97- عن أبي بردة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران "، ثم قال عامر: أعطيناكها بغير شيء، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة
أخرجه مسلم في الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس رقم 154
(رجل من أهل الكتاب) التوراة أو الإنجيل ذكرا كان أم أنثى.
(مواليه) جمع مولى وهو السيد المالك للعبد أو المعتق له.
(أمة) مملوكة.
(يطؤها) ممتكن من جماعها شرعا بملكه لها.
(فأدبها) رباها ونشأها على التخلق ببالأخلاق الحميدة.
(أعطيناكها) أي هذه الفتوى والخطاب لرجل من أهل خراسان سأله عمن يعتق أمته ثم يتزوجها.
فتح الباري
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَلَّام ) كَذَا فِي رِوَايَتنَا مِنْ طَرِيق أَبِي ذَرّ , وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد هُوَ اِبْن سَلَّام , وَلِلْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد حَسْب , وَاعْتَمَدَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَاف فَقَالَ : رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ مُحَمَّد قِيلَ هُوَ اِبْن سَلَّام.
قَوْله : ( أَخْبَرَنَا ) فِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيّ وَهُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد , وَلَيْسَ لَهُ عِنْد الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث آخَر فِي الْعِيدَيْنِ , وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْجَيَّانِيّ أَنَّ بَعْض أَهْل بَلَدهمْ صَحَّفَ " الْمُحَارِبِيّ " فَقَالَ الْبُخَارِيّ , فَأَخْطَأَ خَطَأ فَاحِشًا.
قَوْله : ( حَدَّثَنَا صَالِح بْن حَيَّان ) هُوَ صَالِح بْن صَالِح بْن مُسْلِم بْن حَيَّان نُسِبَ إِلَى جَدّ أَبِيهِ , وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْيَاء التَّحْتَانِيَّة , وَلَقَبه حَيّ وَهُوَ أَشْهَر بِهِ مِنْ اِسْمه , وَكَذَا مَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ يُقَال لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ غَالِبًا فُلَان اِبْن حَيّ كَصَالِحِ بْن حَيّ هَذَا.
وَهُوَ ثِقَة مَشْهُور , وَفِي طَبَقَته رَاوٍ آخَر كُوفِيّ أَيْضًا يُقَال لَهُ صَالِح بْن حَيَّان الْقُرَشِيّ لَكِنَّهُ ضَعِيف , وَقَدْ وَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيّ أَخْرَجَ لَهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَخْرَجَ لِصَالِحِ بْن حَيّ , وَهَذَا الْحَدِيث مَعْرُوف بِرِوَايَتِهِ عَنْ الشَّعْبِيّ دُون الْقُرَشِيّ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثه مِنْ طُرُق : مِنْهَا فِي الْجِهَاد مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِح بْن حَيّ أَبُو حَيَّان قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ , وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْحَدِيث الْمَذْكُور فِي كِتَاب الْأَدَب الْمُفْرَد بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَهُ هُنَا فَقَالَ صَالِح بْن حَيّ.
قَوْله : ( قَالَ عَامِر ) أَيْ : قَالَ صَالِح قَالَ عَامِر , وَعَادَتهمْ حَذْف قَالَ إِذَا تَكَرَّرَتْ خَطًّا لَا نُطْقًا.
قَوْله : ( عَنْ أَبِيهِ ) هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِتْق وَغَيْره.
قَوْله : ( ثَلَاثَة لَهُمْ أَجْرَانِ ) ثَلَاثَة مُبْتَدَأ , وَالتَّقْدِير ثَلَاثَة رِجَال أَوْ رِجَال ثَلَاثَة , وَلَهُمْ أَجْرَانِ خَبَره.
قَوْله : ( رَجُل ) هُوَ بَدَل تَفْصِيل , أَوْ بَدَل كُلّ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَجْمُوع.
قَوْله : ( مِنْ أَهْل الْكِتَاب ) لَفْظ الْكِتَاب عَامّ وَمَعْنَاهُ خَاصّ , أَيْ : الْمُنَزَّل مِنْ عِنْد اللَّه , وَالْمُرَاد بِهِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ نُصُوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة حَيْثُ يُطْلَق أَهْل الْكِتَاب , وَقِيلَ الْمُرَاد بِهِ هُنَا الْإِنْجِيل خَاصَّة إِنْ قُلْنَا إِنَّ النَّصْرَانِيَّة نَاسِخَة لِلْيَهُودِيَّةِ , كَذَا قَرَّرَهُ جَمَاعَة , وَلَا يَحْتَاج إِلَى اِشْتِرَاط النَّسْخ لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِلَا خِلَاف , فَمَنْ أَجَابَهُ مِنْهُمْ نُسِبَ إِلَيْهِ , وَمَنْ كَذَّبَهُ مِنْهُمْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى يَهُودِيَّته لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا فَلَا يَتَنَاوَلهُ الْخَبَر ; لِأَنَّ شَرْطه أَنْ يَكُون مُؤْمِنًا بِنَبِيِّهِ.
نَعَمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّة مِنْ غَيْر بَنِي إِسْرَائِيل , أَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَته , يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ يَهُودِيّ مُؤْمِن , إِذْ هُوَ مُؤْمِن بِنَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَلَمْ يُكَذِّب نَبِيًّا آخَر , فَمَنْ أَدْرَكَ بَعْثَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَة وَآمَنَ بِهِ لَا يُشْكِل أَنَّهُ يَدْخُل فِي الْخَبَر الْمَذْكُور , وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل الْعَرَب الَّذِينَ كَانُوا بِالْيَمَنِ وَغَيْرهَا مِمَّنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي الْيَهُودِيَّة وَلَمْ تَبْلُغهُمْ دَعْوَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِكَوْنِهِ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل خَاصَّة.
نَعَمْ الْإِشْكَال فِي الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْآيَة الْمُوَافِقَة لِهَذَا الْحَدِيث وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : ( أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ ) نَزَلَتْ فِي طَائِفَة آمَنُوا مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَغَيْره , فَفِي الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث رِفَاعَة الْقُرَظِيّ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِيَّ وَفِيمَنْ آمَنَ مَعِي.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَلِيّ بْن رِفَاعَة الْقُرَظِيّ قَالَ : خَرَجَ عَشَرَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب - مِنْهُمْ أَبِي رِفَاعَة - إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنُوا بِهِ فَأُوذُوا , فَنَزَلَتْ ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) الْآيَات , فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعِيسَى بَلْ اِسْتَمَرُّوا عَلَى الْيَهُودِيَّة إِلَى أَنْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ , قَالَ الطِّيبِيّ : فَيَحْتَمِل إِجْرَاء الْحَدِيث عَلَى عُمُومه , إِذْ لَا يَبْعُد أَنْ يَكُون طَرَيَان الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبًا لِقَبُولِ تِلْكَ الْأَدْيَان وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَة.
اِنْتَهَى.
وَسَأَذْكُرُ مَا يُؤَيِّدهُ بَعْد.
وَيُمْكِن أَنْ يُقَال فِي حَقّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ : إِنَّهُ لَمْ تَبْلُغهُمْ دَعْوَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهَا لَمْ تَنْتَشِر فِي أَكْثَر الْبِلَاد , فَاسْتَمَرُّوا عَلَى يَهُودِيَّتهمْ مُؤْمِنِينَ بِنَبِيِّهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , إِلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَام فَآمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبِهَذَا يَرْتَفِع الْإِشْكَال إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
( فَوَائِد ) : الْأُولَى : وَقَعَ فِي شَرْح اِبْن التِّين وَغَيْره أَنَّ الْآيَة الْمَذْكُورَة نَزَلَتْ فِي كَعْب الْأَحْبَار وَعَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَهُوَ صَوَاب فِي عَبْد اللَّه خَطَأ فِي كَعْب ; لِأَنَّ كَعْبًا لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَة , وَلَمْ يُسْلِم إِلَّا فِي عَهْد عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَاَلَّذِي فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ وَغَيْره عَنْ قَتَادَة أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَسَلْمَان الْفَارِسِيّ , وَهَذَا مُسْتَقِيم ; لِأَنَّ عَبْد اللَّه كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْهِجْرَة , وَسَلْمَان كَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوع.
وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مَشْهُورَانِ.
الثَّانِيَة : قَالَ الْقُرْطُبِيّ الْكِتَابِيّ الَّذِي يُضَاعَف أَجْره مَرَّتَيْنِ هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْحَقّ فِي شَرْعه عَقْدًا وَفِعْلًا إِلَى أَنْ آمَنَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُؤْجَر عَلَى اِتِّبَاع الْحَقّ الْأَوَّل وَالثَّانِي.
اِنْتَهَى.
وَيُشْكِل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى هِرَقْل : " أَسْلِمْ يُؤْتِك اللَّه أَجْرك مَرَّتَيْنِ " , وَهِرَقْل كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّة بَعْد التَّبْدِيل , وَقَدْ قَدَّمْت بَحْث شَيْخ الْإِسْلَام فِي هَذَا فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَان فِي بَدْء الْوَحْي.
الثَّالِثَة : قَالَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيّ وَغَيْره : إِنَّ الْحَدِيث لَا يَتَنَاوَل الْيَهُود الْبَتَّة , وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
وَقَالَ الدَّاوُدِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ : إِنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَتَنَاوَل جَمِيع الْأُمَم فِيمَا فَعَلُوهُ مِنْ خَيْر كَمَا فِي حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام الْآتِي : " أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْر " وَهُوَ مُتَعَقَّب ; لِأَنَّ الْحَدِيث مُقَيَّد بِأَهْلِ الْكِتَاب فَلَا يَتَنَاوَل غَيْرهمْ إِلَّا بِقِيَاسِ الْخَيْر عَلَى الْإِيمَان.
وَأَيْضًا فَالنُّكْتَة فِي قَوْله : " آمَنَ بِنَبِيِّهِ " الْإِشْعَار بِعِلِّيَّةِ الْأَجْر , أَيْ : أَنَّ سَبَب الْأَجْرَيْنِ الْإِيمَان بِالنَّبِيِّينَ , وَالْكُفَّار لَيْسُوا كَذَلِكَ.
وَيُمْكِن أَنْ يُقَال الْفَرْق بَيْن أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ مِنْ الْكُفَّار أَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ) فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ فَضْل عَلَى غَيْره , وَكَذَا مَنْ كَذَّبَهُ مِنْهُمْ كَانَ وِزْره أَشَدّ مِنْ وِزْر غَيْره , وَقَدْ وَرَدَ مِثْل ذَلِكَ فِي حَقّ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ الْوَحْي كَانَ يَنْزِل فِي بُيُوتهنَّ.
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي هَذَا الْحَدِيث فَيَكُون الْعَدَد أَرْبَعَة ؟ أَجَابَ شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام بِأَنَّ قَضِيَّتهنَّ خَاصَّة بِهِنَّ مَقْصُورَة عَلَيْهِنَّ , وَالثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث مُسْتَمِرَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَهَذَا مَصِير شَيْخنَا إِلَى أَنَّ قَضِيَّة مُؤْمِن أَهْل الْكِتَاب مُسْتَمِرَّة , وَقَدْ اِدَّعَى الْكَرْمَانِيّ اِخْتِصَاص ذَلِكَ بِمَنْ آمَنَ فِي عَهْد الْبَعْثَة , وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ نَبِيّهمْ بَعْد الْبَعْثَة إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاعْتِبَارِ عُمُوم بَعْثَتِهِ.
اِنْتَهَى.
وَقَضِيَّته أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَتِمّ لِمَنْ كَانَ فِي عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ خَصَّهُ بِمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَة فَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن عَهْده وَبَعْده , فَمَا قَالَهُ شَيْخنَا أَظْهَر.
وَالْمُرَاد بِنِسْبَتِهِمْ إِلَى غَيْر نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ , وَأَمَّا مَا قَوَّى بِهِ الْكَرْمَانِيّ دَعْوَاهُ بِكَوْنِ السِّيَاق مُخْتَلِفًا حَيْثُ قِيلَ فِي مُؤْمِن أَهْل الْكِتَاب : " رَجُل " بِالتَّنْكِيرِ وَفِي " الْعَبْد " بِالتَّعْرِيفِ , وَحَيْثُ زِيدَتْ فِيهِ : " إِذَا " الدَّالَّة عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَال فَأَشْعَرَ ذَلِك بِأَنَّ الْأَجْرَيْنِ لِمُؤْمِنِ أَهْل الْكِتَاب لَا يَقَع فِي الِاسْتِقْبَال , بِخِلَافِ الْعَبْد.
اِنْتَهَى.
وَهُوَ غَيْر مُسْتَقِيم ; لِأَنَّهُ مَشَى فِيهِ مَعَ ظَاهِر اللَّفْظ , وَلَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْن الرُّوَاة , بَلْ هُوَ عِنْد الْمُصَنِّف وَغَيْره مُخْتَلِف , فَقَدْ عَبَّرَ فِي تَرْجَمَة عِيسَى بِإِذَا فِي الثَّلَاثَة , وَعَبَّرَ فِي النِّكَاح بِقَوْلِهِ : " أَيّمَا رَجُل " فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة وَهِيَ صَرِيحَة فِي التَّعْمِيم , وَأَمَّا الِاخْتِلَاف بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِير فَلَا أَثَر لَهُ هُنَا لِأَنَّ الْمُعَرَّف بِلَامِ الْجِنْس مُؤَدَّاهُ مُؤَدَّى النَّكِرَة وَاَللَّه أَعْلَم.
