إِسْلَام الْمَرْء " فَذَكَرَ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْمُسْلِم إِذَا فَعَلَ الْحَسَنَة أُثِيبَ عَلَيْهَا.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَتْ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }
عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذه وهذه سواء».<br> يعني الخنصر والإبهام.<br> 6896- حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعب...
عن حذيفة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا.<br> وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النش...
عن أنس رضي الله عنه حدثه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: «من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس...
عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقت...
عن أنس رضي الله عنه قال: «كانت أم سليم في الثقل وأنجشة غلام النبي صلى الله عليه وسلم يسوق بهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجش رويدك سوقك بال...
عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله، دعي من أبواب، - يعني الجنة، - يا عبد الله ه...
عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون: سام عليك، فقل: عليك.»
عن ابن عباس، قال: قالت ميمونة: «وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا، فسترته بثوب، وصب على يديه، فغسلهما، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه، فضرب بيده ا...
عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفض...