1594-
عن أبي وائل، قال: جئت إلى شيبة، ح وحدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر رضي الله عنه، فقال: «لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته».
قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال: «هما المرءان أقتدي بهما»
(صفراء ولا بيضاء) ذهبا ولا فضة ومراده ما كان مدخرا فيها مما يهدى إليها ويزيد عن حاجتها.
(قسمته) بين فقراء المسلمين.
(صاحبيك) النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه.
(المرآن) الرجلان الكاملان في المروءة وهي صفة في النفس تحمل مراعاتها على محاسن الأخلاق وجميل العادات
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا سُفْيَان ) هُوَ الثَّوْرِيّ فِي الطَّرِيقَيْنِ , وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأُولَى مَعَ نُزُولهَا لِتَصْرِيحِ سُفْيَان بِالتَّحْدِيثِ فِيهَا , وَأَمَّا اِبْن عُيَيْنَةَ فَلَمْ يَسْمَعهُ مِنْ وَاصِل بَلْ رَوَاهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقه.
قَوْله : ( جَلَسْت مَعَ شَيْبَة ) هُوَ اِبْن عُثْمَان بْن طَلْحَة بْن عَبْد الْعُزَّى بْن عُثْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الدَّار بْن قُصَيّ الْعَبْدَرِيّ الْحَجَبِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالْجِيم ثُمَّ مُوَحَّدَة نِسْبَة إِلَى حَجَبِ الْكَعْبَة يُكَنَّى أَبَا عُثْمَان.
قَوْله : ( عَلَى الْكُرْسِيّ ) فِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عِنْدَ اِبْن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ بِهَذَا السَّنَد " بُعِثَ مَعِي رَجُل بِدَرَاهِم هَدِيَّة إِلَى الْبَيْت , فَدَخَلْت الْبَيْت وَشَيْبَة جَالِس عَلَى كُرْسِيّ , فَنَاوَلْته إِيَّاهَا فَقَالَ : لَك هَذِهِ ؟ فَقُلْت : لَا وَلَوْ كَانَتْ لِي لَمْ آتِك بِهَا , قَالَ أَمَّا إِنْ قُلْت ذَلِكَ فَقَدْ جَلَسَ عُمَر بْن الْخَطَّاب مَجْلِسك الَّذِي أَنْتَ فِيهِ " فَذَكَرَهُ.
قَوْله : ( فِيهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ.
قَوْله : ( صَفْرَاء وَلَا بَيْضَاء ) أَيْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّة , قَالَ الْقُرْطُبِيّ : غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ حِلْيَة الْكَعْبَة , وَإِنَّمَا أَرَادَ الْكَنْز الَّذِي بِهَا , وَهُوَ مَا كَانَ يُهْدَى إِلَيْهَا فَيُدَّخَر مَا يَزِيد عَنْ الْحَاجَة , وَأَمَّا الْحُلِيّ فَمُحْبَسَة عَلَيْهَا كَالْقَنَادِيلِ فَلَا يَجُوز صَرْفهَا فِي غَيْرهَا.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يُهْدُونَ إِلَى الْكَعْبَة الْمَال تَعْظِيمًا لَهَا فَيَجْتَمِع فِيهَا.
قَوْله : ( إِلَّا قَسَمْته ) أَيْ الْمَال , وَفِي رِوَايَة عُمَر بْن شَبَّة فِي " كِتَاب مَكَّة " عَنْ قَبِيصَة شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ " إِلَّا قَسَمْتهَا " وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عِنْدَ الْمُصَنِّف فِي الِاعْتِصَام " إِلَّا قَسَمْتهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ " وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه " لَا أَخْرُجُ حَتَّى أُقْسِم مَال الْكَعْبَة بَيْنَ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ " وَمِثْله فِي رِوَايَة الْمُحَارِبِيّ الْمَذْكُورَة.
قَوْله : ( قُلْت إِنَّ صَاحِبَيْك لَمْ يَفْعَلَا ) فِي رِوَايَة اِبْن مَهْدِيّ الْمَذْكُورَة " قُلْت مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ.
قَالَ لِمَ ؟ قُلْت : لَمْ يَفْعَلهُ صَاحِبَاك " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه وَكَذَا الْمُحَارِبِيُّ " قَالَ وَلِمَ ذَاكَ ؟ قُلْت : لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى مَكَانه وَأَبُو بَكْر وَهُمَا أَحْوَج مِنْك إِلَى الْمَال فَلَمْ يُحَرِّكَاهُ ".
قَوْله : ( هُمَا الْمَرْءَانِ ) تَثْنِيَة مَرْء بِفَتْحِ الْمِيم وَيَجُوز ضَمُّهَا وَالرَّاء سَاكِنَة عَلَى كُلّ حَال بَعْدهَا هَمْزَة أَيْ الرَّجُلَانِ.
قَوْله : ( أَقْتَدِي بِهِمَا ) فِي رِوَايَة عُمَر بْن شَبَّة تَكْرِير قَوْله " الْمَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا " وَفِي رِوَايَة اِبْن مَهْدِيّ فِي الِاعْتِصَام " يُقْتَدَى بِهِمَا " عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ , وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْمُحَارِبِيّ " فَقَامَ كَمَا هُوَ وَخَرَجَ ".
وَدَارَ نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة بَيْنَ عُمَر أَيْضًا وَأُبَيِّ بْن كَعْب أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَعُمَر بْن شَبَّة مِنْ طَرِيق الْحَسَن " أَنَّ عُمَر أَرَادَ أَنْ يَأْخُذ كَنْز الْكَعْبَة فَيُنْفِقهُ فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْن كَعْب : قَدْ سَبَقَك صَاحِبَاك , فَلَوْ كَانَ فَضْلًا لَفَعَلَاهُ " لَفْظ عُمَر بْن شَبَّة , وَفِي رِوَايَة عَبْد الرَّزَّاق " فَقَالَ لَهُ أُبَيُّ بْن كَعْب : وَاَللَّه مَا ذَاكَ لَك , قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : أَقَرَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اِبْن بَطَّال : أَرَادَ عُمَر لِكَثْرَتِهِ إِنْفَاقه فِي مَنَافِع الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ لَمَّا ذُكِّرَ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَعَرَّض لَهُ أَمْسَكَ , وَإِنَّمَا تَرَكَا ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم لِأَنَّ مَا جُعِلَ فِي الْكَعْبَة وَسُبِّلَ لَهَا يَجْرِي مَجْرَى الْأَوْقَاف فَلَا يَجُوز تَغْيِيره عَنْ وَجْهه , وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيم الْإِسْلَام وَتَرْهِيب الْعَدُوّ.
قُلْت : أَمَّا التَّعْلِيل الْأَوَّل فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ مِنْ الْحَدِيث بَلْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَرَكَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ رِعَايَة لِقُلُوبِ قُرَيْش كَمَا تَرَكَ بِنَاء الْكَعْبَة عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم , وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِم فِي بَعْض طُرُق حَدِيث عَائِشَة فِي بِنَاء الْكَعْبَة " لَأَنْفَقْت كَنْز الْكَعْبَة " وَلَفْظه " لَوْلَا أَنَّ قَوْمك حَدِيثُو عَهْد بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْت كَنْز الْكَعْبَة فِي سَبِيل اللَّه , وَلَجَعَلْت بَابهَا بِالْأَرْضِ " الْحَدِيث , فَهَذَا التَّعْلِيل هُوَ الْمُعْتَمَد.
وَحَكَى الْفَاكِهِيّ فِي " كِتَاب مَكَّة " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ فِيهَا يَوْم الْفَتْح سِتِّينَ أُوقِيَّة , فَقِيلَ لَهُ : لَوْ اِسْتَعَنْت بِهَا عَلَى حَرْبك فَلَمْ يُحَرِّكهُ , وَعَلَى هَذَا فَإِنْفَاقه جَائِز كَمَا جَازَ لِابْنِ الزُّبَيْر بِنَاؤُهَا عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم لِزَوَالِ سَبَب الِامْتِنَاع , وَلَوْلَا قَوْله فِي الْحَدِيث " فِي سَبِيل اللَّه " لَأَمْكَنَ أَنْ يُحْمَل الْإِنْفَاق عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِهَا فَيَرْجِع إِلَى أَنَّ حُكْمه حُكْم التَّحْبِيس , وَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل قَوْله فِي سَبِيل اللَّه عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ عِمَارَة الْكَعْبَة يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي سَبِيل اللَّه , وَاسْتَدَلَّ التَّقِيّ السُّبْكِيُّ بِحَدِيثِ الْبَاب عَلَى جَوَاز تَعْلِيق قَنَادِيل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْكَعْبَة وَمَسْجِد الْمَدِينَة فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث عُمْدَة فِي مَال الْكَعْبَة وَهُوَ مَا يُهْدَى إِلَيْهَا أَوْ يُنْذَر لَهَا , قَالَ : وَأَمَّا قَوْل الرَّافِعِيّ لَا يَجُوز تَحْلِيَة الْكَعْبَة بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة وَلَا تَعْلِيق قَنَادِيلهَا فِيهَا حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِكَ : أَحَدهمَا الْجَوَاز تَعْظِيمًا كَمَا فِي الْمُصْحَف , وَالْآخَر الْمَنْع إِذْ لَمْ يُنْقَل مِنْ فِعْل السَّلَف , فَهَذَا مُشْكِل لِأَنَّ لِلْكَعْبَةِ مِنْ التَّعْظِيم مَا لَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْمَسَاجِد بِدَلِيلِ تَجْوِيز سَتْرِهَا بِالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاج , وَفِي جَوَاز سَتْر الْمَسَاجِد بِذَلِكَ خِلَاف.
ثُمَّ تُمُسِّكَ لِلْجَوَازِ بِمَا وَقَعَ فِي أَيَّام الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك مِنْ تَذْهِيبه سُقُوف الْمَسْجِد النَّبَوِيّ قَالَ : وَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَلَا أَزَالَهُ فِي خِلَافَته.
ثُمَّ اِسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّ تَحْرِيم اِسْتِعْمَال الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْأَوَانِي الْمُعَدَّة لِلْأَكْلِ وَالشُّرْب وَنَحْوهمَا قَالَ : وَلَيْسَ فِي تَحْلِيَة الْمَسَاجِد بِالْقَنَادِيلِ الذَّهَب شَيْء مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيّ : مَنْ كَتَبَ الْقُرْآن بِالذَّهَبِ فَقَدْ أَحْسَن فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُت فِي الذَّهَب إِلَّا تَحْرِيمه عَلَى الْأُمَّة فِيمَا يُنْسَب لِلذَّهَبِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْل الْحِلّ مَا لَمْ يَنْهَ إِلَى الْإِسْرَاف اِنْتَهَى.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَجْوِيز سَتْر الْكَعْبَة بِالدِّيبَاجِ قَامَ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ , وَأَمَّا التَّحْلِيَة بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّة فَلَمْ يُنْقَل عَنْ فِعْل مَنْ يُقْتَدَى بِهِ , وَالْوَلِيد لَا حُجَّة فِي فِعْله , وَتَرْكُ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز النَّكِير أَوْ الْإِزَالَة يَحْتَمِل عِدَّة مَعَانٍ فَلَعَلَّهُ كَانَ لَا يَقْدِر عَلَى الْإِنْكَار خَوْفًا مِنْ سَطْوَة الْوَلِيد , وَلَعَلَّهُ لَمْ يُزِلْهَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَصَّل مِنْهَا شَيْء , وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْوَلِيد جَعَلَ فِي الْكَعْبَة صَفَائِح فَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ تَرْكَهَا أَوْلَى لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْم الْمَال الْمَوْقُوف فَكَأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا مِنْ غَيْره , وَرُبَّمَا أَدَّى قَلْعه إِلَى إِزْعَاج بِنَاء الْكَعْبَة فَتَرَكَهُ , وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَات لَا يَصْلُح الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ لِلْجَوَازِ.
وَقَوْله إِنَّ الْحَرَام مِنْ الذَّهَب إِنَّمَا هُوَ اِسْتِعْمَاله فِي الْأَكْل وَالشُّرْب إِلَخْ هُوَ مُتَعَقَّب بِأَنَّ اِسْتِعْمَال كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ , وَاسْتِعْمَال قَنَادِيل الذَّهَب هُوَ تَعْلِيقهَا لِلزِّينَةِ , وَأَمَّا اِسْتِعْمَالهَا لِلْإِيقَادِ فَمُمْكِن عَلَى بُعْد , وَتَمَسُّكه بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيّ يُشْكِل عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَزَالِيّ قَيَّدَهُ بِمَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الْإِسْرَاف , وَالْقِنْدِيل الْوَاحِد مِنْ الذَّهَب يَكْتُب تَحْلِيَة عِدَّة مَصَاحِف , وَقَدْ أَنْكَرَ السُّبْكِيُّ عَلَى الرَّافِعِيّ تَمَسُّكَهُ فِي الْمَنْع بِكَوْنِ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَل عَنْ السَّلَف , وَجَوَابه أَنَّ الرَّافِعِيّ تَمَسَّكَ بِذَلِكَ مَضْمُومًا إِلَى شَيْء آخَر وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْي عَنْ اِسْتِعْمَال الْحَرِير وَالذَّهَب فَلَمَّا اِسْتَعْمَلَ السَّلَف الْحَرِير فِي الْكَعْبَة دُون الذَّهَب - مَعَ عِنَايَتهمْ بِهَا وَتَعْظِيمهَا - دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدهمْ عَلَى عُمُوم النَّهْي , وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخ الْمُوَفَّق الْإِجْمَاع عَلَى تَحْرِيم اِسْتِعْمَال أَوَانِي الذَّهَب , وَالْقَنَادِيل مِنْ الْأَوَانِي بِلَا شَكٍّ , وَاسْتِعْمَال كُلّ شَيْء بِحَسَبِهِ وَاَللَّه أَعْلَم.
( تَنْبِيه ) : قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ لَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب لِكِسْوَةِ الْكَعْبَة ذِكْر , يَعْنِي فَلَا يُطَابِق التَّرْجَمَة.
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : مَعْنَى التَّرْجَمَة صَحِيح , وَوَجْهُهَا أَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْمُلُوك فِي كُلّ زَمَان كَانُوا يَتَفَاخَرُونَ بِكِسْوَةِ الْكَعْبَة بِرَفِيعِ الثِّيَاب الْمَنْسُوجَة بِالذَّهَبِ وَغَيْره كَمَا يَتَفَاخَرُونَ بِتَسْبِيلِ الْأَمْوَال لَهَا , فَأَرَادَ الْبُخَارِيّ أَنَّ عُمَر لَمَّا رَأَى قِسْمَة الذَّهَب وَالْفِضَّة صَوَابًا كَانَ حُكْم الْكِسْوَة حُكْم الْمَال تَجُوز قِسْمَتهَا , بَلْ مَا فَضَلَ مِنْ كِسْوَتهَا أَوْلَى بِالْقِسْمَةِ.
وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ فِي الْحَاشِيَة : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَقْصُوده التَّنْبِيه عَلَى أَنَّ كِسْوَة الْكَعْبَة مَشْرُوع , وَالْحُجَّة فِيهِ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ تُقْصَد بِالْمَالِ يُوضَع فِيهَا عَلَى مَعْنَى الزِّينَة إِعْظَامًا لَهَا فَالْكِسْوَة مِنْ هَذَا الْقَبِيل , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَا فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث كَعَادَتِهِ وَيَكُون هُنَاكَ طَرِيق مُوَافَقَة لِلتَّرْجَمَةِ إِمَّا لِخَلَلِ شَرْطهَا وَإِمَّا لِتَبَحُّرِ النَّاظِر فِي ذَلِكَ , وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَخَذَهُ مِنْ قَوْل عُمَر : لَا أَخْرُجُ حَتَّى أَقْسِم مَال الْكَعْبَة , فَالْمَال يُطْلَق عَلَى كُلّ شَيْء فَيَدْخُل فِيهِ الْكِسْوَة , وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيث " لَيْسَ لَك مِنْ مَالِك إِلَّا مَا لَبِسْت فَأَبْلَيْت " قَالَ : وَيَحْتَمِل أَيْضًا - فَذَكَرَ نَحْو مَا قَالَ اِبْن بَطَّال وَزَادَ - فَأَرَادَ التَّنْبِيه عَلَى أَنَّهُ مَوْضِع اِجْتِهَاد , وَإِنْ رَأَى عُمَر جَوَاز التَّصَرُّف فِي الْمَصَالِح.
وَأَمَّا التَّرْك الَّذِي اِحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ شَيْبَة فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَنْع , وَاَلَّذِي يَظْهَر جَوَاز قِسْمَة الْكِسْوَة الْعَتِيقَة , إِذْ فِي بَقَائِهَا تَعْرِيض لِإِتْلَافِهَا وَلَا جَمَال فِي كِسْوَة عَتِيقَة مَطْوِيَّة , قَالَ : وَيُؤْخَذ مِنْ رَأْي عُمَر أَنَّ صَرْف الْمَال فِي الْمَصَالِح آكَد مِنْ صَرْفه فِي كِسْوَة الْكَعْبَة , لَكِنَّ الْكِسْوَة فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَة أَهَمُّ.
قَالَ : وَاسْتِدْلَال اِبْن بَطَّال بِالتَّرْكِ عَلَى إِيجَاب بَقَاء الْأَحْبَاس لَا يَتِمّ إِلَّا إِنْ كَانَ الْقَصْد بِمَالِ الْكَعْبَة إِقَامَتهَا وَحِفْظ أُصُولهَا إِذَا اُحْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَصْد مِنْهُ مَنْفَعَة أَهْل الْكَعْبَة وَسَدَنَتهَا أَوْ إِرْصَاده لِمَصَالِح الْحَرَم أَوْ لِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ , وَعَلَى كُلّ تَقْدِير فَهُوَ تَحْبِيس لَا نَظِير لَهُ فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ اِنْتَهَى.
وَلَمْ أَرَ فِي شَيْء مِنْ طَرِيق حَدِيث شَيْبَة هَذَا مَا يَتَعَلَّق بِالْكِسْوَةِ , إِلَّا أَنَّ الْفَاكِهِيّ رَوَى فِي " كِتَاب مَكَّة " مِنْ طَرِيق عَلْقَمَة بْن أَبِي عَلْقَمَة عَنْ أُمّه عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ عَلَيَّ شَيْبَةُ الْحَجَبِيُّ فَقَالَ : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ ثِيَاب الْكَعْبَة تَجْتَمِع عِنْدنَا فَتَكْثُر , فَنَنْزِعهَا وَنَحْفِر بِئَارًا فَنُعَمِّقهَا وَنَدْفِنهَا لِكَيْ لَا تَلْبَسهَا الْحَائِض وَالْجُنُب , قَالَتْ : بِئْسَمَا صَنَعْت , وَلَكِنْ بِعْهَا فَاجْعَلْ ثَمَنهَا فِي سَبِيل اللَّه وَفِي الْمَسَاكِين , فَإِنَّهَا إِذَا نُزِعَتْ عَنْهَا لَمْ يَضُرّ مَنْ لَبِسَهَا مِنْ حَائِض أَوْ جُنُب , فَكَانَ شَيْبَة يَبْعَث بِهَا إِلَى الْيَمَن فَتُبَاع لَهُ فَيَضَعهَا حَيْثُ أَمَرَتْهُ " وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْه , لَكِنْ فِي إِسْنَاده رَاوٍ ضَعِيف , وَإِسْنَاد الْفَاكِهِيّ سَالِم مِنْهُ.
وَأَخْرَجَ الْفَاكِهِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق اِبْن خَيْثَم " حَدَّثَنِي رَجُل مِنْ بَنِي شَيْبَة قَالَ : رَأَيْت شَيْبَة بْن عُثْمَان يُقَسِّم مَا سَقَطَ مِنْ كِسْوَة الْكَعْبَة عَلَى الْمَسَاكِين " وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ عُمَر كَانَ يَنْزِع كِسْوَة الْبَيْت كُلّ سَنَة فَيَقْسِمهَا عَلَى الْحَاجّ " فَلَعَلَّ الْبُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ.
( فَصْل ) فِي مَعْرِفَة بَدْء كِسْوَة الْبَيْت : رَوَى الْفَاكِهِيّ مِنْ طَرِيق عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول " زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ سَبّ أَسْعَد , وَكَانَ أَوَّل مَنْ كَسَا الْبَيْت الْوَصَائِل " وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة فِي مُسْنَده عَنْهُ , وَمِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر مَوْقُوفًا , وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ تُبَّعًا أَوَّل مَنْ كَسَا الْكَعْبَة الْوَصَائِل فَسُتِرَتْ بِهَا.
قَالَ : وَزَعَمَ بَعْض عُلَمَائِنَا أَنَّ أَوَّل مَنْ كَسَا الْكَعْبَة إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَحَكَى الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ عَنْ بَعْض عُلَمَائِهِمْ أَنَّ عَدْنَان أَوَّل مَنْ وَضَعَ أَنْصَاب الْحَرَم , وَأَوَّل مَنْ كَسَا الْكَعْبَة , أَوْ كُسِيَتْ فِي زَمَنه.
وَحَكَى الْبَلَاذِرِيّ أَنَّ أَوَّل مَنْ كَسَاهَا الْأَنْطَاع عَدْنَان بْن أُدّ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي رَبِيعَة قَالَ : كُسِيَ الْبَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة الْأَنْطَاع , ثُمَّ كَسَاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثِيَابِ الْيَمَانِيَّة , ثُمَّ كَسَاهُ عُمَر وَعُثْمَان الْقَبَاطِيّ , ثُمَّ كَسَاهُ الْحَجَّاج الدِّيبَاج.
وَرَوَى الْفَاكِهِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : لَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح أَتَتْ اِمْرَأَة تُجَمِّر الْكَعْبَة فَاحْتَرَقَتْ ثِيَابهَا وَكَانَتْ كِسْوَة الْمُشْرِكِينَ , فَكَسَاهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة : حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ حَسَن هُوَ اِبْن صَالِح عَنْ لَيْث هُوَ اِبْن أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ : كَانَتْ كِسْوَة الْكَعْبَة عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسُوح وَالْأَنْطَاع.
لَيْث ضَعِيف , وَالْحَدِيث مُعْضَل.
وَقَالَ أَبُو بَكْر أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عَجُوز مِنْ أَهْل مَكَّة قَالَتْ : أُصِيبَ اِبْن عَفَّانَ وَأَنَا بِنْت أَرْبَع عَشْرَة سَنَة , قَالَتْ : وَلَقَدْ رَأَيْت الْبَيْت وَمَا عَلَيْهِ كِسْوَة إِلَّا مَا يَكْسُوهُ النَّاس الْكِسَاء الْأَحْمَر يَطْرَح عَلَيْهِ وَالثَّوْب الْأَبْيَض.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : بَلَغَنِي أَنَّ الْبَيْت لَمْ يُكْسَ فِي عَهْد أَبِي بَكْر وَلَا عُمَر , يَعْنِي لَمْ يُجَدَّدْ لَهُ كِسْوَة.
وَرَوَى الْفَاكِهِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَكْسُو بَدَنه الْقَبَاطِيّ وَالْحِبَرَات يَوْم يُقَلِّدهَا , فَإِذَا كَانَ يَوْم النَّحْر نَزَعَهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَى شَيْبَة بْن عُثْمَان فَنَاطَهَا عَلَى الْكَعْبَة.
زَادَ فِي رِوَايَة صَحِيحَة أَيْضًا.
فَلَمَّا كَسَتْ الْأُمَرَاء الْكَعْبَة جَلَّلَهَا الْقَبَاطِيّ , ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر كَانَ مُطْلَقًا لِلنَّاسِ.
وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ عَلْقَمَة بْن أَبِي عَلْقَمَة عَنْ أُمّه قَالَتْ : سَأَلْت عَائِشَة أَنَكْسُو الْكَعْبَة ؟ قَالَتْ : الْأُمَرَاء يَكْفُونَكُمْ.
وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ الْأَسْلَمِيِّ هُوَ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة أَنَّ أَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , وَإِبْرَاهِيم ضَعِيف.
وَتَابَعَهُ مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زُبَالَة وَهُوَ ضَعِيف أَيْضًا أَخْرَجَهُ الزُّبَيْر عَنْهُ عَنْ هِشَام , وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِي جَعْفَر الْبَاقِر قَالَ : كَسَاهَا يَزِيد بْن مُعَاوِيَة الدِّيبَاج , وَإِسْحَاق بْن أَبِي فَرْوَة ضَعِيف.
وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ : أُخْبِرْت أَنَّ عُمَر كَانَ يَكْسُوهَا الْقَبَاطِيّ , وَأَخْبَرَنِي غَيْر وَاحِد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَاهَا الْقَبَاطِيّ وَالْحِبَرَات وَأَبُو بَكْر وَعُمْر وَعُثْمَان , وَأَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان , وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاء قَالُوا أَصَابَ مَا نَعْلَم لَهَا مِنْ كِسْوَة أَوْفَق مِنْهُ.
وَرَوَى أَبُو عَرُوبَة فِي " الْأَوَائِل " لَهُ عَنْ الْحَسَن قَالَ : أَوَّل مَنْ لَبَّسَ الْكَعْبَة الْقَبَاطِيّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى الْفَاكِهِيّ فِي " كِتَاب مَكَّة " مِنْ طَرِيق مِسْعَر عَنْ جَسْرَة قَالَ : أَصَابَ خَالِد بْن جَعْفَر بْن كِلَاب لَطِيمَة فِي الْجَاهِلِيَّة فِيهَا نَمَط مِنْ دِيبَاج , فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى الْكَعْبَة فَنِيطَ عَلَيْهَا , فَعَلَى هَذَا هُوَ أَوَّل مَنْ كَسَا الْكَعْبَة الدِّيبَاج.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُؤْتَلِف أَنَّ أَوَّل مَنْ كَسَا الْكَعْبَة الدِّيبَاج نَتِيلَة بِنْت جَنَاب وَالِدَة الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب كَانَتْ أَضَلَّتْ الْعَبَّاس صَغِيرًا فَنَذَرَتْ إِنْ وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُوَ الْكَعْبَة الدِّيبَاج.
وَذَكَرَ الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ أَنَّهَا أَضَلَّتْ اِبْنهَا ضِرَار بْن عَبْد الْمُطَّلِب شَقِيق الْعَبَّاس فَنَذَرَتْ إِنْ وَجَدَتْهُ أَنْ تَكْسُوَ الْبَيْت فَرَدَّهُ عَلَيْهَا رَجُل مِنْ جُذَام فَكَسَتْ الْكَعْبَة ثِيَابًا بِيضًا.
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى تَعَدُّد الْقِصَّة.
وَحَكَى الْأَزْرَقِيّ أَنَّ مُعَاوِيَة كَسَاهَا الدِّيبَاج وَالْقَبَاطِيّ وَالْحِبَرَات , فَكَانَتْ تُكْسَى الدِّيبَاج يَوْم عَاشُورَاء وَالْقَبَاطِيّ فِي آخِر رَمَضَان , فَحَصَّلْنَا فِي أَوَّل مَنْ كَسَاهَا مُطْلَقًا عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال : إِسْمَاعِيل وَعَدْنَان وَتُبَّع وَهُوَ أَسْعَد الْمَذْكُور فِي الرِّوَايَة الْأُولَى , وَلَا تَعَارُض بَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَسَاهَا الْأَنْطَاع وَالْوَصَائِل لِأَنَّ الْأَزْرَقِيّ حَكَى فِي " كِتَاب مَكَّة " أَنَّ تُبَّعًا أُرِيَ فِي الْمَنَام أَنْ يَكْسُوَ الْكَعْبَة فَكَسَاهَا الْأَنْطَاع , ثُمَّ أُرِيَ أَنْ يَكْسُوهَا فَكَسَاهَا الْوَصَائِل وَهِيَ ثِيَاب حِبَرَة مِنْ عَصَب الْيَمَن , ثُمَّ كَسَاهَا النَّاس بَعْده فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَيُجْمَع بَيْن الْأَقْوَال الثَّلَاثَة إِنْ كَانَتْ ثَابِتَة بِأَنَّ إِسْمَاعِيل أَوَّل مَنْ كَسَاهَا مُطْلَقًا , وَأَمَّا تُبَّع فَأَوَّل مَنْ كَسَاهَا مَا ذُكِرَ , وَأَمَّا عَدْنَان فَلَعَلَّهُ أَوَّل مَنْ كَسَاهَا بَعْدَ إِسْمَاعِيل , وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل غَزْوَة الْفَتْح مَا يُشْعِر أَنَّهَا كَانَتْ تُكْسَى فِي رَمَضَان , وَحَصَّلْنَا فِي أَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج عَلَى سِتَّة أَقْوَال : خَالِد أَوْ نَتِيلَة أَوْ مُعَاوِيَة أَوْ يَزِيد أَوْ اِبْن الزُّبَيْر أَوْ الْحَجَّاج , وَيُجْمَع بَيْنهَا بِأَنَّ كِسْوَة خَالِد وَنَتِيلَة لَمْ تَشْمَلهَا كُلّهَا وَإِنَّمَا كَانَ فِيمَا كَسَاهَا شَيْء مِنْ الدِّيبَاج , وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَلَعَلَّهُ كَسَاهَا فِي آخِر خِلَافَته فَصَادَفَ ذَلِكَ خِلَافَة اِبْنه يَزِيد , وَأَمَّا اِبْن الزُّبَيْر فَكَأَنَّهُ كَسَاهَا ذَلِكَ بَعْدَ تَجْدِيد عِمَارَتهَا فَأَوَّلِيَّته بِذَلِكَ الِاعْتِبَار , لَكِنْ لَمْ يُدَاوِم عَلَى كِسْوَتهَا الدِّيبَاج , فَلَمَّا كَسَاهَا الْحَجَّاج بِأَمْرِ عَبْد الْمَلِك اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ أَوَّل مَنْ دَاوَمَ عَلَى كِسْوَتهَا الدِّيبَاج فِي كُلّ سَنَة.
وَقَوْل اِبْن جُرَيْجٍ أَوَّل مَنْ كَسَاهَا ذَلِكَ عَبْد الْمَلِك يُوَافِق الْقَوْل الْأَخِير , فَإِنَّ الْحَجَّاج إِنَّمَا كَسَاهَا بِأَمْرِ عَبْد الْمَلِك.
وَقَوْل اِبْن إِسْحَاق أَنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَر لَمْ يُكْسِيَا الْكَعْبَة فِيهِ نَظَرٌ , لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَر كَانَ يَنْزِعهَا كُلّ سَنَة , لَكِنْ يُعَارِض ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيّ عَنْ بَعْض الْمَكِّيِّينَ أَنَّ شَيْبَة بْن عُثْمَان اِسْتَأْذَنَ مُعَاوِيَة فِي تَجْرِيد الْكَعْبَة فَأَذِنَ لَهُ فَكَانَ أَوَّل مَنْ جَرَّدَهَا مِنْ الْخُلَفَاء , وَكَانَتْ كِسْوَتهَا قَبْل ذَلِكَ تُطْرَح عَلَيْهَا شَيْئًا فَوْق شَيْء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ سُؤَال شَيْبَة لِعَائِشَة أَنَّهَا تَجْتَمِع عِنْدهمْ فَتَكْثُر.
وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيّ أَنَّ أَوَّل مَنْ ظَاهَرَ الْكَعْبَة بَيْنَ كِسْوَتَيْنِ عُثْمَان بْن عَفَّانَ.
وَذَكَرَ الْفَاكِهِيّ أَنَّ أَوَّل مَنْ كَسَاهَا الدِّيبَاج الْأَبْيَض الْمَأْمُون بْن الرَّشِيد وَاسْتَمَرَّ بَعْده.
وَكُسِيَتْ فِي أَيَّام الْفَاطِمِيِّينَ الدِّيبَاج الْأَبْيَض.
وَكَسَاهَا مُحَمَّد بْن سُبُكْتَكِينَ دِيبَاجًا أَصْفَر , وَكَسَاهَا النَّاصِر الْعَبَّاسِيّ دِيبَاجًا أَخْضَر , ثُمَّ كَسَاهَا دِيبَاجًا أَسْوَد فَاسْتَمَرَّ إِلَى الْآن.
وَلَمْ تَزَلْ الْمُلُوك يَتَدَاوَلُونَ كِسْوَتهَا إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا الصَّالِح إِسْمَاعِيل بْن النَّاصِر فِي سَنَة ثَلَاث وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعمِائَةِ قَرْيَة مِنْ نَوَاحِي الْقَاهِرَة يُقَال لَهَا بَيْسُوس كَأَنْ اِشْتَرَى الثُّلُثَيْنِ مِنْهَا مِنْ وَكِيل بَيْت الْمَال ثُمَّ وَقَفَهَا كُلّهَا عَلَى هَذِهِ الْجِهَة فَاسْتَمَرَّ , وَلَمْ تَزَلْ تُكْسَى مِنْ هَذَا الْوَقْف إِلَى سَلْطَنَة الْمَلِك الْمُؤَيِّد شَيْخ سُلْطَان الْعَصْر فَكَسَاهَا مِنْ عِنْده سَنَة لِضَعْفِ وَقْفهَا , ثُمَّ فَوَّضَ أَمْرهَا إِلَى بَعْض أُمَنَائِهِ وَهُوَ الْقَاضِي زَيْن الدِّين عَبْد الْبَاسِط - بَسَطَ اللَّه لَهُ فِي رِزْقه وَعُمُرِهِ - فَبَالَغَ فِي تَحْسِينهَا بِحَيْثُ يَعْجِز الْوَاصِف عَنْ صِفَة حُسْنهَا جَزَاهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ أَفْضَل الْمُجَازَاة.
وَحَاوَلَ مَلِك الشَّرْق شَاه رُوخ فِي سَلْطَنَة الْأَشْرَف بِرْسِبَاي أَنْ يَأْذَن لَهُ فِي كِسْوَة الْكَعْبَة فَامْتَنَعَ , فَعَادَ رَاسِله أَنْ يَأْذَن لَهُ أَنْ يَكْسُوهَا مِنْ دَاخِلهَا فَقَطْ فَأَبَى , فَعَادَ رَاسِله أَنْ يُرْسِل الْكِسْوَة إِلَيْهِ وَيُرْسِلهَا إِلَى الْكَعْبَة وَيَكْسُوهَا وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا , وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَكْسُوهَا وَيُرِيد الْوَفَاء بِنَذْرِهِ , فَاسْتَفْتَى أَهْل الْعَصْر فَتَوَقَّفْت عَنْ الْجَوَاب وَأَشَرْت إِلَى أَنَّهُ إِنْ خُشِيَ مِنْهُ الْفِتْنَة فَيُجَاب دَفْعًا لِلضَّرَرِ , وَتَسَرَّعَ جَمَاعَة إِلَى عَدَم الْجَوَاز وَلَمْ يَسْتَنِدُوا إِلَى طَائِل , بَلْ إِلَى مُوَافَقَة هَوَى السُّلْطَان , وَمَاتَ الْأَشْرَف عَلَى ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ ح و حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ فَقَالَ لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ إِلَّا قَسَمْتُهُ قُلْتُ إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلَا قَالَ هُمَا الْمَرْءَانِ أَقْتَدِي بِهِمَا
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كأني به أسود أفحج، يقلعها حجرا حجرا»
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة»
عن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: «إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك»...
عن سالم، عن أبيه أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول من ولج فلقي...
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا دخل الكعبة، مشى قبل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قبل الظهر، يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا م...
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت، وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس»، فقال له رجل: أدخل رسول ا...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم، وإسماعيل...
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه...
عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة " إذا استلم الركن الأسود، أول ما يطوف: يخب ثلاثة أطواف من السبع "