الرَّابِعَة : حُكْم الْمَرْأَة الْكِتَابِيَّة حُكْم الرَّجُل كَمَا هُوَ مُطَّرِد فِي جُلّ الْأَحْكَام حَيْثُ يَدْخُلْنَ مَعَ الرِّجَال بِالتَّبَعِيَّةِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيل , وَسَتَأْتِي مَبَاحِث الْعَبْد فِي الْعِتْق وَمَبَاحِث الْأَمَة فِي النِّكَاح.
قَوْله : ( فَلَهُ أَجْرَانِ ) هُوَ تَكْرِير لِطُولِ الْكَلَام لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.
قَوْله : ( ثُمَّ قَالَ عَامِر ) - أَيْ الشَّعْبِيّ - أَعْطَيْنَاكهَا , ظَاهِره أَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ صَالِحًا الرَّاوِي عَنْهُ ; وَلِهَذَا جَزَمَ الْكَرْمَانِيّ بِقَوْلِهِ : " الْخِطَاب لِصَالِحٍ " وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ إِنَّمَا خَاطَبَ بِذَلِكَ رَجُلًا مِنْ أَهْل خُرَاسَان سَأَلَهُ عَمَّنْ يُعْتِق أَمَته ثُمَّ يَتَزَوَّجهَا , كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ هَذَا الْكِتَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله : ( بِغَيْرِ شَيْء ) أَيْ : مِنْ الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة , وَإِلَّا فَالْأَجْر الْأُخْرَوِيّ حَاصِل لَهُ.
قَوْله : ( يُرْكَب فِيمَا دُونهَا ) أَيْ : يُرْحَل لِأَجْلِ مَا هُوَ أَهْوَن مِنْهَا كَمَا عِنْده فِي الْجِهَاد , وَالضَّمِير عَائِد عَلَى الْمَسْأَلَة.
قَوْله : ( إِلَى الْمَدِينَة ) أَيْ : النَّبَوِيَّة , وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ , ثُمَّ تَفَرَّقَ الصَّحَابَة فِي الْبِلَاد بَعْد فُتُوح الْأَمْصَار وَسَكَنُوهَا , فَاكْتَفَى أَهْل كُلّ بَلَد بِعُلَمَائِهِ إِلَّا مَنْ طَلَبَ التَّوَسُّع فِي الْعِلْم فَرَحَلَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث جَابِر فِي ذَلِكَ , وَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّعْبِيّ - مَعَ كَوْنه مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ - بِقَوْلِهِ " كَانَ " , وَاسْتِدْلَال اِبْن بَطَّال وَغَيْره مِنْ الْمَالِكِيَّة عَلَى تَخْصِيص الْعِلْم بِالْمَدِينَةِ فِيهِ نَظَر لِمَا قَرَّرْنَاهُ.
إِنَّمَا قَالَ الشَّعْبِيّ ذَلِكَ تَحْرِيضًا لِلسَّامِعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لِحِفْظِهِ وَأَجْلَبَ لِحِرْصِهِ وَاَللَّه الْمُسْتَعَان.
وَقَدْ رَوَى الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ بُسْر بْن عُبَيْد اللَّه - وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون الْمُهْمَلَة - قَالَ : إِنْ كُنْت لَأَرْكَب إِلَى الْمِصْر مِنْ الْأَمْصَار فِي الْحَدِيث الْوَاحِد.
وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : كُنَّا نَسْمَع الْحَدِيث عَنْ الصَّحَابَة , فَلَا نَرْضَى حَتَّى نَرْكَب إِلَيْهِمْ فَنَسْمَعهُ مِنْهُمْ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ
عن ابن عباس، قال: أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال عطاء: أشهد على ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - «خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يسم...
عن أبي هريرة أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا...
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلما...
عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قا...
عن ابن أبي مليكة، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه، إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من...
عن أبي شريح، أنه قال لعمرو بن سعيد: - وهو يبعث البعوث إلى مكة - ائذن لي أيها الأمير، أحدثك قولا قام به النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سم...
عن أبي بكرة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال - وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ل...
عن عليا، يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار»
عن بن الزبير، عن أبيه، قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول...