3580- عن جابر رضي الله عنه، أن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبي ترك عليه دينا، وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكي لا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا، ثم آخر، ثم جلس عليه، فقال: «انزعوه» فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم
(يفحش) من الإفحاش وهو تجاوز الحد في الشيء من الكلام أو غيره.
(انزعوه) أخرجوه من البيدر وخذوا منه حقكم
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
حَدِيث جَابِر فِي قِصَّة وَفَاء دَيْن أَبِيهِ , أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَوَاضِع أُخْرَى مُطَوَّلًا.
قَوْله : ( حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا ) هُوَ اِبْن أَبِي زَائِدَة , وَعَامِر هُوَ الشَّعْبِيّ.
قَوْله : ( أَنَّ أَبَاهُ ) هُوَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام بِالْمُهْمَلَتَيْنِ , وَفِي رِوَايَة مُغِيرَة عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْبُيُوع " تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام وَعَلَيْهِ دَيْن " وَفِي رِوَايَة فِرَاس عَنْ الشَّعْبِيّ فِي الْوَصَايَا " أَنَّ أَبَاهُ اُسْتُشْهِدَ يَوْم أُحُد وَتَرَكَ سِتّ بَنَات وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا " وَفِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ عَنْ جَابِر " أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُود , فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِر فَأَبَى أَنْ يُنْظِرهُ , فَكَلَّمَ جَابِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْفَع لَهُ , فَكَلَّمَ الْيَهُودِيّ لِيَأْخُذ ثَمَر نَخْله بِالَّذِي لَهُ فَأَبَى " وَفِي رِوَايَة اِبْن كَعْب بْن مَالِك فِي الِاسْتِقْرَاض وَالْهِبَة عَنْ جَابِر " أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْم أُحُد شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْن , فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاء فِي حُقُوقهمْ , فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمْته , فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْر حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا " وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد مِنْ طَرِيق نُبَيْح الْعَنَزِيّ عَنْ جَابِر قَالَ : " قَالَ لِي أَبِي : يَا جَابِر لَا عَلَيْك أَنْ يَكُون فِي قِطَارِي أَهْل الْمَدِينَة حَتَّى تَعْلَم إِلَى مَا يَصِير أَمْرنَا - فَذَكَرَ قِصَّة قَتْل أَبِيهِ وَدَفْنه قَالَ - وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ دَيْنًا مِنْ التَّمْر , فَاشْتَدَّ عَلَيَّ بَعْض غُرَمَائِهِ فِي التَّقَاضِي , فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت لَهُ وَقُلْت : فَأُحِبّ أَنْ تُعِيننِي عَلَيْهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُنْظِرنِي طَائِفَة مِنْ تَمْره إِلَى هَذَا الصِّرَام الْمُقْبِل , قَالَ : نَعَمْ آتِيك إِنْ شَاءَ اللَّه قَرِيبًا مِنْ نِصْف النَّهَار " فَذَكَرَ الْحَدِيث فِي الضِّيَافَة وَفِيهِ " ثُمَّ قَالَ : اُدْعُ فُلَانًا - لِغَرِيمِي الَّذِي اِشْتَدَّ فِي الطَّلَب - فَجَاءَ فَقَالَ : أَنْظِرْ جَابِرًا طَائِفَة مِنْ دَيْنك الَّذِي عَلَى أَبِيهِ إِلَى الصِّرَام الْمُقْبِل , فَقَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلٍ , وَاعْتَلَّ , وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مَالُ يَتَامَى ".
قَوْله : ( وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَتْرُك مَالًا إِلَّا الْبُسْتَان الْمَذْكُور.
قَوْله : ( وَلَا يَبْلُغ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ سِنِينَ ) أَيْ فِي مُدَّة سِنِينَ ( مَا عَلَيْهِ ) أَيْ مِنْ الدَّيْن.
قَوْله : ( فَانْطَلَقَ مَعِي لِكَيْلَا يَفْحُش عَلَيَّ الْغُرَمَاء فَمَشَى ) فِيهِ حَذْف تَقْدِيره : فَقَالَ نَعَمْ , فَانْطَلَقَ فَوَصَلَ إِلَى الْحَائِط فَمَشَى.
وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ الرِّوَايَات الْأُخْرَى التَّصْرِيح بِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ , فَفِي رِوَايَة مُغِيرَة " فَقَالَ اِذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرك أَصْنَافًا , ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ , فَفَعَلْت , فَجَاءَ فَجَلَسَ عَلَى أَعْلَاهُ " وَفِي رِوَايَة فِرَاس فِي الْبُيُوع " اِذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرك أَصْنَافًا : الْعَجْوَة عَلَى حِدَة , وَعَذْق زَيْد عَلَى حِدَة " وَقَوْله : عَذْق زَيْد بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة , وَزَيْد الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ اِسْم لِشَخْصٍ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ اِبْتَدَأَ غِرَاسه فَنُسِبَ إِلَيْهِ , وَالْعَجْوَة مِنْ أَجْوَد تَمْر الْمَدِينَة.
قَوْله : ( بَيْدِرْ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَكَسْر الْمُهْمَلَة وَهُوَ فِعْل أَمْر , أَيْ اِجْعَلْ التَّمْر فِي الْبَيَادِر كُلّ صِنْف فِي بَيْدَر , وَالْبَيْدَر بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَفَتْح الدَّال الْمُهْمَلَة لِلتَّمْرِ كَالْجُرْنِ لِلْحَبِّ.
قَوْله : ( فَدَعَا ) فِي رِوَايَة اِبْن كَعْب بْن مَالِك " فَغَدَا عَلَيْنَا فَطَافَ فِي النَّخْل وَدَعَا فِي تَمْره بِالْبَرَكَةِ " وَفِي رِوَايَة الدِّيَال بْن حَرْمَلَة عَنْ جَابِر " فَجَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْر وَعُمَر فَاسْتَقْرَأَ النَّخْل , يَقُوم تَحْت كُلّ نَخْلَة لَا أَدْرِي مَا يَقُول , حَتَّى مَرَّ عَلَى آخِرهَا " الْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَد.
قَوْله : ( ثُمَّ آخَر ) أَيْ مَشَى حَوْل بَيْدَر آخَر فَدَعَا , وَفِي رِوَايَة فِرَاس " فَدَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخْل فَمَشَى فِيهَا فَقَالَ أَفْرِغُوهُ " أَيْ أَفْرِغُوهُ مِنْ الْبَيْدَر , وَفِي رِوَايَة مُغِيرَة " ثُمَّ قَالَ : كِلْ لِلْقَوْمِ , فَكِلْتهمْ حَتَّى أَوْفَيْتهمْ " وَفِي رِوَايَة فِرَاس " ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ : جُدَّ فَأَوْفِ الَّذِي لَهُ , فَجَدَّهُ بَعْدَمَا رَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْله : ( فَأَوْفَاهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْل مَا أَعْطَاهُمْ ) فِي رِوَايَة مُغِيرَة " وَبَقِيَ تَمْرِي وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُص مِنْهُ شَيْء " وَفِي رِوَايَة اِبْن كَعْب " وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرهَا بَقِيَّة " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ " فَأَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَة عَشَر وَسْقًا " , وَيُجْمَع بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّد الْغُرَمَاء , فَكَانَ أَصْل الدَّيْن كَانَ مِنْهُ لِيَهُودِيٍّ ثَلَاثُونَ وَسْقًا مِنْ صِنْف وَاحِد فَأَوْفَاهُ وَفَضْل مِنْ ذَلِكَ الْبَيْدَر سَبْعَة عَشْر وَسْقًا , وَكَانَ مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْيَهُودِيّ أَشْيَاء أُخَر مِنْ أَصْنَاف أُخْرَى فَأَوْفَاهُمْ وَفَضَلَ مِنْ الْمَجْمُوع قَدْر الَّذِي أَوْفَاهُ , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة نُبَيْح الْعَنَزِيّ عَنْ جَابِر " فَكِلْت لَهُ مِنْ الْعَجْوَة فَأَوْفَاهُ اللَّه وَفَضَلَ لَنَا مِنْ التَّمْر كَذَا وَكَذَا , وَكِلْت لَهُ مِنْ أَصْنَاف التَّمْر فَأَوْفَاهُ اللَّه وَفَضَلَ لَنَا مِنْ التَّمْر كَذَا وَكَذَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة فِرَاس عَنْ الشَّعْبِيّ مَا قَدْ يُخَالِف ذَلِكَ , فَعَنْهُ " ثُمَّ دَعَوْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّمَا أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَة " أَيْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَيْهِ فِي الْمُطَالَبَة لِعَدَاوَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ حَوْل أَعْظَمهَا بَيْدَرًا ثَلَاث مَرَّات ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اُدْعُهُمْ , فَمَا زَالَ يَكِيل لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّه أَمَانَة وَالِدِي , وَأَنَا رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيهَا اللَّه وَلَا أَرْجِع إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ , فَسَلَّمَ اللَّه الْبَيَادِر كُلّهَا حَتَّى إِنِّي أَنْظُر إِلَى الْبَيْدَر الَّذِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُص مِنْهُ تَمْرَة وَاحِدَة " وَوَجْه الْمُخَالَفَة فِيهِ أَنَّ ظَاهِره أَنَّ الْكَيْل جَمِيعه كَانَ بِحَضْرَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ التَّمْر لَمْ يَنْقُص مِنْهُ شَيْء الْبَتَّة , وَالَّذِي مَضَى ظَاهِره أَنَّ ذَلِكَ بَعْد رُجُوعه وَأَنَّ بَعْض التَّمْر نَقَصَ , وَيُجْمَع بِأَنَّ اِبْتِدَاء الْكَيْل كَانَ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَّته كَانَ بَعْد اِنْصِرَافه , وَكَانَ بَعْض الْبَيَادِر الَّتِي أَوْفَى مِنْهَا بَعْض أَصْحَاب الدَّيْن حَيْثُ كَانَ بِحَضْرَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْقُص مِنْهُ شَيْء الْبَتَّة , وَلَمَّا اِنْصَرَفَ بَقِيَتْ آثَار بَرَكَته فَلِذَلِكَ أَوْفَى مِنْ أَحَد الْبَيَادِر ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَ سَبْعَة عَشَر.
وَفِي رِوَايَة نُبَيْح مَا يُؤَيِّد ذَلِكَ , فَفِي رِوَايَته قَالَ : " كِلْ لَهُ فَإِنَّ اللَّه سَوْفَ يُوَفِّيه " وَفِي حَدِيثه " فَإِذَا الشَّمْس قَدْ دَلَكَتْ فَقَالَ : الصَّلَاة يَا أَبَا بَكْر , فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَسْجِد فَقُلْت لَهُ - أَيْ لِلْغَرِيمِ - قَرِّبْ أَوْعِيَتك " وَفِيهِ " فَجِئْت أَسْعَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي شَرَارَة , فَوَجَدْته قَدْ صَلَّى , فَأَخْبَرْته فَقَالَ : أَيْنَ عُمَر ؟ فَجَاءَ يُهَرْوِل.
فَقَالَ : سَلْ جَابِرًا عَنْ تَمْره وَغَرِيمه , فَقَالَ : مَا أَنَا بِسَائِلِهِ , قَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّه سَيُوَفِّيهِ " الْحَدِيث.
وَقِصَّة عُمَر قَدْ وَقَعَتْ فِي رِوَايَة اِبْن كَعْب فَفِيهَا " ثُمَّ جِئْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعُمَر : اِسْمَعْ يَا عُمَر , قَالَ : أَلَّا نَكُون قَدْ عَلِمْنَا أَنَّك رَسُول اللَّه ؟ وَاَللَّه إِنَّك لَرَسُول اللَّه " وَفِي رِوَايَة وَهْب " فَقَالَ عُمَر : لَقَدْ عَلِمْت حِين مَشَى فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُبَارِكَنَّ اللَّه فِيهَا " وَقَوْله فِي رِوَايَة اِبْن كَعْب " أَلَّا نَكُون " بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَشْدِيد اللَّام فِي الرِّوَايَات كُلّهَا , وَأَصْلهَا أَنْ الْخَفِيفَة ضُمَّتْ إِلَيْهَا لَا النَّافِيَة , أَيْ هَذَا السُّؤَال إِنَّمَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْلَم أَنَّك رَسُول اللَّه فَلِذَلِكَ يَشُكّ فِي الْخَبَر فَيَحْتَاج إِلَى الِاسْتِدْلَال , وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّك رَسُول اللَّه فَلَا يَحْتَاج إِلَى ذَلِكَ.
وَزَعَمَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الرِّوَايَة فِيهِ بِتَخْفِيفِ اللَّام وَأَنَّ الْهَمْزَة فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيّ فَأَنْكَرَ عُمَر عَدَم عِلْمه بِالرِّسَالَةِ فَأَنْتَجَ إِنْكَاره ثُبُوت عِلْمه بِهَا , وَهُوَ كَلَام مُوَجَّه , إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ بِالتَّشْدِيدِ , وَكَذَلِكَ ضَبَطَهَا عِيَاض وَغَيْره , وَقِيلَ : النُّكْتَة فِي اِخْتِصَاص عُمَر بِأَعْلَامِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُعْتَنِيًا بِقِصَّةِ جَابِر مُهْتَمًّا بِشَأْنِهِ مُسَاعِدًا لَهُ عَلَى وَفَاء دَيْن أَبِيهِ.
وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَشَى فِي النَّخْل وَتَحَقَّقَ أَنَّ التَّمْر الَّذِي فِيهِ لَا يَفِي بِبَعْضِ الدَّيْن , فَأَرَادَ إِعْلَامه بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ شَاهَدَ أَوَّل الْأَمْر , بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُشَاهِد.
ثُمَّ وَجَدْت ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَعْض طُرُقه , فَفِي رِوَايَة أَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْ جَابِر عِنْد أَبِي نُعَيْم فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَر فَقَالَ : اِنْطَلِقْ بِنَا حَتَّى نَطُوف بِنَخْلِك هَذَا " فَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة أَبِي نَضْرَة عَنْ جَابِر عِنْده فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَالَ : " فَأَتَاهُ هُوَ وَعُمَر فَقَالَ : يَا فُلَان خُذْ مِنْ جَابِر وَأَخِّرْ عَنْهُ فَأَبَى , فَكَادَ عُمَر يَبْطِش بِهِ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْ يَا عُمَر , هُوَ حَقّه.
ثُمَّ قَالَ : اِذْهَبْ بِنَا إِلَى نَخْلك " الْحَدِيث وَفِيهِ " فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ : اِئْتِنِي بِعُمَر , فَأَتَيْته فَقَالَ : يَا عُمَر سَلْ جَابِرًا عَنْ نَخْله " فَذَكَرَ الْقِصَّة.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الدِّيَال بْن حَرْمَلَة أَنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَر جَمِيعًا كَانَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي آخِره " قَالَ فَانْطَلَقَ فَأَخْبِرْ أَبَا بَكْر وَعُمَر , قَالَ فَانْطَلَقْت فَأَخْبَرْتهمَا " الْحَدِيث , وَنَحْوه فِي رِوَايَة وَهْب بْن كَيْسَانَ عَنْ جَابِر , وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْن مُخْتَلِف الرِّوَايَات فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْيَهُودِيّ الْمَذْكُور كَانَ لَهُ دَيْن مِنْ تَمْر , وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاء دُيُون أُخْرَى , فَلَمَّا حَضَرَ الْغُرَمَاء وَطَالَبُوا بِحُقُوقِهِمْ وَكَالَ لَهُمْ جَابِر التَّمْر فَفَضَلَ تَمْر الْحَائِط كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُص شَيْء فَجَاءَ الْيَهُودِيّ بَعْدهمْ فَطَالَبَ بِدَيْنِهِ فَجَدَّ لَهُ جَابِر مَا بَقِيَ عَلَى النَّخَلَات فَأَوْفَاهُ حَقّه مِنْهُ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَسْقًا , وَفَضَلَتْ مِنْهُ سَبْعَة عَشَر , اِنْتَهَى.
وَهَذَا الْجَمْع يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَفْضُل مِنْ الَّذِي فِي الْبَيَادِر شَيْء وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة أَنَّهَا فَضَلَتْ كُلّهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُص مِنْهَا شَيْء , فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الطَّرِيق الَّتِي جَمَعْت بِهِ أَوْلَى , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز الِاسْتِنْظَار فِي الدَّيْن الْحَالّ , وَجَوَاز تَأْخِير الْغَرِيم لِمَصْلَحَةِ الْمَال الَّذِي يُوَفَّى مِنْهُ , وَفِيهِ مَشْي الْإِمَام فِي حَوَائِج رَعِيَّته , وَشَفَاعَته عِنْد بَعْضهمْ فِي بَعْض.
وَفِيهِ عَلَم ظَاهِر مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِتَكْثِيرِ الْقَلِيل إِلَى أَنْ حَصَلَ بِهِ وَفَاء الْكَثِير وَفَضَلَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا ثَمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ انْزِعُوهُ فَأَوْفَاهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ
عن عبد الرحمن بن أبي بكر، رضي الله عنهما أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث،...
عن أنس رضي الله عنه، قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يخطب يوم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت الكراع...
عن ابن عمر رضي الله عنهما، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه " وقال عبد الحميد: أخبر...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، أ...
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: «كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له الم...
عن حذيفة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين، حمر الوجو...
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا، وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين...
عن قيس، قال: أتينا أبا هريرة رضي الله عنه، فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، سمعته يقول...