4194-
عن سلمة بن الأكوع يقول: «خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: من أخذها؟ قال: غطفان، قال: فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاه، قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول:
أنا ابن الأكوع .
اليوم يوم الرضع
وأرتجز، حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة.
قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس، فقلت: يا نبي الله، قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: يا ابن الأكوع ملكت، فأسجح.
قال: ثم رجعنا ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة.»
(بالأولى) أي بصلاة الصبح.
(بذي قرد) اسم مكان فيه ماء، على مسيرة ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر على طريق الشام، وكانت هذه الغزوة في ربيع الأول سنة ست للهجرة.
القرد في اللغة الصوف الرديء، وما تساقط من الوبر والصوف.
(أرتجز) أقول شعرا من بحر الرجز.
(استلبت) أخذت قهرا عنهم.
(بردة) كساء مخطط يلتحف به.
(حميت القوم الماء) منعتهم من الشرب.
فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
قَوْله : ( حَدَّثَنَا حَاتِم ) هُوَ اِبْن إِسْمَاعِيل وَيَزِيد بْن أَبِي عُبَيْدَة هُوَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْن الْأَكْوَع , وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث عَالِيًا فِي الْجِهَاد عَنْ مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم عَنْ يَزِيد وَهُوَ أَحَدُ ثُلَاثِيَّاتِهِ.
قَوْله : ( خَرَجْت قَبْل أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى ) يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ , وَيَدُلّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مُسْلِم أَنَّهُ تَبِعَهُمْ مِنْ الْغَلَسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ , وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ " خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ ".
قَوْله : ( وَكَانَتْ لِقَاح رَسُول اللَّه تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ ) اللِّقَاحُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ ثُمَّ مُهْمَلَة.
ذَوَاتُ الدَّرِّ مِنْ الْإِبِلِ وَاحِدُهَا لِقْحَةٌ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا , وَاللَّقُوحُ الْحَلُوبُ.
وَذَكَرَ اِبْن سَعْد أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ لِقْحَة , قَالَ.
وَكَانَ فِيهِمْ اِبْن أَبِي ذَرٍّ وَامْرَأَتُهُ فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ.
قَوْله : ( فَلَقِيَنِي غُلَام لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن عَوْف ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمِهِ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ رَبَاحُ غُلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ , وَكَأَنَّهُ كَانَ مِلْك أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَخْدُمُ الْآخَرَ فَنُسِبَ تَارَة إِلَى هَذَا وَتَارَة إِلَى هَذَا.
قَوْله : ( غَطَفَانَ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ , تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِهِمْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ , وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ " غَطَفَانَ وَفَزَارَة " وَهُوَ مِنْ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِأَنَّ فَزَارَةَ مِنْ غَطَفَانَ , وَعِنْد مُسْلِم " قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ , فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِهِ وَأَنَا مَعَهُ , وَخَرَجْت بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أَنْدُبُهُ , فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عَبْد الرَّحْمَن الْفَزَارِيُّ " وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ سَعْدٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " عَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَةَ بْن حِصْن الْفَزَارِيُّ وَقَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَهُ أَجْمَع وَقَتَلَ رَاعِيه , قَالَ فَقُلْت : يَا رَبَاح خُذْ هَذَا الْفَرَسَ وَأَبْلِغْهُ طَلْحَة وَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَلَمَةَ " خَرَجْت بِقَوْسِي وَنَبْلِي وَكُنْت أَرْمِي الصَّيْدَ , فَإِذَا عُيَيْنَةُ بْن حِصْن قَدْ أَغَارَ عَلَى لِقَاح رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَهَا " وَلَا مُنَافٍ , فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عُيَيْنَةَ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَةَ كَانَ فِي الْقَوْمِ.
وَذَكَرَ مُوسَى بْن عُقْبَة وَابْن إِسْحَاق أَنَّ مُسْعَدَة الْفَزَارِيَّ كَانَ أَيْضًا رَئِيسًا فِي فَزَارَةَ فِي هَذِهِ الْغُزَاةِ.
قَوْله : ( فَصَرَخْت ثَلَاثَةَ صَرَخَاتٍ ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيّ " بِثَلَاثِ " بِزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَة وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ.
قَوْله : ( فَأَسْمَعْت مَا بَيْن لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِع الصَّوْت جِدًّا , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ خَوَارِق الْعَادَاتِ.
وَلِمُسْلِمٍ " فَعَلَوْت أَكْمَةً فَاسْتَقْبَلْت الْمَدِينَةَ فَنَادَيْت ثَلَاثًا " وَلِلطَّبَرَانِيِّ " فَصَعِدْت فِي سَلَعٍ ثُمَّ صِحْت : يَا صَبَاحَاهُ , فَانْتَهَى صِيَاحِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنُودِيَ فِي النَّاسِ الْفَزَعَ الْفَزَع " وَهُوَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بِمَعْنَاهُ.
قَوْله : ( يَا صَبَاحَاهُ ) هِيَ كَلِمَة تُقَال عِنْد اِسْتِنْفَارِ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ عَدُوِّهِ.
قَوْله : ( ثُمَّ اِنْدَفَعْت عَلَى وَجْهِي ) أَيْ لَمْ أَلْتَفِت يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلْ أَسْرَعْت الْجَرْيَ , وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدْوِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ.
قَوْله : ( حَتَّى أَدْرَكْتهمْ ) فِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ " حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا " يَعْنِي اللِّقَاحَ ذَكَرَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مُبَالَغَة فِي اِسْتِحْضَارِ الْحَالِ.
قَوْله : ( فَأَقْبَلْت أَرْمِيَهُمْ ) أَيْ أَقْبَلْت عَلَيْهِمْ أَرْمِيهمْ أَيْ بِالسِّهَامِ.
قَوْله : ( وَأَقُول : أَنَا اِبْن الْأَكْوَعِ , وَالْيَوْم يَوْم الرُّضَّعِ ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ رَاضِعٍ وَهُوَ اللَّئِيمُ , فَمَعْنَاهُ الْيَوْمَ يَوْمَ اللِّئَامِ أَيْ الْيَوْم يَوْم هَلَاك اللِّئَام , وَالْأَصْل فِيهِ أَنَّ شَخْصًا كَانَ شَدِيد الْبُخْل , فَكَانَ إِذَا أَرَادَ حَلْبَ نَاقَتِهِ اِرْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِئَلَّا يَحْلُبُهَا فَيَسْمَعُ جِيرَانُهُ أَوْ مَنْ يَمُرُّ بِهِ صَوْتَ الْحَلْبِ فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ اللَّبَنَ , وَقِيلَ : بَلْ صَنَعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَبَدَّدَ مِنْ اللَّبَنِ شَيْءٌ إِذَا حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يَبْقَى فِي الْإِنَاءِ شَيْءٌ إِذَا شَرِبَهُ مِنْهُ , فَقَالُوا فِي الْمَثَلِ " أَلْأَمُ مِنْ رَاضِعٍ " وَقِيلَ : بَلْ مَعْنَى الْمَثَلِ اِرْتَضَعَ اللُّؤْمَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ , وَقِيلَ : كُلّ مَنْ كَانَ يُوصَف وَبِاللُّؤْمِ يُوصَف بِالْمَصِّ وَالرَّضَاع , وَقِيلَ : الْمُرَادُ مَنْ يَمُصُّ طَرَف الْخِلَالِ إِذَا خَلّ أَسْنَانه , وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شِدَّة الْحِرْص.
وَقِيلَ : هُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ مِحْلَبًا , فَإِذَا جَاءَهُ الضَّيْفُ اِعْتَذَرَ بِأَنْ لَا مِحْلَبَ مِنْهُ , وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ اِرْتَضَعَ ثَدْيَهَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ : هُوَ الَّذِي يَرْتَضِعُ الشَّاةَ أَوْ النَّاقَةَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَلْبِ مِنْ شِدَّةِ الشَّرَهِ.
وَقِيلَ : أَصْلُهُ الشَّاة تَرْضَعُ لَبَنَ شَاتَيْنِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنْ اِرْتَضَعَ كَرِيمَةً فَأَنْجَبْته وَلَئِيمَةٍ فَهَجَّنَتْهُ.
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَف مَنْ أَرْضَعَتْهُ الْحَرْبُ مِنْ صِغَرِهِ وَتَدَرَّبَ بِهَا مِنْ غَيْره.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : مَعْنَاهُ هَذَا يَوْم شَدِيد عَلَيْكُمْ تُفَارِق فِيهِ الْمُرْضِعَةُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَا تَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ : قَوْله الْيَوْم يَوْم الرُّضَّع يَجُوز الرَّفْعُ فِيهِمَا وَنَصْب الْأَوَّل وَرَفْع الثَّانِي عَلَى جَعْلِ الْأَوَّل ظَرْفًا قَالَ : وَهُوَ جَائِز إِذَا كَانَ الظَّرْف وَاسِعًا وَلَا يُضَيِّق عَلَى الثَّانِي.
قَالَ : وَقَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال فِي اللُّؤْمِ رَضَعَ بِالْفَتْحِ يُرْضِعُ بِالضَّمِّ رَضَاعَة لَا غَيْر , وَرَضِعَ الصَّبِيّ بِالْكَسْرِ ثَدْيَ أُمِّهِ يَرْضَعُ بِالْفَتْحِ رَضَاعًا مِثْل سَمِعَ يَسْمَع سَمَاعًا.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْمَوْضِع " فَأَقْبَلْت أَرْمِيَهُمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ " وَفِيهِ " فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي رِجْلِهِ فَخَلَصَ السَّهْمُ إِلَى كَعْبِهِ , فَمَا زِلْت أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُهُمْ , فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْت شَجَرَة فَجَلَسْت فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْته فَعَقَرْت بِهِ , فَإِذَا تَضَايَقَ الْخَيْلُ فَدَخَلُوا فِي مُضَايَقَةٍ عَلَوْت الْجَبَلَ فَرَمَيْتهمْ بِالْحِجَارَةِ " وَعِنْد اِبْن إِسْحَاق " وَكَانَ سَلَمَةَ مِثْل الْأَسَد , فَإِذَا حَمَلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ ثُمَّ عَارَضَهُمْ فَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ ".
قَوْله : ( اِسْتَنْقَذْت اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْت مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِم " فَمَا زِلْت كَذَلِكَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعِيرٍ إِلَّا خَلَفْته وَرَاءَ ظَهْرِي , ثُمَّ اِتَّبَعْتهمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَتَخَفَّفُونَ بِهَا , قَالَ فَأَتَوْا مَضِيقًا فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ فَجَلَسُوا يَتَغَدَّوْنَ فَجَلَسْت عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ , فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبُرْجَ , قَالَ فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ , فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فَتَهَدَّدَهُمْ فَرَجَعُوا , قَالَ : فَمَا بَرَحْت مَكَانِي حَتَّى رَأَيْت فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُهُمْ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ , فَقُلْت لَهُ اُحْذُوهُمْ , فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عُيَيْنَةَ فَقَتَلَهُ عَبْد الرَّحْمَن وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ , فَلَحِقَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَتَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ , قَالَ وَاتَّبَعْتهمْ عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا , فَعَدَلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذِي قَرَدٍ فَشَرِبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ , قَالَ فَجَلَاهُمْ عَنْهُ حَتَّى طَرَدَهُمْ , وَتَرَكُوا فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ فَحُثْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق نَحْو هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَالَ " إِنَّ الْأَخْرَمَ لَقَبٌ , وَاسْمُهُ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ " لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ " حَبِيب بْن عُيَيْنَةَ بْن حِصْن " بَدَل عَبْد الرَّحْمَن , فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون كَانَ لَهُ اِسْمَانِ.
قَوْله : ( وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاس ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِم " وَأَتَانِي عَمِّي عَامِر بْن الْأَكْوَع بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاء وَسَطِيحَة فِيهَا لَبَن , فَتَوَضَّأْت وَشَرِبْت " ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي أَجْلَيْتهمْ عَنْهُ , فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ اِسْتَنْقَذْته مِنْهُمْ , وَنَحَرَ لَهُ بِلَالُ نَاقَتَهُ.
قَوْله : ( قَدْ حَمَيْت الْقَوْم الْمَاء ) أَيْ مَنَعْتهمْ مِنْ الشُّرْبِ.
قَوْله : ( فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ السَّاعَة ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه خَلِّنِي أَنْتَخِبُ مِنْ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُهُمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِر , قَالَ فَضَحِكَ " وَعِنْد اِبْن إِسْحَاق " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه لَوْ سَرَّحْتنِي فِي مِائَة رَجُل لَأَخَذْت بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ ".
قَوْله : ( فَقَالَ يَا اِبْن الْأَكْوَعِ مَلَكْت فَأَسْجِحْ ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ , أَيْ سَهِّل.
وَالْمَعْنَى قَدَرْت فَاعْفُ.
وَالسَّجَاحَةُ السُّهُولَةُ.
زَادَ مَكِّيّ فِي رِوَايَته " أَنَّ الْقَوْم لَيُقْرَونَ فِي قَوْمِهِمْ " وَعِنْد الْكُشْمِيهَنِيّ " مِنْ قَوْمهمْ " وَلِمُسْلِمٍ " أَنَّهُمْ لَيُقْرَونَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ " وَيُقْرَونَ بِضَمِّ أَوَّله وَسُكُون الْقَاف وَفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو مِنْ الْقُرَى وَهِيَ الضِّيَافَة , وَلِابْنِ إِسْحَاق " فَقَالَ إِنَّهُمْ الْآنَ لِيَغْبِقُونِ فِي غَطَفَانَ " وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ , مِنْ الْغَبُوقِ وَهُوَ شُرْبُ أَوَّلِ اللَّيْلِ , وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ فَاتُوا وَأَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَهُمْ الْآنَ يَذْبَحُونَ لَهُمْ وَيُطْعِمُونَهُمْ.
وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ " قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ جَزُورًا , فَلَمَّا كَشَطُوا جِلْدَهَا إِذَا هُمْ بِغَبَرَةٍ , فَقَالُوا : أَتَاكُمْ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ ".
قَوْله : ( ثُمَّ رَجَعْنَا ) إِلَى الْمَدِينَةِ ( وَيُرْدِفُنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ " وَذَكَرَ قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي سَابَقَهُ فَسَبَقَهُ سَلَمَة , قَالَ : " فَسَبَقْت إِلَى الْمَدِينَةِ , فَوَاَللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ - وَفِيهِ - فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَيْر فُرْسَانِنَا الْيَوْم أَبُو قَتَادَةَ , وَخَيْر رِجَالَتِنَا الْيَوْم سَلَمَة.
قَالَ سَلَمَة ثُمَّ أَعْطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا " وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي " الْإِكْلِيلِ " وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْن قَتَادَةَ بْن عَبْد اللَّه بْن عِكْرِمَة بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَةَ , أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اِشْتَرَى فَرَسَهُ , فَلَقِيَهُ مُسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ فَتَقَاوَلَا فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْقِينَك وَأَنَا عَلَيْهَا , قَالَ : آمِينَ.
قَالَ : فَبَيْنَمَا هُوَ يَعْلِفُهَا إِذْ قِيلَ : أُخِذَتْ اللِّقَاحُ , فَرَكِبَهَا حَتَّى هَجَمَ عَلَى الْعَسْكَرِ , قَالَ فَطَلَعَ عَلَى فَارِسٍ فَقَالَ : لَقَدْ أَلْقَانِيكَ اللَّهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ , فَذَكَرَ مُصَارَعَتَهُ لَهُ وَظُفْرَهُ بِهِ وَقَتَلَهُ وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ لَمْ يَنْشَب الْمُسْلِمُونَ أَنْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبُو قَتَادَةَ سَيِّد الْفُرْسَان ".
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْعَدْوِ الشَّدِيدِ فِي الْغَزْوِ , وَالْإِنْذَارُ بِالصِّيَاحِ الْعَالِي , وَتَعْرِيفُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ إِذَا كَانَ شُجَاعًا لِيُرْعِبَ خَصْمَهُ , وَاسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الشُّجَاعِ وَمَنْ فِيهِ فَضِيلَةٌ لَا سِيَّمَا عِنْد الصُّنْعِ الْجَمِيلِ لِيَسْتَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ يُؤْمَنُ الِافْتِتَان , وَفِيهِ الْمُسَابَقَة عَلَى الْإِقْدَامِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ , وَأَمَّا بِالْعِوَضِ فَالصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ يَقُولُ خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدَ قَالَ فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ قَالَ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ قَالَ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنْ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعْ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً قَالَ وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ السَّاعَةَ فَقَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ قَالَ ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ
عن بشير بن يسار: أن سويد بن النعمان أخبره: «أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء، وهي من أدنى خيبر، صلى العصر، ثم دعا...
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟...
عن أنس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا: وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكا...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «صبحنا خيبر بكرة، فخرج أهلها بالمساحي، فلما بصروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والله، محمد والخميس فقال الن...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثانية، فقال: أكلت الحمر، فسكت، ثم أتاه الثال...
عن أنس رضي الله عنه قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبا من خيبر بغلس، ثم قال: الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المن...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: «سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية، فأعتقها وتزوجها.<br> فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها، فأعتقها.»
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره وما...
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «شهدنا خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار.<br> فلما حضر القتال قاتل ال...